رئيس المجلس القومي للصحافة السودانية: الأجهزة الأمنية تتدخل «لتجاوز الخطوط الحمراء» وتهديد الأمن القومي

شمو لـ«الشرق الأوسط»: المجلس يده مغلولة تماما تجاه التعطيل وحبس الصحافيين

رئيس المجلس القومي للصحافة السودانية: الأجهزة الأمنية تتدخل «لتجاوز الخطوط الحمراء» وتهديد الأمن القومي
TT

رئيس المجلس القومي للصحافة السودانية: الأجهزة الأمنية تتدخل «لتجاوز الخطوط الحمراء» وتهديد الأمن القومي

رئيس المجلس القومي للصحافة السودانية: الأجهزة الأمنية تتدخل «لتجاوز الخطوط الحمراء» وتهديد الأمن القومي

نفى رئيس المجلس القومي للصحافة السودانية علي شمو اتهام مجلس الصحافة بالتقصير والسلبية بالنسبة لإيقاف الصحف واعتقال الصحافيين وقال: إن المجلس لا يملك أي صلاحيات للتدخل أو للحيلولة دون تعطيل صحيفة أو اعتقال صحافي، و«يده مغلولة تماما بالنسبة تجاه إجراء تعطيل الصحافة وحبس الصحافيين».
وقال شمو «إن رئاسة الجمهورية عبر إجازتها لقانون الصحافة عام 2009 أكدت على إتاحة الحريات كاملة في التعبير بالنسبة للصحافة»، ولكن الأجهزة المختصة «الأمنية» تتدخل بحجة تجاوز صحافي أو صحافيين الخطوط الحمراء أي نشر معلومات غير صحيحة في قضية ما تضر بالأمن القومي. وكشف رئيس المجلس القومي للصحافة أنه أحيانا يفاجأ بهذا النوع من الإجراءات الاستثنائية، ولكنه لا يقف متفرجا ويسعى لمعالجة الأمر وتطويق آثاره، وقال شمو إن مجلس الصحافة وبالتعاون مع اتحاد الصحافيين طالب في مذكرات لرئاسة الجمهورية وللجهات المختصة بتوفير صلاحيات للمجلس تجعله قادرا على «تصويب الأمور بالنسبة للصحافة والصحافيين واللجوء إلى القانون، فلا تُعطَّل صحيفة أو يعتقل صحافي إلا عبر القانون».
ووصف شمو طلب صحافيين على مستوى رؤساء تحرير للجوء السياسي لعواصم أوروبية «بالظاهرة التي تؤثر سلبا على صورة السودان إقليميا ودوليا»، وهو أمر يستوجب إعادة النظر في الأسلوب والتعامل مع الحريات والصحافة والصحافيين داخل البلاد. واعترف شمو بأن التجاوزات المهنية أصبحت مهددا لقيم وموروثات المجتمع السوداني، وعبر عن الأسف الشديد لتراجع توزيع الصحف السودانية «فالتوزيع اليومي لأكثر من 40 صحيفة سياسية واجتماعية بلغ 200 ألف نسخة» وهو «تراجع مهني مثير للحزن والقلق لصحافة نشأت مبكرا 1903 ويفترض أن تراكم الخبرة والمهنية يجعل منها صحافة متقدمة وقوية وليس العكس».
وفيما يلي نص الحوار:

