إطلاق سراح 6 موقوفين في قضية انفجار مرفأ بيروت بينهم ضابطان

المحقق العدلي يضع لائحة استدعاءات جديدة والادعاء على دياب لا يزال قائماً

TT

إطلاق سراح 6 موقوفين في قضية انفجار مرفأ بيروت بينهم ضابطان

أطلق القضاء اللبناني أمس سراح ستة موقوفين في قضية انفجار مرفأ بيروت بينهم ضابطان، بعد ثمانية أشهر على توقيفهم، وشكل هذا القرار التطور الأبرز منذ تسلم القاضي طارق البيطار مهمته كمحقق عدلي في هذا الملف قبل شهرين، خلفاً للقاضي فادي صوان الذي جرت تنحيته بقرار من محكمة التمييز، ووافق البيطار أمس على إخلاء الموقوفين الرائد في جهاز أمن الدولة جوزيف النداف، الرائد في جهاز الأمن العام شربل فواز، الرقيب أول في الجمارك آلياس شاهين، الرقيب أول الجمركي خالد الخطيب، والموظفين في المرفأ جوني جرجس ومخايل المر، ومنعهم من مغادرة الأراضي اللبنانية.
وشكل هذا القرار مفاجأة لدى الأوساط القضائية، لأنه جاء مخالفاً لرأي النيابة العامة التمييزية، ومطالعة المحامي التمييزي القاضي غسان الخوري الذي وافق على ترك 11 موقوفاً من عمال وموظفين مستثنياً الضباط والمدراء العامين، غير أن البيطار ارتأى ترك 6 موقوفين فقط، بينهم ضابطان لم تكن النيابة العامة وافقت على تركهم، وبذلك يصبح قرار المحقق العدلي وبحسب قانون المجلس العدلي، مبرماً وغير قابل للطعن به أو إبطاله أمام أي مرجع قضائي آخر.
وأكدت مصادر قضائية متابعة لمجريات الملف لـ«الشرق الأوسط»، أن «الاعتبارات التي استند إليها القاضي البيطار، تنطلق من أن مسؤولية الأشخاص المخلى سبيلهم والدور الذي اضطلعوا به قبل انفجار المرفأ، لا تستدعي الاستمرار بتوقيفهم، طالما أنهم استنفذوا مدة التوقيف الاحتياطي، وبات من الواجب الإفراج عنهم». وشددت أن «قرارات إخلاء السبيل قد لا تقتصر على الأشخاص الستة الذين عادوا إلى الحرية، وقد يتجه قاضي التحقيق إلى الإفراج عن موقوفين آخرين في وقت لاحق، وقد يستدعي أشخاصا جدداً ويتخذ قراراً بتوقيفهم، وهذا متوقف على تطورات التحقيق».
ولا يزال 19 شخصاً قيد التوقيف الاحتياطي في جريمة انفجار مرفأ بيروت، أبرزهم مدير عام الجمارك اللبنانية الحالي بدري ضاهر، مدير عام الجمارك السابق شفيق مرعي، مدير مرفأ بيروت المهندس حسن قريطم، مدير عام النقل البري والبحري عبد الحفيظ القيسي والعميد في مخابرات الجيش اللبناني طوني سلوم، وموظفون كبار في الجمارك وفي هيئة إدارة واستثمار المرفأ.
وطرح رفض المحقق العدلي طلبات إخلاء سبيل موظفين عاديين وعمال في المرفأ، هم أقل مسؤولية ممن أفرج عنهم أمس، علامات استفهام حول المعايير التي اتبعت في هذا القرار، لكن مصادر مقربة من البيطار أوضحت لـ«الشرق الأوسط»، أن «الاستمرار بتوقيف هؤلاء العمال له علاقة بمقتضيات التحقيق وحماية المعلومات». واعترفت بأن «هناك أشخاصاً استنفدوا مهلة التوقيف الاحتياطي، لكن إبقاءهم قيد التوقيف مرتبط بضرورة حمايتهم أولاً، والحؤول دون ممارسة الضغط عليهم من أجل تغيير إفاداتهم أو التراجع عن اعترافاتهم بما يؤدي إلى فقدان التحقيق معلومات مهمة أو محاولة الطعن بالأدلة».
وبدأ المحقق العدلي بوضع لائحة بأسماء الذين سيستدعيهم من مدعى عليهم وشهود، كما يعكف على تسطير استنابات إلى عدد من الدول، بينها الموزامبيق، جورجيا، بريطانيا، اليونان، تركيا وقبرص، للتدقيق في معلومات في دور الشركات والأشخاص الذين يقفون وراء صفقة شراء نترات الأمونيوم وشحنها إلى مرفأ بيروت.
وعن مصير ادعاء القاضي فادي صوان على رئيس حكومة تصريف الأعمال حسان دياب وثلاثة وزراء سابقين، أكدت المصادر القضائية أن «هذا الادعاء لا يزال قائماً، ولا يلغى إلا بقرار معلل، والمحقق العدلي لم يصل بعد إلى المرحلة التي سيقارب فيها هذا الادعاء، وما إذا كان سيستدعي هؤلاء للاستجواب، أو أنه سيطلب رفع الحصانة عمن يمتلك حصانة نيابية».



