إيران والصين: الشراكة الشاملة في محيط مضطرب

وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف مع نظيره الصيني وانغ يي بعد مراسم توقيع وثيقة الشراكة الاستراتيجية (إ.ب.أ)
وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف مع نظيره الصيني وانغ يي بعد مراسم توقيع وثيقة الشراكة الاستراتيجية (إ.ب.أ)
TT

إيران والصين: الشراكة الشاملة في محيط مضطرب

وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف مع نظيره الصيني وانغ يي بعد مراسم توقيع وثيقة الشراكة الاستراتيجية (إ.ب.أ)
وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف مع نظيره الصيني وانغ يي بعد مراسم توقيع وثيقة الشراكة الاستراتيجية (إ.ب.أ)

تصر الصين وإيران على نفي أي طابع سياسي أو عسكري - أمني عن «اتفاق الشراكة الشاملة» الموقع يوم السبت في طهران. بيد أن ضخامة التعاون الاقتصادي المقترح تشي بغير ذلك.
وزير الخارجية الصيني وانغ يي الذي مثل بلاده في احتفال التوقيع كان قد زار الرياض قبل توجهه إلى طهران، فيما فسره مراقبون على أنه محاولة لطمأنة دول الخليج بأنها غير مستهدفة بالتعاون الإيراني - الصيني الذي يحدد الاتفاق مدته بخمس وعشرين سنة، تنفق الصين خلالها 280 مليار دولار على تطوير قطاعات النفط والغاز والصناعات البتروكيماوية في إيران، إضافة إلى 120 مليار دولار أخرى في مجالات تحديث البنى التحتية والنقل والصناعة الإيرانية.
المعلومات التي تنشرها الصحف الغربية منذ 2016، تاريخ بدء المفاوضات بين بيكين وطهران بشأن الاتفاق الذي تعده الأولى جزءاً من «مبادرة الحزام والطريق»، تشير إلى جوانب أمنية وعسكرية، منها نشر الصين لخمسة آلاف جندي في الجزر الإيرانية التي ستستأجرها الصين في الخليج وفي بحر العرب، وتعزيز دور الصين في نقل تكنولوجيا الصواريخ إلى إيران، وتفعيل تبادل المعلومات الاستخبارية. ولكن وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف، والمتحدث باسم الوزارة سعيد خطيب زاده، نفيا بشدة هذه المعلومات، وقالا إنها مجرد أكاذيب وأوهام.
لكن إحياء طريق الحرير القديم على هذا المستوى من الاستثمارات الضخمة يطرح من دون ريب أسئلة كثيرة، وتقول العبارة الشهيرة إن «السياسة هي الاقتصاد مُكثفاً». وإذا كان الاقتصاد على هذه الدرجة من الكثافة والسعة، سيكون من الصعب تجاهل التبعات والعواقب السياسية للاتفاق الإيراني - الصيني. يذهب الجواب البسيط على هذه الشكوك إلى أن كلاً من الجانبين يسعى إلى تحصيل القدر الأكبر من المكتسبات، في ظرف دولي شديد السيولة، تحاول الولايات المتحدة العودة فيه إلى الساحة العالمية، ومعالجة مشكلاتها الداخلية (الاقتصادية والسياسية)، في ظل تفشي وباء «كوفيد-19» الذي ألحق أضراراً جسيمة بالاقتصاد في شتى أنحاء الكوكب.
ومن جهة ثانية، لا تنقص الصين ولا إيران المبررات لتعميق صلاتهما المختلفة. ولعله من المفيد التذكير بأن البلدين يقيمان علاقات بينهما منذ أزمان سحيقة في القدم، حيث تشير السجلات إلى تبادل دبلوماسي وتجاري بين إمبراطوريتي الهان والبارثية - الساسانية. وجدير بالذكر أن الصين كانت الوجهة الرئيسة التي فر إليها القسم الأكبر من الأسرة الساسانية بعد الفتح العربي، بل إن أحد الأمراء الساسانيين أقنع الصينيين بدعمه لاستعادة عرش أسلافه، وشن الحرب على الفاتحين العرب في فارس. واستمرت العلاقات منذ ذلك الحين، وصولاً إلى تكريسها دبلوماسياً في أواخر العهد القاجاري، ثم اعتراف الشاه محمد رضا بهلوي بجمهورية الصين الشعبية، بدلاً من الجمهورية الصينية (تايوان)، أوائل سبعينيات القرن الماضي، ضمن الجهود التي شهدتها الدبلوماسية الدولية لإدخال الصين الشعبية إلى الأمم المتحدة.
والصين هي الشريك التجاري الأول لإيران، ولم تغير العقوبات الأميركية هذا الواقع، إضافة إلى أن طهران قد تتقدم بطلب انضمام إلى منظمة شنغهاي للتعاون التي تضم الصين وروسيا وأربع دول من وسط آسيا، بما يتلاءم مع الرؤية الصينية التي تولي الدول السوفياتية السابقة في تلك المنطقة أهمية خاصة، بصفتها الممر البري الإجباري لمبادرة «الحزام والطريق» التي ستؤدي إيران فيها دوراً بالغ الأهمية، بصفتها صلة الوصل بين وسط آسيا وجنوبها والشرق الأوسط.
نقطة إضافية يتعين النظر إليها لفهم أهمية المشروع، بالنسبة إلى إيران على الأقل، وهي تولي علي لاريجاني، المسؤول الإيراني البارز الرئيس السابق لمجلس الشورى (النواب) المدير الأسبق لمؤسسة الإذاعة والتلفزيون الحساسة ضمن هيكل النظام الإيراني، مهمة متابعة تنفيذ «اتفاق الشراكة الشاملة»؛ إن لاريجاني الذي يصنف ضمن القادة التاريخيين للنظام الإيراني يتولى عملاً سيترك آثاره على المستقبل المتوسط والبعيد لبلاده، ومن هنا كان اختيار شخصية رئيسية في الدولة.
الاتفاق يندرج من دون ريب في سياق المواجهة العالمية التي يتواجه فيها الغرب والصين، ويأتي التوقيع بعد أيام قليلة من إعلان الرئيس الأميركي جو بايدن أنه لن يسمح بأن تتحول الصين إلى القوة العالمية الأولى، وهو الهدف غير المعلن لمبادرة الحزام والطريق التي تشمل آسيا وأفريقيا وأوروبا، وتغطيها بمشاريع تبلغ قيمتها أكثر من 3.6 تريليون دولار.
الموقع الإيراني في هذه المبادرة قد يكون من أكثر الفصول حساسية، نظراً إلى الحاجة الإيرانية الشديدة إلى الحماية السياسية والاقتصادية في وجه العقوبات والعزلة الغربيتين من جهة، وإلى حيوية الامتيازات الجيو-سياسية التي تقدمها إيران المطلة على الخليج، القريبة من أوروبا من الجهة المقابلة. لكن ذلك كله قد يتعرض لخطر الانهيار ما لم تجد الصين، أولاً، طرقاً لتسوية خلافاتها مع الولايات المتحدة التي تبدو عازمة على تحدي طموحات بيكين، وإقناع إيران بأولوية الاقتصاد على المغامرات العسكرية في الإقليم، ثانياً.



