أميركا تؤكد أهمية إجراء الانتخابات في «تعزيز» سيادة ليبيا

ليبيون يطالبون بتكثيف التواجد الأمني على الحدود بعد توغل جماعات مسلحة من ليبيا إلى تشاد (رويترز)
ليبيون يطالبون بتكثيف التواجد الأمني على الحدود بعد توغل جماعات مسلحة من ليبيا إلى تشاد (رويترز)
TT

أميركا تؤكد أهمية إجراء الانتخابات في «تعزيز» سيادة ليبيا

ليبيون يطالبون بتكثيف التواجد الأمني على الحدود بعد توغل جماعات مسلحة من ليبيا إلى تشاد (رويترز)
ليبيون يطالبون بتكثيف التواجد الأمني على الحدود بعد توغل جماعات مسلحة من ليبيا إلى تشاد (رويترز)

بينما التزمت السلطة التنفيذية الجديدة في ليبيا، بمجلسها الرئاسي برئاسة محمد المنفي، وحكومة «الوحدة الوطنية» التي يقودها عبد الحميد الدبيبة، الصمت حيال توغل بعض الجماعات المسلحة التشادية من ليبيا إلى تشاد، وذلك على خلفية التوتر العسكري الراهن في المناطق الحدودية المشتركة، رأت السفارة الأميركية لدى ليبيا أن هذا التطور «يسلط الضوء مجدداً على الحاجة الملحة إلى ليبيا موحدة ومستقرة، ومسيطرة على حدودها، وإجراء الانتخابات العامة في موعدها بنهاية العام الجاري».
وتعهدت السفارة الأميركية لدى ليبيا في بيان لها، مساء أول من أمس، مواصلة إشراك من وصفتهم بأصحاب المصلحة من الليبيين، أو من العالم «لدعم العملية السياسية التي ستتوج بانتخابات ديسمبر (كانون أول) المقبل»، مؤكدة أن هذا الإجراء «سيساعد في تعزيز سيادة ليبيا آمنة، وخالية من التدخل الأجنبي من أجل الاستقرار الإقليمي وأمن جيران ليبيا»، على حد تعبيرها.
وكانت السفارة الأميركية في تشاد قد أعلنت أن حكومة الولايات المتحدة لا تشجع السفر إلى هذه المناطق، بحجة أنها تشهد نزاعاً في شمال تشاد، وذلك على خلفية ما وصفته بتقارير إعلامية «تحرك مجموعات مسلحة غير حكومية إلى تشاد من ليبيا، واحتمال مواجهات مع الجيش التشادي». وحددت التقارير المنطقة الواقعة في شمال تشاد بالقرب من حدود النيجر وليبيا.
في السياق ذاته، اعتبرت لجنة الشؤون الخارجية بمجلس النواب الليبي، أن أمن واستقرار تشاد هو أولوية لدى السلطات الليبية لارتباط الوضع الأمني بين البلدين. معربة في بيان لها، نشره الموقع الرسمي للمجلس أمس، عن كامل تضامنها مع تشاد في وجه محاولات زعزعة أمنها من قبل مجموعات مسلحة، قامت بمهاجمة عدة مراكز حيوية في شمال البلاد، ودعت السلطات الليبية المختصة إلى تكثيف التواجد الأمني على الحدود الليبية - التشادية لمنع أي خروقات، معربةً عن بالغ قلقها من أن تستغل المجموعات المتطرفة والخارجة عن القانون هذه الظروف لتنفيذ أنشطتها الإجرامية.
كما أكدت اللجنة أن ملف الجنوب الليبي يجب أن يكون أولوية لحكومة الوحدة، التي يرأسها عبد الحميد الدبيبة، وقالت إنه يتعين عليها تكثيف العمل على هذا الملف، بما يعود بالاستقرار والتنمية.
يشار إلى أن الجيش التشادي أعلن أن قواته الجوية شرعت في تنفيذ عملية مطاردة بحق مسلحين تشاديين، تسللوا إلى مناطق شمال البلاد انطلاقاً من الأراضي الليبية.
وقال وزير الإعلام الناطق باسم الحكومة التشادية، السفير شريف محمد، إن المسلحين التشاديين الموجودين في ليبيا، حاولوا الدخول إلى الأراضي التشادية، قبل أن تتصدى لهم القوات الحكومية.
وجاء هذا الحادث، بعد أيام قليلة من إعلان النيجر أنها فككت شبكة دولية لتهريب السلاح من ليبيا، كانت في طريقها إلى نيجيريا، بعد ضبط كميات كبيرة من الأسلحة والذخيرة، فيما تقول السلطات الليبية إن عصابات التهريب تستغل حدودها المفتوحة للمتاجرة في السلاح والبشر، وهو ما دفع عددا من السياسيين إلى مطالبة السلطة الجديدة بتكثيف التواجد الأمني على الحدود.
إلى ذلك، وقعت بياتريس لو فرابر دو هيلين، سفيرة فرنسا في ليبيا، اتفاقية مع الممثل المقيم لبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي، جيراردو نوتو، تلتزم فرنسا بموجبه بمبلغ مليون يورو لدعم برنامج الأمم المتحدة الإنمائي لمشروع «تعزيز الانتخابات من أجل شعب ليبيا»، حيث بلغ إجمالي التمويل من فرنسا للمشروع 1.85 مليون يورو.
وقالت دو هيلين في تصريحات نقلها المفوضية العليا للانتخابات، مساء أول من أمس، إن بلادها ملتزمة تماماً بدعم إجراء الانتخابات الرئاسية والبرلمانية المقبلة في تاريخها المحدد، وأشادت بالتزام رئيس المفوضية، عماد السائح، وفريقه بأكمله، ودعت جميع الجهات الفاعلة لمساعدتهم في مهمتهم.
ومن جانبه، أكد السايح أن هذه المساهمة، تأتي «في إطار الدعم الدولي للتغيير السلمي في ليبيا، وتحقيق الأمن والاستقرار في البلاد»، وقال إنها ستدعم قدرة المفوضية على تنفيذ الانتخابات.
ويعمل المشروع على دعم مفوضية الانتخابات في التحضير للانتخابات الوطنية وإجرائها. بالإضافة إلى بناء القدرات، وتعزيز نظام تسجيل الناخبين، بما في ذلك شراء 12 ألف صندوق اقتراع، وإصدار بطاقات الناخبين لاستخدامها كأحد المتطلبات الأساسية في تحديد هوية الناخبين في مراكز الاقتراع لضمان عملية شفافة.
وحتى الآن نجح برنامج الأمم المتحدة الإنمائي في جمع 2.8 مليون يورو لتعزيز جاهزية المفوضية للانتخابات، التي قرر أعضاء منتدى الحوار السياسي الليبي في نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، إجراءها في الرابع والعشرين من شهر ديسمبر (كانون الأول) المقبل.