الاقتصاد اليمني في مواجهة انهيارات كارثية وشيكة

طفل يمني يعاني من سوء التغذية وتتوقع وكالة أممية تفاقم الوضع الإنساني خلال الأشهر المقبلة (الأمم المتحدة)
طفل يمني يعاني من سوء التغذية وتتوقع وكالة أممية تفاقم الوضع الإنساني خلال الأشهر المقبلة (الأمم المتحدة)
TT

الاقتصاد اليمني في مواجهة انهيارات كارثية وشيكة

طفل يمني يعاني من سوء التغذية وتتوقع وكالة أممية تفاقم الوضع الإنساني خلال الأشهر المقبلة (الأمم المتحدة)
طفل يمني يعاني من سوء التغذية وتتوقع وكالة أممية تفاقم الوضع الإنساني خلال الأشهر المقبلة (الأمم المتحدة)

يتضاعف خطر انعدام الأمن الغذائي في اليمن بعد تفاقم الأزمة الاقتصادية، وانهيار سعر العملة المحلية أمام العملات الأجنبية، بفعل الحرب الحوثية على الموارد الرئيسية للبلاد، وتوسيع دائرة الصراع إلى خارج الحدود، في حين تتزايد الدعوات إلى اللجوء للتنمية المستدامة، والبحث عن حلول من الداخل.

وبينما تتوالي التحذيرات من تعاظم احتياجات السكان إلى المساعدات الإنسانية خلال الأشهر المقبلة، تواجه الحكومة اليمنية تحديات صعبة في إدارة الأمن الغذائي، وتوفير الخدمات للسكان في مناطق سيطرتها، خصوصاً بعد تراجع المساعدات الإغاثية الدولية والأممية خلال الأشهر الماضية، ما زاد من التعقيدات التي تعاني منها بفعل توقف عدد من الموارد التي كانت تعتمد عليها في سد الكثير من الفجوات الغذائية والخدمية.

ورجحت شبكة الإنذار المبكر بالمجاعة حدوث ارتفاع في عدد المحتاجين إلى المساعدات الإنسانية في اليمن في ظل استمرار التدهور الاقتصادي في البلاد، حيث لا تزال العائلات تعاني من التأثيرات طويلة الأجل للصراع المطول، بما في ذلك الظروف الاقتصادية الكلية السيئة للغاية، بينما تستمر بيئة الأعمال في التآكل بسبب نقص العملة في مناطق سيطرة الجماعة الحوثية، وانخفاض قيمة العملة والتضخم في المناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة.

وبحسب توقعات الأمن الغذائي خلال الستة أشهر المقبلة، فإنه وبفعل الظروف الاقتصادية السيئة، وانخفاض فرص كسب الدخل المحدودة، ستواجه ملايين العائلات، فجوات مستمرة في استهلاك الغذاء وحالة انعدام الأمن الغذائي الحاد واسعة النطاق على مستوى الأزمة (المرحلة الثالثة من التصنيف المرحلي) أو حالة الطوارئ (المرحلة الرابعة) في مناطق نفوذ الحكومة الشرعية.

انهيار العملة المحلية أسهم مع تراجع المساعدات الإغاثية في تراجع الأمن الغذائي باليمن (البنك الدولي)

يشدد الأكاديمي محمد قحطان، أستاذ الاقتصاد في جامعة تعز، على ضرورة وجود إرادة سياسية حازمة لمواجهة أسباب الانهيار الاقتصادي وتهاوي العملة المحلية أمام العملات الأجنبية، منوهاً إلى أن عائدات صادرات النفط والغاز كانت تغطي 70 في المائة من الإنفاق العام في الموازنة العامة، وهو ما يؤكد أهميتها في تشغيل مؤسسات الدولة.

ويضيف قحطان في حديث خص به «الشرق الأوسط» أن وقف هذه الصادرات يضع الحكومة في حالة عجز عن الوفاء بالتزاماتها، بالتضافر مع أسباب أخرى منها الفساد والتسيب الوظيفي في أهم المؤسسات الحكومية، وعدم وصول إيرادات مؤسسات الدولة إلى البنك المركزي، والمضاربة بالعملات الأجنبية وتسريبها إلى الخارج، واستيراد مشتقات الوقود بدلاً من تكرير النفط داخلياً.

أدوات الإصلاح

طبقاً لخبراء اقتصاديين، تنذر الإخفاقات في إدارة الموارد السيادية ورفد خزينة الدولة بها، والفشل في إدارة أسعار صرف العملات الأجنبية، بآثار كارثية على سعر العملة المحلية، والتوجه إلى تمويل النفقات الحكومية من مصادر تضخمية مثل الإصدار النقدي.

