«الشرق الأوسط» في مهرجان برلين الدولي (8): دب برلين الذهبي من نصيب الإيراني جعفر باناهي عن فيلمه «تاكسي»

تسلمت الجائزة ابنته الممثلة هنا نيابة عنه لأنه ممنوع من السفر وحبيس منزله لـ20 سنة

هنا باناهي تتسلم الجائزة نيابة عن أبيها مخرج الفيلم جعفر باناهي (أ. ب)  -  الدب الفضي لأفضل ممثلة شارلوت رامبلينغ عن «45 سنة» الدب الفضي لأفضل ممثل توم كورتني عن «45 سنة» أيضا (أ. ب)
هنا باناهي تتسلم الجائزة نيابة عن أبيها مخرج الفيلم جعفر باناهي (أ. ب) - الدب الفضي لأفضل ممثلة شارلوت رامبلينغ عن «45 سنة» الدب الفضي لأفضل ممثل توم كورتني عن «45 سنة» أيضا (أ. ب)
TT

«الشرق الأوسط» في مهرجان برلين الدولي (8): دب برلين الذهبي من نصيب الإيراني جعفر باناهي عن فيلمه «تاكسي»

هنا باناهي تتسلم الجائزة نيابة عن أبيها مخرج الفيلم جعفر باناهي (أ. ب)  -  الدب الفضي لأفضل ممثلة شارلوت رامبلينغ عن «45 سنة» الدب الفضي لأفضل ممثل توم كورتني عن «45 سنة» أيضا (أ. ب)
هنا باناهي تتسلم الجائزة نيابة عن أبيها مخرج الفيلم جعفر باناهي (أ. ب) - الدب الفضي لأفضل ممثلة شارلوت رامبلينغ عن «45 سنة» الدب الفضي لأفضل ممثل توم كورتني عن «45 سنة» أيضا (أ. ب)

