«الشارقة الثقافية»: احتفاء بمريد البرغوثي وحوار مع شوقي بغدادي

«الشارقة الثقافية»: احتفاء بمريد البرغوثي وحوار مع شوقي بغدادي
TT

«الشارقة الثقافية»: احتفاء بمريد البرغوثي وحوار مع شوقي بغدادي

«الشارقة الثقافية»: احتفاء بمريد البرغوثي وحوار مع شوقي بغدادي

صدر أخيراً العدد 54 لشهر أبريل (نيسان) من مجلة «الشارقة الثقافية» التي تصدر عن دائرة الثقافة بالشارقة. وجاءت الافتتاحية بعنوان «صناعة النشر العربي»، معتبرة أن الاهتمام بالثقافة بمعناها الواسع يشمل الاهتمام بتعزيز صناعة النشر، لذا تُراهن العديد من الدول على الاستثمار في الثقافة، تحديداً في الصناعات الثقافية وتطويرها.
وفي تفاصيل العدد، يتطرق يقظان مصطفى إلى «المنهج التجريبي» عند العلماء العرب الرواد الذي يعد إضافة عربية إلى مسيرة العلم، فيما بيّن وليد رمضان المقام الرفيع للغة العربية في ألبانيا، وتوقف عبد الرحمن الهلوش عند المستعربة الإسبانية كارمن رويث برافو، التي سخرت حياتها الأكاديمية للتراث العربي الإسلامي.
وفي باب «أمكنة وشواهد» اصطحبتنا مروى بن مسعود في جولة بأرجاء مدينة صفاقس التي شيدت في القرن الثالث الهجري، وجال بنا أشرف الملاح بين معالم مدينة صور التاريخية والتراثية، إذ تعد درة الساحل الشرقي العماني، أما أحمد أبوزيد؛ فروى لنا حكاية سواكن السودانية التي وضعتها اليونيسكو على قائمة التراث العالمي.
أما في باب «أدب وأدباء»، فقد كتبت سوسن محمد كامل عن المفكر ثروت عكاشة الذي نجح في تأسيس البنية التحتية الثقافية في مصر، وحاور هشام أزكيض الشاعر شوقي بغدادي الذي أكد أن مكانة الشعر لا تزال عالية ومغرية، ورصد عمر إبراهيم محمد تجربة أحد رواد عصر التنوير والنهضة الأدبية، المؤرخ محمد فريد أبو حديد، الذي حمل لواء الهوية ضد التغريب، وتوقف عبده وازن عند الذكرى التسعين لرحيل الكاتب جبران خليل جبران، وأجرى ياسين عدنان استطلاعاً حول الإصدارات التي توالت بعد رفع الحجر الصحي، مؤكداً أن المبدعين المغاربة يقاومون «كورونا» بالكتابة، فيما تناولت رويدا محمد صفحات من سيرة الشاعر والناقد المصري عبد الرحمن الشرقاوي الذي أرسى دعائم المسرح الشعري، وتناولت د. بهيجة إدلبي عمدة كتاب الأطفال العرب عبد التواب يوسف، الذي وسع أفق أدب الطفل وراهن على المستقبل المفتوح، بينما قدم عزت عمر إضاءة على البنيوية التي حققت نقلة نوعية تنسجم وتطور الوعي النقدي، وحاور الأمير كمال فرج الشاعر والروائي سمير الفيل الذي اعتبر أن العالم الموحش يضيئه السرد، وكذلك حاور حسن الوزاني الباحث المغربي سعيد يقطين الذي رأى أن النقد لم يواكب تطور الرواية العربية، وكتب د. يحيى عمارة عن الشاعر عبد الله راجع الذي يبحث عن أفق إبداعي جديد بعد تجربة مكتوبة بالألم المعاصر، فيما احتفى محمد سيد بركة بالشاعر الفلسطيني مريد البرغوثي، الذي عاش متجولاً في المنافي رافعاً الأغنيات لوطنه، وتوقف عبد العليم حريص عند مسيرة الأديب إبراهيم إسحاق الذي يعد رائد الجيل الثاني للرواية السودانية. وغير ذلك من المقالات والترجمات والقصص القصيرة.



