بعد الوقود... انقلابيو اليمن يحكمون قبضتهم على تجارة الأدوية

TT

بعد الوقود... انقلابيو اليمن يحكمون قبضتهم على تجارة الأدوية

ضمت الميليشيات الحوثية قطاع الأدوية إلى قوائم السلع التي يحتكر قادتها تجارتها، بعد أن احتكرت تجارة الوقود؛ بما فيه غاز الطهي، وضاعفت أسعارها، كما احتكرت تقديم خدمات العمل الإغاثي للمنظمات الدولية العاملة في مناطق سيطرتها، وحصرت التعيينات في المناصب العامة بالمنتمين للسلالة التي يتحدر منها قادتها. عاملون في قطاع الأدوية تحدثوا عن إقدام ميليشيات الحوثي أخيراً على اتخاذ إجراءات إدارية مكنتها من احتكار تجارة الأدوية، خصوصاً مع المنظمات الإنسانية العاملة في البلاد والتي تعمل في مجال تزويد المستشفيات بالأدوية.
وبحسب المصادر التي تحدثت لـ«الشرق الأوسط»، أوقفت الميليشيات تجديد تراخيص شركات ووكالات استيراد الأدوية التي تعمل في هذا القطاع منذ عقود، ومنحت تراخيص تأسيس شركات جديدة يملكها قيادات في هذه الميليشيات؛ على غرار ما قامت به في السيطرة على تجارة المشتقات النفطية والغاز المنزلي، وأيضاً احتكار العمل في قطاع الإغاثة من خلال إغلاق جميع المنظمات التي كانت قائمة ولا تتبعها، وإيجاد منظمات بديلة.
ووفق ما ذكرته المصادر، استغلت ميليشيات الحوثي سيطرتها على «الهيئة العليا للأدوية»، ورفضت تجديد تراخيص الشركات والوكالات العاملة، ومنحت تراخيص جديدة لشركات ووكالات يملكها قادتها، كما اعتمدت أصنافاً جديدة وبديلة من الأدوية لصالح هذه الوكالات.
وفي حين يعني ذلك أن قادة الميليشيات هم الوحيدون الذين باتوا قادرين على العمل في هذا القطاع، أوضحت المصادر أنه «عند تقدم أي منظمة دولية بطلب استيراد شحنات من الأدوية يشترط الحوثيون من خلال مجلسهم للشؤون الإنسانية؛ الذي شكل للسيطرة على قطاع العمل الإنساني، أن تكون الشركات المتقدمة حاصلة على تجديد حديث لتصاريح العمل، وبالتالي لن يكون أمام هذه المنظمات سوى الشركات التي أسستها هذه الميليشيات، بعد أن نجحت خطتها من قبل في احتكار تجارة المشتقات النفطية عبر تأسيس شركات جديدة لاستيراد وتسويق الوقود، ورفضها تجديد رخص عمل الشركات التي كانت موجودة قبل الانقلاب».
وتقول المصادر إن المتحدث الرسمي باسم الميليشيات محمد عبد السلام، وكذلك صالح الشاعر المسؤول المالي للميليشيات، والقيادي الآخر علي ناصر قرشة، وأحمد دغسان، وجميعهم يتحدرون من محافظة صعدة، «يمتلكون أهم شركات استيراد المشتقات النفطية، ويحتكرون تجارة هذه السلعة، ويتحكمون في أسعارها، كما يديرون سوقاً سوداء تمتد في كل مناطق سيطرتهم، وعبرها ضاعفوا أسعار المشتقات النفطية والغاز المنزلي الذي يوزع بالبطاقة الشخصية وعبر المشرفين الحوثيين في الأحياء والمناطق».
ووفق إحصائية «الهيئة العليا للأدوية»؛ فإن «فاتورة استيراد الأدوية تبلغ نحو 88 مليار ريال سنوياً (الدولار نحو 600 ريال في مناطق سيطرة الجماعة) فيما يبلغ عدد الأدوية المسجلة في اليمن 20 ألف صنف؛ حيث ارتفعت أسعارها بنسبة تجاوزت 200 في المائة، بسبب تراجع سعر العملة المحلية أمام الدولار، مضافاً إليه الجبايات التي تفرضها الميليشيات».
وبحسب هذه البيانات؛ فقد زاد نشاط تهريب وتزييف الأدوية بشكل كبير، خلال السنوات الخمس الماضية؛ «حيث تمتلئ الأسواق بأصناف كثيرة من الأدوية المزورة والمقلدة؛ منها أدوية تستخدم في علاج السرطان والأمراض المزمنة، والتي يتم إدخالها بالتواطؤ مع الميليشيات التي بدأت حملة إغلاق لعشرات الصيدليات في صنعاء وحدها، ومنحت عناصرها وقياداتها حق فتح صيدليات بديلة».
وتؤكد «نقابة ملاك الصيدليات» أن 5 آلاف صيدلية فقط تعمل وفق تصاريح رسمية، في حين أن 13 ألف صيدلية أخرى تعمل دون استيفاء الإجراءات القانونية.
ومنذ ما بعد الانقلاب على الشرعية، عملت ميليشيات الحوثي على تكوين إمبراطورية مالية عبر الاستيلاء على أموال وممتلكات المعارضين، وممتلكات الدولة التي حولتها إلى ملكية خاصة بقياداتها، كما احتكرت تجارة المشتقات النفطية، وأوقفت عمل الشركات التي كانت قائمة، وجمدت أرصدتها واستولت على ممتلكاتها.
كما استخدمت الجماعة - بحسب مصادر مطلعة - قطاع النقل العسكري ومنشآت المؤسسة الاقتصادية العسكرية في احتكار الخدمات اللوجيستية للمنظمات الإغاثية الدولية، مثل توفير المخازن وآليات النقل، إلى جانب تفريخ منظمات غير حكومية بدلاً من المنظمات المستقلة التي كانت قائمة، وتمكين هذه المنظمات للعمل شركاء محليين لنقل وتوزيع المواد الإغاثية، وهو ما توجته الميليشيات بفضيحة سرقة هذه المواد واستخدامها لخدمة ما تسميه «مجهودها الحربي».