أسدل مهرجان برلين السينمائي دورته الخامسة والستين ستارته يوم أول من أمس (السبت) بإعلان منح الدب الذهبي لفيلم «تاكسي» للإيراني جعفر باناهي. وتسلمت هنا باناهي، الفتاة التي شاركت التمثيل في الفيلم، الجائزة نيابة عن أبيها مخرج الفيلم.
وكان قد عرض 19 فيلما في المسابقة وبضع مئات خارجها، وإذ أدلت لجنة التحكيم التي ترأسها المخرج الأميركي دارن أرونوفسكي وشملت الممثل الألماني دانيال برول والمخرج الكوري بونغ جون - هو والمنتجة مارتا ديلارونتيس والمنتج ماثيو واينر، بأصواتها، عكست بذلك نزعة متكررة في المهرجانات الدولية هذه الأيام، وهي منح بعض الجوائز لمن لا يستحقها فعليا.
«تاكسي» لجعفر باناهي عبارة عن كاميرا خفية (في المفهوم وليس في الواقع) موضوعة داخل سيارة تاكسي يقودها المخرج باناهي وتجوب شوارع طهران تطلع ركابا وتنزل ركابا على مدى ساعة و22 دقيقة. باناهي يستعرض ركّـابه وما يتبادلونه من أحاديث أو ما يضيفونه على الفيلم من مواقف، لكنه لا يسجل أكثر مما يستطيع فيلم يدور في داخل سيارة (باستثناء بضعة مشاهد تقع خارج السيارة، لكن الكاميرا تبقى داخلها) تسجيله.
السائد هو أن الفيلم لا يستحق الجائزة الأولى. هناك أعمال كثيرة جيّـدة أفضل منه، وبعضها فاز بدببة فضيّـة، لكن الأولى هذا العام، كما في العام الماضي وكما الحال أكثر من مرّة في مهرجانات أخرى، جاءت على حسابها والأهم من دون أن تأخذ بالحسبان أن على الفيلم أن يكون فنّـا وليس عذرا.
الجائزة عبارة عن موقف لجنة التحكيم المؤيد للمخرج الذي كان صدر بحقه قبل 4 سنوات حكم جائر وغير مبرر يقضي بأن يبقى حبيس منزله لعشرين سنة، وبعدم قيامه بإخراج فيلم. باناهي منذ صدور هذا الفيلم أنجز 3 أفلام، اثنان في منزله وهذا الفيلم الجديد الذي يؤدي فيه شخصية سائق سيارة أجرة.
هل صحيح أن النظام لا يعرف أن باناهي خرق الحكم؟ وإذا كان لا يعلم لأنه لم يضع على باناهي من يرصد حركته، فهل «تاكسي» فيلم جيّـد إلى الحد الذي يستحق فيه الجائزة الذهبية؟ هذا إذا ما تجاهلنا بالطبع أسئلة من نوع «وكيف وصل الفيلم إلى برلين؟»، أو «كيف سيكون رد فعل الحكومة الإيرانية على ذلك؟».
هل ستشعر بالرضا لأن فيلما إيراني الهوية فاز بجائزة مهرجان أوروبي أول؟
هل ستشعر بالغضب لأن باناهي اخترق الحكم وعرض فيلمه رغم الحصار؟ وفي هذه الحال، ما كان موقفها في المرات السابقة عندما عرضت أفلامه «المهرّبة» في المهرجانات الأخرى.
رابحون وخاسرون
