إنذار أميركي أخير للمعرقلين

TT

إنذار أميركي أخير للمعرقلين

كشفت مصادر لبنانية مواكبة للأجواء التي سادت لقاءات وكيل وزارة الخارجية الأميركية لشؤون الشرق الأوسط ديفيد هيل مع القيادات اللبنانية في اليوم الأول من زيارته لبيروت أن العنوان الأساسي لمحادثاته يتعلق بحثهم على الإسراع بتشكيل الحكومة، وإلا فإن بلدهم إلى مزيد من الانهيار، وقالت لـ«الشرق الأوسط» إنه يحمل اليوم في اجتماعه برئيس الجمهورية ميشال عون رسالة في هذا الخصوص، محذراً من التمادي في تعطيلها لأن لا مجال لترف الوقت وبات من الضروري أن ترى الحكومة النور.
ولفتت إلى أن الرسالة التي سيحملها اليوم للرئيس عون باسم الإدارة الأميركية لن تبقى في حدود الدعوة لتشكيل الحكومة وإنما تتجاوزها إلى تحميله مسؤولية مباشرة حيال تأخير الحكومة، غامزاً في هذا المجال من قناة وريثه السياسي رئيس «التيار الوطني الحر» النائب جبران باسيل، ليس بسبب العقوبات الأميركية المفروضة عليه فحسب، وإنما لدوره السلبي في وضع العراقيل التي ما زالت تؤخر ولادة الحكومة.
وأكدت المصادر نفسها أن هيل حاول استكشاف الأسباب الكامنة وراء تعثر استئناف المفاوضات بين لبنان وإسرائيل حول ترسيم الحدود البحرية برعاية الأمم المتحدة وبوساطة أميركية، وقالت إن رئيس المجلس النيابي نبيه بري وضعه في صورة الأجواء السائدة حالياً، لافتاً إلى أنه كان وراء التوصل إلى اتفاق الإطار لبدء المفاوضات من دون أن يأتي على تحديد المساحات البحرية المتنازع عليها، تاركاً مهمة التفاوض للوفد اللبناني الذي ندعمه بلا شروط.
وقالت إن بري أكد لهيل أنه مع تشكيل الحكومة منذ ثمانية أشهر، وأنه طرح مبادرة لإخراج عملية تأليفها من التأزم، لكن هناك مَن لم يتجاوب معها، رغم أن الرئيس المكلف سعد الحريري أبدى كل مرونة في مقابل مَن لا يتوقف عن استحضار أمور من خارج جدول أعمال المرحلة الراهنة ببندها الوحيد الذي ينص على تأليفها.
وفي هذا السياق، شدد هيل - بحسب المصادر - على أن من شروط استعداد المجتمع الدولي لمساعدة لبنان أن تبادر الأطراف المعنية بتأليف الحكومة إلى مساعدة نفسها وتكون قادرة على الاستجابة إلى متطلبات الشعب اللبناني. ونقلت عنه قوله إن الدول الأوروبية والولايات المتحدة والعدد الأكبر من الدول العربية تُبدي استعدادها لإنقاذ لبنان، لكن المشكلة تكمن في عدم استجابة الشريك اللبناني الذي يتطلب منه تشكيل حكومة ببرنامج إصلاحي يستعيد ثقة المجتمع الدولي بلبنان.
واعتبر هيل - كما تقول المصادر - أن لا قدرة للبنان للانتقال فوراً من مرحلة الانهيار الشامل إلى مرحلة التعافي، مستفيداً من الدعم الدولي ما لم تشكل الحكومة في أقصى سرعة ممكنة في منأى عن الرهانات الخارجية التي لن تقدم أو تؤخر بمقدار ما أنها تمعن في تفاقم الأزمات، مضيفاً أنه لا يرى جدوى للمماطلة لأن جميع الأطراف باتت محشورة محلياً وخارجياً، وهذا يفرض على من يعرقل تأليف الحكومة أن يعيد النظر في مواقفه، وصولاً إلى مراجعة حساباته لتأتي خياراته صائبة وتدفع باتجاه إنقاذه. وعليه، فإن هيل في زيارته الوداعية للبنان أطلق الإنذار الأخير ليستجيب أهل الحل والربط لإنذاره لتشكيل الحكومة قبل فوات الأوان، وإلا فإن لبنان إلى مزيد من الانهيار يستعصي إنقاذه في حال تأخرت ولادتها ولم تُسحب الشروط التي لا مبرر لها للانتقال بلبنان مع تشكيلها إلى بر الأمان.