توقف تصدير النفط يتسبب في عجز الحكومة اليمنية عن تلبية احتياجات السكان (البنك الدولي)

ويلفت الأكاديمي قحطان إلى أن استيراد مشتقات الوقود من الخارج لتغطية حاجة السوق اليمنية من دون مادة الأسفلت يكلف الدولة أكثر من 3.5 مليار دولار في السنة، بينما في حالة تكرير النفط المنتج محلياً سيتم توفير هذا المبلغ لدعم ميزان المدفوعات، وتوفير احتياجات البلاد من الأسفلت لتعبيد الطرقات عوض استيرادها، وأيضاً تحصيل إيرادات مقابل بيع الوقود داخلياً.

وسيتبع ذلك إمكانية إدارة البنك المركزي لتلك المبالغ لدعم العرض النقدي من العملات الأجنبية، ومواجهة الطلب بأريحية تامة دون ضغوط للطلب عليها، ولن يكون بحاجة إلى بيع دولارات لتغطية الرواتب، كما يحدث حالياً، وسيتمكن من سحب فائض السيولة النقدية، ما سيعيد للاقتصاد توازنه، وتتعافى العملة الوطنية مقابل العملات الأجنبية، وهو ما سيسهم في استعادة جزء من القدرة الشرائية المفقودة للسكان.

ودعا الحكومة إلى خفض نفقاتها الداخلية والخارجية ومواجهة الفساد في الأوعية الإيرادية لإحداث تحول سريع من حالة الركود التضخمي إلى حالة الانتعاش الاقتصادي، ومواجهة البيئة الطاردة للاستثمارات ورجال الأعمال اليمنيين، مع الأهمية القصوى لعودة كل منتسبي الدولة للاستقرار داخل البلاد، وأداء مهاهم من مواقعهم.

الحكومة اليمنية تطالب المجتمع الدولي بالضغط على الحوثيين لوقف حصار تصدير النفط (سبأ)

ويؤكد مصدر حكومي يمني لـ«الشرق الأوسط» أن الحكومة باتت تدرك الأخطاء التي تراكمت خلال السنوات الماضية، مثل تسرب الكثير من أموال المساعدات الدولية والودائع السعودية في البنك المركزي إلى قنوات لإنتاج حلول مؤقتة، بدلاً من استثمارها في مشاريع للتنمية المستدامة، إلا أن معالجة تلك الأخطاء لم تعد سهلة حالياً.

الحل بالتنمية المستدامة

وفقاً للمصدر الذي فضل التحفظ على بياناته، لعدم امتلاكه صلاحية الحديث لوسائل الإعلام، فإن النقاشات الحكومية الحالية تبحث في كيفية الحصول على مساعدات خارجية جديدة لتحقيق تنمية مستدامة، بالشراكة وتحت إشراف الجهات الممولة، لضمان نجاح تلك المشروعات.

إلا أنه اعترف بصعوبة حدوث ذلك، وهو ما يدفع الحكومة إلى المطالبة بإلحاح للضغط من أجل تمكينها من الموارد الرئيسية، ومنها تصدير النفط.

واعترف المصدر أيضاً بصعوبة موافقة المجتمع الدولي على الضغط على الجماعة الحوثية لوقف حصارها المفروض على تصدير النفط، نظراً لتعنتها وشروطها صعبة التنفيذ من جهة، وإمكانية تصعيدها العسكري لفرض تلك الشروط في وقت يتوقع فيه حدوث تقدم في مشاورات السلام، من جهة ثانية.

تحذيرات من مآلات قاتمة لتداعيات الصراع الذي افتعلته الجماعة الحوثية في المياه المحيطة باليمن على الاقتصاد (أ.ف.ب)

وقدمت الحكومة اليمنية، أواخر الشهر الماضي، رؤية شاملة إلى البنك الدولي لإعادة هيكلة المشروعات القائمة لتتوافق مع الاحتياجات الراهنة، مطالبةً في الوقت ذاته بزيادة المخصصات المالية المخصصة للبلاد في الدورة الجديدة.

وكان البنك الدولي توقع في تقرير له هذا الشهر، انكماش إجمالي الناتج المحلي بنسبة واحد في المائة هذا العام، بعد انخفاضه بنسبة 2 في المائة العام الماضي، بما يؤدي إلى المزيد من التدهور في نصيب الفرد من إجمالي الناتج الحقيقي.

ويعاني أكثر من 60 في المائة من السكان من ضعف قدرتهم على الحصول على الغذاء الكافي، وفقاً للبنك الدولي، بسبب استمرار الحصار الذي فرضته الجماعة الحوثية على صادرات النفط، ما أدى إلى انخفاض الإيرادات المالية للحكومة بنسبة 42 في المائة خلال النصف الأول من العام الحالي، وترتب على ذلك عجزها عن تقديم الخدمات الأساسية للسكان.

وأبدى البنك قلقه من مآلات قاتمة لتداعيات الصراع الذي افتعلته الجماعة الحوثية في المياه المحيطة باليمن على الاقتصاد، وتفاقم الأزمات الاجتماعية والإنسانية.