عون الرئيس... «جنرال سابق» ولو بمفعول رجعي

TT

عون الرئيس... «جنرال سابق» ولو بمفعول رجعي

ثبت بالملموس أن رئيس الجمهورية ميشال عون يضيق ذرعاً بالرأي الآخر، حتى لو جاء على لسان البطريرك الماروني بشارة الراعي في عظته الأخيرة، بدعوته لإعطاء الأولوية لتشكيل الحكومة لا للتدقيق الجنائي الذي يصر عون على إدراجه بنداً أساسياً على جدول أعماله، مستعصياً بموقفه على الإجماع الدولي والعربي الذي يطالبه بإسقاط شروطه التي تعيق تشكيلها، إفساحاً في المجال أمام انتقال البلد من مرحلة الانهيار الشامل إلى مرحلة التعافي المالي والاقتصادي المشروطة بتبني مبادرة الإنقاذ التي طرحها الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون.
فالرئيس عون الذي غمز على موقعه الخاص تحت اسم «الجنرال» من قناة البطريرك الراعي لم يفعل فعله إلا عن سابق تصور وتصميم، كأنه قرر أن يعيد التاريخ نفسه عندما صب جام غضبه على سلفه البطريرك الراحل نصر الله بطرس صفير في أثناء توليه رئاسة الحكومة العسكرية (1989).
وفي هذا السياق، تقول مصادر سياسية واسعة الاطلاع إن رد فعل عون الغاضب على الراعي لم يكن بسبب موقف الأخير من التدقيق الجنائي، وإنما جاء نتيجة تراكمات سياسية بين بعبدا وبكركي التي سجلت اعتراضها على طريقته في التعاطي مع ملف تشكيل الحكومة، وكانت في موقفها أقرب إلى وجهة نظر الرئيس المكلف سعد الحريري، وأيضاً على استهدافه للمصارف بتوجيه رزمة من الاتهامات باتت تهدد النظام المصرفي، وإن من خلال حملته على حاكم مصرف لبنان رياض سلامة.
وتؤكد المصادر أن بكركي لم تدافع عن سلامة بمقدار ما أنها تتخوف من الحملة التي تستهدف المصارف المملوكة بمعظمها من المسيحيين، وتقول إن مواقف الراعي أحدثت نقزة لدى عون، والفريق السياسي المحسوب عليه، خصوصاً أنها قوبلت باحتضان دولي وعربي ومحلي، وهذا ما عكسه وزير الخارجية المصرية سامح شكري عندما توجه إليه قائلاً إن بكركي تشكل نقطة ارتكاز في العمل الوطني السياسي، خصوصاً أن دعوات الراعي لحياد لبنان الإيجابي، وعقد مؤتمر دولي خاص بلبنان برعاية الأمم المتحدة، تلقى آذاناً صاغية لدى المجتمع الدولي.
وتلفت إلى أن عون قرر الدخول في معركة تصفية حسابات مع بكركي، تتجاوز موقف الراعي من تشكيل الحكومة إلى القضايا ذات الصلة المباشرة بإعادة بناء الدولة، وتقول إن بكركي تحولت إلى منبر وطني تلتقي تحت سقفه الأضداد لأن صاحبها يحمل هموم اللبنانيين، ويتوجه إليهم بخطاب شامل جامع، بخلاف بعبدا التي حولها الفريق السياسي المحسوب على عون، ورئيس «التيار الوطني الحر» النائب جبران باسيل، إلى منبر من لون واحد لا هم لديه سوى إلغاء الآخرين، و«تحرير» لبنان من خصومهم السياسيين.
وتؤكد المصادر نفسها أن عون فرط بمرجعيته الجامعة للبنانيين، وتخلى عن دوره في رعايته للحوار للتوفيق بين الأطراف الذين هم على اختلاف في وجهات النظر، بدلاً من انحيازه على بياض لمصلحة وريثه السياسي باسيل، وهذا ما أتاح لبكركي القيام بدور المحاور الجامع للبنانيين انطلاقاً من اعتراف غالبية القوى السياسية بمرجعيتها الوطنية.
