اتجاه «غوغل» للتوقف عن تتبع المستخدمين... هل يُعزز «الخصوصية»؟

دفع اتجاه «غوغل» إلى التوقف عن تتبع المستخدمين للتساؤل عمّ إذا كان هذا الإجراء سيعزز «الخصوصية»؟ وكانت شركة «غوغل» قد أصدرت بياناً منتصف مارس (آذار) الحالي، ينبه المستخدمين إلى أن «الشركة العالمية المالكة لأهم محرّك بحث، تنتوي التوقف عن تتبع الأفراد». ووفق البيان، فإن الشركة ستبتعد عن التقنيات التي تتعقب الأفراد، من خلال التخلص التدريجي من ملفات «تعريف الارتباط»، أو ما يُعرف بسياسة الـ«كوكيز»، التي تساعد المعلنين على استهداف الأشخاص بالإعلانات بحلول عام 2022.
ولكن، رغم تأكيد «غوغل» أن تطوير منظومة الإعلانات الرقمية تهدف إلى طمأنه المستخدمين، فضلاً عن تزويد الكيانات الرقمية التابعة لها بواجهات برمجة تمنع «التتبع الفردي»، يرى متخصصون أنه ما كان أمام «غوغل» مجال للاختيار، ولا سيما مع تزايد الحديث عن ممارسات كيانات التكنولوجيا نحو خصوصية المستخدم. ولفت هؤلاء إلى أن «غوغل» لن تتوقف عن تتبع المستخدمين كلياً؛ بل ما ستفعله هو التخلص من ملفات تعريف الارتباط «الكوكيز» للطرف الثالث، لتستخدم نموذجاً آخر لتتبع المستخدمين ومعرفة اهتماماتهم.
ديفيد تيمكن، مدير قسم إدارة المنتجات وتعزيز خصوصية الإعلانات بشركة «غوغل» العالمية، قال لـ«الشرق الأوسط» موضحاً: «نؤكد بصريح العبارة التخلص تدريجياً من ملفات تعريف الارتباط التابعة لجهات خارجية. لن ننشئ معرفات بديلة لتتبع المستخدمين عند تصفحهم الإنترنت، ولن نستخدمها في منتجاتنا... كذلك تعتزم (غوغل) تزويد الكيانات الرقمية التابعة لها بواجهات برمجة تحمي الخصوصية وتمنع التتبع الفردي».
من جهته، يرى الخبير السعودي أسامة عصام الدين، تطوير مواقع التواصل الاجتماعي، أن «الأمر الحادث حالياً، أنه في كل مرة يزور المستخدم موقعاً غير تابع لـ(غوغل)، وكان هذا الموقع يستخدم شبكة إعلانات (غوغل) لعرض الإعلانات، فإن (غوغل) - وهي الطرف الثالث هنا – ستحصل على الكود الخاص باستخدام الشخص من هذا الموقع». وأردف لـ«الشرق الأوسط» شارحاً إنه «مع زيارة الشخص لعشرات المواقع التي تعرض إعلانات (غوغل) في صفحاتها، فإن الشركة ستجمع (كوكيز) أكثر وأكثر، ما يُمكنها من إنشاء ملف إعلاني خاص بالشخص، فيه استخداماته واستهلاكه لهذه المواقع وصفحاتها، ليكون بإمكانها لاحقاً أن تبيع هذه الملفات للمعلنين».
عن سبب عزم «غوغل» التوقف عن سياسة ملفات «تعريف الارتباط»، أوضح مدير إدارة المنتجات بـ«غوغل» قائلاً: «صحيح أن الإعلانات، هي المصدر الوحيد للأرباح عبر الإنترنت. لكن بحسب ما أفادت به دراسة من إعداد (مركز بيو للأبحاث) فإن هناك حالة من تبدّد الثقة في صفوف المستخدمين، وتحديداً توصلت الدراسة إلى أن 72 في المائة من المستخدمين يشعرون بالقلق حيال فكرة التتبع، بينما يرى 81 في المائة من المستخدمين، أن جمع البيانات له أخطار تفوق الفوائد». واستطرد: «من هنا، كان حتمياً أن تتطور منظومة الإعلانات الرقمية لطمأنة المستخدمين».
