الهياكل المالية الفاعلة في تمويل اقتصاديات الإرهاب

تحويلات مالية من كل أنحاء العالم يصعب تعقبها.. و«بوكو حرام» تبدأ في استثمار عمليات العنف

الهياكل المالية الفاعلة في تمويل اقتصاديات الإرهاب
TT

الهياكل المالية الفاعلة في تمويل اقتصاديات الإرهاب

الهياكل المالية الفاعلة في تمويل اقتصاديات الإرهاب

أقر مجلس الأمن الدولي الأسبوع الماضي تدابير استهدفت مصادر تمويل «داعش» و«جبهة النصرة»، محاولا بذلك قطع الشريان الحيوي الذي يغذي نشاط المنظمات الإرهابي، بما أن بقاء أي منظمة إرهابية كـ«داعش» أو «القاعدة» من بين غيرها، هو رهن بهياكل مالية فاعلة.
فقد أوردت صحيفة «يو إس إي توداي» (USA Today) إدانة 6 أشخاص من أصل بوسني من منطقة سانت لويس بتهمة تحويل الأموال إلى مقاتلي «داعش» في الشرق الأوسط مستخدمين خدمة «ويسترن يونيون» «وباي بال» لإرسال الأموال وأيضا البريد الأميركي لإرسال العتاد العسكري إلى «داعش»، من خلال وسطاء في تركيا والبوسنة والسعودية، وفق الصحيفة.