مقالات ذات صلة

الحوثيون يواجهون مخاوفهم من مصير الأسد بالقمع والتحشيد

العالم العربي مقاتلون حوثيون جدد جرى تدريبهم وإعدادهم أخيراً بمزاعم مناصرة قطاع غزة (إعلام حوثي)

الحوثيون يواجهون مخاوفهم من مصير الأسد بالقمع والتحشيد

لجأت الجماعة الحوثية إلى مواجهة مخاوفها من مصير نظام الأسد في سوريا بأعمال اختطاف وتصعيد لعمليات استقطاب وتطييف واسعة وحشد مقاتلين

وضاح الجليل (عدن)
المشرق العربي عضو مجلس القيادة الرئاسي اليمني طارق صالح خلال الاجتماع (سبأ)

طارق صالح يدعو إلى تجاوز الخلافات والاستعداد ليوم الخلاص الوطني

دعا عضو مجلس القيادة الرئاسي اليمني طارق صالح إلى ما أسماه «وحدة المعركة»، والجاهزية الكاملة والاستعداد لتحرير العاصمة اليمنية صنعاء من قبضة الميليشيات الحوثية.

عبد الهادي حبتور (الرياض)
المشرق العربي جانب من اجتماع سابق في عمّان بين ممثلي الحكومة اليمنية والحوثيين خاص بملف الأسرى والمحتجزين (مكتب المبعوث الأممي)

واشنطن تفرض عقوبات على عبد القادر المرتضى واللجنة الحوثية لشؤون السجناء

تعهَّدت واشنطن بمواصلة تعزيز جهود مساءلة مرتكبي الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان في اليمن، بمَن فيهم «مسؤولو الحوثيين».

عبد الهادي حبتور (الرياض)
العالم العربي من عرض عسكري ألزم الحوثيون طلبة جامعيين على المشاركة فيه (إعلام حوثي)

حملة حوثية لتطييف التعليم في الجامعات الخاصة

بدأت الجماعة الحوثية فرض نفوذها العقائدي على التعليم الجامعي الخاص بإلزامه بمقررات طائفية، وإجبار أكاديمييه على المشاركة في فعاليات مذهبية، وتجنيد طلابه للتجسس.

وضاح الجليل (عدن)
المشرق العربي وزير الإعلام والثقافة والسياحة اليمني معمر الإرياني (سبأ)

​وزير الإعلام اليمني: الأيام المقبلة مليئة بالمفاجآت

عقب التطورات السورية يرى وزير الإعلام والثقافة والسياحة اليمني معمر الإرياني أن المنطقة مقبلة على مرحلة جديدة تحمل الأمل والحرية

عبد الهادي حبتور (الرياض)

ملاهي سوريا وحاناتها تعيد فتح أبوابها بحذر بعد انتصار فصائل المعارضة

سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)
سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)
TT

ملاهي سوريا وحاناتها تعيد فتح أبوابها بحذر بعد انتصار فصائل المعارضة

سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)
سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)

احتفل سكان دمشق بسقوط نظام بشار الأسد بعد حرب وحشية استمرت 13 عاماً، لكن أصحاب أماكن السهر في المدينة اعتراهم القلق وهم يعيدون فتح أبواب حاناتهم وملاهيهم.

فقد قادت «هيئة تحرير الشام» فصائل المعارضة التي أطاحت بنظام الأسد، وكانت هناك خشية لدى بعض الناس من أن تمنع الهيئة شرب الكحول.

ظلت حانات دمشق ومحلات بيع الخمور فيها مغلقة لأربعة أيام بعد دخول مقاتلي «هيئة تحرير الشام» المدينة، دون فرضهم أي إجراءات صارمة، والآن أعيد فتح هذه الأماكن مؤقتاً.

