هجوم جديد يستهدف منشأة نطنز لتخصيب اليورانيوم... وطهران تلوّح بالرد

بعد ساعات من الغموض، أكدت إيران تعرض منشأة نطنز لتخصيب اليورانيوم، فجر أمس، لهجوم جديد وصفته بـ«الإرهاب النووي»، وذلك بعد ساعات من تأكيدها قطع التيار الكهربائي في المنشأة جراء «حادث»، معلنة أنها تحتفظ «بحق الرد»، من دون اتهام أي الطرف، في وقت عدت فيه مصادر غربية وإسرائيلية أن نطنز تعرضت لـ«هجوم إلكتروني» وراءه «الموساد».
ونقل التلفزيون الرسمي عن رئيس منظمة الطاقة الذرية الإيرانية، علي أكبر صالحي، قوله إن الحادث الذي تعرضت له منشأة نطنز النووية، اليوم (الأحد)، كان نتيجة عمل «إرهابي»، مضيفاً في بيان أن «على المجتمع الدولي والوكالة الدولية للطاقة الذرية التعامل مع ما وصفه بالإرهاب النووي»، مؤكداً أن «إيران تحتفظ بحقها في الرد على مرتكبي هذا العمل»، حسب «رويترز».
وقال صالحي إن ما حدث في مفاعل نطنز «يظهر فشل معارضي التقدم الصناعي والسياسي في البلاد في منع التطور الكبير للصناعة النووية من جهة، والمفاوضات الناجحة لرفع الحظر الجائر من جهة أخرى»، مشيراً إلى المفاوضات الجارية حالياً في فيينا، الرامية إلى إعادة الولايات المتحدة إلى الاتفاق الدولي حول النووي الإيراني. وأكد أنه «من أجل إفشال أهداف هذه الحركة الإرهابية، ستواصل الجمهورية الإسلامية الإيرانية بشكل جدي توسيع التكنولوجيا النووية من جهة، والعمل لرفع الحظر الجائر من جهة أخرى».
ولم يتهم صالحي أي جماعة أو دولة بتنفيذ الاعتداء، كما أنه لم يعطِ أي تفاصيل حول وضع المنشآت المستهدفة.
ومن شأن الحادث أن يلقي بظلاله على مستقبل مباحثات فيينا التي بدأت الثلاثاء وانتهت الجمعة من الأسبوع الماضي، على أن تعود الوفود المفاوضة لأطراف الاتفاق النووي الأربعاء إلى فيينا. وأصرت إيران بعد حادث يوليو (تموز) الماضي، واغتيال محسن فخري زاده نائب وزير الدفاع العقل المدبر للأبعاد العسكرية في البرنامج النووي الإيراني، على انتزاع «تنديد دولي» من مجلس محافظي الوكالة الدولية للطاقة الذرية ومنظمات دولية أخرى.
وفي إسرائيل، أفادت «القناة 13» الإسرائيلية، عن مصادر استخباراتية غربية لم تذكر جنسيتها، بأن «الموساد يقف وراء الهجوم على منشأة نطنز النووية»، وأن «الهجوم تسبب في أضرار جسيمة لقلب مشروع التخصيب في إيران».
وبدورها، كشفت صحيفة «جيروزاليم بوست» أن الحادث الذي وقع في نطنز لم يكن «حادثاً»، وأن «الضرر كان أكبر بكثير مما كانت إيران تعرضه للجمهور في البداية». وأفات عن «مصادر غربية» بأن «المنشأة تعرضت لهجوم إلكتروني».
وكانت وكالة «فارس»، «رأس الحربة» في إعلام «الحرس الثوري»، أول من أذاع الخبر أمس، نقلاً عن المتحدث باسم المنظمة الإيرانية للطاقة الذرية، بهروز كمالوندي، الذي أبلغ الوكالة بـ«انقطاع في التيار الكهربائي» بالمنشأة المحصنة في محافظة أصفهان (وسط إيران).
وفي وقت لاحق، قال كمالوندي، في مقابلة عبر الهاتف مع التلفزيون الحكومي، إن منشأة نطنز «تعرضت لحادث فجر الأحد، في جزء من الدائرة الكهربائية لمحطة التخصيب»، دون أن يكشف عن طبيعته. لكنه أضاف: «هناك انقطاع في التيار الكهربائي (...) لكننا لا نعرف السبب»، مما يشير إلى أن التيار الكهربائي ما زال مقطوعاً حتى ظهر الأحد، بحسب وكالة الصحافة الفرنسية.