شبح اعتقال الضباط والجنود في الخارج يحاصر إسرائيل

فلسطينيون يفرون من الجزء الشمالي من غزة، الأربعاء وسط عملية عسكرية إسرائيلية، في جباليا في شمال قطاع غزة (رويترز)
فلسطينيون يفرون من الجزء الشمالي من غزة، الأربعاء وسط عملية عسكرية إسرائيلية، في جباليا في شمال قطاع غزة (رويترز)
TT

شبح اعتقال الضباط والجنود في الخارج يحاصر إسرائيل

فلسطينيون يفرون من الجزء الشمالي من غزة، الأربعاء وسط عملية عسكرية إسرائيلية، في جباليا في شمال قطاع غزة (رويترز)
فلسطينيون يفرون من الجزء الشمالي من غزة، الأربعاء وسط عملية عسكرية إسرائيلية، في جباليا في شمال قطاع غزة (رويترز)

طلب الجيش الإسرائيلي من الضباط والجنود الذين أنهوا مهمتهم في قطاع غزة، وكانوا يعتزمون السفر إلى الخارج، الامتناع عن القيام بذلك، في حين أصدرت الأوامر لـ8 على الأقل بالعودة من الخارج؛ خشية من الاعتقالات، بعد إصدار الجنائية الدولية مذكرتَي اعتقال لكل من رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، ووزير الدفاع السابق يوآف غالانت.

وكانت المحكمة الدولية أصدرت في 21 نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، مذكرتَي اعتقال بحق نتنياهو وغالانت، بتهمتَي ارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية بحق الفلسطينيين في غزة.

وقالت صحيفة «يديعوت أحرنوت» إنه في ظل تقديرات في الجيش بأن قرار محكمة العدل الدولية في لاهاي، سيعطي زخماً للاعتقالات والإجراءات الجنائية الأخرى في جميع أنحاء العالم أيضاً ضد كبار الضباط في الجيش، وحتى ضد الجنود النظاميين والاحتياط الذين قاتلوا في قطاع غزة، بدأ الجيش في صياغة «تقييم المخاطر» لكل جندي يقدم استمارة طلب مغادرة البلاد، مع التركيز على المقاتلين والقادة الذين عملوا في غزة. وطلب الجيش من الجنود إزالة أي وثائق متعلقة بنشاطهم في غزة، وعدم تحميل صورهم ومقاطع الفيديو الخاصة بهم أثناء تواجدهم في غزة، أو التي تشير إلى تواجدهم في الخارج. وقد تم تعيين عشرات المحامين في الخارج لمواجهة «قوائم سوداء» للضباط والجنود.

وتشنّ إسرائيل حرباً على قطاع غزة منذ السابع من أكتوبر (تشرين الأول) العام الماضي وقد قتلت نحو 50 ألف فلسطيني وجرحت أكثر من 100 ألف وخلَّفت دماراً واسعاً حوَّل الحياة إلى غير ممكنة في القطاع الساحلي الصغير.