الحوثيون يكثّفون حملة الاعتقالات في معقلهم الرئيسي

جنود حوثيون يركبون شاحنة في أثناء قيامهم بدورية في مطار صنعاء (إ.ب.أ)
جنود حوثيون يركبون شاحنة في أثناء قيامهم بدورية في مطار صنعاء (إ.ب.أ)
TT

الحوثيون يكثّفون حملة الاعتقالات في معقلهم الرئيسي

جنود حوثيون يركبون شاحنة في أثناء قيامهم بدورية في مطار صنعاء (إ.ب.أ)
جنود حوثيون يركبون شاحنة في أثناء قيامهم بدورية في مطار صنعاء (إ.ب.أ)

أطلقت الجماعة الحوثية سراح خمسة من قيادات جناح حزب «المؤتمر الشعبي» في مناطق سيطرتها، بضمانة عدم المشاركة في أي نشاط احتجاجي أو الاحتفال بالمناسبات الوطنية، وفي المقابل كثّفت في معقلها الرئيسي، حيث محافظة صعدة، حملة الاعتقالات التي تنفّذها منذ انهيار النظام السوري؛ إذ تخشى تكرار هذه التجربة في مناطق سيطرتها.

وذكرت مصادر في جناح حزب «المؤتمر الشعبي» لـ«الشرق الأوسط»، أن الوساطة التي قادها عضو مجلس حكم الانقلاب الحوثي سلطان السامعي، ومحافظ محافظة إب عبد الواحد صلاح، أفضت، وبعد أربعة أشهر من الاعتقال، إلى إطلاق سراح خمسة من أعضاء اللجنة المركزية للحزب، بضمانة من الرجلين بعدم ممارستهم أي نشاط معارض لحكم الجماعة.

وعلى الرغم من الشراكة الصورية بين جناح حزب «المؤتمر» والجماعة الحوثية، أكدت المصادر أن كل المساعي التي بذلها زعيم الجناح صادق أبو راس، وهو عضو أيضاً في مجلس حكم الجماعة، فشلت في تأمين إطلاق سراح القادة الخمسة وغيرهم من الأعضاء؛ لأن قرار الاعتقال والإفراج مرتبط بمكتب عبد الملك الحوثي الذي يشرف بشكل مباشر على تلك الحملة التي طالت المئات من قيادات الحزب وكوادره بتهمة الدعوة إلى الاحتفال بالذكرى السنوية للإطاحة بأسلاف الحوثيين في شمال اليمن عام 1962.

قيادات جناح حزب «المؤتمر الشعبي» في صنعاء يتعرّضون لقمع حوثي رغم شراكتهم الصورية مع الجماعة (إكس)

في غضون ذلك، ذكرت وسائل إعلام محلية أن الجماعة الحوثية واصلت حملة الاعتقالات الواسعة التي تنفّذها منذ أسبوعين في محافظة صعدة، المعقل الرئيسي لها (شمال)، وأكدت أنها طالت المئات من المدنيين؛ حيث داهمت عناصر ما يُسمّى «جهاز الأمن والمخابرات»، الذين يقودهم عبد الرب جرفان منازلهم وأماكن عملهم، واقتادتهم إلى معتقلات سرية ومنعتهم من التواصل مع أسرهم أو محامين.

300 معتقل

مع حالة الاستنفار التي أعلنها الحوثيون وسط مخاوف من استهداف قادتهم من قبل إسرائيل، قدّرت المصادر عدد المعتقلين في الحملة الأخيرة بمحافظة صعدة بنحو 300 شخص، من بينهم 50 امرأة.

وذكرت المصادر أن المعتقلين يواجهون تهمة التجسس لصالح الولايات المتحدة وإسرائيل ودول أخرى؛ حيث تخشى الجماعة من تحديد مواقع زعيمها وقادة الجناح العسكري، على غرار ما حصل مع «حزب الله» اللبناني، الذي أشرف على تشكيل جماعة الحوثي وقاد جناحيها العسكري والمخابراتي.