* لماذا يتهم مجلس الصحافة بالتقصير والسلبية بالنسبة لإيقاف الصحف أو اعتقال الصحافيين؟
- الاتهام صحيح، لأن مجلس الصحافة برغم مهامه ومسؤولياته تجاه الحفاظ على قيم ومبادئ المهنة وتطوير الصحافة فهو لا يستطيع القيام بأي دور أو التدخل في حالة تعطيل أو إيقاف صحيفة لأنه لا يملك أي صلاحيات قانونية للتدخل أو للحيلولة دون التعطيل أو الاعتقال.
* هل معنى ذلك الاعتراف بسلبية مجلس الصحافة؟
- ليست هنالك سلبية من جانب المجلس أو تقصير، ولكن يده مغلولة تماما بالنسبة لإجراءات تعطيل الصحافة، أو حبس الصحافيين فهو يتدخل على المستوى الشخصي بالقيام باتصالات مع الجهات المعنية لرفع الحظر عن صحيفة أو اعتقال صحافي، مثلما حدث مؤخرا بالنسبة للصحافي النور أحمد النور. والأمر كله محكوم بقانون الأمن الوطني ذي الصلاحيات الواسعة.
* هل ما تزال الرقابة مفروضة على الصحافة؟
- الواقع أن قانون الصحافة لعام 2009 أكد على إتاحة الحريات كاملة في التعبير بالنسبة للصحافة لكن الأجهزة المختصة «الأمنية» تتدخل بحجة تجاوز الخطوط الحمراء، أي نشر معلومات غير صحيحة في قضية ما تضر بالأمن القومي، ويأتي القرار على ضوء ذلك أي تعطيل الصحيفة أو المصادرة أو الاعتقال.
* وما هو موقف المجلس في هذه الحالة؟
- المجلس أحيانا يفاجأ بهذا النوع من القرارات ولكن لا يقف متفرجا وإنما يسعى لمعالجة الأمر، خاصة أنه يدرك أن عالم اليوم لا يقبل بهذا النوع من القرارات الصعبة المصادرة للصحف أو الاعتقال بالنسبة للصحافيين، وأصبح دعاة الحريات في عواصم كثيرة يخرجون في مواكب احتجاجية منددين بهذا النوع من الممارسات، وهذا مضر بالبلد وسمعته على المستويين الدولي والإقليمي.
* هل لدى مجلس الصحافة بالتعاون مع اتحاد الصحافيين اتجاهات لمعالجة الموقف؟
- طالبنا في مذكرات للجهات المختصة بتوفير صلاحيات مجلس الصحافة وتمكينه من ممارسة سلطاته وبجعله قادرا على تصويب الأمور بالنسبة للصحافة وللصحافيين، واللجوء إلى القانون، فلا تعطل صحيفة أو يعتقل صحافي إلا عبر القانون. وكل هذه الأشياء واردة في قانون الصحافة والمطبوعات الصحافية.
* كيف ينظر مجلس الصحافة لطلبات بعض رؤساء تحرير اللجوء السياسي بالعواصم الأوروبية؟
- أعتقد أنها ظاهرة مؤسفة وتؤثر سلبا على سمعة السودان وصورته الإقليمية والدولية مما يستوجب إعادة النظر في الأسلوب والتعامل مع الحريات والصحافة والصحافيين، ويسعى مجلس الصحافة عبر قانونه وعبر ما هو متاح وبالتعاون مع الأجهزة المختصة والعدلية لوقف الإجراءات الاستثنائية في قضايا الصحافة بحيث تكون المعالجة في إطار القانون الطبيعي والقضاء. ولا بد من تصويب صورة السودان في الخارج بإتاحة الحريات الصحافية وفي إطار القانون وليس بالإجراءات الاستثنائية فهي سالبة في كل الحالات.
* ماذا يفعل مجلس الصحافة تجاه تجاوزات الصحف في الأداء المهني؟
- لدى مجلس الصحافة، لجنة خاصة بشكاوى المواطنين في حالة تعرضهم لتجاوزات من أي نوع ويتم التعامل معها باهتمام بالغ وباستدعاء رئيس التحرير واستجوابه حول ما وجه إليه من اتهام أو تجاوز، ولكن أقصى ما يفعله المجلس تجاه هذه الشكاوى هو تعليق الصدور لفترة محدودة وأحيانا مطالبة الصحيفة بالتصحيح والنشر، وهذا لا يكفي ولذلك أعترف أن التجاوزات المهنية في الصحافة أصبحت مهددا لقيم وموروثات المجتمع السوداني.
* هل تحسن التوزيع للصحف السودانية؟
- مع الأسف الشديد فإن التوزيع للصحف في أسوأ حالاته، فلدينا أكثر من 40 صحيفة سياسية واجتماعية ورياضية وتوزيعها مجتمعة أقل من 300 ألف نسخة، وهذا يعكس حالة من التراجع المثير للقلق والذي انعكس على الإقبال عليها. إن الصحافة السودانية لها تاريخ عريق، وأول صحيفة سودانية صدرت عام 1903. أي قبل أكثر من مائة عام ويفترض أن تراكم الخبرة والمهنية يجعلها في مرحلة متقدمة وقوية مؤثرة، ولكن حدث العكس تماما وهو أمر محزن ومقلق ونحاول دعم الجهود على عدة مستويات منها ترقية القدرات للصحافيين ورفع كفاءة الأداء المهني وذلك بالتعاون مع اتحاد الصحافيين، وتنظيم دورات تدريبية صحافية داخلية وخارجية وأيضا معالجة أوضاع الدور الصحافية الخاصة بالطباعة ومدخلاتها.
* ما هي الحكومات الأفضل تجاه الحريات في الصحافة السودانية؟
- مهما كانت النظرة والتقييم للأنظمة الشمولية، سلبياتها وإيجابياتها فإني أعتبر أن ساحة الحريات في سنوات حكم الإنقاذ الأخيرة تظل الأكبر والأفضل وفي الصحف السودانية العريقة تنشر انتقادات جادة ومباشرة للأداء السياسي والتنفيذي، ولكنها تعبر عن ذلك بلغة موضوعية ورصينة ومؤثرة، ولذلك أعتبر أنه كلما زادت معايير المهنية والمسؤولية الوطنية زادت مساحة الحريات والتعبير. ولكن تبقى حقيقة أن حرية الصحافة في عهود الديمقراطية التعددية ما قبل الاستقلال وبعد أكتوبر (تشرين الأول) ثم فترة الانتفاضة كانت هي الأفضل وقد كان السودان في تلك الحقب مضربا للأمثال.
* هل صحيح أن ما تنشره صحف من أخبار ومعلومات تحول إلى مهدد لأمن السودان؟
- من الصعب إطلاق أو تعميم هذا الاتهام على معظم الصحف، لأن هنالك صحفا فتحت ملفات اقتصادية واجتماعية وسياسية نافذة وتناولتها بمهنية ومسؤولية وأحدثت تأثيرا في اتجاه المعالجة، بينما هناك صحف أخرى تنشر أخبارا أو تقارير مثيرة (أمنية أو اقتصادية) مما يثير البلبلة أو القلق أو يفضي إلى أضرار داخلية وخارجية مما يجعل ما تنشره مهددا أمنيا ووطنيا، وعلى أي حال فلسنا نحن من يحدد مهددات الأمن بل إننا في كثير من الأحيان تكون لنا وجهة نظر مختلفة. ولذلك فإننا مثلما نقف مع حريات الصحافة والتعبير وممارستها بمسؤولية وانضباط ودون تجاوز للحدود الحمراء، فإننا نعتبر أن الإثارة والمعلومات والحقائق غير الصحيحة مسألة مضرة وفادحة وتشكل مهددا اجتماعيا واقتصاديا.
* هل تعتزم تقديم استقالتك من منصب رئاسة المجلس؟
- في الواقع كان يفترض تقديم استقالتي واعتذاري لظروف عامة وخاصة ولكنني استجبت لظروف تعليق إجراءات تكوين المجلس الجديد والتي ربما تمت في ظرف أسبوعين خاصة أن هذا المجلس الذي أتشرف برئاسته قد انتهت فترته القانونية في 9 نوفمبر 2013 ولكن قرارا صدر بتمديد فترته حتى تكوين المجلس الجديد وذلك حتى لا ينجم فراغ قانوني بعد النهاية وقبل التكوين الجديد.