القطن المصري... محاولة حكومية لاستعادة «عصره الذهبي» تواجه تحديات

مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
TT

القطن المصري... محاولة حكومية لاستعادة «عصره الذهبي» تواجه تحديات

مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)

تراهن الحكومة المصرية على القطن المشهور بجودته، لاستنهاض صناعة الغزل والنسيج وتصدير منتجاتها إلى الخارج، لكن رهانها يواجه تحديات عدة في ظل تراجع المساحات المزروعة من «الذهب الأبيض»، وانخفاض مؤشرات زيادتها قريباً.

ويمتاز القطن المصري بأنه طويل التيلة، وتزرعه دول محدودة حول العالم، حيث يُستخدم في صناعة الأقمشة الفاخرة. وقد ذاع صيته عالمياً منذ القرن التاسع عشر، حتى أن بعض دور الأزياء السويسرية كانت تعتمد عليه بشكل أساسي، حسب كتاب «سبع خواجات - سير رواد الصناعة الأجانب في مصر»، للكاتب مصطفى عبيد.

ولم يكن القطن بالنسبة لمصر مجرد محصول، بل «وقود» لصناعة الغزل والنسيج، «التي مثلت 40 في المائة من قوة الاقتصاد المصري في مرحلة ما، قبل أن تتهاوى وتصل إلى ما بين 2.5 و3 في المائة حالياً»، حسب رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي، الذي أكد عناية الدولة باستنهاض هذه الصناعة مجدداً، خلال مؤتمر صحافي من داخل مصنع غزل «1» في مدينة المحلة 28 ديسمبر (كانون الأول) الماضي.

أشار مدبولي، حسب ما نقله بيان مجلس الوزراء، إلى أن مشروع «إحياء الأصول» في الغزل والنسيج يتكلف 56 مليار جنيه (الدولار يعادل 50.7 جنيها مصري)، ويبدأ من حلج القطن، ثم تحويله غزلاً فنسيجاً أو قماشاً، ثم صبغه وتطويره حتى يصل إلى مُنتج سواء ملابس أو منسوجات، متطلعاً إلى أن ينتهي المشروع نهاية 2025 أو بداية 2026 على الأكثر.

وتكمن أهمية المشروع لمصر باعتباره مصدراً للدولار الذي تعاني الدولة من نقصه منذ سنوات؛ ما تسبب في أزمة اقتصادية دفعت الحكومة إلى الاقتراض من صندوق النقد الدولي؛ مرتين أولاهما عام 2016 ثم في 2023.

وبينما دعا مدبولي المزارعين إلى زيادة المساحة المزروعة من القطن، أراد أن يطمئن الذين خسروا من زراعته، أو هجروه لزراعة الذرة والموالح، قائلاً: «مع انتهاء تطوير هذه القلعة الصناعية العام المقبل، فسوف نحتاج إلى كل ما تتم زراعته في مصر لتشغيل تلك المصانع».

وتراجعت زراعة القطن في مصر خلال الفترة من 2000 إلى عام 2021 بنسبة 54 في المائة، من 518 ألفاً و33 فداناً، إلى 237 ألفاً و72 فداناً، حسب دراسة صادرة عن مركز البحوث الزراعية في أبريل (نيسان) الماضي.

وأرجعت الدراسة انكماش مساحته إلى مشكلات خاصة بمدخلات الإنتاج من بذور وتقاوٍ وأسمدة، بالإضافة إلى أزمات مرتبطة بالتسويق.