في سياق مماثل ذكرت وكالة الأنباء الآشورية في أوائل شهر فبراير (شباط) أن «داعش» افتتح سوقا خاصة لبيع الممتلكات التي نهبها من المنازل والكنائس الآشورية في الموصل.
وأطلق على السوق تسمية «غنائم النصارى» حيث جرى بيع أجهزة التلفزيون والثلاجات وأفران الميكروويف والأجهزة الإلكترونية الأخرى، وكذلك الأثاث والأعمال الفنية، وتراوحت الأسعار ما بين 50 ألفا إلى 75 ألف دينار عراقي.
وفي الفترة نفسها تقريبا كتبت الصحيفة الإسبانية « «El Paisأن إسبانيا باتت مركزا رئيسيا لتمويل الإرهابيين الجهاديين في سوريا والعراق «من خلال شبكة واسعة تتألف من 250 مركزا للاتصالات الهاتفية ومحلات الجزارة ومحلات البقالة، حيث يتم تحويل الأموال عبر قنوات غير رسمية يصعب تعقبها، وفقا لوكالات الاستخبارات الإسبانية». وأشارت الصحيفة إلى أن هذه الشبكة تلجأ إلى ما يسمى نظام «الحوالة»، الذي يحدده الإنتربول بأنه عميلة نقل الأموال من دون تحريك للأموال، بهدف تمويل جماعات إرهابية مثل «داعش» و«النصرة».
من ناحية أخرى، اتهم موقع « «Tracking Terrorismجماعة بوكو حرام الإرهابية في نيجريا بالتواطؤ مع عصابات الجريمة المنظمة لتهريب المخدرات والخطف والسطو على المصارف وعمليات الاحتيال الإلكترونية، فضلا عن عمليات السرقة. ووفقا لمركز مكافحة الإرهاب «Combating terrorism center»، باتت عمليات الخطف أحد مصادر التمويل الرئيسية للمجموعة، وآخرها اختطاف 276 طالبة من مدرسة في نيجيريا في أبريل (نيسان) 2014.
الواضح أن تمويل الإرهاب شهد تطورا لافتا مع مرور الوقت، بحيث نجد بعض المنظمات الإرهابية اليوم تسعى إلى أن تستقل عن الجهات المانحة. وقد يكون تنظيم القاعدة خير مثال على هذا التطور، فبحسب دراسة لمؤسسة «راند» للأبحاث من عام 2004، اعتمد تنظيم القاعدة في البداية على مؤسسه أسامة بن لادن الذي استعمل ثروته الخاصة وتبرعات من أفراد أثرياء، وبعد أن أصبح الحصول على هذه التبرعات أكثر خطورة خلال التسعينات، زادت أهمية الشركات والجمعيات الخيرية التي استعملت كواجهة للتغطية. لاحقا، حين بدأ العديد من الدول والمؤسسات المالية بمطاردة الحسابات التي اشتبه بتمويلها الإرهاب عقب هجمات 11 سبتمبر 2001. باتت تجارة السلع والتهريب وتجارة المخدرات مصادر رئيسية لإنعاش البنية التحتية المالية لتنظيم القاعدة.
يشير كولين كلارك الباحث من مؤسسة «راند» في مقابلة مع صحيفة «الشرق الأوسط» إلى أن «مصادر تمويل تنظيم القاعدة متعددة، بدءا من الهبات التي يتلقاها من منظمات خيرية، وصولا إلى الخطف والمطالبة بالفدية وتهريب المخدرات والسرقات من بين غيرها من الانتهاكات».
وقد تطورت الأساليب التي يعتمدها التنظيم لجمع الأموال مع الوقت، بدءا من الحرب السوفياتية الأفغانية التي امتدت من عام 1979 إلى 1989، ومن ثم اضطراره إلى التأقلم مع كل صراع لاحق شارك فيه، كالبوسنة والشيشان وطاجيكستان.. إلخ، بحسب كلارك.
طال هذا التطور مجموعات إرهابية أخرى، مثل جماعة بوكو حرام؛ فقد نشرت صحيفة «International Business time} أنه عندما تأسست بوكو حرام حصلت على القسم الأكبر من أموالها من جماعات محلية قريبة منها شاركتها وقتها، هدفها الأساسي هو فرض الشريعة الإسلامية والتخلص من الهيمنة الغربية في نيجيريا، إلا أنه مع مرور الوقت وجدت المنظمة مصادر دخل أخرى؛ ففي شهر أبريل (نيسان) 2013 حصلت المنظمة على ما يوازي 3.15 مليون دولار أميركي من مفاوضين فرنسيين وكمبوديين عقب تحرير 7 رهائن فرنسيين كانوا قد اختطفوا في الكاميرون.
إلا أن «داعش» يتميز عن غيره في إدارة إرهابه.. «فعلى نقيض التنظيمات الأخرى التي تعتمد على الدعم الذي تتلقاه من دولة أو كيان خارجي، لجأ التنظيم إلى تمويل عملياته بارتكاب جرائم مختلفة، بدءا من الاستيلاء على النفط والسطو على المصارف وصولا إلى الابتزاز»، وفق كلارك؛ فالتنظيم «ورث» عشرات ملايين الدولارات جراء النشاطات الإرهابية التي ارتكبها حين كان لا يزال يعرف بـ«تنظيم القاعدة في العراق»، حيث كان بارعا لدرجة أن طلبت منه القيادات العليا في «القاعدة» أن يحول الأموال إلى تنظيم القاعدة الأساسي في باكستان، عوضا عن أن يجري العكس، وفق ما أشار إليه الباحث.
