شكري يشدد على تطبيق «الطائف» والدستور بعد تلويح جريصاتي بتعديله

الرئيس نبيه بري مستقبلاً أمس الوزير سامح شكري (إ.ب.أ)
الرئيس نبيه بري مستقبلاً أمس الوزير سامح شكري (إ.ب.أ)
TT
20

شكري يشدد على تطبيق «الطائف» والدستور بعد تلويح جريصاتي بتعديله

الرئيس نبيه بري مستقبلاً أمس الوزير سامح شكري (إ.ب.أ)
الرئيس نبيه بري مستقبلاً أمس الوزير سامح شكري (إ.ب.أ)

تترقّب الأوساط السياسية بفارغ الصبر النتائج التي ستؤول إليها محادثات وزير الخارجية المصري سامح شكري في زيارته الثانية للبنان بعد الانفجار الذي استهدف مرفأ بيروت ليكون في مقدورها أن تبني على الشيء مقتضاه، خصوصاً أنه ينطلق من دعم بلاده للمبادرة الفرنسية، لرهانه على أنها وحدها كفيلة بإخراج التشكيلة الوزارية من التأزُّم الذي يحاصرها لتأمين ولادة طبيعية لحكومة مهمة تتبنّى خريطة الطريق التي رسمها الرئيس إيمانويل ماكرون لإنقاذ لبنان ووقف تدهوره ومنعه من الانزلاق نحو الانهيار الشامل.
فالوزير المصري في زيارته الثانية لبيروت لن يدخل في منافسة مع المبادرة الفرنسية بمقدار ما أنه يواكبها من خلال حثّه جميع الذين التقاهم على السير بمضامينها بلا أي تردّد من جهة، ودعوته الذين لا يزالون يتحفّظون على تشكيل حكومة مهمة تتطابق مع المواصفات التي حدّدها ماكرون لسحب تحفظاتهم لتسهيل ولادتها وعدم الرهان على عامل الوقت لتحسين شروطهم لأن الأزمات إلى تراكم وباتت في حاجة إلى توفير الحلول لها. وتأتي زيارة شكري بعد تعثّر المحاولة الفرنسية لجمع الرئيس المكلّف سعد الحريري برئيس «التيار الوطني الحر» النائب جبران باسيل في باريس لئلا يصنّف اللقاء على خانة التفاوض حول تشكيل الحكومة بالإنابة عن رئيس الجمهورية ميشال عون، وبالتالي فإن تشكيلها سيفتح الباب أمام اجتماعهما في بيروت.
كما أن الأوساط السياسية تترقّب ما ستؤدي إليه لقاءات شكري مع أبرز المكوّنات المعنية بتشكيل الحكومة، وما إذا كان يحمل أفكاراً تدفع باتجاه تزخيم المبادرة الفرنسية التي ما زالت قائمة بدعم دولي وأوروبي وعربي وفاتيكاني، وإن كانت توقفت أمام تثمينه لدور رئيس المجلس النيابي نبيه بري والمبادرة التي أطلقها لتسريع تشكيل الحكومة على قاعدة تمسّكه بالمبادرة الفرنسية من ناحية وبرفضه إعطاء الثلث الضامن في الحكومة لأي طرف. وفي هذا السياق، علمت «الشرق الأوسط» من مصادر سياسية بأن شكري خص بري بهذه اللفتة المميزة ربما لاعتقاده أن المبادرة التي أطلقها ما زالت قائمة وتنطلق من حرصه الشديد على الإطار العام للمبادرة الفرنسية ورفضه الالتفاف عليها أو تجويفها من مضامينها لئلا تفقد مفاعيلها لإنقاذ لبنان. وكشفت المصادر أن مبادرة بري ما زالت قائمة ومطروحة على الطاولة ولم يقرر سحبها من التداول وإن كان جمّد تحريكها لإعطاء فرصة لمن اعترض عليها لمراجعة حساباته وصولاً إلى التسليم بها كمدخل لمعاودة تحريكها، وقالت إن مبادرته كانت موضع تشاور بين الحريري وموفد رئيس البرلمان إلى «بيت الوسط» معاونه السياسي النائب علي حسن خليل.
ولفتت إلى أن تحرّك بري باتجاه الحريري تلازم مع تواصل النائب خليل مع قيادة «حزب الله» التي أعادت تشغيل محركاتها لإقناع عون وباسيل بضرورة السير بها على أن يسحبا ما لديهما من تحفظات عليها. ورأت المصادر نفسها أن بري لم يطحش بمبادرته حرصاً منه على عدم حرقها وتحييدها عن التجاذبات السياسية والحملات الإعلامية، خصوصاً أن عدم تحريكها يعود إلى التعاطي مع صاحبها وتحديداً من قبل عون - باسيل على أنه ليس وسيطاً ويتموضع سياسيا والحريري في خندق واحد، وأوضحت أن إشادة شكري بدور بري لم تأتِ من فراغ، وإنما لتقديره لما يقوم به والذي يلقى كل الدعم من الحريري والبطريرك الماروني بشارة الراعي ورئيس الحزب «التقدمي الاشتراكي» وليد جنبلاط وقيادة «حزب الله»، وهذا ما لمسه من خلال لقاءاته في بيروت. وقالت إن شكري لم يحمل معه أفكاراً جديدة، وعزت السبب إلى أنه ليس في وارد إعطاء ذريعة لهذا الطرف أو ذاك ليتلطى خلفها لتبرير عدم اندفاعه باتجاه الإفراج عن تشكيل الحكومة وإلا لما كان شدد على دعم مصر غير المشروط للمبادرة الفرنسية وتنسيقها الدائم مع باريس في كل شاردة وواردة.
وتوقفت المصادر أمام تنويه شكري بموقف الحريري ودعمه في مطالبته بتشكيل حكومته من اختصاصيين ومستقلين من غير المحازبين وألّا يُعطى أي طرف الثلث الضامن، واعتبرت أن موقفه المؤيد لتطبيق الدستور باعتباره القاعدة القانونية الناظمة للعلاقات بين المؤسسات الدستورية للدولة، وأيضاً للالتزام باتفاق الطائف ينطلق من التقيُّد بهما. ورأت أن إعلان موقفه في هذا الخصوص من قصر بعبدا بعد اجتماعه بالرئيس عون ربما يأتي رداً بطريقة غير مباشرة على تلميح المستشار الرئاسي الوزير السابق سليم جريصاتي بضرورة طرح بعض التعديلات الدستورية، علماً بأن الأخير شارك في الاجتماع وكانت له المداخلة الأبرز.
ومع أن شكري لم يتوقّف كثيراً أمام المحاولة التي قامت بها باريس لجمع الحريري بباسيل، وبدا من خلال أحاديثه بأنها صرفت النظر عنها كونها لم لتبلغ الأهداف المرجوة منها، فإن مصادر دبلوماسية متعدّدة الانتماءات أبدت تفهُّمها لموقف الحريري الذي يحصر مشاورات التأليف برئيس الجمهورية بدلاً من أن ينتدب من ينوب عنه. وعلمت «الشرق الأوسط» أن فكرة لقاء الحريري بباسيل كانت طُرحت السبت الماضي، لكنها لم تلقَ قبولاً لدى الرئيس المكلّف الذي لمس تفهُّماً لموقفه من قبل عدد من السفراء قبل أن يتقرر سحبها من التداول وكأنها لم تكن.



