القاضية عون تعمّق الشرخ بين «المستقبل» و«الوطني الحر»

«التفتيش القضائي» يضع يده على الملف هذا الأسبوع

القاضية غادة عون (الوكالة المركزية)
القاضية غادة عون (الوكالة المركزية)
TT
20

القاضية عون تعمّق الشرخ بين «المستقبل» و«الوطني الحر»

القاضية غادة عون (الوكالة المركزية)
القاضية غادة عون (الوكالة المركزية)

عمّق اقتحام مدعي عام جبل لبنان القاضية غادة عون لمكتب للصيرفة، أول من أمس، الشرخ السياسي بين «تيار المستقبل» و«التيار الوطني الحر»، بالنظر إلى أن الأول يعتبر أن القاضية تستحوذ على صلاحيات ليست لها، فيما يُعدّ التيار داعماً لها، وهو ما أنتج سجالات وردوداً تُظهِر أن العمل القضائي في لبنان ليس معزولاً عن التدخلات السياسية.
واقتحمت القاضية عون، القريبة من «التيار الوطني الحر»، يوم الجمعة، أحد «مكاتب نقل الأموال» في «قضية مكتف» التي كف مدعي عام التمييز القاضي غسان عويدات يدها عنها، لكنها أصرت على متابعة القضية، وعادت يوم السبت مرة أخرى إلى المكان، وهو ما أثار أزمة سياسية في البلاد، وانقساماً بات «المستقبل» و«الوطني الحر» طرفين فيه، فيما يرى آخرون أن القاضية عون تمردت على قرارات قضائية، وتعدّت على صلاحيات ليست لها.
وبات الملف بعهدة التفتيش القضائي، وقال مصدر قضائي لـ«الشرق الأوسط» إن ما سيحمله الأسبوع المقبل، هو تولي «التفتيش القضائي» معالجة هذا الملف، وسيضع يده عليه، مشدداً على أن ذلك «هو المسار المؤسساتي الطبيعي الذي ستسلكه القضية». وشدد المصدر على أن رئيس التفتيش القضائي (يرأسه الآن القاضي بركان سعد) هو محصن بحكم القانون، ولا يستطيع مجلس الوزراء إقالته، وذلك لضمانة الحيادية والاستقلالية عن السلطة السياسية، وهو ما يساهم في معالجة أي ملف قضائي بالقانون وبنزاهة وباستقلالية تامة.
وفيما يسلك النزاع مساراً قضائياً، اقتحمت الخلافات السياسية الملف، وانخرط فيه مؤيدون لما قامت به القاضية عون ومعارضون لذلك. لكن «المستقبل» حمل الملف على محمل قانونيّ، إذ لمح أمس إلى قضية «صلاحيات». واعتبرت كتلة «المستقبل»، في بيان، أن «المشهد الهزلي الذي تدور أحداثه على خشبة مسرح قضائي، وتابعه الشعب يومين، هو علامة من علامات محاولات استكمال الانقلاب على الدستور والنظام الديمقراطي، عبر تعطيل المؤسسات ومحاولة نسخ نظام الجماهيرية الذي نتذكره كيف كان يحكم بذلك الاتزان العقلي المشهور».
وحذرت الكتلة «من ازدراء المؤسسات الدستورية ومن عمليات تحريض بعض القضاة على اغتصاب صلاحيات ليست لهم، والتمرد على قرارات مجلس القضاء الأعلى ورئيسه والنيابة العامة التمييزية والتفتيش القضائي، عدا عن تحريض بعض القضاة أيضاً على الاستنكاف عن المثول أمام المراجع القضائية المختصة، ورفض تبلغ الطلبات القانونية والقرارات القضائية، مما يؤدي إلى انتهاك القوانين والأنظمة وفقدان الشعب ثقته بقضائه».
واستغربت كتلة «المستقبل» كلاماً أصدرته وزيرة العدل في حكومة تصريف الأعمال، «ساوت فيه بين المرجعية القضائية الرصينة وقاض بات ينطبق عليه وصف الفار من وجه العدالة». وأكدت كتلة المستقبل أنه «لن تقوم جمهورية باختزال المؤسسات بغرفة أوضاع تمادت في استباحتها للدستور والقوانين، ولا يتصور أحد أن رئيس الجمهورية يمكن أن يكون حكماً للبلاد بإلغاء السلطات الأخرى وانتهاج أسلوب التعطيل المزمن لعرقلة تشكيل الحكومة والتشكيلات القضائية وحشر لبنان في محور أدى به إلى الفقر والحصار والانهيار المالي والاقتصادي وفقدان الاحترام لدى الدول الشقيقة والصديقة».
معالم الانقسام السياسي تنسحب على الفريق القريب من «التيار الوطني الحر»، إذ اعتبرت وزيرة شؤون المهجرين في حكومة تصريف الأعمال الدكتورة غادة شريم، أن «القضاء يعاني تدخلات سياسية وطائفية وحسابات ضيقة، وفي كل مرة يحاول فيها أي شخص الاقتراب من ملف مالي تقوم القيامة». وقالت في حديث إذاعي إنه «على القضاء أن ينفض عن نفسه الغبار الطائفي والسياسي والزبائنية والمحسوبيات، من هنا أتت صرخة وزيرة العدل التي سلمت ملف القاضية غادة عون بأكمله إلى التفتيش القضائي».
هذا التباين السياسي أظهر حجم التدخل السياسي في الأمور بالمتصلة بالسلطة القضائية، وهي سلطة يُفترض أنها مستقلة. وقال مصدر قضائي لـ«الشرق الأوسط» إن ما جرى من تصاريح سياسية تظهر الانقسام «ينعكس سلباً على صورة القضاء الذي يفترض أنه الملاذ والحكم بين اللبنانيين»، لافتاً إلى أن «هناك قوانين ناظمة ترعى الملفات القضائية، ومن ضمنها الأزمة الأخيرة وهي مشكلة قضائية تعالج في القضاء، ويفترض أن تنتهي على هذا المسار من غير تشويش سياسي».
وكانت خريطة طريق وُضعت لمعالجة الأزمة ضمن المؤسسة القضائية في اجتماع وزيرة العدل ماري كلود نجم، مع رئيس مجلس القضاء الأعلى القاضي سهيل عبود، والنائب العام التمييزي القاضي غسان عويدات، ورئيس هيئة التفتيش القضائي القاضي بركان سعد، أول من أمس.