ولم يحدد كمالوندي ما إذا كانت الكهرباء مقطوعة فقط في معمل التخصيب، أو في منشآت أخرى من منشأة نطنز. وقال «لحسن الحظ، لم يسفر ذلك عن وفيات أو إصابات أو تلوث. لا توجد مشكلات معينة، ويجري التحقيق في الحادث»، موضحاً أنه «لا مزيد من المعلومات في الوقت الحالي».
وجاء الحادث غداة تدشين إيران صالة جديدة لتجميع أجهزة طرد مركزي متقدمة يحظرها الاتفاق النووي لعام 2015، عوضاً عن صالة نشب فيها حريق في يوليو (تموز) الماضي، قالت إيران إنه كان محاولة لتخريب برنامجها النووي، دون أن تقدم حتى الآن أي تفاصيل عن نتائج التحقيق.
ومن جانبه، قال النائب المتحدث باسم اللجنة البرلمانية للطاقة، مالك شريعتي نياسر، في تغريدة على «تويتر»: «هذا الحادث الذي وقع في (غداة) اليوم الوطني للتكنولوجيا النووية، بينما تحاول إيران إجبار الغرب على رفع العقوبات، مشكوك جداً في أنه تخريب أو تغلغل»، مضيفاً أن البرلمان «يتابع أبعاد وتفاصيل» الحادث.
و«التغلغل» عادة إشارة ضمنية يستخدمها المسؤولون الإيرانيون للإشارة إلى احتمال دور عناصر داخلية، وهو الأمر الذي حدث بالفعل بعد تعرض نطنز لحادث غامض في يوليو (تموز) الماضي.
وأول من أمس، وضعت إيران في الخدمة أجهزة طرد مركزي تتيح تخصيب اليورانيوم بسرعة أكبر، ودشن الرئيس الإيراني، حسن روحاني، رسمياً سلسلة من 164 جهازاً للطرد المركزي من نوع «آي آر - 6» في نطنز. كما أطلق تغذية بغاز اليورانيوم لسلسلتين أخريين: تتضمن الأولى 30 جهازاً من نوع «آي آر - 5»، والثانية 30 جهازاً من نوع «آي آر - 6»، لاختبارها. وأطلق اختبارات للتحقق من «الاستقرار الميكانيكي» للجيل الأخير من أجهزة الطرد المركزي الإيرانية «آي آر - 9».
ويقول مهندسو منظمة الطاقة الذرية الإيرانية إن الأجهزة «آي آر - 6» و«آي آر - 9» أقوى بعشر مرات وخمسين مرة، على التوالي، من طراز «آي آر - 1» التي يسمح الاتفاق النووي بتشغيل 5060 جهاز طرد مركزي منها، مثبتة في 30 سلسلة متتالية.
ومنذ بدئها بانتهاك الاتفاق النووي في مايو (أيار) 2019، رداً على الانسحاب الأميركي، تؤكد الوكالة الدولية للطاقة الذرية أن إيران تشغل 696 جهاز طرد مركزي من طراز «آي آر - 2 إم) مثبتة في 4 مجموعات متتالية، و174 جهاز طرد مركزي من طراز «آي آر - 4» مثبتة في سلسلة واحدة لتخصيب سادس فلوريد اليورانيوم الطبيعي.
ورفعت إيران نسبة تخصيب اليورانيوم من 3.67 في المائة التي يسمح بها الاتفاق النووي، إلى 4.5 في المائة، قبل أن يقفز مستوى التخصيب إلى نسبة 20 في المائة منذ يناير (كانون الثاني) الماضي، وأنتجت منه 55 كيلوغراماً حتى الأسبوع الماضي.
وقال كبير المفاوضين الإيرانيين، عباس عراقجي، إن الأنشطة الحالية «لن توقف ولن تنخفض» ما لم ترفع العقوبات الأميركية التي فرضتها الإدارة السابقة مرة واحدة.
وفي عام 2010، تم اكتشاف فيروس الكومبيوتر «ستاكسنت» الذي يُعتقد على نطاق واسع أن الولايات المتحدة وإسرائيل طورتاه، وذلك بعد استخدامه لمهاجمة نطنز. وهذا الحادث الثاني في أقل من عام الذي تبلغ عنه السلطات الإيرانية. وفي يوليو (تموز) الماضي، هز انفجار غامض صالة فوق الأرض لتجميع أجهزة الطرد المركزي في منشأة نطنز، وأعلن المجلس الأعلى للأمن القومي في الأيام الأولى أن السبب في الحريق تحدد، لكن سيُعلن في وقت مناسب لدواعٍ أمنية.
