ملف التجارب النووية الفرنسية يسمم العلاقات بين باريس والجزائر

في موقع التجارب النووية الفرنسية بعين أكرا بالصحراء الجزائرية (غيتي)
في موقع التجارب النووية الفرنسية بعين أكرا بالصحراء الجزائرية (غيتي)
TT

ملف التجارب النووية الفرنسية يسمم العلاقات بين باريس والجزائر

في موقع التجارب النووية الفرنسية بعين أكرا بالصحراء الجزائرية (غيتي)
في موقع التجارب النووية الفرنسية بعين أكرا بالصحراء الجزائرية (غيتي)

صبيحة 13 فبراير (شباط) 1960، استيقظ الجنرال ديغول في قصر الإليزيه باكراً جداً لمواكبة حدث تاريخي. وفي الساعة السابعة وأربع دقائق تماماً صاح قائلاً: «تحية لفرنسا. هي اليوم أقوى وأكثر شموخاً».
هذا كان تعليق ديغول على تفجير فرنسا أولى قنابلها النووية في الصحراء الجزائرية بقوة توازي أربعة أضعاف القنبلة التي ألقاها الأميركيون على هيروشيما في عام 1945. ومع ذاك التفجير، انضمت باريس إلى نادي الدول النووية ملتحقة بالولايات المتحدة والاتحاد السوفياتي وبريطانيا. واستمرت التجارب النووية الفرنسية في الجزائر حتى فبراير من عام 1966، بحيث إن باريس قامت بـ17 تفجيراً موزعة بين موقعين (رقان وعين إكر). اللافت أن 11 تجربة نووية من التجارب المذكورة جرت بعد حصول الجزائر على استقلالها. والسبب في ذلك أن اتفاقيات إيفيان الموقعة بين الحكومة الجزائرية المؤقتة والحكومة الفرنسية تضمنت نصاً يتيح لفرنسا الاستمرار في هذه التجارب حتى عام 2017. لكن الغريب فيها أنها كانت خالية من أي نص يلزم فرنسا بتنظيف المنطقة من النفايات النووية والأجهزة التي استخدمت وتبعات الإشعاعات والتعويض على الأشخاص الذين تضرروا منها.
طيلة سنوات، كان هذا الملف «غائباً» عن المواضيع الخلافية الكثيرة بين باريس والجزائر. إلا أنه، في السنوات الأخيرة، عاد إلى الواجهة وأخذ يطرح عندما تتوتر العلاقات بين البلدين إلى أن تحول إلى نقطة خلافية بارزة بينهما. وحسب معاهدة منع الأسلحة النووية، يتعين على البلدان المعنية أن «توفر المساعدة لضحايا التجارب النووية، واستخداماتها، وأن تعمل على تنظيف محيط المناطق الملوثة». غير أن باريس، مثلها مثل الدول النووية الأخرى، رفضت التصديق على هذه المعاهدة التي أقرت في عام 2017. وفي الفترة الأخيرة، صدرت عدة تقارير تبين الآثار المدمرة لتجارب الستينات النووية آخرها نشرته الصيف الماضي «الحملة الدولية لإلغاء الأسلحة النووية» بعنوان «النشاط الإشعاعي تحت الرمال». ويوفر التقرير الذي أعده الخبيران الفرنسيان باتريس بوفريه وجان ماري كولين، شرحاً كاملاً للمواد المشعة والأجهزة والآلات الملوثة التي استخدمت لإجراء التجارب. ويؤكد الخبيران أن التدابير المتخذة لم تكن كافية لحماية الأشخاص من الإشعاعات النووية التي دامت 13 يوماً. وتبين خريطة كشف النقاب عنها أن الإشعاعات الناتجة عن التفجير المسمى «الجربوع الأزرق» غطت كل منطقة المغرب العربي وبعض مناطق الصحراء، وامتدت إلى الشواطئ الإسبانية حتى جزيرة صقلية الإيطالية. وفي نجامينا، لوثت الإشعاعات مياه الشفة. كذلك، فإن تقريراً أعدته لجنة الشؤون الخارجية في مجلس الشيوخ الفرنسي عام 2008 أكد بدوره أن تدابير الحماية لم تكن كافية. وبسبب عدم توافر أرقام دقيقة، فإن التقديرات تفيد بأن ما بين 20 إلى 40 ألف شخص كانوا يقيمون في دائرة يبلغ شعاعها 200 كلم. والحال أنه منذ دخول قانون التعويض على ضحايا التفجيرات في عام 2010، فإن جزائرياً واحداً حصل على تعويضات من الحكومة الفرنسية، علماً بأن عدة مئات من الجزائريين عملوا لصالح البرنامج النووي الفرنسي.
في إطار مساعي التقارب بين باريس والجزائر، لا يمكن القفز فوق هذا الملف المتفجر. ومرة أخرى، وبمناسبة الزيارة التي قام بها رئيس الأركان الفرنسي الجنرال لوكوانتر إلى العاصمة الجزائرية، الخميس الماضي، طلب نظيره الجزائري الفريق سعيد شنقريحة، مساعدة فرنسا من أجل «إعادة تأهيل» مواقع التجارب الفرنسية. ودعا بيان صادر عن وزارة الدفاع الجزائرية، باريس، إلى «تحميل مسؤولياتها التاريخية»، والعمل على «تطهير» المواقع المعنية. وحسب المسؤول العسكري الجزائري، فإنه ينتظر من اجتماع المجموعة الفرنسية - الجزائرية المشتركة بمناسبة اجتماعها القادم في مايو (أيار)، تتكفل «بشكل نهائي إعادة تأهيل موقعي رقان وعين إكر». كذلك طالب شنقريحة بتوفير «الخرائط الطوبوغرافية للتمكن من تحديد مواقع دفن النفايات الملوثة أو الكيماوية غير المكتشفة حتى اليوم.
هل تتجاوب باريس؟ السؤال مطروح والفرضة تبدو متوافرة، نظراً لرغبة مشتركة بتنقية ملف العلاقات من رواسب الماضي التي تضم إعادة المحفوظات المتعلقة بمرحلة الاستعمار، وكشف مصير الجزائريين الذين فقدوا خلال حرب الاستقلال، ويقدر عددهم بـ2200 شخص، وأيضاً دفع التعويضات للمتضررين من التجارب النووية. باريس قامت بخطوات أولى، لكن المسار ما زال طويلاً ومتعثراً قبل الوصول إلى علاقات طبيعية من على ضفتي المتوسط.