طبعا هذه الأسئلة كانت ستتغير لو أن باناهي استغل فرصة حريّـته وتسلله من البيت إلى السيارة ليمنحنا عملا يحمل مضمونا أهم مما يودعه هنا، حتى ولو استخدم التكنيك ذاته؛ العادي والفطري (وغير السينمائي) المستخدم في فيلمه. لكن هذه الجائزة سياسية - عاطفية. والمرء معها في الناحية الأولى (سياسية) من حيث إنه يؤيد المخرج ضد السـلطة، وضدّها في الناحية الثانية لأن الفيلم لا يستحق الجائزة إذا كانت لا تنطوي على لغة فنيّـة حقيقية.
لم نتوقع فوز «فارس الكؤوس» لترنس مالك لأن الإقدام على مثل هذه الخطوة يتطلّـب جرأة وإعلاء شأن الفن على لغة الخطاب السياسي. «فارس الكؤوس» و«تاكسي» هما قطبان لا يمكن لهما أن يتقابلا: الأول سباحة بالفضاء الحر ورسم بالكاميرا وشعر في الوجدانيات والآخر كاميرا «خفية» في مترين إلى متر ونصف من المساحة وثرثرة حوارات طوال الوقت. لكن الجائزة هي التي ذهبت إليه.
في المقابل، احتلت السينما اللاتينية والأوروبية الصف الثاني. فيلم بابلو لاران «النادي» الذي فاز بالدب الفضي لأفضل فيلم عمل رائع بمعظمه: حكاية عدد من الكهنة ساكني بيت في جبل عال يشرف على بلدة تعيش على الصيد في إحدى البقاع الساحلية البعيدة يواجهون أزمة عاصفة: شخص يجهلونه يقف عند باب الدار الكبيرة ويتهمهم بأنهم مارسوا الجنس عليه وعلى آخرين عندما كانوا أولادا صغارا. يصف بكلمات هي أوقع، ربما، تأثيرا من الصور، ولا يمكن وصفها هنا، كيف اعتدى أحدهم عليه. والكاميرا بعد ذلك تطوف حول ذلك الرجل وتظهر كم فادحة هي آثار ذلك الاعتداء المبكر في حياته.
بابلو يتهم الكنيسة ويدلف بمحقق قد يعرف أكثر مما يبديه موفرا، ولو لحين يبدو الفيلم كما لو كان نسيجا من أدب الفرنسي جورج سيمنون، خصوصا أن الكاهن المتهم برهن على ذنبه بالانتحار، ومع وجود ذلك المحقق الآتي من الكنيسة ذاتها لكشف اللثام عن حقيقة ما وقع عوض القصّـة التي لفّـقها باقي الرهبان أمام رجال الشرطة.
فيلم داكن مصوّر باستخدام إضاءة طبيعية على الدوام من مخرج حقق فيلما أفضل سنة 2010 عنوانه «بعد التشريح». نهاية الفيلم تتأرجح باحثة عن كتابة لها لكن العمل بكلّـه يستحق ما ناله على أي حال.
الجزء الشرقي من أوروبا كان محظوظا على حساب الجزء الغربي: «أفريم» الذي منحه مخرجه رادو جود جائزة أفضل إخراج روماني، و«جسد» الذي نالت عنه مالغورزاتا شيموفسكا الجائزة ذاتها مناصفة بولندية. أوروبا الغربية تمثلت بجائزتي أفضل ممثل وأفضل ممثلة عن فيلم بريطاني النشأة هو «45 سنة».