وفي ديسمبر (كانون الأول) الماضي، أظهرت صور الأقمار الصناعية أن إيران بدأت بتوسع جديد تحت جبال منشأة نطنز، قدر الخبراء أن يكون موقع التجميع الجديد لأجهزة الطرد المركزي.
وقال بعض المسؤولين الإيرانيين إن الحادث قد يكون بسبب عمل تخريبي إلكتروني، فيما حذر أحدهم من أن طهران ستنتقم من أي دولة تشن مثل هذه الهجمات ضدها. وتناول مقال نشرته وكالة «إرنا» الرسمية، في يوليو (تموز)، ما وصفه بالتخريب المحتمل من أعداء مثل إسرائيل والولايات المتحدة، على الرغم من أنه لم يصل إلى حد توجيه اتهام مباشر لأي منهما.
وكانت صحيفة «نيويورك تايمز» قد نقلت، الاثنين، عن «مسؤول شرق أوسطي»، أن إسرائيل مسؤولة عن زرع قنبلة قوية أدت إلى انفجار في نطنز. ونقلت الصحيفة، عن مسؤول في «الحرس الثوري» أيضاً، أن الحادثة جرت باستخدام مواد متفجرة، لكنه أشار أيضاً إلى تحقيق في فرضيتي إصابة المنشأة بصاروخ «كروز» أو «طائرة من دون طيار».
ونقلت «رويترز» حينذاك عن 3 مسؤولين إيرانيين أنهم يعتقدون أن الحريق نجم عن هجوم إلكتروني، لكنها لم تقدم دليلاً على ذلك.
وفي نهاية نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، رشق مسلحون، في الضاحية الشرقية لطهران العاصمة، سيارة محسن فخري زاده بوابل من الرصاص، وذلك وسط حراسة مشددة. ولم تعلن السلطات الإيرانية بعد نتائج التحقيق حول اغتياله، وسط تضارب الروايات بين وزارة الاستخبارات الإيرانية والقوات الموازية لها، جهاز استخبارات «الحرس الثوري».
وفي سبتمبر (أيلول) الماضي، قال المتحدث باسم الحكومة، علي ربيعي، إن الأجهزة الأمنية الإيرانية تدرس «فرضية قوية» حول دور عناصر داخلية في الحادث. وشدد على أن «العمليات التخريبية مؤكدة»، مشيراً إلى وجود «فرضيات عدة»، في ظل «تعقيدات في العمل التخريبي»، مؤكداً أن «أجهزة أمنية عدة في الأقسام المختلفة تدرس القضية».
وفي مطلع نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، قال وزير الاستخبارات، محمود علوي، إن عنصراً من القوات المسلحة الإيرانية ضالع في عملية الاغتيال. وقال في مقابلة مع التلفزيون الرسمي: «الشخص الذي قام بالتحضيرات الأولوية للاغتيال كان عنصراً من القوات المسلحة، ولم نكن قادرين على القيام بعمل استخباري في مجال القوات المسلحة»، لافتاً إلى أن الوزارة علمت بمكان الاغتيال قبل أيام، لكنها لم تحدد توقيته.
ولم تعلق إسرائيل رسمياً على اتهامها من قبل إيران بالوقوف خلف الاغتيال،
لكن صحيفة «جيويش كرونيكل»، اليهودية البريطانية، كشفت في تقرير نشرته في فبراير (شباط) الماضي تفاصيل جديدة عن خطة اغتيال فخري زاده، مؤكدة مسؤولية الاستخبارات الإسرائيلية. ونقلت عن مصادر أن جواسيس «الموساد» هربوا السلاح المتطور الذي يزن طناً، واستخدم في الاغتيال، قطعة قطعة إلى داخل إيران على مدى الأشهر الثمانية التي سبقت موعد تنفيذ العملية، مشيرة إلى مشاركة 20 جاسوساً.
ونقلت الصحيفة عن مصدر إسرائيلي: «إذا أصبح الموقف حرجاً (فيما يتعلق بالبرنامج النووي الإيراني)، فلن نطلب إذناً من أحد»، في إشارة إلى الولايات المتحدة. وأضاف: «سنقتل القنبلة».