تجدد القتال في «سول»... هل يفاقم الصراع بين «أرض الصومال» و«بونتلاند»؟

رئيس أرض الصومال المُنتخب عبد الرحمن محمد عبد الله عرو (وكالة الأنباء الصومالية)
رئيس أرض الصومال المُنتخب عبد الرحمن محمد عبد الله عرو (وكالة الأنباء الصومالية)
TT
20

تجدد القتال في «سول»... هل يفاقم الصراع بين «أرض الصومال» و«بونتلاند»؟

رئيس أرض الصومال المُنتخب عبد الرحمن محمد عبد الله عرو (وكالة الأنباء الصومالية)
رئيس أرض الصومال المُنتخب عبد الرحمن محمد عبد الله عرو (وكالة الأنباء الصومالية)

تجدد القتال في «إقليم سول» يُحيي نزاعاً يعود عمره لأكثر من عقدين بين إقليمي «أرض الصومال» الانفصالي و«بونتلاند»، وسط مخاوف من تفاقم الصراع بين الجانبين؛ ما يزيد من تعقيدات منطقة القرن الأفريقي.

وبادر رئيس أرض الصومال، عبد الرحمن عرو، بالتعهد بـ«الدفاع عن الإقليم بيد ويد أخرى تحمل السلام»، وهو ما يراه خبراء في الشأن الأفريقي، لن يحمل فرصاً قريبة لإنهاء الأزمة، وسط توقعات بتفاقم النزاع، خصوصاً مع عدم وجود «نية حسنة»، وتشكك الأطراف في بعضها، وإصرار كل طرف على أحقيته بالسيطرة على الإقليم.

وأدان «عرو» القتال الذي اندلع، يوم الجمعة الماضي، بين قوات إدارتي أرض الصومال وإدارة خاتمة في منطقة بوقداركاين بإقليم سول، قائلاً: «نأسف للهجوم العدواني على منطقة سلمية، وسنعمل على الدفاع عن أرض الصومال بيد، بينما نسعى لتحقيق السلام بيد أخرى»، حسبما أورده موقع الصومال الجديد الإخباري، الأحد.