هل تنجح مساعي دمج صُنّاع المحتوى داخل غُرف الأخبار؟

صحف سعت لاجتذاب صُنّاع المحتوى (متداولة)
صحف سعت لاجتذاب صُنّاع المحتوى (متداولة)
TT

هل تنجح مساعي دمج صُنّاع المحتوى داخل غُرف الأخبار؟

صحف سعت لاجتذاب صُنّاع المحتوى (متداولة)
صحف سعت لاجتذاب صُنّاع المحتوى (متداولة)

يبدو أن ثمة تطوراً جديداً ربما يظهر داخل «غرف الأخبار»، بعدما سعت صحف بارزة، مثل «واشنطن بوست»، لاجتذاب صُنّاع المحتوى بهدف «تعزيز التواصل مع الجمهور»، في حين أثارت مساعي دمج صُنّاع المحتوى (المؤثرون) داخل غُرف الأخبار تساؤلات بشأن «ضمانات التوازن بين المعايير المهنية والتكيّف مع تطلّعات الجمهور».

ووفق تقرير معهد «رويترز لدراسة الصحافة»، العام الماضي، فإن «الجمهور من الفئات الأقل من أربعين عاماً يعيرون اهتماماً أكبر لصُنّاع المحتوى، أو ما يطلقون عليهم لقب (مؤثرون)، بوصفهم مصدراً للمعلومات وكذلك الأخبار».

كما أشارت دراسة استقصائية ضمن مبادرة «بيو-نايت» الأميركية، المعنية برصد التغيرات في كيفية استهلاك الأخبار والمعلومات، في نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، إلى أن أكثر من خُمس البالغين في الولايات المتحدة يعتمدون بانتظام على «المؤثرين» للحصول على الأخبار.

ومع ذلك، فإن معظم هؤلاء «المؤثرين» الذين ينشرون الأخبار لا ينتمون إلى مؤسسات إخبارية ولا يخضعون لتدريب صحافي. وحسب دراسة أجرتها منظمة «اليونيسكو» ونُشرت نتائجها، نهاية نوفمبر الماضي، فإن غالبية هؤلاء المؤثرين (62 في المائة) لا يتحقّقون من صحة المعلومات التي يشاركونها مع جمهورهم، ما يُثير مخاوف من انتشار «المعلومات الزائفة».

