الإعلام الأميركي: من حرب «داعش» إلى جليد بوسطن التاريخي

تحذيرات واشنطن للندن من تخفيض ميزانية الدفاع وفضيحة بنك «إتش إس بي سي» تتصدران عناوين الصحافة البريطانية

الإعلام الأميركي: من حرب «داعش» إلى جليد بوسطن التاريخي
TT

الإعلام الأميركي: من حرب «داعش» إلى جليد بوسطن التاريخي

الإعلام الأميركي: من حرب «داعش» إلى جليد بوسطن التاريخي

في عددها ليوم الأربعاء الماضي تناولت صحيفة «ذي ديلي تلغراف» على صفحتها الأولى ميزانية الدفاع والتحذيرات التي أطلقها الرئيس الأميركي باراك أوباما محذرا من اقتطاعها. وكتبت الصحيفة تحت عنوان «لا تخفضوا ميزانية الدفاع، أوباما يحذر المملكة المتحدة»، تقول بأن الرئيس الأميركي باراك أوباما طالب رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون بأن يبقي على تعهداته والالتزام بأهداف حلف شمال الأطلسي وإلا فإن ذلك سينعكس سلبا على حلفاء بريطانيا الأوروبيين. وقالت الصحيفة، القريبة من حزب المحافظين، بأن أوباما حذر كاميرون شفهيا خلال زيارته الأخيرة لواشنطن بأن عدم تخصيص 2 في المائة من الناتج المحلي البريطاني سيهدد التحالف العسكري بين البلدين.
كما نشرت الصحيفة، التي بدأت حملتها الانتخابية لصالح حزب المحافظين، في نفس العدد صورة على الصفحة الأولى للملكة إليزابيث الثانية مع ابنها إدوارد وزوجته الكونتيسة صوفي تحت عنوان «العائلة الملكية تنضم إلى جيل (فيسبوك)».
وفي اليوم السابق أوردت الصحيفة مقتبسات من خطاب لرئيس الوزراء ديفيد كاميرون الذي طالب فيه الشركات الخاصة أن تزيد من رواتب العاملين. في هذا الجانب حاولت الصحيفة تحسين صورة حزب المحافظين قبل الانتخابات العامة المزمع تنظيمها في مايو (أيار) المقبل.
أما صحيفة «الغارديان» المحسوبة على التيار الليبرالي، والقريبة من المعارضة العمالية فقد ركزت في تغطيتها في يوم الثلاثاء الماضي على فضيحة بنك «إتش إس بي سي» البريطاني المتهم بارتكاب وحدته السويسرية مخالفات وذلك عقب تقارير إعلامية ذكرت أنها ساعدت عملاء أثرياء على التهرب من الضرائب وإخفاء أصول بملايين الدولارات. وأقر البنك بذلك بعدما نشرت وسائل إعلام منها صحيفة لوموند الفرنسية وصحيفة «الغارديان» مزاعم بشأن وحدة البنك السويسرية لإدارة الثروات. ونقلت «الغارديان» ووسائل إعلام أخرى المزاعم عن وثائق حصل عليها الاتحاد الدولي للصحافيين. وبينت الصحيفة ما قاله البنك، بأن وحدته السويسرية لم تندمج بالكامل مع البنك الرئيسي بعد شرائها في عام 1999 وهذا السبب وراء تصرفها في إخفاء حسابات بعض عملائها.
وزعمت «الغارديان» في تقريرها أن الملفات تظهر أن الوحدة السويسرية للبنك البريطاني سمحت بانتظام لعملاء بحسب أموال نقدية كثيرة عادة بعملات أجنبية قلما تستخدم في سويسرا. وأضافت أن إتش إس بي سي سوق أيضا برامج كان من المرجح أن تمكن العملاء الأثرياء من التهرب من الضرائب الأوروبية وتواطأ مع بعضهم لإخفاء حسابات غير معلنة عن السلطات الضريبية المحلية. وقال إتش إس بي سي بأن قطاع إدارة الثروات السويسري الذي طالما عرف بسريته كان يدار بشكل مختلف في الماضي وأن هذا ربما نتج عنه وجود عدد من العملاء لدى إتش إس بي سي «الذين ربما لم يمتثلوا تماما لالتزاماتهم الضريبية المطبقة».
