المساعدات الحزبية: إعادة هيكلة السيطرة على اللبنانيين

المساعدات الحزبية: إعادة هيكلة السيطرة على اللبنانيين
TT

المساعدات الحزبية: إعادة هيكلة السيطرة على اللبنانيين

المساعدات الحزبية: إعادة هيكلة السيطرة على اللبنانيين

تشاركت الجماعات والشخصيات السياسية اللبنانية، من دون اتفاق أو تنسيق، في إطلاق حملات توزيع مساعدات عينية ومالية على من تفترض أنها سيكونون من ناخبيها في أي استحقاق انتخابي مقبل وعلى من تعتبرهم من جمهورها الذي لا تتحمل رؤيته يكابد الكارثة المعيشية التي يعيشها البلد، خشية على نفسها من ردود فعل لن تكون في مصلحتها ومصلحة إمساكها المديد بخناق اللبنانيين.
قدمت أحزاب تتناقض في كل شيء تقريبا وتختلف في جميع المواقف وتتباين في الانتماءات الطائفية والجهوية والسياسية، صناديق وسلالاً غذائية الى مناصريها والى من تطمح أن تضمهم المأساة الاقتصادية الجارية الى صفوف هؤلاء. وافتتح الأغنى من بين الأحزاب متاجر كاملة مخصصة «للمحتاجين». ووزع نواب وسياسيون يتطلعون الى تعزيز حظوظهم في البقاء في مناصبهم والحفاظ على امتيازاتهم المال نقدا بالليرة اللبنانية وبمبالغ تدعو الى السخرية بعدما انهارت قيمة العملة الوطنية. آخرون كانوا أوسع حيلة فاستقدموا لقاحات ضد وباء كورونا وأشرفوا على تلقيح «أهلهم وعشيرتهم» علّهم بذلك يبقونهم على قيد الحياة ليدلوا بأصواتهم عندما تفتح صناديق الاقتراع في العام المقبل.
ما من صدفة في هذا السلوك الذي أجمعت الأحزاب عليه. ذلك أن السياسيين اللبنانيين سيان فرقت بينهم الهويات الطائفية أو الولاءات الخارجية، يقرأون من كتاب واحد، عنوانه هو الاستعلاء والاستغباء للمواطن الذي لا قيمة له ولا كرامة ولا منفعة لهم منه سوى عند صندوق الانتخابات، أولا، وكونه مصدر خطر محتمل اذا خلع عنه رداء الولاء الهوياتي واتجه الى انتماء أوسع يضمه الى غيره من المتضررين من «التناهب» العام الذي بات السياسة الوحيدة المتفقة عليها جماعات السياسة الحالية.
وعلى جاري عادة السياسيين في تقديم الفتات المتبقي من صفقات الفساد وسرقة المال العام او التمويل الاجنبي الى فقراء مناطقهم وطوائفهم، انتشرت في وسائل الاعلام أنباء عن أن محتويات السلال الغذائية ليست غير المواد الاستهلاكية التي اشترتها الدولة اللبنانية بالدولار المدعوم من مصرف لبنان واشترتها الأحزاب الحاكمة من الأسواق بالأسعار المخصصة للمحتاجين ووزعتها على هؤلاء لشراء صمتهم وولائهم.
السياسيون اللبنانيون ليسوا في حاجة الى تكرار أحداث قصة الكاتب السوري الشهير زكريا تامر «النمور في اليوم العاشر» حيث يفرضون الخضوع والطاعة من خلال التجويع والافقار. فالمواطنون ليسوا نمورا ولم يظهروا سوى الرغبة البشرية البسيطة في العيش بكرامة، وهو ما عبروا عنه في تظاهرات 17 تشرين الأول (أكتوبر) 2019 وما تبعها. في المقابل، لم تخطئ الجماعة الحاكمة في اعتبار ما جرى بداية لنهاية تغلّبها المديد على المجتمع اللبناني واستدعى ذلك منها تحطيم انتفاضة العوام وقمعها بأساليب خبرها وعلمها الناس هنا.
أبعد من ذلك، لا يقتصر هدف المساعدات بأنواعها وأشكالها كافة على ضمان الولاء المستقبلي وشراء الذمم بملء البطون، بل ترمي هذه الخطوة ايضا الى إعادة هندسة وهيكلة الولاء وتأبيده. وبعد ان كان الثمن الذي تدفعه الجماعة المتسلطة يشمل شبكة حماية اجتماعية تشكلها مدارس ومستوصفات ومستشفيات وإمداد بالأدوية ومال نقدي أمام صناديق الاقتراع، يرغب اصحاب السلطة في تخفيف اعباء هذه الشبكات عليها وترشيقها (بحسب المصطلح الاثير عند بعض الاقتصاديين) وجعل كلفتها لا تزيد عن سلة غذاية يداني ثمنها القروش المعدودة.
يضاف الى ذلك، أن ربط الولاء بالقدرة على توفير الغذاء اليومي عند أعداد متزايدة من المقيمين تحت خط الفقر (ستون في المئة بحسب ارقام المنظمات الدولية)، سيزيد من شراسة الموالين وعنفهم لادراكهم أن الولاء لا يعني امتيازات مثل الوظيفة او المدرسة على ما كان عليه الامر في السابق، بل يعني الحياة بأبسط ضروراتها: الطعام.
اعادة هيكلة الولاء تمتد أيضا الى تعميق وتكريس الانقسامات الطائفية بحيث يصبح من المستحيل تجميع المتضررين من الانهيار الاقتصادي ومن الشلل السياسي تحت شعارات لا يملك اصحابها مهما صَفَت نواياهم القدرة على تحويل اقوالهم الى افعال ترفع الضيم عن المظلومين والذين سلبت حقوقهم او أرواح اقربائهم كضحايا جريمة تفجير مرفأ بيروت.
الأرجح أن المساعدات واللقاحات والمال النقدي لن تكون الأرانب الاخيرة التي يخرجها سحرة الطبقة المتحكمة باللبنانيين في سبيل تجديد حكمها وسيطرتها. التجربة تقول ان لبنان سيدور طويلا في هذه الحلقة المفرغة من الحكم الكليبتوقراطي (حكم اللصوص) الكفوء بإعادة انتاج سلطته كلما ظهر بصيص أمل، كانتفاضة تشرين، في الأفق.