أزمات الفلاحين

سمع المزارع الستيني محمد سعد، وعود رئيس الوزراء من شاشة تليفزيون منزله في محافظة الغربية (دلتا النيل)، لكنه ما زال قلقاً من زراعة القطن الموسم المقبل، الذي يبدأ في غضون 3 أشهر، تحديداً مارس (آذار) كل عام.

يقول لـ«الشرق الأوسط»: «زرعت قطناً الموسم الماضي، لكن التقاوي لم تثمر كما ينبغي... لو كنت أجَّرت الأرض لكسبت أكثر دون عناء». وأشار إلى أنه قرر الموسم المقبل زراعة ذرة أو موالح بدلاً منه.

نقيب الفلاحين المصري حسين أبو صدام (صفحته بفيسبوك)

على بعد مئات الكيلومترات، في محافظة المنيا (جنوب مصر)، زرع نقيب الفلاحين حسين أبو صدام، القطن وكان أفضل حظاً من سعد، فأزهر محصوله، وحصده مع غيره من المزارعين بقريته في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، لكن أزمة أخرى خيَّبت أملهم، متوقعاً أن تتراجع زراعة القطن الموسم المقبل مقارنة بالماضي (2024)، الذي بلغت المساحة المزروعة فيه 311 ألف فدان.

تتلخص الأزمة التي شرحها أبو صدام لـ«الشرق الأوسط» في التسويق، قائلاً إن «المحصول تراكم لدى الفلاحين شهوراً عدة؛ لرفض التجار شراءه وفق سعر الضمان الذي سبق وحدَّدته الحكومة لتشجيع الفلاح على زراعة القطن وزيادة المحصول».

ويوضح أن سعر الضمان هو سعر متغير تحدده الحكومة للفلاح قبل أو خلال الموسم الزراعي، وتضمن به ألا يبيع القنطار (وحدة قياس تساوي 100 كيلوغرام) بأقل منه، ويمكن أن يزيد السعر حسب المزايدات التي تقيمها الحكومة لعرض القطن على التجار.

وكان سعر الضمان الموسم الماضي 10 آلاف جنيه، لمحصول القطن من الوجه القبلي، و12 ألف جنيه للمحصول من الوجه البحري «الأعلى جودة». لكن رياح القطن لم تجرِ كما تشتهي سفن الحكومة، حيث انخفضت قيمة القطن المصري عالمياً في السوق، وأرجع نقيب الفلاحين ذلك إلى «الأزمات الإقليمية وتراجع الطلب عليه».

ويحدّد رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية في معهد بحوث القطن التابع لوزارة الزراعة، الدكتور مصطفى عمارة، فارق سعر الضمان عن سعر السوق بنحو ألفي جنيه؛ ما نتج منه عزوف من التجار عن الشراء.

وأكد عمارة أن الدولة تدخلت واشترت جزءاً من المحصول، وحاولت التيسير على التجار لشراء الجزء المتبقي، مقابل أن تعوض هي الفلاح عن الفارق، لكن التجار تراجعوا؛ ما عمق الأزمة في السوق.

يتفق معه نقيب الفلاحين، مؤكداً أن مزارعي القطن يتعرضون لخسارة مستمرة «سواء في المحصول نفسه أو في عدم حصول الفلاح على أمواله؛ ما جعل كثيرين يسخطون وينون عدم تكرار التجربة».

د. مصطفى عمارة رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية (مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار المصري)

فرصة ثانية

يتفق المزارع ونقيب الفلاحين والمسؤول في مركز أبحاث القطن، على أن الحكومة أمامها تحدٍ صعب، لكنه ليس مستحيلاً كي تحافظ على مساحة القطن المزروعة وزيادتها.

أول مفاتيح الحل سرعة استيعاب أزمة الموسم الماضي وشراء المحصول من الفلاحين، ثم إعلان سعر ضمان مجزٍ قبل موسم الزراعة بفترة كافية، وتوفير التقاوي والأسمدة، والأهم الذي أكد عليه المزارع من الغربية محمد سعد، هو عودة نظام الإشراف والمراقبة والعناية بمنظومة زراعة القطن.

ويحذر رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية في معهد بحوث القطن من هجران الفلاحين لزراعة القطن، قائلاً: «لو فلاح القطن هجره فـلن نعوضه».

أنواع جديدة

يشير رئيس غرفة الصناعات النسيجية في اتحاد الصناعات محمد المرشدي، إلى حاجة مصر ليس فقط إلى إقناع الفلاحين بزراعة القطن، لكن أيضاً إلى تعدد أنواعه، موضحاً لـ«الشرق الأوسط» أن القطن طويل التيلة رغم تميزه الشديد، لكن نسبة دخوله في المنسوجات عالمياً قليلة ولا تقارن بالقطن قصير التيلة.

ويؤكد المسؤول في معهد بحوث القطن أنهم استنبطوا بالفعل الكثير من الأنواع الجديدة، وأن خطة الدولة للنهوض بصناعة القطن تبدأ من الزراعة، متمنياً أن يقتنع الفلاح ويساعدهم فيها.