حول هذا الموضوع، قال محمود السيد، الصحافي المتخصص في الإعلام الرقمي ومنصات التواصل بدولة الإمارات العربية المتحدة، لـ«الشرق الأوسط» إن «شركة غوغل جاءت مضطرة، بل متأخرة. إن التوقف عن سياسة تتبع ملفات الارتباط بجهات خارجية ليس سبقاً يُحسب لـ(غوغل)، بل بادرت شركات مثل (أبل) و(سفاري) و(فايرفوكس) إلى اتخاذ خطوات نحو حماية الخصوصية من قبل. لذلك لم يكن أمام (غوغل) مجال للاختيار، ولا سيما مع تزايد الحديث عن ممارسات كيانات التكنولوجيا نحو خصوصية المستخدم». وتابع السيد: «قبل سنوات قريبة، لم يكن المستخدم على دراية بحجم البيانات التي يشاركها بمجرد استخدام محركات البحث والتطبيقات. ووفقاً للأرقام، فإن قراءة سياسة الخصوصية لـ30 تطبيقاً متوفراً على جميع الهواتف الجوّالة تقريباً، يستغرق من الشخص نحو 87 ساعة، وهو أمر مرهق بالطبع. لذلك يكبس المستخدم على زر القبول من دون التأكد من حجم البيانات المتاحة للتطبيق».
وأوضح السيد أن «(غوغل) بالفعل تجمع كماً هائلاً من البيانات الشخصية للمستخدم، بهدف مشاركتها مع شركات الإعلانات»، مضيفاً: «لدى (غوغل) معلومات دقيقة عن كل مستخدم، جرى جمعها من خلال جميع التطبيقات والخدمات التابعة لها، مثل مكان وجود الشخص، وعلاقاته الاجتماعية، واهتماماته، وصوره، وغيرها.... وتستخدم هذه البيانات في تطوير خدماتها من جهة، ومن جهة أخرى تشاركها مع الشركات لتحديد الإعلانات». ثم يلفت إلى أن «تطبيقاً مثل (غوغل للصور) مثلاً، في البداية وفّرته الشركة مجاناً، بهدف تحسين أدواتها في التعرّف الدقيق على الوجوه، ولكنها بعد التأكد من أنها تمكنت من تطوير هذه الآلية، أعلنت أنه بداية من مارس (آذار) المقبل، سيتوفر التطبيق مقابل اشتراك، ولن يكون متاحاً للجميع، ما يعني أن (غوغل) تستخدم بيانات الأفراد لتطوير منتجاتها، ثم تعيد بيعها للمستخدم».
عصام الدين، من جانبه، يرى «أن (غوغل) لن تتوقف عن تتبع المستخدمين بشكل نهائي، بل ما ستفعله هو التخلص من (الكوكيز) للطرف الثالث، لتستخدم نموذجاً آخر لتتبع المستخدمين ومعرفة اهتماماتهم بناء على الأفواج أو المجموعات. وعوضاً عن استهداف الشركات للإعلانات للمستخدم بشكل فردي، ستستهدفه الآن ضمن مجموعات، مثلاً إذا كان المستخدم مهتماً بالسيارات فسيكون في مجموعة المهتمين بالسيارات، وإذا كان مهتماً بجديد الجوالات فسيضاف إلى مجموعة المهتمين»، من ثم علّق: «باختصار سيظل المستخدم يشاهد إعلانات مستهدفة؛ ولكن بطريقة تجهل شخصه أكثر، وهو ما تطلق عليه الشركة مسمى تقنية التعلم الموحد للمجموعات النموذجية (FloC)...».
هذا، ومنذ إعلان الشركة، تدعي «غوغل» أنها «ربما تتكبد خسائر مالية إثر هذه الخطوة؛ لكن قضية الخصوصية أصبحت الأهم لها». بينما يرى المتخصصون العكس. فحسب عصام الدين: «ربما ستزيد الشركة من أرباحها، فالشركة ستظل تجمع بيانات تعريف الارتباط للطرف الأول. بمعنى أن أي شيء يفعله المستخدم عند استخدام منتجات الشركة كـ(يوتيوب) و(محرك البحث) و(جي ميل) سيظل متتبعاً، وربما ستصبح بيانات الطرف الأول هذه أكثر قيمة للمعلنين، بسبب جفاف مصادر البيانات للطرف الثالث، فضلاً عن أن (غوغل) ستظل تجمع بيانات تعريف الارتباط للطرف الثالث من تطبيقات الجوال التي تستخدم شبكتها الإعلانية».
ويوافق محمود السيد على هذا الرأي، مؤكداً أنه «لن يؤثر هذا على حجم سوق الإعلانات، بينما ستتوجه الشركات بطريقة أكثر دقة نحو مجموعات يتشاركون الاهتمامات نفسها، وربما يحد ذلك من الإعلانات المزعجة، التي لا تناسب الموقع الجغرافي أو القدرة الشرائية للأفراد».