ونقلا عن مقالة نشرها موقع «بلومبيرغ» في شهر نوفمبر (تشرين الثاني)، أظهرت الدفاتر المحاسبية التي تم الاستيلاء عليها من «داعش» أن التنظيم يجني ما يكفي من المال لكي ينشئ منظمة مكتفية ذاتيا في بعض المحافظات، كالأنبار مثلا، في العراق.
والقسم الأكبر من إيراداته مرده بيع البضائع المسروقة كمواد البناء والمولدات وغيرها، كما يعتمد التنظيم على بعض الخلايا المحلية التي تسيطر على طرق ومسارات التهريب وتفرض الضرائب في المناطق الخاضعة لها، أضف إلى ذلك القسم الخاص بالغنائم الذي يعنى ببيع الممتلكات التي يتم نهبها من «الأعداء»، ولا سيما العراقيين الشيعة.
يضيف الباحث أيمن التميمي من منتدى الشرق الأوسط في لقاء مع صحيفة «الشرق الأوسط» أن «تنظيم داعش يستند على الإيرادات المتأتية من المناطق التي يسيطر عليها كجزء من خطته لإبراز نفسه كدولة فعلية، على غرار «العقارات» في الموصل التي تم الاستيلاء عليها من المسيحيين والشيعة الذين هربوا من المدينة، أو من خلال فرض الغرامات على السكان لقاء خدمات التنظيف والاشتراكات الهاتفية، واجتزاء قسم من معاشات المواطنين التي لا تزال الحكومة تسددها في مجالات مثل التعليم»، علما بأن الجزء الأكبر من إيرادات «داعش» هو من بيع النفط الذي يبدو أنه ما زال مستمرا، حيث أورد معهد دراسة الحرب (Institute For The Study of War) في شهر فبراير (شباط) أن «داعش» نشر 20 مصفاة متحركة في «زاب» الواقعة جنوب غربي مدينة كركوك، ليؤمن بذلك النفط إلى مشغلين محليين بسعر 68 ألف دينار عراقي.
وحسب تقديرات كلارك، سيجني تنظيم داعش هذه السنة بين 100 و200 مليون دولار على الأقل، علما بأن إيراداته قد انخفضت بشكل كبير منذ بدء ضربات التحالف الجوية.
وفي الوقت الذي حاولت فيه جبهة النصرة اعتماد بعض من هذه المبادئ في محافظة إدلب، وفق تميمي، لا تزال تستند بشكل كبير في مناطق أخرى في سوريا على الفديات من عمليات الخطف وعلى أموال الجهات الواهبة، وهي أساليب تعتمدها غالبية الجماعات المسلحة التي لا تطمح إلى بناء دولتها الخاصة.
وبالعودة إلى التدابير التي اعتمدتها مجموعة العمال المالي (FATF)، فتهدف أساسا إلى وضع حد لعمليات تمويل الإرهاب، وتشمل إمكانية وضع البلد المعني على قائمة البلدان غير المتعاونة مما قد يؤدي إلى فرض عقوبات على مؤسسات البلد المالية العاملة في الخارج وعلى اقتراض الدولة.
وقد اعتبر إدراج الأشخاص المتورطين بأعمال إرهابية على قائمة الخزانة الأميركية للأشخاص المحظور التعامل معهم (Specially Designated Nationals and Blocked Persons) ) تدبيرا فعالا آخر، إذ تضمن هذه التدابير تجميد أصول الفرد في حال مشاركته بأعمال إرهابية أو تسهيله أعمالا غير مشروعة لها علاقة بنشاطات إرهابية.
إلى ذلك، أقر مجلس الأمن الأسبوع الماضي تدابير تستهدف مصادر تمويل «داعش» في العراق والشام وجبهة النصرة، وأدان الجهات التي تعمد إلى شراء النفط من هذه المجموعات، وحظر التعامل بأي من التحف الأثرية المنهوبة في كل من العراق وسوريا، داعيا الدول إلى الكف عن دفع الفديات. وتأتي هذه القرارات لتعيد التأكيد على التزامات الدول الأعضاء بـ«تجميد من دون تأخير» الأموال وغيرها من الأصول المالية أو الموارد الاقتصادية للأشخاص الذين يرتكبون أو يحاولون ارتكاب أعمال إرهابية.
إلا أن الأمر لا يتعلق بإصدار القوانين بقدر ما يرتبط بكيفية تطبيقها على الأرض ووضعها حيز التنفيذ. فحتى تاريخه على سبيل المثال، لا يدخل التطبيق الجدي لهذه القرارات بعدد من البلاد؛ فعلى سبيل المثال «عادة ما تطالب قطر بإقرار هذه القوانين على الورق غير أنها نادرا ما تنفذها فعليا»، وفق كلارك.
«ورغم أن هذه القوانين قد تساعد في الحد من تمويل الإرهاب، غير أن المشهد لا يزال معقدا»، فهذه التشريعات قد تنجح بوضع مزيد من الضغط على دول الخليج من ناحية الجهات الواهبة، مما قد ينطبق على «القاعدة» في سوريا مثلا، إلا أنه بالنسبة إلى «داعش»؛ فمن الصعب أن تضع حدا لمصادر تمويل التنظيم من دون أن تعمد بغداد على سبيل المثال إلى وقف دفع رواتب الموظفين العامين كالأساتذة في مناطق مثل الموصل؛ خطوة من المستبعد أن تنفذها الحكومة العراقية خشية أن تفقد ما تبقى لها من تأثير أو نفوذ في هذه المناطق تمهيدا لإعادة السيطرة عليها وسحبها من بين أيادي «داعش»، وفق تميمي.