السينما الألمانية: الخسارة، في هذا الوضع، من نصيب السينمات الأوروبية الغربية الأخرى: ألمانيا وفرنسا وإيطاليا وإسبانيا، ومن نصيب الاشتراكات الآسيوية (الصين واليابان وفيتنام) كما من نصيب السينما الأميركية. «ذهب مع الرصاص» للصيني جيانغ وان من أسوأ ما شهده هذا المهرجان من أعمال (وهي في محصلتها قليلة) والفيلم الياباني «رحلة شاسوكو» للمخرج سابو يجاوره. أما الفيتنامي «أب كبير، أب صغير وحكايات أخرى» لفانغ دانغ دي فيتقدم عليهما قليلا بدرجات لا تكفي.
الوضع الألماني أكثر سوءا: هل يعقل أن لا يحمل «ملكة الصحراء» على لغة سينمائية متطوّرة أم أن المخرج فرنر هرتزوغ دفع ثمن محاولته ترميم جسور الثقافة في وقتنا العصيب وتحقيق فيلم ينجح فنيا وجماهيريا في آن؟
إنه في كل الأحوال أفضل من فيلم ألماني آخر لمخرج معروف ومن الجيل ذاته هو فيم فندرز الذي غطس في مياه غير مياهه هذا العام ليمنحنا «كل شيء سيكون على ما يرام»: حكاية ذلك الروائي (كحال بطل «فارس الكؤوس») الذي صدم طفلا لم نشاهده وبنى على تلك الصدمة قصّـة واهية تمتد لأكثر من 10 سنوات من التجاذب غير الناجح لا تشويقيا ولا نفسيا.
من ألمانيا أيضا شاهدنا فيلم المخرجة مرغريت فون تروتا، وهي أيضا من خريجي مدرسة السبعينات الألمانية التي ضمت هرتزوغ وفندر وفاسبندر وشلندروف. فيلمها الجديد يحمل عنوانا جميلا هو «عالم في غير مكانه» أو The Misplaced World. قبل العرض نصحت زميلا يحضر المهرجان لأول مرّة أن يتوقع فيلما جيّـدا لأن مخرجته هي أفضل مخرجة ألمانية منذ السبعينات وإلى اليوم. بعد العرض، اعتذرت. حكاية مغنية ألمانية اسمها صوفي (كاتيا رايتمان) تنفصل عن صديقها وتستجيب لطلب من أبيها بالسفر إلى نيويورك لأنه اكتشف أن زوجته الميّـتة لها شبيه في شخص مغنية أوبرا اسمها كاترينا (باربرا سوكوفا). تفعل ذلك وبعد جهود تسعى في الوصول إليها بمساعدة وكيل أعمال كاترينا (روبرت سيليجر) الذي يقع في حب صوفي. بعد كثير من الشرح توافق كاترينا على السفر إلى ألمانيا ومقابلة الأب قبل أن تعود إلى نيويورك. هذا الأب يقر بأن والدة صوفي خانته مع شقيقه ما يعني أنه ليس أباها. لكن الحكاية ليست ببساطة هذه الكلمات. في الوقت الذي يستند فيه الفيلم إلى كم من الدواخل الخفية التي تتبدى بالتدرج البطيء، يتحوّل كل اكتشاف إلى مجرد إضافة مستطيلة الشكل على فيلم لا يريد أن ينتهي.
صوفي تقوم بعدد من الرحلات من وإلى ألمانيا كما في داخل ألمانيا وبعضها، يكشف عن أنه لم يكن مهمّـا أن تقوم بها. تقول لوالدها: «إذا كنت تعرف فلماذا أرسلتني؟». بذلك غاب عن المخرجة التي كتبت هذا السيناريو المترهل أن ما ليس ضروريا لبطلها هو أيضا غير ضروري للمشاهد. بالتالي كل تلك الرحلات غير الناجحة هي مثل عداد تاكسي تتمنّى أن يتوقّـف بعدما أخطأ السائق في وجهته.