كما تناولت الصحافة البريطانية المكتوبة أن بريطانيا بصدد مراجعة قراراها بعدم تسليح أوكرانيا لمساعدتها على قتال الانفصاليين المدعومين من روسيا، قائلة بأنها لا يمكن أن تسمح بانهيار القوات المسلحة الأوكرانية. وأوردت الصحف تصريحات وزير الخارجية البريطاني فيليب هاموند للبرلمان «أنه قرار وطني لكل دولة على حدة في حلف شمال الأطلسي بتحديد ما إذا كانت تقدم مساعدات فتاكة لأوكرانيا»، مضيفا أن المملكة المتحدة لا تعتزم فعل ذلك ولكنها تحتفظ بحق إبقاء موقفها قيد المراجعة.
وأضاف: «بيننا تفاهم مشترك أنه في غياب حل عسكري لهذا الصراع لا يمكننا السماح بانهيار القوات المسلحة الأوكرانية».
وفي الأسبوع الماضي، انشغل الإعلام الأميركي بتنظيم داعش بسبب قتلهم متطوعة أميركية، وبسبب طلب الرئيس باراك أوباما من الكونغرس منحه تفويض إعلان الحرب عليها، وبالطقس الأميركي الذي جعل جليد بوسطن، وما حولها، يدخل التاريخ كأعلى رقم قياسي.
في بداية الأسبوع، أعلن الرئيس أوباما، في بيان من البيت الأبيض، تأكيد مقتل كايلا مولر، الأميركية التي كانت تطوعت للعمل في سوريا، ثم وقعت في شبكة «داعش».
وأبرزت قناة «إن بي سي» خبرا يهمها جدا: منع مذيعها، ومذيع أميركا الأول، برايان ويليامز من العمل لمدة 6 أشهر بسبب كذبه في قصة عن تجربته الشخصية في تحطم طائرة هليكوبتر خلال غزو العراق عام 2003. وأبرزت قناة «كوميدي سنترال» خبرا يهمها جدا: استقالة الممثل الكوميدي والساخر جون ستيوارت، مقدم برنامج «ديلي شو»، استقالة طوعية من دون سبب غير «البحث عن شيء جديد»، كما قال هو. وفي منتصف الأسبوع، اهتمت صحيفة «وول ستريت جورنال» بأخبار اقتصادية مهمة، منها: صارت شركة «أبل» للكومبيوترات والتليفونات أول شركة في العالم تصل قيمتها إلى أكثر من 700 مليار دولار. وإعلان دمج شركتي «إكسبيديا» لحجوزات السفر والسياحة مع منافستها شركة «أوروبتز» مقابل 1.3 مليار دولار. وإعلان شركة «رايت إيد» للأدوية، واحدة من أكبر الشركات الصيدلية في الولايات المتحدة، شراء منافستها شركة «إنفيشان» للأدوية، مقابل أكثر من ملياري دولار.
وفي منتصف الأسبوع، أيضا، أغلقت الإمارات العربية المتحدة سفارتها لدى اليمن، بسبب مخاوف أمنية، وذلك بعد يوم من إعلان السعودية قرارا مماثلا. وبعد أيام من قرارات مماثلة من دول أوروبية، ومن قبلها الولايات المتحدة.
وخلال الأسبوع، استمرت أخبار حرب الإرهاب.
نقلت قناة «سي إن إن» أن الرئيس التشادي السابق حسين حبري، المعتقل في السنغال، سيقدم إلى محاكمة بتهمة ارتكاب جرائم تعذيب وجرائم ضد الإنسانية. ونقلت صحيفة «واشنطن بوست» خبر هجوم منظمة «بوكو حرام»، المتطرفة والعنيفة، على تشاد، لأول مرة بعد أن عبر مقاتلوها بحيرة تشاد في 4 اتجاهات. وكانت حكومات تشاد، والنيجر، والكاميرون انضمت إلى حكومة نيجيريا في الحرب ضد «بوكو حرام».
وفي نهاية الأسبوع، صار واضحا أن اتفاقية منسك (روسيا البيضاء) لوقف الحرب في شرق أوكرانيا بين الحكومة المركزية التي تميل نحو الغرب، والمعارضين المسلحين الذين تدعمهم روسيا، تواجه مشكلات تنفيذها قبل أن يجف حبر كتابتها، وخاصة فقرة وقف إطلاق النار. وحذر الرئيس الأوكراني بترو بوروشينكو، وهو يتحدث في قناة «سي إن إن»، من فشل وقف إطلاق النار. واتهم روسيا بـ«زيادة كبيرة» في هجومها، مع قرب تنفيذ وقف إطلاق النار.
وفي نهاية الأسبوع، أيضا، نشرت صحيفة «واشنطن بوست» خبرا كبيرا، في صدر صفحتها الأولى عن استقالة حاكم ولاية أوريغون، جون كيتزهابر، وسط مزاعم عن استخدام خطيبته أموالا تابعة لدافعي الضرائب، لمساعدتها في استثمارات في شركة خاصة بها. وصارت وزيرة الدولة في الولاية، كيت براون، حاكمة مؤقتة إلى حين إجراء انتخابات أخرى.