«الجبهة الوطنية»... حزب مصري جديد يثير تساؤلات وانتقادات

مصريون بمحافظة القاهرة يشاركون في حملة جمع توكيلات لحزب «الجبهة الوطنية» الجديد (صفحة الحزب - فيسبوك)
مصريون بمحافظة القاهرة يشاركون في حملة جمع توكيلات لحزب «الجبهة الوطنية» الجديد (صفحة الحزب - فيسبوك)
TT

«الجبهة الوطنية»... حزب مصري جديد يثير تساؤلات وانتقادات

مصريون بمحافظة القاهرة يشاركون في حملة جمع توكيلات لحزب «الجبهة الوطنية» الجديد (صفحة الحزب - فيسبوك)
مصريون بمحافظة القاهرة يشاركون في حملة جمع توكيلات لحزب «الجبهة الوطنية» الجديد (صفحة الحزب - فيسبوك)

ما زال حزب «الجبهة الوطنية» المصري الجديد يثير انتقادات وتساؤلات بشأن برنامجه وأهدافه وطبيعة دوره السياسي في المرحلة المقبلة، خاصة مع تأكيد مؤسسيه أنهم «لن يكونوا في معسكر الموالاة أو في جانب المعارضة».

وكان حزب «الجبهة الوطنية» مثار جدل وتساؤلات في مصر، منذ الكشف عن اجتماعات تحضيرية بشأنه منتصف الشهر الماضي، انتهت بإعلان تدشينه في 30 ديسمبر (كانون الأول) الماضي.