ومعروف أن ثمة تجارب بدأت تخوضها أخيراً غرف الأخبار للدمج بين الصحافي المدرب وصانع المحتوى صاحب الكاريزما والجمهور. وظهرت، في هذا الإطار، نماذج؛ مثل: «واشنطن بوست»، والمنصة الأميركية «مورنينغ بيرو» التي أطلقت بالفعل مبادرات يقودها صُنّاع محتوى على منصات التواصل الاجتماعي، غير أن الاتجاه لا يزال قيد التجربة والتقييم، حسب ما يبدو.

الخبير في إدارة وتحليل بيانات «السوشيال ميديا»، مهران كيالي، رهن نجاح تجربة دمج صُنّاع المحتوى في غرف الأخبار بـ«تنظيم العلاقة بين الطرفين»، وقال لـ«الشرق الأوسط» إنه «على غرف الأخبار أن توفّر لصُنّاع المحتوى أدوات؛ مثل: التحقق من المصادر، والالتزام بأخلاقيات الصحافة، في حين يقدّم صُنّاع المحتوى خبراتهم في الإبداع الرقمي وفهم الجمهور على المنصات الحديثة». وأضاف: «كما يجب تقنين العلاقة من خلال وضع إطار واضح يحدّد المسؤوليات وأسلوب العمل».

غير أن كيالي أشار إلى «تحديات أمام تجربة دمج صُنّاع المحتوى في غرف الأخبار»، قائلاً: «هناك نظرة سلبية من قِبل بعض الصحافيين التقليديين تجاه صُنّاع المحتوى، بل هم يعدونهم دخلاء على المهنة، رغم امتلاكهم جمهوراً واسعاً وتأثيراً كبيراً». وأضاف: «بعض المؤسسات الصحافية تعاني صعوبة التكيّف مع أسلوب المحتوى السريع والبسيط الذي يتناسب مع منصات التواصل الاجتماعي، خشية خسارة الصورة الوقورة أمام الجمهور».

وعدّ كيالي أن غرف الأخبار قبل أن تستعين بصُنّاع المحتوى، هي بحاجة إلى «التجهيزات والإجراءات التي تمكّن الصحافيين من إنتاج ونشر محتوى رقمي جذاب بسرعة».

وعن الحلول لتجاوز هذه التحديات، أوضح الخبير في إدارة وتحليل بيانات «السوشيال ميديا» أنه «يجب على المؤسسات تحديث سياساتها وتوفير الدعم الفني والتدريب اللازم للصحافيين، مع تغيير النظرة السلبية تجاه صُنّاع المحتوى والبحث عن تعاون».

وأشار كذلك إلى أهمية تحقيق التوازن بين المهنية والتطوير، قائلًا: «بعض غرف الأخبار تحتاج إلى تعزيز مصداقيتها بالالتزام بمبادئ الصحافة، من خلال تجنّب المصادر غير الموثوقة وتدقيق المعلومات قبل نشرها»، و«لجذب الجمهور، يجب تقديم محتوى يلامس اهتماماته بأسلوب مبسط مع استخدام أدوات حديثة مثل الفيديوهات القصيرة؛ مما يضمن الجمع بين الدقة والجاذبية لتعزيز الثقة بعصر المنافسة الرقمية».

المحاضرة في الإعلام الرقمي بالجامعة البريطانية في القاهرة، ياسمين القاضي، ترى أن بعض المؤسسات الإخبارية لا تزال تعتمد الاستراتيجيات «القديمة» نفسها على وسائل التواصل الاجتماعي، وقالت لـ«الشرق الأوسط»: «منذ سنوات تبنّت بعض وسائل الإعلام مفهوم (التحويل إلى منصات) من خلال جمع المعلومات وتدقيقها، وهو الدور الأصيل للصحافة، ثم نشرها بأسلوب يحاكي وسائل التواصل الاجتماعي، غير أن هذا الاتجاه ربما لن يكون كافياً في ضوء احتدام المنافسة مع صُنّاع المحتوى، مما أفرز اتجاه الاستعانة بـ(المؤثرين)».

وأوضحت القاضي أن «الغرض من دمج صُنّاع المحتوى في غرف الأخبار، هو تقديم المعلومات المدققة بأسلوب مبتكر». وأضافت أن «الاستعانة بشخصية مؤثرة لنقل المعلومات لا تعني بالضرورة المساس بمصداقية المحتوى ودقته، فالأمر يعتمد على مهارة كُتّاب المحتوى، فكلما كان الكُتاب صحافيين محترفين يسعون لتطوير أدواتهم ضمنت منصة الأخبار تقديم معلومات دقيقة وموثوقة».