وجاءت تصريحات «عرو» بعد «معارك عنيفة تجددت بين الجانبين اللذين لهما تاريخ طويل من الصراع في المنطقة، حيث تبادلا الاتهامات حول الجهة التي بدأت القتال»، وفق المصدر نفسه.

ويعيد القتال الحالي سنوات طويلة من النزاع، آخرها في فبراير (شباط) 2023، عقب اندلاع قتال عنيف بين قوات إدارتي أرض الصومال وخاتمة في منطقة «بسيق»، وفي سبتمبر (أيلول) من العام نفسه، نشرت إدارة أرض الصومال مزيداً من قواتها على خط المواجهة الشرقي لإقليم سول، بعد توتر بين قوات ولايتي بونتلاند وأرض الصومال في «سول» في أغسطس (آب) 2022.

كما أودت اشتباكات في عام 2018 في الإقليم نفسه، بحياة عشرات الضحايا والمصابين والمشردين، قبل أن يتوصل المتنازعان لاتفاق أواخر العام لوقف إطلاق النار، وسط تأكيد ولاية بونتلاند على عزمها استعادة أراضيها التي تحتلها أرض الصومال بالإقليم.

ويوضح المحلل السياسي الصومالي، عبد الولي جامع بري، أن «النزاع في إقليم سول بين أرض الصومال وبونتلاند يعود إلى عام 2002، مع تصاعد الاشتباكات في 2007 عندما سيطرت أرض الصومال على لاسعانود (عاصمة الإقليم)»، لافتاً إلى أنه «في فبراير (شباط) 2023، تفاقم القتال بعد رفض زعماء العشائر المحلية حكم أرض الصومال، وسعيهم للانضمام إلى الحكومة الفيدرالية الصومالية؛ ما أدى إلى مئات القتلى، ونزوح أكثر من 185 ألف شخص».

ويرى الأكاديمي المختص في منطقة القرن الأفريقي، الدكتور علي محمود كلني، أن «الحرب المتجددة في منطقة سول والمناطق المحيطة بها هي جزء من الصراعات الصومالية، خصوصاً الصراع بين شعب إدارة خاتمة الجديدة، وإدارة أرض الصومال، ولا يوجد حتى الآن حل لسبب الصراع في المقام الأول»، لافتاً إلى أن «الكثير من الدماء والعنف السيئ الذي مارسه أهل خاتمة ضد إدارة هرجيسا وجميع الأشخاص الذين ينحدرون منها لا يزال عائقاً أمام الحل».

ولم تكن دعوة «عرو» للسلام هي الأولى؛ إذ كانت خياراً له منذ ترشحه قبل شهور للرئاسة، وقال في تصريحات نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي إن «سكان أرض الصومال وإقليم سول إخوة، ويجب حل الخلافات القائمة على مائدة المفاوضات».

وسبق أن دعا شركاء الصومال الدوليون عقب تصعيد 2023، جميع الأطراف لاتفاق لوقف فوري وغير مشروط لإطلاق النار، ووقتها أكد رئيس أرض الصومال الأسبق، موسى بيحي عبدي، أن جيشه لن يغادر إقليم سول، مؤكداً أن إدارته مستعدة للتعامل مع أي موقف بطريقة أخوية لاستعادة السلام في المنطقة.

كما أطلقت إدارة خاتمة التي تشكلت في عام 2012، دعوة في 2016، إلى تسوية الخلافات القائمة في إقليم سول، وسط اتهامات متواصلة من بونتلاند لأرض الصومال بتأجيج الصراعات في إقليم سول.

ويرى بري أن «التصعيد الحالي يزيد من التوترات في المنطقة رغم جهود الوساطة من إثيوبيا وقطر وتركيا ودول غربية»، لافتاً إلى أن «زعماء العشائر يتعهدون عادة بالدفاع عن الإقليم مع التمسك بالسلام، لكن نجاح المفاوضات يعتمد على استعداد الأطراف للحوار، والتوصل إلى حلول توافقية».

وباعتقاد كلني، فإنه «إذا اشتدت هذه المواجهات ولم يتم التوصل إلى حل فوري، فمن الممكن أن يؤدي ذلك إلى حدوث اشتباك بين قوات إدارتي أرض الصومال وبونتلاند، الذين يشككون بالفعل في بعضهم البعض، ولديهم العديد من الاتهامات المتبادلة، وسيشتد الصراع بين الجانبين في منطقة سناغ التي تحكمها الإدارتان، حيث يوجد العديد من القبائل المنحدرين من كلا الجانبين».

ويستدرك: «لكن قد يكون من الممكن الذهاب إلى جانب السلام والمحادثات المفتوحة، مع تقديم رئيس أرض الصومال عدداً من المناشدات من أجل إنهاء الأزمة»، لافتاً إلى أن تلك الدعوة تواجَه بتشكيك حالياً من الجانب الآخر، ولكن لا بديل عنها.