تجدد القتال في «سول»... هل يفاقم الصراع بين «أرض الصومال» و«بونتلاند»؟

رئيس أرض الصومال المُنتخب عبد الرحمن محمد عبد الله عرو (وكالة الأنباء الصومالية)
رئيس أرض الصومال المُنتخب عبد الرحمن محمد عبد الله عرو (وكالة الأنباء الصومالية)
TT
20

تجدد القتال في «سول»... هل يفاقم الصراع بين «أرض الصومال» و«بونتلاند»؟

رئيس أرض الصومال المُنتخب عبد الرحمن محمد عبد الله عرو (وكالة الأنباء الصومالية)
رئيس أرض الصومال المُنتخب عبد الرحمن محمد عبد الله عرو (وكالة الأنباء الصومالية)

تجدد القتال في «إقليم سول» يُحيي نزاعاً يعود عمره لأكثر من عقدين بين إقليمي «أرض الصومال» الانفصالي و«بونتلاند»، وسط مخاوف من تفاقم الصراع بين الجانبين؛ ما يزيد من تعقيدات منطقة القرن الأفريقي.

وبادر رئيس أرض الصومال، عبد الرحمن عرو، بالتعهد بـ«الدفاع عن الإقليم بيد ويد أخرى تحمل السلام»، وهو ما يراه خبراء في الشأن الأفريقي، لن يحمل فرصاً قريبة لإنهاء الأزمة، وسط توقعات بتفاقم النزاع، خصوصاً مع عدم وجود «نية حسنة»، وتشكك الأطراف في بعضها، وإصرار كل طرف على أحقيته بالسيطرة على الإقليم.

وأدان «عرو» القتال الذي اندلع، يوم الجمعة الماضي، بين قوات إدارتي أرض الصومال وإدارة خاتمة في منطقة بوقداركاين بإقليم سول، قائلاً: «نأسف للهجوم العدواني على منطقة سلمية، وسنعمل على الدفاع عن أرض الصومال بيد، بينما نسعى لتحقيق السلام بيد أخرى»، حسبما أورده موقع الصومال الجديد الإخباري، الأحد.

وجاءت تصريحات «عرو» بعد «معارك عنيفة تجددت بين الجانبين اللذين لهما تاريخ طويل من الصراع في المنطقة، حيث تبادلا الاتهامات حول الجهة التي بدأت القتال»، وفق المصدر نفسه.

