القطاعات تتحرك بوجه الحكومة وتلويح بالتصعيد ضد قرار رفع الدعم

من مظاهرة أصحاب الشاحنات في بيروت أمس (إ.ب.أ)
من مظاهرة أصحاب الشاحنات في بيروت أمس (إ.ب.أ)
TT

القطاعات تتحرك بوجه الحكومة وتلويح بالتصعيد ضد قرار رفع الدعم

من مظاهرة أصحاب الشاحنات في بيروت أمس (إ.ب.أ)
من مظاهرة أصحاب الشاحنات في بيروت أمس (إ.ب.أ)

انفجر الشارع اللبناني مجددا بوجه الحكومة على خلفية الوضع الاقتصادي وانعكاس ارتفاع سعر صرف الدولار، ونفذت أمس اتحادات ونقابات قطاع النقل البري إضرابا عاما، كما جدد أهالي الطلاب اللبنانيين في الخارج تحركاتهم مطالبين بتنفيذ قرار «الدولار الطالبي».
وفي ظل الواقع المعيشي الذي ترزح تحته العائلات في لبنان والحديث عن خطة لرفع الدعم عن المواد الغذائية والاستهلاكية، يقول رئيس الاتحاد العمالي العام بشارة الأسمر لـ«الشرق الأوسط» إنه «سيكون هناك تحركات دورية للنقابات والاتحادات المنضوية تحت الاتحاد رفضا لهذا الوضع وليس كإضراب واسع، وذلك تفاديا لزيادة الضغط على الموظفين والعاملين، بانتظار ما ستؤول إليه المفاوضات التي تحصل تمهيدا لإقرار خطة رفع الدعم واتضاح تفاصيلها». ويؤكد «إذا صدر قرار رفع الدعم من دون خطة بديلة واضحة وشاملة تلبي حاجات العائلات الفقيرة مع التركيز على أن المطلب هو ترشيد الدعم وليس رفعه أي لا يشمل كل المواد على سبيل المثال الطحين والأدوية، عندها سنكون في الشارع بالمرصاد لهذه الحكومة التي اتخذت القرار رغم قولها إنها حكومة تصريف أعمال غير قادرة على اتخاذ القرارات».
وفيما تسجل بشكل مستمر تحركات من قبل قطاعات عدة متضررة من الأزمة، نفذ قطاع النقل البري أمس، اعتصامات احتجاجا على سوء أوضاعه وانطلقت مسيرات للشاحنات والصهاريج والفانات من عدد من المناطق باتجاه وزارة الداخلية في بيروت، مطالبين بتحديد سعر صفيحة البنزين 25 ألف ليرة لسائقي السيارات العمومية ووقف المعاينة الميكانيكية نظرا إلى الإذلال الذي يتعرض له المواطن وخصوصا سائق «التاكسي»، وهو المطلب الذي لاقى انقساما فيما بين الاتحادات ورفضه اتحاد نقابة السائقين، متهما إياه بـ«السياسي وقرار صادر عن اتحادات السلطة».
وفي الوقفة الاحتجاجية أمام وزارة الداخلية، توجّه رئيس اتحادات ونقابات قطاع النقل البري بسام طليس إلى وزير الداخلية محمد فهمي رافضا «الإجراءات الأمنية الكثيفة لمنعنا من الوصول والوقوف أمام الوزارة»، مؤكدا أن «القطاع ينزل في كل مرة إلى الشارع بطريقة سلمية، لكن في كل مرة لا أذن تسمع للمطالب المحقة». وأكد «وجوب تحقيق المطالب»، مشدداً على أن «أسعار المحروقات وقطع السيارات والصيانة لم تعد تحتمل»، معلنا عن التوجه لإقفال «مراكز المعاينة الميكانيكية الاثنين المقبل إذا لم يقرّر الوزير وقف المعاينة». لكن في المقابل، عارض رئيس الاتحاد العام لنقابات السائقين مروان فياض التحرك، معلنا أنهم «لم يشاركوا بالمظاهرات لاتحاد النقل البري، لأنهم ضد إقفال المعاينة الميكانيكية»، وأضاف «القرارات العشوائية لا نرضى بها، ونحن مستعدون للجلوس على طاولة حوار تحت راية الاتحاد العمالي العام تحت مطالب محقة».
في موازاة ذلك، نفذت الرابطة اللبنانية لرعاية الطلاب في الاغتراب اعتصاما أمام مصرف لبنان، للمطالبة بتنفيذ قانون «الدولار الطالبي» للدفاع عن حق أولادهم بالتعلم كما جاء في بيان لهم.
وتلا المحامي جهاد عبد الباقي بيانا قال فيه إن «أبناءنا المنتشرين على مساحة القارات السبع والذين يتجاوز عددهم الخمسة آلاف طالب، مهددون بمستقبلهم»، مطالبا بإقرار القانون الذي أقرّ في شهر أكتوبر (تشرين الأول) 2020 وقضى بمنح الطلاب في الخارج «دولارا طالبيا» بقيمة 10 آلاف دولار في السنة لمرة واحدة حسب سعر الصرف الرسمي (1515 ليرة) وألزم المصارف منح هذا الدولار لجميع الطلاب دون تمييز بين من يملك حسابا مصرفيا أو من ليس لديه ذلك»، مؤكدا أن «المصرف المركزي والمصارف التجارية جميعها في لبنان لم تنفذ هذا القانون وضربت به عرض الحائط».



