سياسيون يخشون هيمنة تركيا على ليبيا من «بوابة الاقتصاد»

الدبيبة خلال مؤتمر صحافي بطرابلس في 25 فبراير الماضي (رويترز)
الدبيبة خلال مؤتمر صحافي بطرابلس في 25 فبراير الماضي (رويترز)
TT

سياسيون يخشون هيمنة تركيا على ليبيا من «بوابة الاقتصاد»

الدبيبة خلال مؤتمر صحافي بطرابلس في 25 فبراير الماضي (رويترز)
الدبيبة خلال مؤتمر صحافي بطرابلس في 25 فبراير الماضي (رويترز)

أبدى عدد من السياسيين الليبيين مخاوفهم من هيمنة تركيا على بلادهم عبر بوابة الاقتصاد من خلال السيطرة على المشاريع العملاقة والاستثمار الكبيرة، بينما لم تُقدِم أنقرة بعد على سحب «المرتزقة» الموالين لها من البلاد.
وتحدث عضو مجلس النواب الليبي جبريل أوحيدة، عما سماه «الانتهازية التركية»، وقال في تصريح لـ«الشرق الأوسط» إن أنقرة «تمتلك عقيدة استعمارية قادرة على تغيير أدواتها وتوظيفها للوصول لأهدافها البعيدة في السيطرة على القرار والمقدرات الليبية، خصوصاً للأسف في ظل وجود أطراف ليبية تساعدها على ذلك». 
وتابع أوحيدة: «يبدو أن السلطة الانتقالية في بلادنا اصطدمت بالتعنت التركي برفض فكرة الانسحاب العسكري من ليبيا  دون أن تحصل على المقابل وهو تعميق وجودها الاقتصادي أكثر وأكثر». وقال أوحيدة أيضاً: «للأسف نجح الأتراك في توريط سلطة مؤقتة، لم يتبق من عمرها الزمني سوى أشهر عدة، بتوقيع عقود طويلة الأجل ومضمونة وفقاً للقانون الدولي (...) وبالطبع لن ترضى أطراف وقوى أخرى متداخلة بالأزمة الليبية بنصيب أقل مما حصلت عليه تركيا».
ويرى النائب الليبي أن على المجلسين التشريعي والرئاسي المسارعة  «للجم تحركات الحكومة الليبية، ومنعها من عقد الاتفاقيات، خصوصاً أن قياداتها تتحرك بعقلية تجارية بحتة بعيدة عن الوعي السياسي والتوازن الداخلي وعلاقة ليبيا بباقي دول المنطقة». واستكمل أوحيدة: «كان من الأجدر بتلك الحكومة أن تركز على مهمتها الرئيسية وهي تعبيد الطريق أمام إجراء الانتخابات، ووضع المجتمع الدولي أمام مسؤوليته بطلب مساعدته في إخراج (المرتزقة) وإنهاء الوجود العسكري الأجنبي وحل الميليشيات المسلحة، على أن تترك قضايا منح العقود المتعلقة بإعادة الإعمار للسلطة المنتخبة المقبلة في نهاية العام».
ورافق رئيس الحكومة الليبية الموحدة عبد الحميد الدبيبة خلال زياراته إلى تركيا 14 وزيراً ليبياً الأسبوع الماضي، وتم توقيع عدد من الاتفاقيات ومذكرات التفاهم تتعلق في مجملها بتعزيز التعاون الاقتصادي والتجاري بين البلدين، مثل بناء محطات كهرباء وتأهيل جانب من البنية التحتية بالعاصمة.
ولم يبتعد المحلل السياسي الليبي  ورئيس مجموعة العمل الوطني  خالد الترجمان، عن الطرح السابق، مذكراً بالبند العاشر من المادة السادسة من الاتفاق السياسي الليبي، والذي ينص على أنه «لا تنظر السلطة التنفيذية خلال المرحلة التمهيدية في أي اتفاقيات أو قرارات جديدة أو سابقة بما يضر باستقرار العلاقات الخارجية للدولة الليبية أو يلقي عليها التزامات طويلة الأمد».
ورأى الترجمان في تصريح لـ«الشرق الأوسط» أن  «السيطرة على الاقتصاد وتحديداً الثروة النفطية  هي هدف دائم لتركيا، ومن أجله حشدت ونقلت قواتها إلى بلادنا»، وتابع: «أنقرة تمكنت فعلياً في فترة حكومة (الوفاق) من السيطرة على مواقع هامة كإدارة المواني الليبية، وها هي الآن تعقد اتفاقيات تتعلق بإعادة الإعمار وبناء محطات كهرباء».
وتوقع الترجمان أن تقدم تركيا على سحب «المرتزقة» الذين جلبتهم من سوريا، والإبقاء على مستشاريها وعناصرها العسكريين في كل من قاعدتي الوطية الجوية  وأبو ستة البحرية بطرابلس.
وكان الدبيبة والرئيس التركي رجب طيب إردوغان قد أكدا الالتزام باتفاق ترسيم الحدود البحرية بين بلادهما، متغاضين عما أثاره هذا الاتفاق عند توقيعه نهاية عام 2019، من اعتراضات قوية من قبل دول شرق المتوسط كمصر واليونان وقبرص.
ورغم إقراره بأن كل دولة تسعى لتحقيق مصالحها،  يختلف المحلل السياسي الليبي السنوسي إسماعيل، وما طرحته الآراء السابقة عن مقايضة تركيا لوجودها العسكري بصفقات اقتصادية في البلاد. وقال إسماعيل في تصريح لـ«الشرق الأوسط» إن «تركيا ليست مضطرة لذلك، فلديها عقود اقتصادية منحت لها من قبل النظام السابق  بقيمة تقترب من 25 مليار دولار، ولم تنفذ بعد، وقد تم التأكيد على تلك العقود من قبل حكومة (الوفاق) السابقة». وذهب إلى أن تركيا «لا تصر على الاحتفاظ بوجود عسكري دائم لها في بلادنا كما يردد البعض (...) هذا غير ممكن من الناحية الجيو - سياسية، فضلاً عن توازنات القوى بالمنطقة ومنها مصر، والاهتمام الأميركي المتزايد بالأوضاع في ليبيا».
 ويعتزم وفد تركي زيارة العاصمة المصرية القاهرة مطلع الشهر المقبل لمناقشة «سبل تطبيع العلاقات» بين البلدين، وفق ما أعلن وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو، والذي أكد   في تصريحات صحافية أن العلاقات بين أنقرة والقاهرة دخلت «مرحلة جديدة» من الانفراج بعد سنوات من التوتر.  واستكمل إسماعيل: «يدرك الجميع أن القوى المنخرطة في الأزمة الليبية تريد ضمان مصالحها في ليبيا قبل القيام بأي خطوة قد تسهم في حل أزمتنا»، مشيراً إلى أن تركيا «لا تريد سوى عدم ترك الساحة الليبية فارغة أمام نفوذ دول أخرى قد لا تستهدف تقويض المصالح التركية فقط، وإنما تقويض الدور التركي برمته بمنطقة شرق المتوسط».
وفيما لفت إسماعيل إلى أن «المقياس الأهم في ذلك أن يكون أي اتفاق محافظاً على الحقوق الليبية أولاً، بجانب التوازن في المنطقة»، فإنه توقع أن «يدعم التقارب المصري - التركي الحاصل الآن إيجاد حالة من التوازن على الساحة الليبية مثلما سيصب في مصلحة البلدين».