وتستغرب أن يخاطب عون اللبنانيين، في رسالته الأخيرة من موقع الجنرال، وتسأل ما إذا كان الحنين قد عاد به إلى الظروف القاسية التي حلت بلبنان في أثناء توليه رئاسة الحكومة العسكرية، مع أن المقارنة بين الأمس واليوم ليست في محلها، ومن غير الجائز في موقعه الرئاسي أن يستحضر الانقسام الطائفي والمذهبي الذي ضرب البلد طوال الحقبة السياسية الماضية.
وتضيف أنه لا مصلحة لعون، من منطلق وطني، في أن يُقحم نفسه في مقارنة بين جنرال كان يقف على رأس حكومة عسكرية ورئيس منتخب يتربع على سدة الرئاسة الأولى منذ أكثر من أربع سنوات، وتقول إن الظروف السياسية التي كانت سائدة في السابق غير الظروف الراهنة، وبالتالي لا مجال للمقارنة، خصوصاً أنه لا يوجد اليوم إلا جنرال واحد على رأس المؤسسة العسكرية اسمه العماد جوزيف عون الذي يحظى بثقة اللبنانيين، وأيضاً معظم القوى السياسية، بعد أن أثبت أن حزبه الوحيد هو الجيش الذي يحرص على تعزيز دوره لحماية الاستقرار، وتحصينه بالتعاون مع القوى الأمنية الأخرى، على الرغم مما يعانيه اقتصادياً واجتماعياً، أسوة بالسواد الأعظم من اللبنانيين.
وبكلام آخر، فإن مجرد حنين «الجنرال» السابق إلى الماضي المأساوي يعني من وجهة نظر خصومه أنه محاولة للهروب إلى الوراء، ولن يكون من مفعول رجعي لحروب الإلغاء والتحرير التي قادها عون خلال رئاسته للحكومة العسكرية.
وعليه، فإن الظروف التي رافقت توليه لرئاسة الحكومة العسكرية لم تعد قائمة، بعد أن تحرر لبنان من أعباء الوصاية السورية المفروضة عليه، وحُلت الميليشيات والأذرع العسكرية للأحزاب، باستثناء «حزب الله» الذي يحتفظ بسلاحه تحت ستار مقاومته للاحتلال الإسرائيلي لتحرير مزارع شبعا وتلال كفرشوبا والجزء اللبناني من بلدة الغجر، وبات الحليف الأوحد لعون وتياره السياسي، بعد أن أقحمه باسيل في اشتباكات سياسية متنقلة لم تترك له حليفاً.
كذلك فإن عون كان يستمد «قوته» في السابق من انقسام اللبنانيين على أساس مذهبي وطائفي، وهذا لم يعد قائماً، ليس بعد التوافق على اتفاق «الطائف» فحسب، وإنما لانتفاء الأسباب «المشروعة» لتطييف الخلاف، وهذا ما لمسه عون في عدم قدرته على تطييف الخلاف حول تشكيل الحكومة، في ضوء رأس الحربة التي شكلها الراعي من خلال خطابه الجامع، التي قطعت الطريق على من راهن على شد العصب المسيحي، تحت عنوان استرداد حقوق المسيحيين، واسترداد الصلاحيات المناطة برئيس الجمهورية.
لذلك فإن عون -بحسب المصادر- يستعصي وحيداً، بدعم حليفه «حزب الله»، على المجتمع الدولي الذي يضغط لتشكيل الحكومة، فهل يبقى يغرد خارج الإجماع الأممي؟ وما الأدوات التي يستقوي بها للانقلاب على الإرادة الدولية؟ مع فارق وحيد بين الأمس البعيد واليوم القريب يكمن في مراعاته إلى أقصى الحدود لصهره باسيل الذي يمعن في تعطيلها، ولن يفرج عنها إلا بتسليم الآخرين بشروطه التي تأتي على قياسه، وتعيد الاعتبار له بصفته رقماً صعباً في المعادلة الداخلية؛ وهذا من سابع المستحيلات.