* توزيع الجوائز
* ذهبت الجوائز على النحو التالي:
* الدب الذهبي: فيلم «تاكسي» لجعفر باناهي (إيران).
* الدب الفضي: «النادي» لبابلو لاران (إسبانيا).
* الدب الفضي لفيلم يفتح آفاقا جديدة: «بركان إكسكانو» (غواتيمالا، فرنسا).
* الدب الفضي لأفضل مخرج: رادو جود عن «أفريم» (رومانيا)، ومالغورزاتا شوموفسكا عن «جسد» (بولندا).
* الدب الفضي لأفضل ممثلة: شارلوت رامبلينغ عن «45 سنة» (بريطانيا).
* الدب الفضي لأفضل ممثل: توم كورتني عن «45 سنة» (بريطانيا).
* الدب الفضي لأفضل سيناريو: باتريشو غوزمان عن «زر اللؤلؤة» (تشيلي- إسبانيا).
* الدب الفضي لأفضل إسهام فني: إلى مدير التصوير ستورا براند غروفين عن «فيكتوريا» (ألمانيا)، ومديري التصوير إيغيني بريفن وسيرغي ميخالشوك عن «تحت سحب إلكترونية» (روسيا).



رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
TT

رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»

إنه «فضلو» في «بياع الخواتم»، و«أبو الأناشيد الوطنية» في مشواره الفني، وأحد عباقرة لبنان الموسيقيين، الذي رحل أول من أمس (الأربعاء) عن عمر ناهز 84 عاماً.
فبعد تعرضه لأزمة صحية نقل على إثرها إلى المستشفى، ودّع الموسيقي إيلي شويري الحياة. وفي حديث لـ«الشرق الأوسط» أكدت ابنته كارول أنها تفاجأت بانتشار الخبر عبر وسائل التواصل الاجتماعي قبل أن تعلم به عائلته. وتتابع: «كنت في المستشفى معه عندما وافاه الأجل. وتوجهت إلى منزلي في ساعة متأخرة لأبدأ بالتدابير اللازمة ومراسم وداعه. وكان الخبر قد ذاع قبل أن أصدر بياناً رسمياً أعلن فيه وفاته».
آخر تكريم رسمي حظي به شويري كان في عام 2017، حين قلده رئيس الجمهورية يومها ميشال عون وسام الأرز الوطني. وكانت له كلمة بالمناسبة أكد فيها أن حياته وعطاءاته ومواهبه الفنية بأجمعها هي كرمى لهذا الوطن.
ولد إيلي شويري عام 1939 في بيروت، وبالتحديد في أحد أحياء منطقة الأشرفية. والده نقولا كان يحضنه وهو يدندن أغنية لمحمد عبد الوهاب. ووالدته تلبسه ثياب المدرسة على صوت الفونوغراف الذي تنساب منه أغاني أم كلثوم مع بزوغ الفجر. أما أقرباؤه وأبناء الجيران والحي الذي يعيش فيه، فكانوا من متذوقي الفن الأصيل، ولذلك اكتمل المشوار، حتى قبل أن تطأ خطواته أول طريق الفن.
- عاشق لبنان
غرق إيلي شويري منذ نعومة أظافره في حبه لوطنه وترجم عشقه لأرضه بأناشيد وطنية نثرها على جبين لبنان، ونبتت في نفوس مواطنيه الذين رددوها في كل زمان ومكان، فصارت لسان حالهم في أيام الحرب والسلم. «بكتب اسمك يا بلادي»، و«صف العسكر» و«تعلا وتتعمر يا دار» و«يا أهل الأرض»... جميعها أغنيات شكلت علامة فارقة في مسيرة شويري الفنية، فميزته عن سواه من أبناء جيله، وذاع صيته في لبنان والعالم العربي وصار مرجعاً معتمداً في قاموس الأغاني الوطنية. اختاره ملك المغرب وأمير قطر ورئيس جمهورية تونس وغيرهم من مختلف أقطار العالم العربي ليضع لهم أجمل معاني الوطن في قالب ملحن لا مثيل له. فإيلي شويري الذي عُرف بـ«أبي الأناشيد الوطنية» كان الفن بالنسبة إليه منذ صغره هَوَساً يعيشه وإحساساً يتلمسه في شكل غير مباشر.
عمل شويري مع الرحابنة لفترة من الزمن حصد منها صداقة وطيدة مع الراحل منصور الرحباني. فكان يسميه «أستاذي» ويستشيره في أي عمل يرغب في القيام به كي يدله على الصح من الخطأ.
حبه للوطن استحوذ على مجمل كتاباته الشعرية حتى لو تناول فيها العشق، «حتى لو رغبت في الكتابة عن أعز الناس عندي، أنطلق من وطني لبنان»، هكذا كان يقول. وإلى هذا الحد كان إيلي شويري عاشقاً للبنان، وهو الذي اعتبر حسه الوطني «قدري وجبلة التراب التي امتزج بها دمي منذ ولادتي».
تعاون مع إيلي شويري أهم نجوم الفن في لبنان، بدءاً بفيروز وسميرة توفيق والراحلين وديع الصافي وصباح، وصولاً إلى ماجدة الرومي. فكان يعدّها من الفنانين اللبنانيين القلائل الملتزمين بالفن الحقيقي. فكتب ولحن لها 9 أغنيات، من بينها «مين إلنا غيرك» و«قوم تحدى» و«كل يغني على ليلاه» و«سقط القناع» و«أنت وأنا» وغيرها. كما غنى له كل من نجوى كرم وراغب علامة وداليدا رحمة.
مشواره مع الأخوين الرحباني بدأ في عام 1962 في مهرجانات بعلبك. وكانت أول أدواره معهم صامتة بحيث يجلس على الدرج ولا ينطق إلا بكلمة واحدة. بعدها انتسب إلى كورس «إذاعة الشرق الأدنى» و«الإذاعة اللبنانية» وتعرّف إلى إلياس الرحباني الذي كان يعمل في الإذاعة، فعرّفه على أخوَيه عاصي ومنصور.

