مسحة تفاؤل بتشكيل الحكومة اللبنانية... ونتائجها بخواتيمها

التهديد بالعقوبات الفرنسية أرعب الطبقة السياسية

TT

مسحة تفاؤل بتشكيل الحكومة اللبنانية... ونتائجها بخواتيمها

يبدو أن إصرار فرنسا على فرض عقوبات على كل مَن يثبت ضلوعه في عرقلة تشكيل حكومة مهمة قد أدى - كما تقول مصادر نيابية بارزة لـ«الشرق الأوسط» - إلى تحريك الجمود الذي يحاصر تأليفها، من خلال ضخ مسحة من التفاؤل يُفترض التأسيس عليها للوصول إلى خواتيمها بإخراجها من التجاذبات وتبادل الشروط بين أبرز المكوّنات المعنية بولادتها، خصوصاً أن التهديد بالعقوبات أرعب الجميع، بعد أن أيقنوا أن باريس أعدت لائحة بأسماء المشمولين بهذه العقوبات مدعومة هذه المرة بكاسحة ألغام أميركية - أوروبية - عربية قادرة على نزع فتيل التعطيل.
فوزير خارجية فرنسا جان إيف لودريان الذي كان اتصل بالرؤساء ميشال عون ونبيه بري وسعد الحريري أعلمهم بلا لبس أن باريس أعدت العدة لفرض عقوبات على من يعيق تشكيل الحكومة، لأن بلدهم بات يقترب من الزوال، وهذا ما عاد به المدير العام للأمن العام اللواء عباس إبراهيم من زيارته لباريس، حيث أجرى محادثات تتعلق بالإفراج عن جورج إبراهيم عبد الله، بعد أن أمضى عقوبته في السجن، وتفرّعت عنها لقاءات تناولت ملف تشكيل الحكومة.
ولم يتردّد اللواء إبراهيم في إطلاع الرئيسين عون وبري على ما آلت إليه اتصالاته بخصوص الملف الحكومي، ناقلاً إليهما إصرار باريس على فرض عقوبات تستهدف من يعيق تأليفها مع أنهما، إضافة إلى الحريري، قد تبلغوا من لودريان بأن صبر الرئيس إيمانويل ماكرون قد نفد، وأن العقوبات ستشمل من يثبت انخراطه مباشرة أو بالواسطة في تعطيل تشكيل الحكومة.
وفي هذا السياق، أُشيع أن عون قرر أن يتعاطى بجدّية مع التهديدات الفرنسية، وقد أوشك على سحب إصراره على الثلث الضامن أو المعطّل من التداول، باعتبار أن هذا الثلث كان ولا يزال وراء انسداد الأفق أمام الدخول في بحث جدي في إعادة توزيع الحقائب على الطوائف في ضوء المرونة التي يبديها الحريري لجهة استعداده للبحث في تشكيلة وزارية تتجاوز إصراره على أن تتشكل من 18 وزيراً.
لكن النيّات الحسنة التي يبديها عون لا تكفي، لأنها لا تشجّع بري على معاودة تشغيل محرّكاته لإنضاج التسوية المطلوبة للإفراج عن التشكيلة الوزارية، وهو يشترط أن تكون مرفقة بموقف رسمي ونهائي لرئيس الجمهورية للانتقال إلى مرحلة إعادة توزيع الحقائب. كما أن تجاوب عون غير النهائي - كما تقول المصادر النيابية - يفتح الباب أمام السؤال عن موقف وريثه السياسي رئيس «التيار الوطني الحر» النائب جبران باسيل، للتأكد من مدى تناغمه مع استعداد عون، ولو كان لفظياً، حتى الساعة، للتخلي حسابياً عن الثلث الضامن، وعدم الالتفاف عليه، خصوصاً أن الحريري لم يتبلغ أسوة ببرّي بموقف نهائي لعون يعبّد الطريق أمام استئناف مشاورات التأليف من دون أن يصطدم بلجوء عون إلى إعادة النظر في موافقته التي ما زالت تفتقر إلى ما يوثّقها.
ناهيك بأن بري لن يُقحم نفسه في مغامرة ما لم يؤدِّ تدخّله هذه المرة إلى إحياء مشاورات التأليف بتشكيل حكومة من 24 وزيراً، لأن الوقت لم يعد يسمح لإغراق البلد في مراوحة ترفع منسوب الكوارث والنكبات التي حلّت به، والتي إذا ما استمرت ستهدد وجوده.
ومع أن بري دخل على خط التهدئة بين الحريري ورئيس الحزب «التقدمي الاشتراكي» وليد جنبلاط لإزالة الالتباس الذي أثاره اجتماعه بعون، وتبديد ما رافقه من تفسيرات لم تلقَ ارتياحاً لدى الرئيس المكلّف، فإنه في المقابل أُحيط علماً بأن حليفه «حزب الله» على موقفه بعدم إعطاء الثلث الضامن لأي فريق.
وتوقفت المصادر السياسية أمام الموقف الأخير للأمين العام لـ«حزب الله» حسن نصر الله في تناوله للملف الحكومي، وسألت إذا كان توصّل إلى تفاهم مع حليفه عون، ومن خلال باسيل، يقضي بتخليهما عن الثلث الضامن، أو أنه يعبّر عن موقف الحزب بقوله إن الكل يُجمع على أن تشكيل الحكومة يضعنا على طريق الحل، وخلال هذه الأيام هناك جهود جادة وجامعة للتعاون في محاولة لتذليل العقبات أمام تأليفها.
واعتبرت أن تفاؤل نصر الله لا يُصرف في عملية تأليف الحكومة ما لم يبادر باسيل، الذي يتصرف على أنه الآمر الناهي، ويعود له كلمة الفصل، إلى سحب ألغامه التعطيلية، وإلا فإنه ينضم إلى عداد من يقف وراء مسحة التفاؤل المستمدّة من التهديدات الفرنسية.
وإلى أن يتبين الخيط الأسود من الخيط الأبيض، وتحديداً من باسيل، فإن المصادر نفسها تتعامل مع تفاؤل نصر الله من زاوية أنه يرغب في تنعيم موقفه، لإبطال المفاعيل السلبية التي أحدثها خطابه قبل الأخير الذي قفز فيه فوق عدم موافقته على الثلث الضامن، داعياً في نفس الوقت إلى تشكيل حكومة تكنوسياسية إذا لم يتوافق عون والحريري على حكومة من 18 وزيراً استجابة لخريطة الطريق الفرنسية لإنقاذ لبنان، أو إعادة تفعيل الحكومة المستقيلة في حال تعذّر تأليف الحكومة.
ورأت أن نصر الله أعاد تصحيح موقفه، بعد أن اتُّهم بأنه ينقلب على المبادرة الفرنسية، وقالت إن مراعاته لباسيل بدأت ترتدّ عليه سلباً في الشارع المسيحي، وبات يصنّف على خانة تعطيل المبادرة الفرنسية بتجويفها من مضامينها، إضافة إلى ما رافق موقفه من تحسس في الشارع السنّي الذي يرمي عليه مسؤولية احتضان حليفه باسيل الذي لم يتمكّن من الصمود في وجه المتغيرات في الشارع المسيحي، التي تصب لمصلحة خصومه، وتحديداً حزبي «القوات اللبنانية» و«الكتائب».
لذلك لن تصمد طويلاً مسحة التفاؤل ما لم يُسقط عون شروطه أو يبادر إلى وضع ضوابط لباسيل المحشور في الزاوية كسواه من الآخرين الذين يُبدون استعداداً للخروج منها.