السيسي: الربط الكهربائي مع السعودية نموذج للتعاون الإقليمي

اجتماع الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي مع مدبولي ووزيري الكهرباء والبترول (الرئاسة المصرية)
اجتماع الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي مع مدبولي ووزيري الكهرباء والبترول (الرئاسة المصرية)
TT

السيسي: الربط الكهربائي مع السعودية نموذج للتعاون الإقليمي

اجتماع الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي مع مدبولي ووزيري الكهرباء والبترول (الرئاسة المصرية)
اجتماع الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي مع مدبولي ووزيري الكهرباء والبترول (الرئاسة المصرية)

أكد الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي أن مشروع الربط الكهربائي مع المملكة العربية السعودية نموذج لتكامل التعاون في مجال الطاقة على المستوى الإقليمي، وبين مصر والمملكة خصيصاً. وأضاف: «كما يعد المشروع نموذجاً يحتذى به في تنفيذ مشروعات مماثلة مستقبلاً للربط الكهربائي»، موجهاً بإجراء متابعة دقيقة لكافة تفاصيل مشروع الربط الكهربائي مع السعودية.

جاءت تأكيدات السيسي خلال اجتماع مع رئيس مجلس الوزراء المصري مصطفى مدبولي، ووزيري الكهرباء والطاقة المتجددة، محمود عصمت، والبترول والثروة المعدنية، كريم بدوي. وحسب إفادة لـ«الرئاسة المصرية»، الأحد، تناول الاجتماع الموقف الخاص بمشروعات الربط الكهربائي بين مصر والسعودية، في ظل ما تكتسبه مثل تلك المشروعات من أهمية لتعزيز فاعلية الشبكات الكهربائية ودعم استقرارها، والاستفادة من قدرات التوليد المتاحة خلال فترات ذروة الأحمال الكهربائية.

وكانت مصر والسعودية قد وقعتا اتفاق تعاون لإنشاء مشروع الربط الكهربائي في عام 2012، بتكلفة مليار و800 مليون دولار، يخصّ الجانب المصري منها 600 مليون دولار (الدولار يساوي 49.65 جنيه في البنوك المصرية). وقال رئيس مجلس الوزراء المصري، خلال اجتماع للحكومة، منتصف أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، إن خط الربط الكهربائي بين مصر والسعودية سيدخل الخدمة في مايو (أيار) أو يونيو (حزيران) المقبلين. وأضاف أنه من المقرر أن تكون قدرة المرحلة الأولى 1500 ميغاواط.

ويعد المشروع الأول من نوعه لتبادل تيار الجهد العالي في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، من مدينة بدر في مصر إلى المدينة المنورة مروراً بمدينة تبوك في السعودية. كما أكد مدبولي، في تصريحات، نهاية الشهر الماضي، أن مشروع الربط الكهربائي مع السعودية، الذي يستهدف إنتاج 3000 ميغاواط من الكهرباء على مرحلتين، يعد أبرز ما توصلت إليه بلاده في مجال الطاقة.

وزير الطاقة السعودي يتوسط وزيري الكهرباء والبترول المصريين في الرياض يوليو الماضي (الشرق الأوسط)

فريق عمل

وفي يوليو (تموز) الماضي، قال وزير الكهرباء والطاقة المتجددة المصري، خلال لقائه وزير الطاقة السعودي، الأمير عبد العزيز بن سلمان، في الرياض، إن «هناك جهوداً كبيرة من جميع الأطراف للانتهاء من مشروع الربط الكهربائي المصري - السعودي، وبدء التشغيل والربط على الشبكة الموحدة قبل بداية فصل الصيف المقبل، وفي سبيل تحقيق ذلك فإن هناك فريق عمل تم تشكيله لإنهاء أي مشكلة أو عقبة قد تطرأ».