«حرب الإعلام» التضليلية... الهاجس الجديد للاتحاد الأوروبي

مقر المفوضية الأوروبية في بروكسل (غيتي)
مقر المفوضية الأوروبية في بروكسل (غيتي)
TT

«حرب الإعلام» التضليلية... الهاجس الجديد للاتحاد الأوروبي

مقر المفوضية الأوروبية في بروكسل (غيتي)
مقر المفوضية الأوروبية في بروكسل (غيتي)

«المعارضة الحقيقية هي وسائل الإعلام، ومواجهتها تقتضي إغراقها بالمعلومات المفبركة والمضللة».

هذا ما قاله ستيف بانون، كبير منظّري اليمين المتطرف في الولايات المتحدة عندما كان مشرفاً على استراتيجية البيت الأبيض في بداية ولاية دونالد ترمب الأولى عام 2018.

يومذاك حدّد بانون المسار الذي سلكه ترمب للعودة إلى الرئاسة بعد حملة قادها المشرف الجديد على استراتيجيته، الملياردير إيلون ماسك، صاحب أكبر ثروة في العالم، الذي يقول لأتباعه على منصة «إكس» «X» (تويتر سابقاً): «أنتم اليوم الصحافة».

رصد نشاط بانون

في أوروبا ترصد مؤسسات الاتحاد وأجهزته منذ سنوات نشاط بانون ومراكز «البحوث» التي أنشأها في إيطاليا وبلجيكا والمجر، ودورها في صعود الأحزاب اليمينية المتطرفة في غالبية الدول الأعضاء، والذي بلغ ذروته في انتخابات البرلمان الأوروبي مطلع الصيف الماضي.

وتفيد تقارير متداولة بين المسؤولين الأوروبيين بأن هذه المراكز تنشط بشكل خاص على منصات التواصل الاجتماعي، وأن إيلون ماسك دخل أخيراً على خط تمويلها وتوجيه أنشطتها، وأن ثمة مخاوف من وجود صلات لهذه المراكز مع السلطات الروسية.

درع ضد التضليل

أمام هذه المخاوف تنشط المفوضية الأوروبية منذ أسابيع لوضع اللمسات الأخيرة على ما أسمته «الدرع ضد التضليل الإعلامي» الذي يضمّ حزمة من الأدوات، أبرزها شبكة من أجهزة التدقيق والتحقق الإلكترونية التي تعمل بجميع لغات الدول الأعضاء في الاتحاد، إلى جانب وحدات الإعلام والأجهزة الرقمية الاستراتيجية الموجودة، ومنها منصة «إي يو فس ديسانفو» EUvsDisinfo المتخصّصة التي انطلقت في أعقاب الغزو الروسي لشبه جزيرة القرم وضمّها عام 2014. و«هي باتت عاجزة عن مواجهة الطوفان التضليلي» في أوروبا... على حد قول مسؤول رفيع في المفوضية.

الخبراء، في بروكسل، يقولون إن الاتحاد الأوروبي يواجه اليوم «موجة غير مسبوقة من التضليل الإعلامي» بلغت ذروتها إبان جائحة «كوفيد 19» عام 2020، ثم مع نشوب الحرب الروسية الواسعة النطاق ضد أوكرانيا في فبراير (شباط) 2022.

وإلى جانب الحملات الإعلامية المُضلِّلة، التي تشّنها منذ سنوات بعض الأحزاب والقوى السياسية داخلياً، تعرّضت الساحة الأوروبية لحملة شرسة ومتطورة جداً من أطراف خارجية، في طليعتها روسيا.

ومع أن استخدام التضليل الإعلامي سلاحاً في الحرب الهجينة ليس مُستجدّاً، فإن التطوّر المذهل الذي شهدته المنصّات الرقمية خلال السنوات الأخيرة وسّع دائرة نشاطه، وضاعف تداعياته على الصعيدين: الاجتماعي والسياسي.

