إدوارد مونيك... رحل في باريس وعينه على جزيرته البعيدة

أول شاعر يفوز بجائزة تشيكايا أوتامسي للشعر الأفريقي في أصيلة

إدوارد مونيك مع الشاعر روني ديبستر (هايتي) ثاني فائز بجائزة تشيكايا أوتامسي للشعر الأفريقي في أصيلة عام 1991
إدوارد مونيك مع الشاعر روني ديبستر (هايتي) ثاني فائز بجائزة تشيكايا أوتامسي للشعر الأفريقي في أصيلة عام 1991
TT

إدوارد مونيك... رحل في باريس وعينه على جزيرته البعيدة

إدوارد مونيك مع الشاعر روني ديبستر (هايتي) ثاني فائز بجائزة تشيكايا أوتامسي للشعر الأفريقي في أصيلة عام 1991
إدوارد مونيك مع الشاعر روني ديبستر (هايتي) ثاني فائز بجائزة تشيكايا أوتامسي للشعر الأفريقي في أصيلة عام 1991

رحل السبت الماضي، في العاصمة الفرنسية باريس، الشاعر الموريشي إدوارد مونيك عن عمر يناهز 89 عاماً، بعد صراع طويل مع المرض، تاركاً وراءه أعمالاً شعرية كثيرة مشبعة بالحنين إلى جزيرته، مفعمة بالحيوية المفرطة في الإنسانية. ويعد مونيك من ألمع الشعراء الناطقين بالفرنسية، إلى جانب كونه رفيق ووريث الشاعر السنغالي ليوبولد سيدار سنغور والشاعر المارتينيكي إيمي سيزير.
ترك مونيك وراءه نحو عشرين مجموعة شعرية، إلى جانب حصوله على كثير من الجوائز الثقافية، ضمنها الجائزة الكبرى للفرانكوفونية. كما كان أول فائز بجائزة تشيكايا أوتامسي للشعر الأفريقي، في أغسطس (آب) 1989، التي أنشأتها مؤسسة منتدى أصيلة، المنظمة لمواسم أصيلة الثقافية، عقب وفاة الشاعر الكونغولي الراحل أوتامسي الذي كان أحد رواد فعاليات أصيلة.
في عام 2007، توفيت زوجة مونيك رفيقة دربه، وشكل ذلك بالنسبة له مصاباً لم يتعافَ منه أبداً حتى رحيله.
كره الموت
عرف مونيك بكرهه الشديد للموت؛ ذلك أنه أطلق على إحدى مجموعاته الشعرية اسم «50 رباعية للتهكم على الموت». وفي سياق ذلك، كان يحب أن يردد: «لم نولد لنحيا، لقد ولدنا لنموت ذات يوم، وهذا يثيرني على الدوام».
وبسبب قلقه من مسألة الموت، سأل مونيك ذات يوم صديقه سنغور، الرئيس السنغالي الأسبق، عما يتطلبه الأمر للبقاء على قيد الحياة. فرد الشاعر الرئيس: «أن يكون لديك أطفال أو تكتب عملاً».
جوزيف... إدوارد
ولد إدوارد مونيك، واسمه الحقيقي جوزيف مارك ديفي مونيك، في 23 سبتمبر (أيلول) 1931، في فلاك في بورت لويس (جزر موريشيوس)، وسط عائلة خلاسية. وإدوارد اسم مستعار من الأمير إدوارد الذي صار ملك إنجلترا، وأثار إعجاب سكان موريشيوس بشدة خلال زيارته للجزيرة في عقد الثلاثينيات من القرن الماضي. وجعل مونيك من انتمائه الخلاسي علامة تجارية لأعماله الأدبية والشعرية.
مصدر إلهام
شكلت جزيرة موريشيوس مصدر إلهام رئيسي له، وقد قال عنها ذات يوم إن «الجزيرة تخصبني». وحتى في منفاه الباريسي، لم يكن الشاعر مونيك بعيداً جداً عن البحر. ويقول في هذا الصدد: «المنفى المطرود / البحر ليس هنا / ومع ذلك لا أعرف / لماذا أسمع الأمواج»، وذلك في حنين دائم لطفولته وشبابه في الجزيرة، إذ إن الحياة اليومية في بورت لويس، حيث استقرت عائلة مونيك، كان يتخللها هدير البحر وحضور دائم للبحر.
ويعود تاريخ أول قصائد مونيك المنشورة في الصحف المحلية إلى عام 1948. ولكن بعد 6 سنوات، وبالضبط في عام 1954، نشر «الشاب إدوارد» مجموعته الشعرية الأولى «هذه طيور من دم» على حسابه الخاص. بيد أن مونيك لم يهتم بهذا العمل إلا بشكل معتدل لأنه أبعده عن طموحه بالذهاب وممارسة موهبته الشعرية في باريس؛ شعر مونيك بالضيق في جزيرته، وكان يأمل في أن يتمكن من مواصلة حياته المهنية في عاصمة النور. وفي ربيعه التاسع والعشرين، حصل مونيك، أخيراً، على تذكرة سفر إلى فرنسا، البلد الذي ظل يحلم به كثيراً، وتمنى أن يمضي على خطى شعراء عظام، مثل بودلير وأبولينير وبول فاليري.