مع أفراد عائلته عند تقلده وسام الأرز الوطني عام 2017

ويروي عن هذه المرحلة: «الدخول على عاصي ومنصور الرحباني يختلف عن كلّ الاختبارات التي يمكن أن تعيشها في حياتك. أذكر أن منصور جلس خلف البيانو وسألني ماذا تحفظ. فغنيت موالاً بيزنطياً. قال لي عاصي حينها؛ من اليوم ممنوع عليك الخروج من هنا. وهكذا كان».
أسندا إليه دور «فضلو» في مسرحية «بياع الخواتم» عام 1964. وفي الشريط السينمائي الذي وقّعه يوسف شاهين في العام التالي. وكرّت السبحة، فعمل في كلّ المسرحيات التي وقعها الرحابنة، من «دواليب الهوا» إلى «أيام فخر الدين»، و«هالة والملك»، و«الشخص»، وصولاً إلى «ميس الريم».
أغنية «بكتب اسمك يا بلادي» التي ألفها ولحنها تعد أنشودة الأناشيد الوطنية. ويقول شويري إنه كتب هذه الأغنية عندما كان في رحلة سفر مع الراحل نصري شمس الدين. «كانت الساعة تقارب الخامسة والنصف بعد الظهر فلفتني منظر الشمس التي بقيت ساطعة في عز وقت الغروب. وعرفت أن الشمس لا تغيب في السماء ولكننا نعتقد ذلك نحن الذين نراها على الأرض. فولدت كلمات الأغنية (بكتب اسمك يا بلادي عالشمس الما بتغيب)».
- مع جوزيف عازار
غنى «بكتب اسمك يا بلادي» المطرب المخضرم جوزيف عازار. ويخبر «الشرق الأوسط» عنها: «ولدت هذه الأغنية في عام 1974 وعند انتهائنا من تسجيلها توجهت وإيلي إلى وزارة الدفاع، وسلمناها كأمانة لمكتب التوجيه والتعاون»، وتابع: «وفوراً اتصلوا بنا من قناة 11 في تلفزيون لبنان، وتولى هذا الاتصال الراحل رياض شرارة، وسلمناه شريط الأغنية فحضروا لها كليباً مصوراً عن الجيش ومعداته، وعرضت في مناسبة عيد الاستقلال من العام نفسه».
يؤكد عازار أنه لا يستطيع اختصار سيرة حياة إيلي شويري ومشواره الفني معه بكلمات قليلة. ويتابع لـ«الشرق الأوسط»: «لقد خسر لبنان برحيله مبدعاً من بلادي كان رفيق درب وعمر بالنسبة لي. أتذكره بشوشاً وطريفاً ومحباً للناس وشفافاً، صادقاً إلى أبعد حدود. آخر مرة التقيته كان في حفل تكريم عبد الحليم كركلا في الجامعة العربية، بعدها انقطعنا عن الاتصال، إذ تدهورت صحته، وأجرى عملية قلب مفتوح. كما فقد نعمة البصر في إحدى عينيه من جراء ضربة تلقاها بالغلط من أحد أحفاده. فضعف نظره وتراجعت صحته، وما عاد يمارس عمله بالشكل الديناميكي المعروف به».
ويتذكر عازار الشهرة الواسعة التي حققتها أغنية «بكتب اسمك يا بلادي»: «كنت أقفل معها أي حفل أنظّمه في لبنان وخارجه. ذاع صيت هذه الأغنية، في بقاع الأرض، وترجمها البرازيليون إلى البرتغالية تحت عنوان (أومينا تيرا)، وأحتفظ بنصّها هذا عندي في المنزل».
- مع غسان صليبا
مع الفنان غسان صليبا أبدع شويري مرة جديدة على الساحة الفنية العربية. وكانت «يا أهل الأرض» واحدة من الأغاني الوطنية التي لا تزال تردد حتى الساعة. ويروي صليبا لـ«الشرق الأوسط»: «كان يعد هذه الأغنية لتصبح شارة لمسلسل فأصررت عليه أن آخذها. وهكذا صار، وحققت نجاحاً منقطع النظير. تعاونت معه في أكثر من عمل. من بينها (كل شيء تغير) و(من يوم ما حبيتك)». ويختم صليبا: «العمالقة كإيلي شويري يغادرونا فقط بالجسد. ولكن بصمتهم الفنية تبقى أبداً ودائماً. لقد كانت تجتمع عنده مواهب مختلفة كملحن وكاتب ومغنٍ وممثل. نادراً ما نشاهدها تحضر عند شخص واحد. مع رحيله خسر لبنان واحداً من عمالقة الفن ومبدعيه. إننا نخسرهم على التوالي، ولكننا واثقون من وجودهم بيننا بأعمالهم الفذة».
لكل أغنية كتبها ولحنها إيلي شويري قصة، إذ كان يستمد موضوعاتها من مواقف ومشاهد حقيقية يعيشها كما كان يردد. لاقت أعماله الانتقادية التي برزت في مسرحية «قاووش الأفراح» و«سهرة شرعية» وغيرهما نجاحاً كبيراً. وفي المقابل، كان يعدها من الأعمال التي ينفذها بقلق. «كنت أخاف أن تخدش الذوق العام بشكل أو بآخر. فكنت ألجأ إلى أستاذي ومعلمي منصور الرحباني كي يرشدني إلى الصح والخطأ فيها».
أما حلم شويري فكان تمنيه أن تحمل له السنوات الباقية من عمره الفرح. فهو كما كان يقول أمضى القسم الأول منها مليئة بالأحزان والدموع. «وبالقليل الذي تبقى لي من سنوات عمري أتمنى أن تحمل لي الابتسامة».