مخاوف الليبيين من قرار الدبيبة دراسة «رفع الدعم» عن الوقود

بهدف محاربة مافيا التهريب التي تمنع وصوله إلى الجنوب

TT

مخاوف الليبيين من قرار الدبيبة دراسة «رفع الدعم» عن الوقود

تباينت ردود الفعل السياسية والاجتماعية في ليبيا حيال القرار، الذي اتخذه عبد الحميد الدبيبة، رئيس حكومة «الوحدة الوطنية»، بتشكيل لجنة وزارية مهمتها دراسة مقترح رفع الدعم عن المحروقات، واستبدال «الدعم المادي» بذلك، من أجل التصدي لـ«مافيا تهريب الوقود التي تمنع وصوله إلى مناطق جنوب البلاد».
وما بين تأييد مطلق وتحفظ على القرار الوزاري، طمأن رئيس اللجنة الوزارية لرفع دعم المحروقات، وزير الاقتصاد والتجارة محمد الحويج، المواطنين أمس، بأنه «تجري الآن دراسة الاختيار البديل الأنسب لاستبدال الدعم، وفق دراسة شاملة لوضع البلاد ومستوى المعيشة للمواطن»، وقال في تصريحات صحافية إن مصلحة المواطن وقدرته الشرائية «أولوية لدى الحكومة».
ورأى عضو مجلس النواب، جبريل أوحيدة، عن مدينة الكفرة، أن تحويل دعم المحروقات للمواطن مباشرة «خطوة عظيمة» في طريق حلحلة أزمة ليبيا، شرط أن تتم وفق «أسس سليمة بعيداً عن وصاية واجتهادات الفاسدين».
وقال في هذا السياق إن مخصصات الدعم لجميع المحروقات في مشروع الميزانية المقترحة من الحكومة، تقدر بـ12 مليار دينار، مشيراً إلى ضرورة أن «يستفيد جميع الليبيين على حد سواء من هذا الدعم، المخصص للسيارات الخاصة والنقل البري والجوي، وغاز للطهي وحتى توليد كهرباء».
غير أن النائب سعيد امغيب اشترط لتفعيل هذا القرار قيام الحكومة بتحمل أسعار نقل السلع والمحروقات إلى مدن الجنوب، الذي يعاني منذ زمن بسبب بُعد المسافة، وتهالك الطرق، وقال إن قرار رفع الدعم أو حتى استبداله «سوف يكون بمثابة عقوبة لهذه المدن النائية والمهمشة منذ عقود».
غير أن الحويج، رئيس اللجنة المكلفة، قال إنها (اللجنة) «ستدرس البدائل والخيارات المتاحة من حيث المنفعة الحقيقية للمواطن»، مبرزا أن الهدف من استبدال الدعم «هو الحد من عمليات التهريب للمحروقات، وتحسين مستوى المعيشة للمواطن، ومعالجة التشوهات الاقتصادية»، وذهب إلى أن اجتماع اللجنة مستمر «لتبادل الآراء والأفكار حول البدائل المقترحة، وإبداء الملاحظات والقصور ومعالجتها، وإعداد مشروع قرار وإحالته لمجلس رئاسة الوزراء».
ومنذ عشرة أعوام يشتكي الجنوب الليبي، المعروف تاريخياً بإقليم فزّان، من التهميش والإقصاء، رغم أنه يمتلك ثروات نفطية وموارد بشرية وطبيعية غير عادية. وكمثال على ذلك فإن الوقود يباع في جل مدن الجنوب بأسعار مضاعفة مقارنة بمثيلاتها بوسط وغرب البلاد، ولذلك يلجأ المواطنون إلى السوق الموازية لشراء احتياجاتهم من البنزين والسولار؛ وقد وصل سعر البنزين إلى خمسة دينارات للتر في مدينة غات، وثلاثة دينارات بسبها، ودينارين ونصف بالشاطئ، في حين يصل سعر أسطوانة غاز الطهي إلى 70 ديناراً.
في المقابل، تقول السلطات المتعاقبة إنها تمد الجنوب بشاحنات الوقود. لكن العصابات المتاجرة في المحروقات تقطع الطريق عليها، وتنهبها لبيعها في «السوق السوداء» بأسعار كبيرة.
ووضع أوحيدة تصوراً لتوزيع مخصصات الدعم على المواطنين نقداً، وقال موضحا: «يمكننا تقسيم نصف مبلغ 12 مليار دينار المخصصة لهذا البند في الميزانية على المواطنين، وفق الرقم الوطني، وليس كزيادة على المرتبات. وبالتالي سيكون نصيب الفرد ألف دينار سنوياً، أي 6 آلاف للأسرة المكونة من 6 أفراد، ما يعني 500 دينار شهرياً تكون مقابل بيع الوقود والغاز في المحطات بالسعر العالمي، أسوة بدول الجوار».
ولفت أوحيدة إلى أن مبلغ 6 مليارات دينار الأخرى ستخصص بطريقة شفافة وواضحة لدعم الطاقة الكهربائية، والنقل الثقيل بين المدن، وبذلك ستتحقق «عدالة الدعم بين المواطنين»، و«إغلاق باب تهريب الوقود»، وبالتالي «الحد من الفساد الذي تتغذى عليه عصابات التهريب، خاصة المسلحة منها، والتي تساهم في أزمة البلاد أمنياً وسياسياً».
من جانبه، اعتبر الشيخ علي أبو سبيحة، رئيس المجلس الأعلى لقبائل (فزان)، أنه «في حال تطبيق قرار رفع الدعم على الوجه الصحيح فسيكون أهل الجنوب أول المستفيدين منه»، وقال بهذا الخصوص: «لم نستفد من دعم الدولة للمحروقات منذ أكثر من خمسة أعوام».
بدوره، رفض السياسي والصحافي الليبي، مصطفى الفيتوري، أحد المدافعين عن النظام السابق، رفع الدعم عن المحروقات في ليبيا، وقال إن الليبيين «شركاء في ثروة بلادهم الوحيدة، التي لم توزع بعدالة حتى الآن، من خلال الدعم».
ولفت الفيتوري في تصريح صحافي إلى أنه قبل عام 2011 جرت محاولات لتوزيع عائد النفط بشكل مباشر «لكنها لم تنجح... وبعد هذا التاريخ صار النهب للقادرين مصدراً للثروة، فأثروا على حساب الأغلبية، وبالتالي أثرت عمليات النهب على مشاريع التنمية المعدومة أصلاً منذ عشرة أعوام».
وانتهى الفيتوري قائلاً: «رفع الدعم الآن يزيد من ضرر الأغلبية، فضلاً عن إنفاق مبالغ طائلة على حروب عبثية أثرى من ورائها كثيرون».