* باحثة غير مقيمة في المجلس الأطلسي مركز رفيق الحريري للدراسات في الشرق الأوسط



«المراجعات»... فكرة غائبة يراهن عليها شباب «الإخوان»

جانب من اعتصام «الإخوان» في ميدان «رابعة» بالقاهرة عام 2013 عقب عزل مرسي (الشرق الأوسط)
جانب من اعتصام «الإخوان» في ميدان «رابعة» بالقاهرة عام 2013 عقب عزل مرسي (الشرق الأوسط)
TT

«المراجعات»... فكرة غائبة يراهن عليها شباب «الإخوان»

جانب من اعتصام «الإخوان» في ميدان «رابعة» بالقاهرة عام 2013 عقب عزل مرسي (الشرق الأوسط)
جانب من اعتصام «الإخوان» في ميدان «رابعة» بالقاهرة عام 2013 عقب عزل مرسي (الشرق الأوسط)

بين الحين والآخر، تتجدد فكرة «مراجعات الإخوان»، الجماعة التي تصنفها السلطات المصرية «إرهابية»، فتثير ضجيجاً على الساحة السياسية في مصر؛ لكن دون أي أثر يُذكر على الأرض. وقال خبراء في الحركات الأصولية، عن إثارة فكرة «المراجعة»، خصوصاً من شباب الجماعة خلال الفترة الماضية، إنها «تعكس حالة الحيرة لدى شباب (الإخوان) وشعورهم بالإحباط، وهي (فكرة غائبة) عن قيادات الجماعة، ومُجرد محاولات فردية لم تسفر عن نتائج».
ففكرة «مراجعات إخوان مصر» تُثار حولها تساؤلات عديدة، تتعلق بتوقيتات خروجها للمشهد السياسي، وملامحها حال البدء فيها... وهل الجماعة تفكر بجدية في هذا الأمر؟ وما هو رد الشارع المصري حال طرحها؟
خبراء الحركات الأصولية أكدوا أن «الجماعة ليست لديها نية للمراجعات». وقال الخبراء لـ«الشرق الأوسط»: «لم تعرف (الإخوان) عبر تاريخها (مراجعات) يُمكن التعويل عليها، سواء على مستوى الأفكار، أو السلوك السياسي التنظيمي، أو على مستوى الأهداف»، لافتين إلى أن «الجماعة تتبنى دائماً فكرة وجود (محنة) للبقاء، وجميع قيادات الخارج مُستفيدين من الوضع الحالي للجماعة». في المقابل لا يزال شباب «الإخوان» يتوعدون بـ«مواصلة إطلاق الرسائل والمبادرات في محاولة لإنهاء مُعاناتهم».

مبادرات شبابية
مبادرات أو رسائل شباب «الإخوان»، مجرد محاولات فردية لـ«المراجعة أو المصالحة»، عبارة عن تسريبات، تتنوع بين مطالب الإفراج عنهم من السجون، ونقد تصرفات قيادات الخارج... المبادرات تعددت خلال الأشهر الماضية، وكان من بينها، مبادرة أو رسالة اعترف فيها الشباب «بشعورهم بالصدمة من تخلي قادة جماعتهم، وتركهم فريسة للمصاعب التي يواجهونها هم وأسرهم - على حد قولهم -، بسبب دفاعهم عن أفكار الجماعة، التي ثبت أنها بعيدة عن الواقع»... وقبلها رسالة أخرى من عناصر الجماعة، تردد أنها «خرجت من أحد السجون المصرية - بحسب من أطلقها -»، أُعلن فيها عن «رغبة هذه العناصر في مراجعة أفكارهم، التي اعتنقوها خلال انضمامهم للجماعة». وأعربوا عن «استعدادهم التام للتخلي عنها، وعن العنف، وعن الولاء للجماعة وقياداتها».
وعقب «تسريبات المراجعات»، كان رد الجماعة قاسياً ونهائياً على لسان بعض قيادات الخارج، من بينهم إبراهيم منير، نائب المرشد العام للجماعة، الذي قال إن «الجماعة لم تطلب من هؤلاء الشباب الانضمام لصفوفها، ولم تزج بهم في السجون، ومن أراد أن يتبرأ (أي عبر المراجعات) فليفعل».
يشار إلى أنه كانت هناك محاولات لـ«المراجعات» عام 2017 بواسطة 5 من شباب الجماعة المنشقين، وما زال بعضهم داخل السجون، بسبب اتهامات تتعلق بـ«تورطهم في عمليات عنف».
من جهته، أكد أحمد بان، الخبير في شؤون الحركات الأصولية بمصر، أن «(المراجعات) أو (فضيلة المراجعات) فكرة غائبة في تاريخ (الإخوان)، وربما لم تعرف الجماعة عبر تاريخها (مراجعات) يُمكن التعويل عليها، سواء على مستوى الأفكار، أو على مستوى السلوك السياسي التنظيمي، أو على مستوى أهداف الجماعة ومشروعها»، مضيفاً: «وحتى الآن ما خرج من (مراجعات) لم تتجاوز ربما محاكمة السلوك السياسي للجماعة، أو السلوك الإداري أو التنظيمي؛ لكن لم تطل (المراجعات) حتى الآن جملة الأفكار الرئيسية للجماعة، ومقولتها الرئيسية، وأهدافها، وأدبياتها الأساسية، وإن كانت هناك محاولات من بعض شباب الجماعة للحديث عن هذه المقولات الرئيسية».