ويعيد القتال الحالي سنوات طويلة من النزاع، آخرها في فبراير (شباط) 2023، عقب اندلاع قتال عنيف بين قوات إدارتي أرض الصومال وخاتمة في منطقة «بسيق»، وفي سبتمبر (أيلول) من العام نفسه، نشرت إدارة أرض الصومال مزيداً من قواتها على خط المواجهة الشرقي لإقليم سول، بعد توتر بين قوات ولايتي بونتلاند وأرض الصومال في «سول» في أغسطس (آب) 2022.

كما أودت اشتباكات في عام 2018 في الإقليم نفسه، بحياة عشرات الضحايا والمصابين والمشردين، قبل أن يتوصل المتنازعان لاتفاق أواخر العام لوقف إطلاق النار، وسط تأكيد ولاية بونتلاند على عزمها استعادة أراضيها التي تحتلها أرض الصومال بالإقليم.

ويوضح المحلل السياسي الصومالي، عبد الولي جامع بري، أن «النزاع في إقليم سول بين أرض الصومال وبونتلاند يعود إلى عام 2002، مع تصاعد الاشتباكات في 2007 عندما سيطرت أرض الصومال على لاسعانود (عاصمة الإقليم)»، لافتاً إلى أنه «في فبراير (شباط) 2023، تفاقم القتال بعد رفض زعماء العشائر المحلية حكم أرض الصومال، وسعيهم للانضمام إلى الحكومة الفيدرالية الصومالية؛ ما أدى إلى مئات القتلى، ونزوح أكثر من 185 ألف شخص».

ويرى الأكاديمي المختص في منطقة القرن الأفريقي، الدكتور علي محمود كلني، أن «الحرب المتجددة في منطقة سول والمناطق المحيطة بها هي جزء من الصراعات الصومالية، خصوصاً الصراع بين شعب إدارة خاتمة الجديدة، وإدارة أرض الصومال، ولا يوجد حتى الآن حل لسبب الصراع في المقام الأول»، لافتاً إلى أن «الكثير من الدماء والعنف السيئ الذي مارسه أهل خاتمة ضد إدارة هرجيسا وجميع الأشخاص الذين ينحدرون منها لا يزال عائقاً أمام الحل».

ولم تكن دعوة «عرو» للسلام هي الأولى؛ إذ كانت خياراً له منذ ترشحه قبل شهور للرئاسة، وقال في تصريحات نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي إن «سكان أرض الصومال وإقليم سول إخوة، ويجب حل الخلافات القائمة على مائدة المفاوضات».

وسبق أن دعا شركاء الصومال الدوليون عقب تصعيد 2023، جميع الأطراف لاتفاق لوقف فوري وغير مشروط لإطلاق النار، ووقتها أكد رئيس أرض الصومال الأسبق، موسى بيحي عبدي، أن جيشه لن يغادر إقليم سول، مؤكداً أن إدارته مستعدة للتعامل مع أي موقف بطريقة أخوية لاستعادة السلام في المنطقة.

كما أطلقت إدارة خاتمة التي تشكلت في عام 2012، دعوة في 2016، إلى تسوية الخلافات القائمة في إقليم سول، وسط اتهامات متواصلة من بونتلاند لأرض الصومال بتأجيج الصراعات في إقليم سول.

ويرى بري أن «التصعيد الحالي يزيد من التوترات في المنطقة رغم جهود الوساطة من إثيوبيا وقطر وتركيا ودول غربية»، لافتاً إلى أن «زعماء العشائر يتعهدون عادة بالدفاع عن الإقليم مع التمسك بالسلام، لكن نجاح المفاوضات يعتمد على استعداد الأطراف للحوار، والتوصل إلى حلول توافقية».

وباعتقاد كلني، فإنه «إذا اشتدت هذه المواجهات ولم يتم التوصل إلى حل فوري، فمن الممكن أن يؤدي ذلك إلى حدوث اشتباك بين قوات إدارتي أرض الصومال وبونتلاند، الذين يشككون بالفعل في بعضهم البعض، ولديهم العديد من الاتهامات المتبادلة، وسيشتد الصراع بين الجانبين في منطقة سناغ التي تحكمها الإدارتان، حيث يوجد العديد من القبائل المنحدرين من كلا الجانبين».

ويستدرك: «لكن قد يكون من الممكن الذهاب إلى جانب السلام والمحادثات المفتوحة، مع تقديم رئيس أرض الصومال عدداً من المناشدات من أجل إنهاء الأزمة»، لافتاً إلى أن تلك الدعوة تواجَه بتشكيك حالياً من الجانب الآخر، ولكن لا بديل عنها.