وتمحورت التساؤلات حول أسباب ظهوره في هذه المرحلة، وهل سيكون بديلاً لحزب الأغلبية في البرلمان المصري (مستقبل وطن)، لا سيما أن مصر مقبلة على انتخابات برلمانية نهاية العام الجاري.

هذه التساؤلات حاول اثنان من مؤسسي الحزب الإجابة عنها في أول ظهور إعلامي مساء السبت، ضمن برنامج «الحكاية» المذاع على قناة «إم بي سي»، وقال وكيل مؤسسي حزب «الجبهة الوطنية» ووزير الإسكان المصري السابق عاصم الجزار، إن «الحزب هو بيت خبرة هدفه إثراء الفكر وإعادة بناء الوعي المصري المعاصر»، مؤكداً أن الحزب «لا يسعى للأغلبية أو المغالبة، بل يستهدف التأثير النوعي وليس الكمي».

وأضاف: «هدفنا تشكيل تحالف من الأحزاب الوطنية القائمة، إذ لن نعمل وحدنا»، معلناً استعداد الحزب الجديد، الذي لا يزال يستكمل إجراءات تأسيسه رسمياً، للتحالف مع «أحزاب الأغلبية مستقبل وطن وحماة وطن والمعارضة والمستقلين أيضاً بهدف خدمة المصلحة الوطنية»، مستطرداً: «لن نكون أداة لتمرير قرارات، بل أداة للإقناع بها».

وشدد الجزار على أن «الحزب لا ينتمي لمعسكر الموالاة أو للمعارضة»، وإنما «نعمل لمصلحة الوطن».

وهو ما أكده رئيس «الهيئة العامة للاستعلامات» بمصر وعضو الهيئة التأسيسية لحزب «الجبهة الوطنية»، ضياء رشوان، الذي قال: «سنشكر الحكومة عندما تصيب ونعارضها عندما تخطئ»، مشيراً إلى أن «مصر ليس لها حزب حاكم حتى يكون هناك حديث عن موالاة ومعارضة».

الانتقادات الموجهة للحزب ارتبطت بتساؤلات حول دوره في ظل وجود نحو 87 حزباً سياسياً، وفق «الهيئة العامة للاستعلامات»، منها 14 حزباً ممثلاً في البرلمان الحالي، يتصدرها حزب «مستقبل وطن» بأغلبية 320 مقعداً، يليه حزب «الشعب الجمهور» بـ50 مقعداً، ثم حزب «الوفد» بـ39 مقعداً، وحزب «حماة الوطن» بـ27 مقعداً، وحزب «النور» الإسلامي بـ11 مقعداً، وحزب «المؤتمر» بـ8 مقاعد.

ورداً على سؤال للإعلامي عمرو أديب، خلال برنامج «الحكاية»، بشأن ما إذا كان الحزب «طامحاً للحكم ويأتي بوصفه بديلاً لحزب الأغلبية»، قال رشوان: «أي حزب سياسي يسعى للحكم، لكن من السذاجة أن نقول إن حزباً يعمل على إجراءات تأسيسه اليوم سيحصد الأغلبية بعد 8 أو 10 أشهر»، مشيراً إلى أن «الحزب لن يعيد تجارب (الهابطين من السماء)». واستطرد: «لن نسعى للأغلبية غداً، لكن قد يكون بعد غد».

وأضاف رشوان أن «الحزب يستهدف في الأساس إعادة بناء الحياة السياسية في مصر بعد فشل تجربة نظام الحزب الواحد في مصر منذ عام 1952»، مشيراً إلى أن «الحزب يستهدف إحياء تحالف 30 يونيو (حزيران)»، لافتاً إلى أن «التفكير فيه هو ثمرة للحوار الوطني الذي أثار زخماً سياسياً».

طوال ما يزيد على ساعة ونصف الساعة حاول الجزار ورشوان الإجابة عن التساؤلات المختلفة التي أثارها إعلان تدشين الحزب، والتأكيد على أنه «ليس سُلمة للوصول إلى البرلمان أو الوزارة»، وليس «بوابة للصعود»، كما شددا على أن «حزب الجبهة يضم أطيافاً متعددة وليس مقصوراً على لون سياسي واحد، وأنه يضم بين جنباته المعارضة».