أحداث سوريا تدفع الحوثيين لإطلاق مجاميع من المعتقلين

الحوثيون هددوا برد قاسٍ على أي تحرك وقالوا إنهم أقوى من النظام السوري (إعلام حوثي)
الحوثيون هددوا برد قاسٍ على أي تحرك وقالوا إنهم أقوى من النظام السوري (إعلام حوثي)
TT

أحداث سوريا تدفع الحوثيين لإطلاق مجاميع من المعتقلين

الحوثيون هددوا برد قاسٍ على أي تحرك وقالوا إنهم أقوى من النظام السوري (إعلام حوثي)
الحوثيون هددوا برد قاسٍ على أي تحرك وقالوا إنهم أقوى من النظام السوري (إعلام حوثي)

دفعت الأحداث المتسارعة التي شهدتها سوريا الحوثيين إلى إطلاق العشرات من المعتقلين على ذمة التخطيط للاحتفال بالذكرى السنوية لإسقاط أسلافهم في شمال اليمن، في خطوة تؤكد المصادر أنها تهدف إلى امتصاص النقمة الشعبية ومواجهة الدعوات لاستنساخ التجربة السورية في تحرير صنعاء.

وذكرت مصادر سياسية في إب وصنعاء لـ«الشرق الأوسط» أن الحوثيين أطلقوا دفعة جديدة من المعتقلين المنحدرين من محافظة إب (193 كيلومتراً جنوب صنعاء) بعد مضي ثلاثة أشهر على اعتقالهم بتهمة الدعوة للاحتفال بالذكرى السنوية للإطاحة بنظام حكم الإمامة في شمال البلاد عام 1962.