ملاهي سوريا وحاناتها تعيد فتح أبوابها بحذر بعد انتصار فصائل المعارضة

سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)
سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)
TT

ملاهي سوريا وحاناتها تعيد فتح أبوابها بحذر بعد انتصار فصائل المعارضة

سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)
سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)

احتفل سكان دمشق بسقوط نظام بشار الأسد بعد حرب وحشية استمرت 13 عاماً، لكن أصحاب أماكن السهر في المدينة اعتراهم القلق وهم يعيدون فتح أبواب حاناتهم وملاهيهم.

فقد قادت «هيئة تحرير الشام» فصائل المعارضة التي أطاحت بنظام الأسد، وكانت هناك خشية لدى بعض الناس من أن تمنع الهيئة شرب الكحول.

ظلت حانات دمشق ومحلات بيع الخمور فيها مغلقة لأربعة أيام بعد دخول مقاتلي «هيئة تحرير الشام» المدينة، دون فرضهم أي إجراءات صارمة، والآن أعيد فتح هذه الأماكن مؤقتاً.

ما يريده صافي، صاحب «بابا بار» في أزقة المدينة القديمة، من الجميع أن يهدأوا ويستمتعوا بموسم عيد الميلاد الذي يشهد إقبالاً عادة.

مخاوف بسبب وسائل التواصل

وفي حديث مع «وكالة الصحافة الفرنسية» في حانته، اشتكى صافي، الذي لم يذكر اسم عائلته حتى لا يكشف عن انتمائه الطائفي، من حالة الذعر التي أحدثتها وسائل التواصل الاجتماعي.

فبعدما انتشرت شائعات أن المسلحين المسيطرين على الحي يعتزمون شن حملة على الحانات، توجه إلى مركز الشرطة الذي بات في أيدي الفصائل في ساحة باب توما.