اعتقالات الحوثيين وتسليح الاقتصاد يهيمنان على إحاطة غروندبرغ

المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ (الأمم المتحدة)
المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ (الأمم المتحدة)
TT

اعتقالات الحوثيين وتسليح الاقتصاد يهيمنان على إحاطة غروندبرغ

المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ (الأمم المتحدة)
المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ (الأمم المتحدة)

تصدرت اعتقالات الحوثيين للموظفين الأمميين والإغاثيين، وتسليح الاقتصاد في اليمن، الإحاطة الشهرية للمبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ، أمام مجلس الأمن، الأربعاء، مع تأكيد المبعوث أن الحلّ السلمي وتنفيذ خريطة طريق تحقق السلام أمر ليس مستحيلاً، على الرغم من التصعيد الحوثي البحري والبري والردود العسكرية الغربية.

وقال المبعوث الأممي إنه من الضروري أن تقتنص الأطراف المعنية، والمنطقة، والمجتمع الدولي «اللحظات المحورية»، وألا تفوّت الفرصة لتحويلها إلى خطوات واضحة نحو تحقيق السلام المنشود في اليمن.

آثار مسيرة حوثية انفجرت في مبنى سكني في تل أبيب (أ.ف.ب)

ومع انهيار الاقتصاد وتدهور مستويات المعيشة، رأى غروندبرغ أنه لا يوجد أي مبرر لهذه المعاناة، وأن إنهاء الحرب في اليمن هو خيار حقيقي ومتاح، ويبقى ضمن متناول الأطراف، داعياً جميع الأطراف للانخراط بجدية مع الجهود التي يقودها لتنفيذ خريطة الطريق، والتي تهدف إلى تحقيق وقف إطلاق النار، وتنفيذ تدابير اقتصادية، تشمل دفع الرواتب بشكل مستدام، والتمهيد لعملية سياسية شاملة.

وحضّ غروندبرغ على اتخاذ الإجراءات اللازمة، وتقديم التنازلات، والتركيز الصادق على اليمن، باعتبار ذلك أمراً ضرورياً «إذا كانت الأطراف تسعى لتخفيف معاناة اليمنيين وإعادة الأمل في مستقبل يسوده السلام».

اعتقالات تعسفية

أشار المبعوث الأممي إلى اليمن في إحاطته إلى مرور 6 أشهر على بدء الحوثيين اعتقالات تعسفية استهدفت موظفين من المنظمات الدولية والوطنية، والبعثات الدبلوماسية، ومنظمات المجتمع المدني، وقطاعات الأعمال الخاصة.

وقال، رغم الإفراج عن 3 محتجزين، إن عشرات آخرين، بمن فيهم أحد أعضاء مكتبه لا يزالون رهن الاحتجاز التعسفي، «بل إن البعض يُحرم من أبسط الحقوق الإنسانية، مثل إجراء مكالمة هاتفية مع عائلاتهم». وفق تعبيره.

الحوثيون انخرطوا في ما يمسى محور المقاومة بقيادة إيران (إ.ب.أ)

ووصف المبعوث الأممي هذه الاعتقالات التعسفية بأنها «تشكل انتهاكاً صارخاً للحقوق الإنسانية الأساسية، وتسبب معاناة عميقة لأسرهم التي تعيش في حالة مستمرة من القلق والخوف على سلامة أحبائهم»، وشدّد على الإفراج الفوري وغير المشروط عن جميع المعتقلين، مع تعويله على دعم مجلس الأمن لتوصيل هذه الرسالة.