الكثيري والحذيفي بعد ساعات من إطلاق سراحهما من المعتقل الحوثي (إعلام محلي)

وبيّنت المصادر أن معتقلين آخرين من صنعاء تم إطلاق سراحهم أيضاً، ورأت أن هذه الخطوة تهدف إلى امتصاص النقمة الشعبية على إثر انكشاف حجم الجرائم التي ظهرت في سجون النظام السوري، الذي كان حليفاً للحوثيين.

وبحسب هذه المصادر، تم إطلاق سراح محمد الكثيري، وهو أول المعتقلين في محافظة إب، ومعه الناشط الحوثي سابقاً رداد الحذيفي، كما أُطلق سراح المراهق أمجد مرعي، والكاتب سعيد الحيمي، والطيار الحربي مقبل الكوكباني، مع مجموعة من المعتقلين الذين تم نقلهم إلى السجون السرية لمخابرات الحوثيين في صنعاء.

وتوقعت المصادر أن يقوم الحوثيون خلال الأيام المقبلة بإطلاق دفعة من قيادات حزب «المؤتمر الشعبي» الذين اعتقلوا للأسباب ذاتها.

امتصاص النقمة

كان الحوثيون، وفقاً للمصادر السياسية، يرفضون حتى وقت قريب إطلاق سراح المعتقلين الذين يُقدر عددهم بالمئات، وأغلبهم من محافظة إب، ومن بينهم قيادات في جناح حزب «المؤتمر الشعبي»، أمضوا أكثر من ثلاثة أشهر في المعتقل واتُهموا بالتخطيط لإشاعة الفوضى في مناطق حكم الجماعة من خلال دعوة السكان للاحتفال بذكرى الإطاحة بنظام حكم الإمامة.

تعنت حوثي بشأن إطلاق سراح قيادات حزب «المؤتمر الشعبي» (إعلام محلي)

وبيّنت المصادر أن الجهود التي بذلتها قيادة جناح حزب «المؤتمر» المتحالف شكليّاً مع الحوثيين، وكذلك الناشطون والمثقفون والشخصيات الاجتماعية، وصلت إلى طريق مسدود بسبب رفض مخابرات الحوثيين الاستجابة لطلب إطلاق سراح هؤلاء المعتقلين، على الرغم أنه لا يوجد نص قانوني يجرم الاحتفال بذكرى الثورة (26 سبتمبر 1962) أو رفع العلم الوطني، فضلاً عن أن الجماعة فشلت في إثبات أي تهمة على المعتقلين عدا منشورات على مواقع التواصل الاجتماعي تدعو للاحتفال بالمناسبة ورفع الأعلام.

وتذكر المصادر أنه عقب الإطاحة بنظام الرئيس السوري بشار الأسد وانكشاف حجم الانتهاكات والجرائم التي كانت تُمارس في سجونه، ووسط دعوات من أنصار الحكومة المعترف بها دولياً لإسقاط حكم الحوثيين على غرار ما حدث في سوريا وتفكك المحور الإيراني في المنطقة، سارعت الجماعة إلى ترتيب إطلاق الدفعات الجديدة من المعتقلين من خلال تكليف محافظي المحافظات باستلامهم والالتزام نيابة عنهم بعدم الاحتفال بذكرى الإطاحة بالإمامة أو رفع العلم الوطني، في مسعى لامتصاص النقمة الشعبية وتحسين صورتها أمام الرأي العام.

مراهق أمضى 3 أشهر في المعتقل الحوثي بسبب رفع العلم اليمني (إعلام محلي)

ورغم انقسام اليمنيين بشأن التوجهات الدينية للحكام الجدد في سوريا، أجمعت النخب اليمنية على المطالبة بتكرار سيناريو سقوط دمشق في بلادهم، وانتزاع العاصمة المختطفة صنعاء من يد الحوثيين، بوصفهم أحد مكونات المحور التابع لإيران.

وخلافاً لحالة التوجس التي يعيشها الحوثيون ومخاوفهم من أن يكونوا الهدف المقبل، أظهر قطاع عريض من اليمنيين، سواء في الشوارع أو على مواقع التواصل الاجتماعي، ارتياحاً للإطاحة بنظام الحكم في سوريا، ورأوا أن ذلك يزيد من الآمال بقرب إنهاء سيطرة الحوثيين على أجزاء من شمال البلاد، ودعوا الحكومة إلى استغلال هذا المناخ والتفاعل الشعبي للهجوم على مناطق سيطرة الحوثيين.