محاولات فردية
وقال أحمد بان إن «الحديث عن (مراجعة) كما يبدو، لم تنخرط فيها القيادات الكبيرة، فالجماعة ليس بها مُفكرون، أو عناصر قادرة على أن تمارس هذا الشكل من أشكال (المراجعة)، كما أن الجماعة لم تتفاعل مع أي محاولات بحثية بهذا الصدد، وعلى كثرة ما أنفقته من أموال، لم تخصص أموالاً للبحث في جملة أفكارها أو مشروعها، أو الانخراط في حالة من حالات (المراجعة)... وبالتالي لا يمكننا الحديث عن تقييم لـ(مراجعة) على غرار ما جرى في تجربة (الجماعة الإسلامية)»، مضيفاً أن «(مراجعة) بها الحجم، وبهذا الشكل، مرهونة بأكثر من عامل؛ منها تبني الدولة المصرية لها، وتبني قيادات الجماعة لها أيضاً»، لافتاً إلى أنه «ما لم تتبنَ قيادات مُهمة في الجماعة هذه (المراجعات)، لن تنجح في تسويقها لدى القواعد في الجماعة، خصوصاً أن دور السلطة أو القيادة في جماعة (الإخوان) مهم جداً... وبالتالي الدولة المصرية لو كانت جادة في التعاطي مع فكرة (المراجعة) باعتبارها إحدى وسائل مناهضة مشروع الجماعة السياسي، أو مشروع جماعات الإسلام السياسي، عليها أن تشجع مثل هذه المحاولات، وأن تهيئ لها ربما عوامل النجاح، سواء عبر التبني، أو على مستوى تجهيز قيادات من الأزهر، للتعاطي مع هذه المحاولات وتعميقها».
وأكد أحمد زغلول، الباحث في شؤون الحركات الأصولية بمصر، أن «الجماعة لم تصل لأي شيء في موضوع (المراجعات)، ولا توجد أي نية من جانبها لعمل أي (مراجعات)»، مضيفاً: «هناك محاولات فردية لـ(المراجعات) من بعض شباب الجماعة الناقم على القيادات، تتسرب من وقت لآخر، آخرها تلك التي تردد أنها خرجت من داخل أحد السجون جنوب القاهرة - على حد قوله -، ومن أطلقها صادر بحقهم أحكام بالسجن من 10 إلى 15 سنة، ولهم مواقف مضادة من الجماعة، ويريدون إجراء (مراجعات)، ولهم تحفظات على أداء الجماعة، خصوصاً في السنوات التي أعقبت عزل محمد مرسي عن السلطة عام 2013... وتطرقوا في انتقاداتهم للجوانب الفكرية للجماعة، لكن هذه المحاولات لم تكن في ثقل (مراجعات الجماعة الإسلامية)... وعملياً، كانت عبارة عن قناعات فردية، وليس فيها أي توجه بمشروع جدي».
وأكد زغلول، أن «هؤلاء الشباب فكروا في (المراجعات أو المصالحات)، وذلك لطول فترة سجنهم، وتخلي الجماعة عنهم، وانخداعهم في أفكار الجماعة»، مضيفاً: «بشكل عام ليست هناك نية من الجماعة لـ(المراجعات)، بسبب (من وجهة نظر القيادات) (عدم وجود بوادر من الدولة المصرية نحو ذلك، خصوصاً أن السلطات في مصر لا ترحب بفكرة المراجعات)، بالإضافة إلى أن الشعب المصري لن يوافق على أي (مراجعات)، خصوصاً بعد (مظاهرات سبتمبر/ أيلول الماضي) المحدودة؛ حيث شعرت قيادات الجماعة في الخارج، بثقل مواصلة المشوار، وعدم المصالحة».
وفي يناير (كانون الثاني) عام 2015، شدد الرئيس عبد الفتاح السيسي، على أن «المصالحة مع من مارسوا العنف (في إشارة ضمنية لجماعة الإخوان)، قرار الشعب المصري، وليس قراره شخصياً».
وأوضح زغلول في هذا الصدد، أن «الجماعة تتبنى دائماً فكرة وجود (أزمة أو محنة) لبقائها، وجميع القيادات مستفيدة من الوضع الحالي للجماعة، وتعيش في (رغد) بالخارج، وتتمتع بالدعم المالي على حساب أسر السجناء في مصر، وهو ما كشفت عنه تسريبات أخيرة، طالت قيادات هاربة بالخارج، متهمة بالتورط في فساد مالي».