قانون الآثار الإسرائيلي الجديد «يهوّد» الضفة الغربية

قانون الآثار الإسرائيلي الجديد «يهوّد» الضفة الغربية
TT

قانون الآثار الإسرائيلي الجديد «يهوّد» الضفة الغربية

قانون الآثار الإسرائيلي الجديد «يهوّد» الضفة الغربية

كانت الأراضي الفلسطينية طوال آلاف السنين مقراً وممراً للعديد من الحضارات العريقة التي تركت وراءها آلاف المواقع الأثريّة ذات الأهميّة الفائقة، ليس في تاريخ المنطقة فحسب، بل ومُجمل التجربة البشرية. وقد أصبحت المواقع بمحض القوة بعد قيام الدولة العبرية عام 1948 خاضعة لسلطة دائرة الآثار الإسرائيلية، التي لا تدخر وسعاً في السعي لتلفيق تاريخ عبراني لهذه البلاد، وإخفاء ما من شأنه أن يتعارض مع سرديات الحركة الاستعماريّة الصهيونيّة عنها.

على أن أراضي الضفة الغربيّة التي احتُلَتْ عام 1967 وتحتوى على ما لا يَقِلُّ عن 6 آلاف موقع أثَري ظلّت قانونياً خارج اختصاص دائرة الآثار الإسرائيلية، بينما تمّ بعد اتفاق أوسلو بين الدولة العبريّة ومنظمة التحرير الفلسطينية في 1995 تقاسم المنطقة لناحية اللقى والحفريات بشكل عشوائيّ بين السلطة الفلسطينية ووحدة الآثار في الإدارة المدنية الإسرائيلية، وفق تقسيمات الأراضي الثلاث المعتمدة للحكم والأمن (أ- سلطة فلسطينية، باء: سيطرة مدنية فلسطينية وسيطرة أمنية مشتركة مع الجانب الإسرائيلي، ج: سيطرة إسرائيلية تامة).

ويبدو أن غلبة التيار اليميني المتطرّف على السلطة في الدّولة العبريّة تدفع الآن باتجاه تعديل قانون الآثار الإسرائيلي لعام 1978 وقانون سلطة الآثار لعام 1989 بغرض تمديد صلاحية سلطة الآثار لتشمل مجمل الأراضي الفلسطينية المحتلّة عام 1967، بينما سيكون، حال إقراره، انتهاكاً سافراً للقانون الدّولي الذي يحظر على سلطات الاحتلال القيام بأنشطة تتعلق بالآثار ما لم تتعلق بشكل مباشر باحتياجات السكان المحليين (في هذه الحالة السكان الفلسطينيين).

ولحظت مصادر في الأرض الفلسطينية المحتلّة بأن الأوضاع الأمنيّة في الضفة الغربيّة تدهورت بشكل ملحوظ منذ بدء الحرب على غزة في أكتوبر (تشرين الأول) من العام 2023، وكثّفت السلطات الإسرائيليّة من توسعها الاستيطاني بشكل غير مسبوق منذ ثلاثة عقود، ورفعت من وتيرة هجماتها على بؤر المقاومة، وأطلقت يد المستوطنين اليهود كي يعيثوا فساداً في القرى والبلدات العربيّة تسبب بهجرة آلاف الفلسطينيين من بيوتهم، مما يشير إلى تكامل الجهد العسكري والاستيطاني مع التعديلات القانونية المزمعة لتحضير الأرضية المناسبة لتنفيذ النيات المبيتة بتهويد مجمل أراضي فلسطين التاريخيّة.

ويأتي مشروع القانون الذي قدمه عضو الكنيست عن حزب الليكود اليميني أميت هاليفي، في أعقاب حملة استمرت خمس سنوات من قبل رؤساء المجالس الإقليمية للمستوطنين ومنظمات مثل «حراس الخلود» المتخصصة في الحفاظ على ما يزعم بأنه تراث يهودي من انتهاكات مزعومة على أيدي العرب الفلسطينيين. وتردد الحملة أكاذيب مفادها أن ثمة مواقع في الضفة الغربية لها أهمية أساسية بالنسبة إلى ما أسمته «التراث اليهودي»، وخلقت انطباعاً بوجود «حالة طوارئ أثرية» تستدعي تدخل الدّولة لمنع الفلسطينيين من «نهب وتدمير آثار المواقع اليهودية ومحاولاتهم المتعمدة لإنكار الجذور اليهودية في الأرض» – على حد تعبيرهم.