الاقتصاد اليمني في مواجهة انهيارات كارثية وشيكة

طفل يمني يعاني من سوء التغذية وتتوقع وكالة أممية تفاقم الوضع الإنساني خلال الأشهر المقبلة (الأمم المتحدة)
طفل يمني يعاني من سوء التغذية وتتوقع وكالة أممية تفاقم الوضع الإنساني خلال الأشهر المقبلة (الأمم المتحدة)
TT

الاقتصاد اليمني في مواجهة انهيارات كارثية وشيكة

طفل يمني يعاني من سوء التغذية وتتوقع وكالة أممية تفاقم الوضع الإنساني خلال الأشهر المقبلة (الأمم المتحدة)
طفل يمني يعاني من سوء التغذية وتتوقع وكالة أممية تفاقم الوضع الإنساني خلال الأشهر المقبلة (الأمم المتحدة)

يتضاعف خطر انعدام الأمن الغذائي في اليمن بعد تفاقم الأزمة الاقتصادية، وانهيار سعر العملة المحلية أمام العملات الأجنبية، بفعل الحرب الحوثية على الموارد الرئيسية للبلاد، وتوسيع دائرة الصراع إلى خارج الحدود، في حين تتزايد الدعوات إلى اللجوء للتنمية المستدامة، والبحث عن حلول من الداخل.

وبينما تتوالي التحذيرات من تعاظم احتياجات السكان إلى المساعدات الإنسانية خلال الأشهر المقبلة، تواجه الحكومة اليمنية تحديات صعبة في إدارة الأمن الغذائي، وتوفير الخدمات للسكان في مناطق سيطرتها، خصوصاً بعد تراجع المساعدات الإغاثية الدولية والأممية خلال الأشهر الماضية، ما زاد من التعقيدات التي تعاني منها بفعل توقف عدد من الموارد التي كانت تعتمد عليها في سد الكثير من الفجوات الغذائية والخدمية.

ورجحت شبكة الإنذار المبكر بالمجاعة حدوث ارتفاع في عدد المحتاجين إلى المساعدات الإنسانية في اليمن في ظل استمرار التدهور الاقتصادي في البلاد، حيث لا تزال العائلات تعاني من التأثيرات طويلة الأجل للصراع المطول، بما في ذلك الظروف الاقتصادية الكلية السيئة للغاية، بينما تستمر بيئة الأعمال في التآكل بسبب نقص العملة في مناطق سيطرة الجماعة الحوثية، وانخفاض قيمة العملة والتضخم في المناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة.

وبحسب توقعات الأمن الغذائي خلال الستة أشهر المقبلة، فإنه وبفعل الظروف الاقتصادية السيئة، وانخفاض فرص كسب الدخل المحدودة، ستواجه ملايين العائلات، فجوات مستمرة في استهلاك الغذاء وحالة انعدام الأمن الغذائي الحاد واسعة النطاق على مستوى الأزمة (المرحلة الثالثة من التصنيف المرحلي) أو حالة الطوارئ (المرحلة الرابعة) في مناطق نفوذ الحكومة الشرعية.

انهيار العملة المحلية أسهم مع تراجع المساعدات الإغاثية في تراجع الأمن الغذائي باليمن (البنك الدولي)

يشدد الأكاديمي محمد قحطان، أستاذ الاقتصاد في جامعة تعز، على ضرورة وجود إرادة سياسية حازمة لمواجهة أسباب الانهيار الاقتصادي وتهاوي العملة المحلية أمام العملات الأجنبية، منوهاً إلى أن عائدات صادرات النفط والغاز كانت تغطي 70 في المائة من الإنفاق العام في الموازنة العامة، وهو ما يؤكد أهميتها في تشغيل مؤسسات الدولة.

ويضيف قحطان في حديث خص به «الشرق الأوسط» أن وقف هذه الصادرات يضع الحكومة في حالة عجز عن الوفاء بالتزاماتها، بالتضافر مع أسباب أخرى منها الفساد والتسيب الوظيفي في أهم المؤسسات الحكومية، وعدم وصول إيرادات مؤسسات الدولة إلى البنك المركزي، والمضاربة بالعملات الأجنبية وتسريبها إلى الخارج، واستيراد مشتقات الوقود بدلاً من تكرير النفط داخلياً.

أدوات الإصلاح

طبقاً لخبراء اقتصاديين، تنذر الإخفاقات في إدارة الموارد السيادية ورفد خزينة الدولة بها، والفشل في إدارة أسعار صرف العملات الأجنبية، بآثار كارثية على سعر العملة المحلية، والتوجه إلى تمويل النفقات الحكومية من مصادر تضخمية مثل الإصدار النقدي.