وأوضحت وزارة الكهرباء المصرية حينها أن اللقاء الذي حضره أيضاً وزير البترول المصري ناقش عدة جوانب، من بينها مشروع الربط الكهربائي بين شبكتي الكهرباء في البلدين بهدف التبادل المشترك للطاقة في إطار الاستفادة من اختلاف أوقات الذروة وزيادة الأحمال في الدولتين، وكذلك تعظيم العوائد وحسن إدارة واستخدام الفائض الكهربائي وزيادة استقرار الشبكة الكهربائية في مصر والسعودية.

ووفق المتحدث الرسمي باسم الرئاسة المصرية، محمد الشناوي، الأحد، فإن اجتماع السيسي مع مدبولي ووزيري الكهرباء والبترول تضمن متابعة مستجدات الموقف التنفيذي لمحطة «الضبعة النووية»، في ظل ما يمثله المشروع من أهمية قصوى لعملية التنمية الشاملة بمصر، خصوصاً مع تبنى الدولة استراتيجية متكاملة ومستدامة للطاقة تهدف إلى تنويع مصادرها من الطاقة المتجددة والجديدة، بما يسهم في تحسين جودة الخدمات المقدمة للمواطنين.

وأكد السيسي أهمية العمل على ضمان سرعة التنفيذ الفعال لمشروعات الطاقة المختلفة باعتبارها ركيزة ومحركاً أساسياً للتنمية في مصر، مشدداً على أهمية الالتزام بتنفيذ الأعمال في محطة «الضبعة النووية» وفقاً للخطة الزمنية المُحددة، مع ضمان أعلى درجات الكفاءة في التنفيذ، فضلاً عن الالتزام بأفضل مستوى من التدريب وتأهيل الكوادر البشرية للتشغيل والصيانة.

وتضم محطة الضبعة، التي تقام شمال مصر، 4 مفاعلات نووية، بقدرة إجمالية تبلغ 4800 ميغاوات، بواقع 1200 ميغاوات لكل مفاعل. ومن المقرّر أن يبدأ تشغيل المفاعل النووي الأول عام 2028، ثم تشغيل المفاعلات الأخرى تباعاً.

جانب من اجتماع حكومي سابق برئاسة مصطفى مدبولي (مجلس الوزراء المصري)

تنويع مصادر الطاقة

وتعهدت الحكومة المصرية في وقت سابق بـ«تنفيذ التزاماتها الخاصة بالمشروع لإنجازه وفق مخططه الزمني»، وتستهدف مصر من المشروع تنويع مصادرها من الطاقة، وإنتاج الكهرباء، لسد العجز في الاستهلاك المحلي، وتوفير قيمة واردات الغاز والطاقة المستهلكة في تشغيل المحطات الكهربائية.

وعانت مصر من أزمة انقطاع للكهرباء خلال أشهر الصيف، توقفت في نهاية يوليو الماضي بعد توفير الوقود اللازم لتشغيل المحطات الكهربائية. واطلع السيسي خلال الاجتماع، الأحد، على خطة العمل الحكومية لضمان توفير احتياجات قطاع الكهرباء من المنتجات البترولية، وانتظام ضخ إمدادات الغاز للشبكة القومية للكهرباء، بما يحقق استدامة واستقرار التغذية الكهربائية على مستوى الجمهورية وخفض الفاقد.

ووجه بتكثيف الجهود الحكومية لتعزيز فرص جذب الاستثمارات لقطاع الطاقة، وتطوير منظومة إدارة وتشغيل الشبكة القومية للغاز، بما يضمن استدامة الإمدادات للشبكة القومية للكهرباء والقطاعات الصناعية والخدمية، وبتكثيف العمل بالمشروعات الجاري تنفيذها في مجال الطاقة المتجددة، بهدف تنويع مصادر إمدادات الطاقة، وإضافة قدرات جديدة للشبكة الكهربائية، بالإضافة إلى تطوير الشبكة من خلال العمل بأحدث التقنيات لاستيعاب ونقل الطاقة بأعلى كفاءة وأقل فقد.