الهدف تعميق الاستقطاب

وراهناً، تحذّر تقارير عدة وضعتها مؤسسات أوروبية من ازدياد الأنشطة التضليلية بهدف تعميق الاستقطاب وزعزعة الاستقرار في مجتمعات البلدان الأعضاء. وتركّز هذه الأنشطة، بشكل خاص، على إنكار وجود أزمة مناخية، والتحريض ضد المهاجرين والأقليات العرقية أو الدينية، وتحميلها زوراً العديد من المشاكل الأمنية.

وتلاحظ هذه التقارير أيضاً ارتفاعاً في كمية المعلومات المُضخَّمة بشأن أوكرانيا وعضويتها في حلف شمال الأطلسي «ناتو» أو انضمامها إلى الاتحاد الأوروبي، فضلاً عن معلومات مضخمة حول مولدافيا والاستفتاء الذي أجري فيها حول الانضمام إلى الاتحاد، وشهد تدخلاً واسعاً من جانب روسيا والقوى الموالية لها.

ستيف بانون (آ ب)

التوسّع عالمياً

كذلك، تفيد مصادر الخبراء الأوروبيين بأن المعلومات المُضلِّلة لا تنتشر فحسب عبر وسائط التواصل الاجتماعي داخل الدول الأعضاء، بل باتت تصل إلى دائرة أوسع بكثير، وتشمل أميركا اللاتينية وأفريقيا، حيث تنفق الصين وروسيا موارد ضخمة خدمة لمصالحها وترسيخ نفوذها.

كلام فون دير لاين

وفي الكلمة التي ألقتها أخيراً أورسولا فون در لاين، رئيسة المفوضية الأوروبية، بمناسبة الإعلان عن مشروع «الدرع» الذي ينتظر أن يستلهم نموذج وكالة «فيجينوم» الفرنسية ورديفتها السويدية «وكالة الدفاع النفسي»، قالت فون دير لاين: «إن النظام الديمقراطي الأوروبي ومؤسساته يتعرّضون لهجوم غير مسبوق يقتضي منّا حشد الموارد اللازمة لتحصينه ودرء المخاطر التي تهدّده».

وكانت الوكالتان الفرنسية والسويدية قد رصدتا، في العام الماضي، حملات تضليلية شنتها روسيا بهدف تضخيم ظهور علامات مناهضة للسامية أو حرق نسخ من القرآن الكريم. ويقول مسؤول أوروبي يشرف على قسم مكافحة التضليل الإعلامي إن ثمة وعياً متزايداً حول خطورة هذا التضليل على الاستقرار الاجتماعي والسياسي، «لكنه ليس كافياً توفير أدوات الدفاع السيبراني لمواجهته، بل يجب أن تضمن الأجهزة والمؤسسات وجود إطار موثوق ودقيق لنشر المعلومات والتحقق من صحتها».

إيلون ماسك (رويترز)

حصيلة استطلاعات مقلقة

في هذه الأثناء، تفيد الاستطلاعات بأن ثلث السكان الأوروبيين «غالباً» ما يتعرضون لحملات تضليلية، خاصة في بلدان مثل اليونان والمجر وبلغاريا وإسبانيا وبولندا ورومانيا، عبر وسائل التواصل الاجتماعي والتلفزيون. لكن المفوضية تركّز نشاطها حالياً على الحملات والتهديدات الخارجية، على اعتبار أن أجهزة الدول الأعضاء هي المعنية بمكافحة الأخطار الداخلية والسهر على ضمان استقلالية وسائل الإعلام، والكشف عن الجهات المالكة لها، منعاً لاستخدامها من أجل تحقيق أغراض سياسية.

وللعلم، كانت المفوضية الأوروبية قد نجحت، العام الماضي، في إقرار قانون يلزم المنصات الرقمية بسحب المضامين التي تشكّل تهديداً للأمن الوطني، مثل الإرهاب أو الابتزاز عن طريق نشر معلومات مضلِّلة. لكن المسؤولين في المفوضية الأوروبية يعترفون بأنهم يواجهون صعوبات في هذا المضمار؛ إذ يصعب وضع حدودٍ واضحة بين الرأي والمعلومات وحرية التعبير، وبالتالي، يضطرون للاتجاه نحو تشكيل لجان من الخبراء أو وضع برامج تتيح للجمهور والمستخدمين تبيان المعلومات المزوَّرة أو المضلِّلة.