الحضور الأفريقي
هكذا، حل مونيك بباريس الحلم قادماً من جزيرته النائية مفلساً، واضطر من أجل لقمة العيش أن يعمل في وظائف غريبة لفترة طويلة، والبقاء على قيد الحياة في انتظار أيام أفضل. وبدأت تباشير ذلك حينما حصل على عمل مستقل في الإذاعة والتلفزيون الفرنسيين (RFI، Antenne 2)، وأخذ يتردد على دار النشر Présence Africaine (الحضور الأفريقي) التي يشرف عليها مؤسسها السنغالي أليون ديوب، إذ كان مقرها الرئيسي يوجد في قلب الحي اللاتيني، بصفته مكان التقاء المثقفين الأفرو-كاريبيين والنخبة الباريسية من اليسار.
من خلال دار النشر هذه، أصبح مونيك صديقاً لسنغور وإيمي سيزير، وهما الاسمان الرئيسيان في حركة الزنوج. وبإلحاح من هذا الثنائي المرموق الذي لم يستطع أليون ديوب رفض أي شيء له، ستنشر «الحضور الأفريقي» عدة مجلدات من قصائد هذا الشاعر الموريشي الذي كان آنذاك لا يزال غير معروف لدى عامة الناس. بيد أن الاعتراف سيأتي في عام 1964، بمقال للشاعر الفرنسي آلان بوسكيه في مجلة «كومبا» (Combat)، دعا فيه عامة الناس لاكتشاف «المناطق الاستوائية المبهجة» لمونيك دون تأخير.
وتوالت إصدارات المجاميع الشعرية لمونيك، ومنها: «ركوب البحر» (1964)، «إلى أرض اليوروبا» (1965)، «المد والجزر» أو «كتاب البحر والموت» (1966)، «أطلق النار علي» (1970)، «مشمس مشرق» (1976)، «في ذكرى لا تنسى» (1979)، «أرخبيل الصحراء» (1982)، «قفزة في قوس قزح» (1985)، «مانديلا حياً وميتاً» (1987)، «كلمات لدفع البحر» (1988)، «هي وجزيرة نفس العاطفة» (2001)، «حرق للعيش - حرق من أجل البقاء» (2004)، «50 رباعية للتهكم على الموت - الصمت المضاد» (2006).
لست ثورياً بل متمرداً
وتكشف هذه الأعمال الشعرية عن نزعة مونيك الإنسانية، وارتباطه بجميع النضالات الكبرى في عصره (الفصل العنصري، والعنصرية، وحرب بيافرا، وحرب فيتنام، والإمبريالية)؛ كان يحب أن يقول: «أنا لست ثورياً، لكنني متمرد». فارق بسيط مهم، لأن «الثورة مؤقتة، على عكس التمرد الدائم».
ولم يكن مونيك شاعراً فقط، بل كان أيضاً موظفاً مدنياً دولياً في منظمة اليونيسكو (1982-1993)، وعمل صحافياً إذاعياً، وكذلك في الصحافة المكتوبة، خاصة في مجلة «Jeune Afrique» (أفريقيا الفتية)، حيث كان رئيس تحريرها بين عامي 1994 و1995.
كما عمل سفيراً لبلاده لدى جنوب أفريقيا، وقدم أوراق اعتماده إلى نيلسون مانديلا الذي أعجب به كثيراً لدرجة أنه طلب منه بعد انتهاء مأموريته الدبلوماسية أن يستقر في بلاده، ويجعل من جنوب أفريقيا «مكانه الإبداعي». وبالفعل، ظل مونيك مقيماً في هذا البلد الأفريقي مدة 12 عاماً، قبل أن يعود عام 2009 للاستقرار في باريس، حلمه القديم. فمات فيها بعدما كان يمني النفس بالوفاة في جزيرته البعيدة.
الارتباط بأصيلة
وارتبط مونيك بمدينة أصيلة المغربية، حيث شارك في كثير من مواسمها الثقافية، وحضر الحفل التكريمي الكبير الذي أقيم لصديقه سنغور عام 1987 في أصيلة. كما ساهم في أغسطس (آب) 1991 في ندوة «التجانس الثقافي: نموذج البرازيل» التي ترأسها الكاتب البرازيلي الراحل خورخي أمادو.