توقف تصدير النفط يتسبب في عجز الحكومة اليمنية عن تلبية احتياجات السكان (البنك الدولي)

ويلفت الأكاديمي قحطان إلى أن استيراد مشتقات الوقود من الخارج لتغطية حاجة السوق اليمنية من دون مادة الأسفلت يكلف الدولة أكثر من 3.5 مليار دولار في السنة، بينما في حالة تكرير النفط المنتج محلياً سيتم توفير هذا المبلغ لدعم ميزان المدفوعات، وتوفير احتياجات البلاد من الأسفلت لتعبيد الطرقات عوض استيرادها، وأيضاً تحصيل إيرادات مقابل بيع الوقود داخلياً.

وسيتبع ذلك إمكانية إدارة البنك المركزي لتلك المبالغ لدعم العرض النقدي من العملات الأجنبية، ومواجهة الطلب بأريحية تامة دون ضغوط للطلب عليها، ولن يكون بحاجة إلى بيع دولارات لتغطية الرواتب، كما يحدث حالياً، وسيتمكن من سحب فائض السيولة النقدية، ما سيعيد للاقتصاد توازنه، وتتعافى العملة الوطنية مقابل العملات الأجنبية، وهو ما سيسهم في استعادة جزء من القدرة الشرائية المفقودة للسكان.

ودعا الحكومة إلى خفض نفقاتها الداخلية والخارجية ومواجهة الفساد في الأوعية الإيرادية لإحداث تحول سريع من حالة الركود التضخمي إلى حالة الانتعاش الاقتصادي، ومواجهة البيئة الطاردة للاستثمارات ورجال الأعمال اليمنيين، مع الأهمية القصوى لعودة كل منتسبي الدولة للاستقرار داخل البلاد، وأداء مهاهم من مواقعهم.

الحكومة اليمنية تطالب المجتمع الدولي بالضغط على الحوثيين لوقف حصار تصدير النفط (سبأ)

ويؤكد مصدر حكومي يمني لـ«الشرق الأوسط» أن الحكومة باتت تدرك الأخطاء التي تراكمت خلال السنوات الماضية، مثل تسرب الكثير من أموال المساعدات الدولية والودائع السعودية في البنك المركزي إلى قنوات لإنتاج حلول مؤقتة، بدلاً من استثمارها في مشاريع للتنمية المستدامة، إلا أن معالجة تلك الأخطاء لم تعد سهلة حالياً.

الحل بالتنمية المستدامة

وفقاً للمصدر الذي فضل التحفظ على بياناته، لعدم امتلاكه صلاحية الحديث لوسائل الإعلام، فإن النقاشات الحكومية الحالية تبحث في كيفية الحصول على مساعدات خارجية جديدة لتحقيق تنمية مستدامة، بالشراكة وتحت إشراف الجهات الممولة، لضمان نجاح تلك المشروعات.

إلا أنه اعترف بصعوبة حدوث ذلك، وهو ما يدفع الحكومة إلى المطالبة بإلحاح للضغط من أجل تمكينها من الموارد الرئيسية، ومنها تصدير النفط.

واعترف المصدر أيضاً بصعوبة موافقة المجتمع الدولي على الضغط على الجماعة الحوثية لوقف حصارها المفروض على تصدير النفط، نظراً لتعنتها وشروطها صعبة التنفيذ من جهة، وإمكانية تصعيدها العسكري لفرض تلك الشروط في وقت يتوقع فيه حدوث تقدم في مشاورات السلام، من جهة ثانية.

تحذيرات من مآلات قاتمة لتداعيات الصراع الذي افتعلته الجماعة الحوثية في المياه المحيطة باليمن على الاقتصاد (أ.ف.ب)

وقدمت الحكومة اليمنية، أواخر الشهر الماضي، رؤية شاملة إلى البنك الدولي لإعادة هيكلة المشروعات القائمة لتتوافق مع الاحتياجات الراهنة، مطالبةً في الوقت ذاته بزيادة المخصصات المالية المخصصة للبلاد في الدورة الجديدة.

وكان البنك الدولي توقع في تقرير له هذا الشهر، انكماش إجمالي الناتج المحلي بنسبة واحد في المائة هذا العام، بعد انخفاضه بنسبة 2 في المائة العام الماضي، بما يؤدي إلى المزيد من التدهور في نصيب الفرد من إجمالي الناتج الحقيقي.

ويعاني أكثر من 60 في المائة من السكان من ضعف قدرتهم على الحصول على الغذاء الكافي، وفقاً للبنك الدولي، بسبب استمرار الحصار الذي فرضته الجماعة الحوثية على صادرات النفط، ما أدى إلى انخفاض الإيرادات المالية للحكومة بنسبة 42 في المائة خلال النصف الأول من العام الحالي، وترتب على ذلك عجزها عن تقديم الخدمات الأساسية للسكان.

وأبدى البنك قلقه من مآلات قاتمة لتداعيات الصراع الذي افتعلته الجماعة الحوثية في المياه المحيطة باليمن على الاقتصاد، وتفاقم الأزمات الاجتماعية والإنسانية.