عناصر من الحوثيين خلال حشد للجماعة في صنعاء (إ.ب.أ)

ونفت المصادر صحة التهم الموجهة إلى المعتقلين المدنيين، وقالت إن الجماعة تسعى لبث حالة من الرعب وسط السكان، خصوصاً في محافظة صعدة، التي تستخدم بصفتها مقراً أساسياً لاختباء زعيم الجماعة وقادة الجناح العسكري والأمني.

وحسب المصادر، تتزايد مخاوف قادة الجماعة من قيام تل أبيب بجمع معلومات عن أماكن اختبائهم في المرتفعات الجبلية بالمحافظة التي شهدت ولادة هذه الجماعة وانطلاق حركة التمرد ضد السلطة المركزية منذ منتصف عام 2004، والتي تحولت إلى مركز لتخزين الصواريخ والطائرات المسيّرة ومقر لقيادة العمليات والتدريب وتخزين الأموال.

ومنذ سقوط نظام الرئيس السوري بشار الأسد وانهيار المحور الإيراني، استنفرت الجماعة الحوثية أمنياً وعسكرياً بشكل غير مسبوق، خشية تكرار التجربة السورية في المناطق التي تسيطر عليها؛ حيث نفّذت حملة تجنيد شاملة وألزمت الموظفين العموميين بحمل السلاح، ودفعت بتعزيزات كبيرة إلى مناطق التماس مع القوات الحكومية خشية هجوم مباغت.

خلق حالة رعب

بالتزامن مع ذلك، شنّ الحوثيون حملة اعتقالات شملت كل من يُشتبه بمعارضته لسلطتهم، وبررت منذ أيام تلك الحملة بالقبض على ثلاثة أفراد قالت إنهم كانوا يعملون لصالح المخابرات البريطانية، وإن مهمتهم كانت مراقبة أماكن وجود قادتها ومواقع تخزين الأسلحة في صنعاء.

وشككت مصادر سياسية وحقوقية في صحة الرواية الحوثية، وقالت إنه ومن خلال تجربة عشرة أعوام تبيّن أن الحوثيين يعلنون مثل هذه العمليات فقط لخلق حالة من الرعب بين السكان، ومنع أي محاولة لرصد تحركات قادتهم أو مواقع تخزين الصواريخ والمسيرات.

انقلاب الحوثيين وحربهم على اليمنيين تسببا في معاناة ملايين السكان (أ.ف.ب)

ووفق هذه المصادر، فإن قادة الحوثيين اعتادوا توجيه مثل هذه التهم إلى أشخاص يعارضون سلطتهم وممارساتهم، أو أشخاص لديهم ممتلكات يسعى قادة الجماعة للاستيلاء عليها، ولهذا يعمدون إلى ترويج مثل هذه التهم التي تصل عقوبتها إلى الإعدام لمساومة هؤلاء على السكوت والتنازل عن ممتلكاتهم مقابل إسقاط تلك التهم.

وبيّنت المصادر أن المئات من المعارضين أو الناشطين قد وُجهت إليهم مثل هذه التهم منذ بداية الحرب التي أشعلتها الجماعة الحوثية بانقلابها على السلطة الشرعية في 21 سبتمبر (أيلول) عام 2014، وهي تهم ثبت زيفها، ولم تتمكن مخابرات الجماعة من تقديم أدلة تؤيد تلك الاتهامات.

وكان آخرهم المعتقلون على ذمة الاحتفال بذكرى الإطاحة بنظام حكم أسلافهم في شمال اليمن، وكذلك مالك شركة «برودجي» التي كانت تعمل لصالح الأمم المتحدة، للتأكد من هوية المستفيدين من المساعدات الإغاثية ومتابعة تسلمهم تلك المساعدات؛ حيث حُكم على مدير الشركة بالإعدام بتهمة التخابر؛ لأنه استخدم نظام تحديد المواقع في عملية المسح، التي تمت بموافقة سلطة الحوثيين أنفسهم