«سأقتل كل عصافير الدوري» للكاتبة العُمانيّة هدى حمد

هدى حمد
هدى حمد
TT

«سأقتل كل عصافير الدوري» للكاتبة العُمانيّة هدى حمد

هدى حمد
هدى حمد

صدرت حديثاً عن «منشورات تكوين» في الكويت متوالية قصصية بعنوان «سأقتل كل عصافير الدوري» للكاتبة العُمانيّة هدى حمد. وتأتي هذه المتوالية بعد عدد من الروايات والمجموعات القصصية، منها: «نميمة مالحة» (قصص)، و«ليس بالضبط كما أريد» (قصص)، و«الأشياء ليست في أماكنها» (رواية)، و«الإشارة برتقاليّة الآن» (قصص)، «التي تعدّ السلالم» (رواية)، «سندريلات في مسقط» (رواية)، «أسامينا» (رواية)، و«لا يُذكَرون في مَجاز» (رواية).

في أجواء المجموعة نقرأ:

لم يكن ثمّة ما يُبهجُ قلبي أكثر من الذهاب إلى المصنع المهجور الذي يتوسطُ حلّتنا. هنالك حيث يمكن للخِرق البالية أن تكون حشوة للدُّمى، ولقطع القماش التي خلّفها الخياط «أريان» أن تكون فساتين، وللفتية المُتسخين بالطين أن يكونوا أمراء.

في المصنع المهجور، ينعدمُ إحساسنا بالزمن تماماً، نذوب، إلا أنّ وصول أسرابٍ من عصافير الدوري بشكلٍ متواترٍ لشجر الغاف المحيط بنا، كان علامة جديرة بالانتباه، إذ سرعان ما يعقبُ عودتها صوتُ جدي وهو يرفع آذان المغرب. تلك العصافير الضئيلة، التي يختلطُ لونها بين البني والأبيض والرمادي، تملأ السماء بشقشقاتها الجنائزية، فتعلنُ انتهاء اليوم من دون مفاوضة، أو مساومة، هكذا تتمكن تلك الأجنحة بالغة الرهافة من جلب الظُلمة البائسة دافعة الشمس إلى أفولٍ حزين.

في أيامٍ كثيرة لم أعد أحصيها، تحتدُّ أمّي ويعلو صوتها الغاضب عندما أتأخر: «الغروبُ علامة كافية للعودة إلى البيت»، فأحبسُ نشيجي تحت بطانيتي البنية وأفكر: «ينبغي قتل كلّ عصافير الدوري بدمٍ بارد».

وهدى حمد كاتبة وروائيّة عُمانيّة، وتعمل حالياً رئيسة تحرير مجلة «نزوى» الثقافية.