السيسي: الربط الكهربائي مع السعودية نموذج للتعاون الإقليمي

اجتماع الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي مع مدبولي ووزيري الكهرباء والبترول (الرئاسة المصرية)
اجتماع الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي مع مدبولي ووزيري الكهرباء والبترول (الرئاسة المصرية)
TT

السيسي: الربط الكهربائي مع السعودية نموذج للتعاون الإقليمي

اجتماع الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي مع مدبولي ووزيري الكهرباء والبترول (الرئاسة المصرية)
اجتماع الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي مع مدبولي ووزيري الكهرباء والبترول (الرئاسة المصرية)

أكد الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي أن مشروع الربط الكهربائي مع المملكة العربية السعودية نموذج لتكامل التعاون في مجال الطاقة على المستوى الإقليمي، وبين مصر والمملكة خصيصاً. وأضاف: «كما يعد المشروع نموذجاً يحتذى به في تنفيذ مشروعات مماثلة مستقبلاً للربط الكهربائي»، موجهاً بإجراء متابعة دقيقة لكافة تفاصيل مشروع الربط الكهربائي مع السعودية.

جاءت تأكيدات السيسي خلال اجتماع مع رئيس مجلس الوزراء المصري مصطفى مدبولي، ووزيري الكهرباء والطاقة المتجددة، محمود عصمت، والبترول والثروة المعدنية، كريم بدوي. وحسب إفادة لـ«الرئاسة المصرية»، الأحد، تناول الاجتماع الموقف الخاص بمشروعات الربط الكهربائي بين مصر والسعودية، في ظل ما تكتسبه مثل تلك المشروعات من أهمية لتعزيز فاعلية الشبكات الكهربائية ودعم استقرارها، والاستفادة من قدرات التوليد المتاحة خلال فترات ذروة الأحمال الكهربائية.

وكانت مصر والسعودية قد وقعتا اتفاق تعاون لإنشاء مشروع الربط الكهربائي في عام 2012، بتكلفة مليار و800 مليون دولار، يخصّ الجانب المصري منها 600 مليون دولار (الدولار يساوي 49.65 جنيه في البنوك المصرية). وقال رئيس مجلس الوزراء المصري، خلال اجتماع للحكومة، منتصف أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، إن خط الربط الكهربائي بين مصر والسعودية سيدخل الخدمة في مايو (أيار) أو يونيو (حزيران) المقبلين. وأضاف أنه من المقرر أن تكون قدرة المرحلة الأولى 1500 ميغاواط.