وكانت اللجنة التشريعية الحكوميّة قد وافقت على التعديل المقترح لقانون الآثار، وأرسلته للكنيست الإسرائيلي (البرلمان) لمراجعته من قبل لجنة التعليم والثقافة والرياضة التي عقدت اجتماعها في شهر نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، وذلك تحضيراً لعرضه بالقراءة الأولى و«التصويت» في الكنيست بكامل هيئته خلال وقت قريب.

وبينما اكتفت السلطة الفلسطينية والدول العربيّة بالصمت في مواجهة هذه الاندفاعة لتعديل القانون، حذرّت جهات إسرائيلية عدة من خطورة تسييس علم الآثار في سياق الصراع الصهيوني الفلسطيني، واعتبرت منظمة «إيميك شافيه» غير الحكومية على لسان رئيسها التنفيذي ألون عراد أن «تطبيق قانون إسرائيلي على أراضي الضفة الغربية المحتلة يرقى إلى مستوى الضم الرسمي»، وحذَّر في حديث صحافيّ من «عواقب، ومزيد من العزل لمجتمع علماء الآثار الإسرائيليين في حالة فرض عقوبات دوليّة عليهم بسبب تعديل القانون»، كما أكدت جمعيّة الآثار الإسرائيليّة أنها تعارض مشروع القانون «لأن غايته ليست النهوض بعلم الآثار، بل لتعزيز أجندة سياسية، وقد يتسبب ذلك في ضرر كبير لممارسة علم الآثار في إسرائيل بسبب التجاوز على القانون الدولي المتعلق بالأنشطة الأثرية في الضفة الغربية»، ولا سيّما قرار محكمة العدل الدولية في التاسع عشر من يوليو (تموز) الماضي، الذي جدَّد التأكيد على أن وجود إسرائيل في الأراضي الفلسطينية المحتلة برمته غير قانوني، وطالب الدّولة العبريّة بـ«إزالة مستوطناتها في الضفة الغربية والقدس الشرقية في أقرب وقت ممكن»، وألزمت سلطة الاحتلال بتقديم تعويضات كاملة للفلسطينيين بما في ذلك إعادة «جميع الممتلكات الثقافية والأصول المأخوذة من الفلسطينيين ومؤسساتهم».

وتشير الخبرة التاريخيّة مع سلطة الآثار الإسرائيلية إلى أن الحكومة تقوم لدى إعلان السلطة منطقة ما موقعاً تاريخيّاً بفرض حماية عسكريّة عليها، مما قد يتطلّب إخلاء السكان أو فرض قيود على تحركاتهم وإقامة بنية تحتية أمنية لدعم الحفريات، وتمنع تالياً الفلسطينيين أصحاب الأرض من تطويرها لأي استخدام آخر، الأمر الذي يعني في النهاية منع التنمية عنها، وتهجير سكانها وتهويدها لمصلحة الكيان العبريّ، لا سيّما وأن الضفة الغربيّة تحديداً تضم آلاف المواقع المسجلة، مما يجعل كل تلك الأراضي بمثابة موقع أثري ضخم مستهدف.

وتبرر الحكومة الإسرائيلية الحاليّة دعمها مشروع القانون للجهات الأُممية عبر تبني ادعاءات منظمات ومجالس مستوطني الضفة الغربيّة بأن الفلسطينيين يضرون بالمواقع ويفتقرون إلى الوسائل التقنية والكوادر اللازمة للحفاظ عليها، هذا في وقت قامت به قوات الجيش الإسرائيلي بتدمير مئات المواقع الأثريّة في قطاع غزة الفلسطيني المحتل عبر استهدافها مباشرة، مما يعني فقدانها إلى الأبد.

لن يمكن بالطبع للفلسطينيين وحدهم التصدي لهذا التغوّل على الآثار في فلسطين، مما يفرض على وزارات الثقافة ودوائر الآثار والجامعات في العالم العربيّ وكل الجهات الأممية المعنية بالحفاظ على التراث الإنساني ضرورة التدخل وفرض الضغوط للحيلولة دون تعديل الوضع القانوني للأراضي المحتلة بأي شكل، ومنع تهويد تراث هذا البلد المغرِق في عراقته.