وعقد حزب «الجبهة الوطنية» نحو 8 اجتماعات تحضيرية على مدار الأسابيع الماضي، وتعمل هيئته التأسيسية، التي تضم وزراء ونواباً ومسؤولين سابقين، حالياً على جمع التوكيلات الشعبية اللازمة لإطلاقه رسمياً.

ويستهدف الحزب، بحسب إفادة رسمية «تدشين أكبر تحالف سياسي لخوض الانتخابات البرلمانية المقبلة، عبر صياغة تفاهمات سياسية واسعة مع الأحزاب الموجودة»، إضافة إلى «لمّ الشمل السياسي في فترة لا تحتمل التشتت».

ومنذ إطلاق الحزب تم ربطه بـ«اتحاد القبائل والعائلات المصرية» ورئيسه رجل الأعمال إبراهيم العرجاني، حتى إن البعض قال إن «الحزب هو الأداة السياسية لاتحاد القبائل». وعزز هذه الأحاديث إعلان الهيئة التأسيسية التي ضمت رجل الأعمال عصام إبراهيم العرجاني.

وأرجع الجزار الربط بين الحزب والعرجاني إلى أن «الاجتماعات التحضيرية الأولى للحزب كانت تجري في مكتبه بمقر اتحاد القبائل؛ كونه أميناً عاماً للاتحاد»، مؤكداً أن «الحزب لا علاقة له باتحاد القبائل». وقال: «العرجاني واحد من عشرة رجال أعمال ساهموا في تمويل اللقاءات التحضيرية للحزب». وأضاف: «الحزب لا ينتمي لشخص أو لجهة بل لفكرة».

وحول انضمام عصام العرجاني للهيئة التأسيسية، قال رشوان إنه «موجود بصفته ممثلاً لسيناء، ووجوده جاء بترشيح من أهل سيناء أنفسهم».

وأكد رشوان أن «البعض قد يرى في الحزب اختراعاً لكتالوج جديد في الحياة السياسية، وهو كذلك»، مشيراً إلى أن «الحزب يستهدف إعادة بناء الحياة السياسية في مصر التي يقول الجميع إنها ليست على المستوى المأمول».

بينما قال الجزار: «نحن بيت خبرة يسعى لتقديم أفكار وحلول وكوادر للدولة، ونحتاج لكل من لديه القدرة على طرح حلول ولو جزئية لمشاكل المجتمع».

وأثارت تصريحات الجزار ورشوان ردود فعل متباينة، وسط تساؤلات مستمرة عن رؤية الحزب السياسية، التي أشار البعض إلى أنها «غير واضحة»، وهي تساؤلات يرى مراقبون أن حسمها مرتبط بالانتخابات البرلمانية المقبلة.

كما رأى آخرون أن الحزب لم يكن مستعداً بعد للظهور الإعلامي.

بينما أشار البعض إلى أن «الحزب ولد بمشاكل تتعلق بشعبية داعميه»، وأنه «لم يفلح في إقناع الناس بأنه ليس حزب موالاة».

وقال مستشار مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية الدكتور عمرو الشوبكي لـ«الشرق الأوسط» إن «الحزب قدم حتى الآن كلاماً عاماً دون تصور أو رؤية واضحة للإصلاح التدريجي»، موضحاً أنه «من حيث المبدأ من حق أي جماعة تأسيس حزب جديد».

وبينما أكد الشوبكي أن ما عرضه المسؤولون عن الحزب الجديد بشأن «عدم طموحه للحكم لا يختلف عن واقع الحياة السياسية في مصر الذي يترك للدولة تشكيل الحكومة»، مطالباً «بتفعيل دور الأحزاب في الحياة السياسية»، فالمشكلة على حد تعبيره «ليست في إنشاء حزب جديد، بل في المساحة المتاحة للأحزاب».