ويعد المشروع الأول من نوعه لتبادل تيار الجهد العالي في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، من مدينة بدر في مصر إلى المدينة المنورة مروراً بمدينة تبوك في السعودية. كما أكد مدبولي، في تصريحات، نهاية الشهر الماضي، أن مشروع الربط الكهربائي مع السعودية، الذي يستهدف إنتاج 3000 ميغاواط من الكهرباء على مرحلتين، يعد أبرز ما توصلت إليه بلاده في مجال الطاقة.

وزير الطاقة السعودي يتوسط وزيري الكهرباء والبترول المصريين في الرياض يوليو الماضي (الشرق الأوسط)

فريق عمل

وفي يوليو (تموز) الماضي، قال وزير الكهرباء والطاقة المتجددة المصري، خلال لقائه وزير الطاقة السعودي، الأمير عبد العزيز بن سلمان، في الرياض، إن «هناك جهوداً كبيرة من جميع الأطراف للانتهاء من مشروع الربط الكهربائي المصري - السعودي، وبدء التشغيل والربط على الشبكة الموحدة قبل بداية فصل الصيف المقبل، وفي سبيل تحقيق ذلك فإن هناك فريق عمل تم تشكيله لإنهاء أي مشكلة أو عقبة قد تطرأ».

وأوضحت وزارة الكهرباء المصرية حينها أن اللقاء الذي حضره أيضاً وزير البترول المصري ناقش عدة جوانب، من بينها مشروع الربط الكهربائي بين شبكتي الكهرباء في البلدين بهدف التبادل المشترك للطاقة في إطار الاستفادة من اختلاف أوقات الذروة وزيادة الأحمال في الدولتين، وكذلك تعظيم العوائد وحسن إدارة واستخدام الفائض الكهربائي وزيادة استقرار الشبكة الكهربائية في مصر والسعودية.

ووفق المتحدث الرسمي باسم الرئاسة المصرية، محمد الشناوي، الأحد، فإن اجتماع السيسي مع مدبولي ووزيري الكهرباء والبترول تضمن متابعة مستجدات الموقف التنفيذي لمحطة «الضبعة النووية»، في ظل ما يمثله المشروع من أهمية قصوى لعملية التنمية الشاملة بمصر، خصوصاً مع تبنى الدولة استراتيجية متكاملة ومستدامة للطاقة تهدف إلى تنويع مصادرها من الطاقة المتجددة والجديدة، بما يسهم في تحسين جودة الخدمات المقدمة للمواطنين.

وأكد السيسي أهمية العمل على ضمان سرعة التنفيذ الفعال لمشروعات الطاقة المختلفة باعتبارها ركيزة ومحركاً أساسياً للتنمية في مصر، مشدداً على أهمية الالتزام بتنفيذ الأعمال في محطة «الضبعة النووية» وفقاً للخطة الزمنية المُحددة، مع ضمان أعلى درجات الكفاءة في التنفيذ، فضلاً عن الالتزام بأفضل مستوى من التدريب وتأهيل الكوادر البشرية للتشغيل والصيانة.

وتضم محطة الضبعة، التي تقام شمال مصر، 4 مفاعلات نووية، بقدرة إجمالية تبلغ 4800 ميغاوات، بواقع 1200 ميغاوات لكل مفاعل. ومن المقرّر أن يبدأ تشغيل المفاعل النووي الأول عام 2028، ثم تشغيل المفاعلات الأخرى تباعاً.

جانب من اجتماع حكومي سابق برئاسة مصطفى مدبولي (مجلس الوزراء المصري)

تنويع مصادر الطاقة

وتعهدت الحكومة المصرية في وقت سابق بـ«تنفيذ التزاماتها الخاصة بالمشروع لإنجازه وفق مخططه الزمني»، وتستهدف مصر من المشروع تنويع مصادرها من الطاقة، وإنتاج الكهرباء، لسد العجز في الاستهلاك المحلي، وتوفير قيمة واردات الغاز والطاقة المستهلكة في تشغيل المحطات الكهربائية.

وعانت مصر من أزمة انقطاع للكهرباء خلال أشهر الصيف، توقفت في نهاية يوليو الماضي بعد توفير الوقود اللازم لتشغيل المحطات الكهربائية. واطلع السيسي خلال الاجتماع، الأحد، على خطة العمل الحكومية لضمان توفير احتياجات قطاع الكهرباء من المنتجات البترولية، وانتظام ضخ إمدادات الغاز للشبكة القومية للكهرباء، بما يحقق استدامة واستقرار التغذية الكهربائية على مستوى الجمهورية وخفض الفاقد.

ووجه بتكثيف الجهود الحكومية لتعزيز فرص جذب الاستثمارات لقطاع الطاقة، وتطوير منظومة إدارة وتشغيل الشبكة القومية للغاز، بما يضمن استدامة الإمدادات للشبكة القومية للكهرباء والقطاعات الصناعية والخدمية، وبتكثيف العمل بالمشروعات الجاري تنفيذها في مجال الطاقة المتجددة، بهدف تنويع مصادر إمدادات الطاقة، وإضافة قدرات جديدة للشبكة الكهربائية، بالإضافة إلى تطوير الشبكة من خلال العمل بأحدث التقنيات لاستيعاب ونقل الطاقة بأعلى كفاءة وأقل فقد.