ما يريده صافي، صاحب «بابا بار» في أزقة المدينة القديمة، من الجميع أن يهدأوا ويستمتعوا بموسم عيد الميلاد الذي يشهد إقبالاً عادة.

مخاوف بسبب وسائل التواصل

وفي حديث مع «وكالة الصحافة الفرنسية» في حانته، اشتكى صافي، الذي لم يذكر اسم عائلته حتى لا يكشف عن انتمائه الطائفي، من حالة الذعر التي أحدثتها وسائل التواصل الاجتماعي.

فبعدما انتشرت شائعات أن المسلحين المسيطرين على الحي يعتزمون شن حملة على الحانات، توجه إلى مركز الشرطة الذي بات في أيدي الفصائل في ساحة باب توما.

وقال صافي بينما كان يقف وخلفه زجاجات الخمور: «أخبرتهم أنني أملك حانة وأود أن أقيم حفلاً أقدم فيه مشروبات كحولية».

وأضاف أنهم أجابوه: «افتحوا المكان، لا مشكلة. لديكم الحق أن تعملوا وتعيشوا حياتكم الطبيعية كما كانت من قبل»، فيما كانت الموسيقى تصدح في المكان.

ولم تصدر الحكومة، التي تقودها «هيئة تحرير الشام» أي بيان رسمي بشأن الكحول، وقد أغلق العديد من الأشخاص حاناتهم ومطاعمهم بعد سقوط العاصمة.

لكن الحكومة الجديدة أكدت أيضاً أنها إدارة مؤقتة وستكون متسامحة مع كل الفئات الاجتماعية والدينية في سوريا.

وقال مصدر في «هيئة تحرير الشام»، لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»، طلب عدم كشف هويته، إن «الحديث عن منع الكحول غير صحيح». وبعد الإلحاح عليه بالسؤال شعر بالغضب، مشدداً على أن الحكومة لديها «قضايا أكبر للتعامل معها».

وأعيد فتح «بابا بار» وعدد قليل من الحانات القريبة، لكن العمل محدود ويأمل صافي من الحكومة أن تطمئنهم ببيان يكون أكثر وضوحاً وقوة إلى أنهم آمنون.

في ليلة إعادة الافتتاح، أقام حفلة حتى وقت متأخر حضرها نحو 20 شخصاً، ولكن في الليلة الثانية كانت الأمور أكثر هدوءاً.

وقال إن «الأشخاص الذين حضروا كانوا في حالة من الخوف، كانوا يسهرون لكنهم في الوقت نفسه لم يكونوا سعداء».

وأضاف: «ولكن إذا كانت هناك تطمينات (...) ستجد الجميع قد فتحوا ويقيمون حفلات والناس مسرورون، لأننا الآن في شهر عيد الميلاد، شهر الاحتفالات».

وفي سوريا أقلية مسيحية كبيرة تحتفل بعيد الميلاد، مع تعليق الزينات في دمشق.

في مطعم العلية القريب، كان أحد المغنين يقدم عرضاً بينما يستمتع الحاضرون بأطباق من المقبلات والعرق والبيرة.

لم تكن القاعة ممتلئة، لكن الدكتور محسن أحمد، صاحب الشخصية المرحة والأنيقة، كان مصمماً على قضاء وقت ممتع.

وقال لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»: «كنا نتوقع فوضى عارمة في الموقف»، فيما كانت الأضواء تنعكس على ديكورات المطعم، مضيفاً: «لكننا عدنا سريعاً إلى حياتنا، حياتنا الليلية، وحقوقنا».

حفلة مع مغنٍ

وقال مدير المطعم يزن شلش إن مقاتلي «هيئة تحرير الشام» حضروا في ليلة إعادة الافتتاح ولم يغلقوا المكان.

وأضاف: «بدأنا العمل أمس. كانت الأمور جيدة جداً. كانت هناك حفلة مع مغنٍ. بدأ الناس بالتوافد، وفي وسط الحفلة حضر عناصر من (هيئة تحرير الشام)»، وأشار إلى أنهم «دخلوا بكل أدب واحترام وتركوا أسلحتهم في الخارج».

وبدلاً من مداهمة المكان، كانت عناصر الهيئة حريصين على طمأنة الجميع أن العمل يمكن أن يستمر.

وتابع: «قالوا للناس: لم نأتِ إلى هنا لنخيف أو نرهب أحداً. جئنا إلى هنا للعيش معاً في سوريا بسلام وحرية كنا ننتظرهما منذ فترة طويلة».

وتابع شلش: «عاملونا بشكل حسن البارحة، نحن حالياً مرتاحون مبدئياً لكنني أخشى أن يكون هذا الأمر آنياً ولا يستمر».

ستمارس الحكومة الانتقالية الجديدة في سوريا بقيادة «هيئة تحرير الشام» عملها حتى الأول من مارس (آذار). بعد ذلك، لا يعرف أصحاب الحانات ماذا يتوقعون.