خارج المحكمة الجنائية الدولية في لاهاي بهولندا 26 يونيو 2024 (أ.ب)

وبحسب «يديعوت أحرنوت»، فقد حدد الجيش الإسرائيلي، في الآونة الأخيرة، نحو 30 حالة تم فيها تقديم شكاوى وتم اتخاذ إجراءات جنائية ضد ضباط وجنود الجيش الإسرائيلي الذين شاركوا في القتال في قطاع غزة، وكانوا يعتزمون السفر إلى الخارج، وتم تحذيرهم لتجنب القيام بذلك بسبب الخوف من الاعتقال أو الاستجواب في البلد الذي يريدون زيارته، فيما قيل لثمانية منهم على الأقل، بما في ذلك المقاتلون الذين انطلقوا بالفعل في رحلة إلى الخارج، إلى قبرص وسلوفينيا وهولندا، أن يغادروا ذلك البلد على الفور بسبب المخاطر. وكان ضباط وجنود وثَّقوا عمليات تفجير واعتقال وتحقيق في قطاع غزة، ونشروها بصورة أثارت انتقادات وجدلاً واسعاً، وأدت إلى إعداد منظمات كثيرة «قوائم سوداء» لهم. وأكدت «يديعوت» أنه تم الطلب من الضباط والجنود الدائمين والاحتياطيين الذي عملوا في غزة منذ بداية القتال، وحتى مؤخراً، الامتناع عن نشر صور وفيديوهات لهم وهم يقاتلون في قطاع غزة؛ حتى لا يتم استخدامها ضدهم دليلاً في تحقيق جنائي متعلق بارتكاب جرائم حرب.

وتم مؤخراً شحذ هذه السياسة في ضوء ردة الفعل العالمية العنيفة ضد إسرائيل. وقالت «يديعوت أحرنوت» إن المنظمات المؤيدة للفلسطينيين تعمل بشكل رئيس من أوروبا، لكن منتشرة في شبكة من الممثلين في جميع أنحاء العالم. وهي تراقب، بالإضافة إلى نشر أسماء وصور الجنود منشوراتهم كذلك على وسائل التواصل الاجتماعي، على أمل أن ينشروا قصصاً عن إجازتهم في بلجيكا، أو زيارتهم إلى فرنسا، أو رحلة إلى الولايات المتحدة أو الهند، على سبيل المثال. وفي تلك اللحظة سيتم تقديم شكوى ضدهم إلى النيابة المحلية، أو التماس شخصي ضدهم إلى المحكمة في ذلك البلد؛ وذلك للتحقيق معهم وتأخير مغادرتهم ذلك البلد. ولهذا السبب؛ نصح الجيش الجنود الذين يبلغون عن سفرهم إلى الخارج بتجنب نشر مواقعهم في العالم؛ حتى لا يصبحوا فريسة سهلة من شأنها أن تعرّضهم للخطر من جانبين: القانون الجنائي وبالطبع الأمن الشخصي أيضاً وتحذيرات ومناشدات.

نتنياهو متوسطاً وزير الدفاع المُقال يوآف غالانت ورئيس الأركان هرتسي هاليفي في أكتوبر 2023 (د.ب.أ)

ومنذ إصدار أوامر باعتقال نتنياهو وغالانت، ثمة مخاوف في أوساط المؤسسة الأمنية الإسرائيلية من أن يطال ذلك قادة الجيش وجنوده. وتخشى إسرائيل حتى من صدور أوامر اعتقال سرية من قِبَل المحكمة الجنائية الدولية، ضد قادة الجيش الإسرائيلي، وكبار الضباط فيه. وتدور المخاوف بشكل أساسي حول إمكانية صدور مذكرة اعتقال بحق رئيس أركان الجيش، هيرتسي هاليفي. وثمة قلق في إسرائيل من أن مثل هذه المذكرات قد صدرت بالفعل داخل المحكمة وتم إبقاؤها سراً لحين تفعيلها في الوقت الذي تقرره المحكمة.

ويقدّر مكتب المدعي العام العسكري في إسرائيل أن المدعي العام في لاهاي، كريم خان، يمكن أن يتعامل مع مذكرات اعتقال لهاليفي وقادة كبار ولن يتعامل مع الجنود أو القادة الصغار؛ لأنهم نفّذوا تعليمات تلقوها في ساحة المعركة. وتخشى إسرائيل من أن الوضع الحالي قد يصبح متفجراً بالفعل إذا توقف القتال في غزة وفتحت الطريق أمام الصحافيين ومنظمات حقوق الإنسان. واستعداداً لمرحلة كهذه؛ تم تشكيل فريق موسع مشترك بين الوزارات، بقيادة وزارتي العدل والخارجية وإدارة القانون الدولي بمكتب المدعي العام العسكري، وتمت الاستعانة بخدمات قانونية من محامين في عشرات دول العالم.

وشارك في الفريق الإسرائيلي ممثلون عن الموساد (المخابرات الخارجية) والشاباك (الأمن العام).