جس نبض
وعن ظهور فكرة «المراجعات» على السطح من وقت لآخر من شباب الجماعة. أكد الخبير الأصولي أحمد بان، أن «إثارة فكرة (المراجعة) من آن لآخر، تعكس حالة الحيرة لدى الشباب، وشعورهم بالإحباط من هذا (المسار المغلق وفشل الجماعة)، وإحساسهم بالألم، نتيجة أعمارهم التي قدموها للجماعة، التي لم تصل بهم؛ إلا إلى مزيد من المعاناة»، موضحاً أن «(المراجعة أو المصالحة) فكرة طبيعية وإنسانية، وفكرة يقبلها العقل والنقل؛ لكن تخشاها قيادات (الإخوان)، لأنها سوف تفضح ضحالة عقولهم وقدراتهم ومستواهم، وستكشف الفكرة أمام قطاعات أوسع».
برلمانياً، قال النائب أحمد سعد، عضو مجلس النواب المصري (البرلمان)، إن «الحديث عن تصالح مع (الإخوان) يُطلق من حين لآخر؛ لكن دون أثر على الأرض، لأنه لا تصالح مع كل من خرج عن القانون، وتورط في أعمال إرهابية - على حد قوله -».
وحال وجود «مراجعات» فما هي بنودها؟ أكد زغلول: «ستكون عبارة عن (مراجعات) سياسية، و(مراجعة) للأفكار، ففي (المراجعات) السياسية أول خطوة هي الاعتراف بالنظام المصري الحالي، والاعتراف بالخلط بين الدعوة والسياسة، والاعتراف بعمل أزمات خلال فترة حكم محمد مرسي... أما الجانب الفكري، فيكون بالاعتراف بأن الجماعة لديها أفكار عنف وتكفير، وأنه من خلال هذه الأفكار، تم اختراق التنظيم... وعلى الجماعة أن تعلن أنها سوف تبتعد عن هذه الأفكار».
وعن فكرة قبول «المراجعات» من قبل المصريين، قال أحمد بان: «أعتقد أنه يجب أن نفصل بين من تورط في ارتكاب جريمة من الجماعة، ومن لم يتورط في جريمة، وكان ربما جزءاً فقط من الجماعة أو مؤمناً فكرياً بها، فيجب الفصل بين مستويات العضوية، ومستويات الانخراط في العنف».
بينما أوضح زغلول: «قد يقبل الشعب المصري حال تهيئة الرأي العام لذلك، وأمامنا تجربة (الجماعة الإسلامية)، التي استمرت في عنفها ما يقرب من 20 عاماً، وتسببت في قتل الرئيس الأسبق أنور السادات، وتم عمل (مراجعات) لها، وبالمقارنة مع (الإخوان)، فعنفها لم يتعدَ 6 سنوات منذ عام 2013. لكن (المراجعات) مشروطة بتهيئة الرأي العام المصري لذلك، وحينها سيكون قبولها أيسر».
يُشار إلى أنه في نهاية السبعينات، وحتى منتصف تسعينات القرن الماضي، اُتهمت «الجماعة الإسلامية» بالتورط في عمليات إرهابية، واستهدفت بشكل أساسي قوات الشرطة والأقباط والأجانب. وقال مراقبون إن «(مجلس شورى الجماعة) أعلن منتصف يوليو (تموز) عام 1997 إطلاق ما سمى بمبادرة (وقف العنف أو مراجعات تصحيح المفاهيم)، التي أسفرت بالتنسيق مع الأجهزة الأمنية وقتها، على إعلان الجماعة (نبذ العنف)... في المقابل تم الإفراج عن معظم المسجونين من كوادر وأعضاء (الجماعة الإسلامية)».
وذكر زغلول، أنه «من خلال التسريبات خلال الفترة الماضية، ألمحت بعض قيادات بـ(الإخوان) أنه ليس هناك مانع من قبل النظام المصري - على حد قولهم، في عمل (مراجعات)، بشرط اعتراف (الإخوان) بالنظام المصري الحالي، وحل الجماعة نهائياً».
لكن النائب سعد قال: «لا مجال لأي مصالحة مع (مرتكبي جرائم عنف ضد الدولة المصرية ومؤسساتها) - على حد قوله -، ولن يرضى الشعب بمصالحة مع الجماعة».