وقال صافي بينما كان يقف وخلفه زجاجات الخمور: «أخبرتهم أنني أملك حانة وأود أن أقيم حفلاً أقدم فيه مشروبات كحولية».

وأضاف أنهم أجابوه: «افتحوا المكان، لا مشكلة. لديكم الحق أن تعملوا وتعيشوا حياتكم الطبيعية كما كانت من قبل»، فيما كانت الموسيقى تصدح في المكان.

ولم تصدر الحكومة، التي تقودها «هيئة تحرير الشام» أي بيان رسمي بشأن الكحول، وقد أغلق العديد من الأشخاص حاناتهم ومطاعمهم بعد سقوط العاصمة.

لكن الحكومة الجديدة أكدت أيضاً أنها إدارة مؤقتة وستكون متسامحة مع كل الفئات الاجتماعية والدينية في سوريا.

وقال مصدر في «هيئة تحرير الشام»، لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»، طلب عدم كشف هويته، إن «الحديث عن منع الكحول غير صحيح». وبعد الإلحاح عليه بالسؤال شعر بالغضب، مشدداً على أن الحكومة لديها «قضايا أكبر للتعامل معها».

وأعيد فتح «بابا بار» وعدد قليل من الحانات القريبة، لكن العمل محدود ويأمل صافي من الحكومة أن تطمئنهم ببيان يكون أكثر وضوحاً وقوة إلى أنهم آمنون.

في ليلة إعادة الافتتاح، أقام حفلة حتى وقت متأخر حضرها نحو 20 شخصاً، ولكن في الليلة الثانية كانت الأمور أكثر هدوءاً.

وقال إن «الأشخاص الذين حضروا كانوا في حالة من الخوف، كانوا يسهرون لكنهم في الوقت نفسه لم يكونوا سعداء».

وأضاف: «ولكن إذا كانت هناك تطمينات (...) ستجد الجميع قد فتحوا ويقيمون حفلات والناس مسرورون، لأننا الآن في شهر عيد الميلاد، شهر الاحتفالات».

وفي سوريا أقلية مسيحية كبيرة تحتفل بعيد الميلاد، مع تعليق الزينات في دمشق.

في مطعم العلية القريب، كان أحد المغنين يقدم عرضاً بينما يستمتع الحاضرون بأطباق من المقبلات والعرق والبيرة.

لم تكن القاعة ممتلئة، لكن الدكتور محسن أحمد، صاحب الشخصية المرحة والأنيقة، كان مصمماً على قضاء وقت ممتع.

وقال لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»: «كنا نتوقع فوضى عارمة في الموقف»، فيما كانت الأضواء تنعكس على ديكورات المطعم، مضيفاً: «لكننا عدنا سريعاً إلى حياتنا، حياتنا الليلية، وحقوقنا».

حفلة مع مغنٍ

وقال مدير المطعم يزن شلش إن مقاتلي «هيئة تحرير الشام» حضروا في ليلة إعادة الافتتاح ولم يغلقوا المكان.

وأضاف: «بدأنا العمل أمس. كانت الأمور جيدة جداً. كانت هناك حفلة مع مغنٍ. بدأ الناس بالتوافد، وفي وسط الحفلة حضر عناصر من (هيئة تحرير الشام)»، وأشار إلى أنهم «دخلوا بكل أدب واحترام وتركوا أسلحتهم في الخارج».

وبدلاً من مداهمة المكان، كانت عناصر الهيئة حريصين على طمأنة الجميع أن العمل يمكن أن يستمر.

وتابع: «قالوا للناس: لم نأتِ إلى هنا لنخيف أو نرهب أحداً. جئنا إلى هنا للعيش معاً في سوريا بسلام وحرية كنا ننتظرهما منذ فترة طويلة».

وتابع شلش: «عاملونا بشكل حسن البارحة، نحن حالياً مرتاحون مبدئياً لكنني أخشى أن يكون هذا الأمر آنياً ولا يستمر».

ستمارس الحكومة الانتقالية الجديدة في سوريا بقيادة «هيئة تحرير الشام» عملها حتى الأول من مارس (آذار). بعد ذلك، لا يعرف أصحاب الحانات ماذا يتوقعون.