وأوضح غروندبرغ أن مكتبه ملتزم بشكل كبير بإطلاق سراح جميع المحتجزين على خلفية النزاع في اليمن، وقال إن هناك من قضى 10 سنوات رهن الاعتقال، داعياً الجميع إلى الوفاء بالتزاماتهم بموجب اتفاق استوكهولم، ومواصلة العمل بروح من التعاون الصادق للوفاء بهذا الملف الإنساني البالغ الأهمية، وأن تسترشد المفاوضات بالمبدأ المتفق عليه، وهو «الكل مقابل الكل».

عواقب وخيمة

وفي ما يخص الوضع الاقتصادي في اليمن، قال المبعوث الأممي إن الأزمة تتفاقم مجدداً، مع التنبيه إلى «العواقب الوخيمة» التي تترتب على الانكماش الاقتصادي، وتجزئته، واستخدامه كأداة في الصراع.

وأكد غروندبرغ أن الفشل في دفع رواتب ومعاشات القطاع العام أدّى إلى زيادة الفقر بشكل واسع، بينما أسهم التضخم المتزايد في جعل كثير من الأسر عاجزة عن تلبية احتياجاتها الأساسية، بما في ذلك الغذاء.

تدهور الاقتصاد وانقطاع الرواتب في اليمن تسببا في جوع ملايين السكان (أ.ف.ب)

وفي شأن مساعيه، أفاد المبعوث الأممي بأن مكتبه من خلال زيارات صنعاء وعدن أوضح مفترق الطرق الحاسم الذي تواجهه الأطراف، وهو إما الاستمرار في «المسار الكارثي من النزاع غير المحسوم وتسليح الاقتصاد الذي سيؤدي بلا شك إلى خسارة الجميع، أو التعاون لحلّ القضايا الاقتصادية لتمهيد الطريق نحو النمو وتحقيق مكاسب السلام الممكنة».

وأشار إلى أن العمل جارٍ على استكشاف حلول عملية وملموسة تهدف إلى استعادة الاستقرار وتعزيز الحوار بشأن الاقتصاد اليمني، بما يشمل دفع الرواتب واستئناف صادرات النفط والغاز، بما يخدم مصلحة الشعب اليمني وترجمة الالتزامات التي تعهدت بها الأطراف في يوليو (تموز) الماضي إلى خطوات ملموسة تعود بالفائدة على جميع اليمنيين.

التصعيد العسكري

في شأن التصعيد العسكري، قال غروندبرغ إن انعدام الأمن في البحر الأحمر لا يزال يتفاقم نتيجة أعمال الحوثيين، إلى جانب الهجمات على إسرائيل، والغارات الجوية التي شنّتها الولايات المتحدة والمملكة المتحدة رداً على تلك التطورات.

وأشار إلى أن هذه الأحداث التي استمرت طوال العام، قلّصت الحيز المتاح لجهود الوساطة التي يقودها. وحضّ جميع الأطراف المعنية على اتخاذ خطوات جادة لتهيئة بيئة مناسبة، تمهد الطريق لحل النزاع في اليمن، وحذّر من أن الفشل في تحقيق ذلك لن يؤدي إلا إلى تعزيز دعوات العودة إلى الحرب.

طائرة حوثية من دون طيار في معرض أقامه الحوثيون في صنعاء بمناسبة الأسبوع السنوي لذكرى قتلاهم (رويترز)

وأوضح أن الأوضاع الهشّة في اليمن لا تزال مستمرة على عدة جبهات، مع تصاعد الاشتباكات بشكل متكرر في مناطق، مثل الضالع، الحديدة، لحج، مأرب، صعدة، شبوة، تعز. ما يؤدي مراراً إلى خسائر مأساوية في الأرواح.

وتصاعدت الأعمال العدائية في المناطق الشرقية من تعز - وفق المبعوث الأممي - مع ورود تقارير عن وقوع انفجارات وقصف بالقرب من الأحياء السكنية.

وفي الأسبوع الماضي فقط، أورد المبعوث في إحاطته أن طائرة من دون طيار استهدفت سوقاً مزدحمة في مقبنة بمحافظة تعز، ما أسفر عن مقتل 6 أشخاص على الأقل، وإصابة آخرين بجروح خطرة.

ودعا غروندبرغ أطراف النزاع اليمني إلى التقيد الجاد بالتزاماتهم، بموجب القانون الإنساني الدولي، لضمان حماية المدنيين والبنية التحتية المدنية. وقال إن هذه الحوادث تسلط الضوء على الحاجة الملحة للتوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار.

ولدعم جهود التهدئة، أفاد المبعوث بأن مكتبه يتواصل مع المسؤولين العسكريين والأمنيين من الطرفين، لتسهيل الحوار حول الديناميكيات الحالية، واستكشاف سبل تعزيز بناء الثقة.