الأزمة الصحية في لبنان تأخذ طابعاً سياسياً

TT

الأزمة الصحية في لبنان تأخذ طابعاً سياسياً

أثارت الأزمة الصحية التي يعيشها لبنان، والقرارات المتعلقة بمعالجتها، جدلاً يحمل طابعاً سياسياً بدا واضحاً مؤخراً بالانتقادات التي تعرضت لها وزارة الصحة، لا سيما بعد هبة الأكسجين من سوريا التي رأت فيها بعض الأحزاب اللبنانية محاولة من الوزارة لتبيض صورة سوريا على حساب وجع اللبنانيين، وإيصال وزير الصحة حمد حسن رسائل سياسية، خاصة أنه محسوب على «حزب الله» في الحكومة.
ويرى عضو تكتل «الجمهورية القوية» (يضم نواب حزب القوات) النائب عماد واكيم أن انتقاد «القوات» لأداء وزارة الصحة لا يأتي أبداً من خلفية سياسية، بل بسبب التقصير الحاصل في إدارة ملف كورونا، والعرقلة تحديداً في موضوع التلقيح ضد الفيروس، معتبراً في حديث مع «الشرق الأوسط» أن وزير الصحة يحاول الاستثمار في السياسة من باب الصحة، وأن خير دليل على ذلك تضخيم الهبة السورية من الأكسجين التي لا تكاد تكفي ليوم واحد أو يومين على أبعد تقدير.
وكان وزير الصحة قد توجه، في زيارة غير معلنة يوم الأربعاء الماضي، إلى سوريا، حيث تم الإعلان عن هبة سورية مقدمة إلى لبنان، وهي عبارة عن 75 طناً من الأكسجين، تصل على مدى 3 أيام، في حين تؤكد مصادر طبية أن حاجة لبنان مع ارتفاع إصابات كورونا تصل إلى 80 طناً يومياً.
وعد واكيم أن بعضهم يحاول دائماً تصوير سوريا على أنها منقذة، ولو بكمية بسيطة من الأكسجين، وذلك في وقت كان يمكن لسوريا، إذا كانت فعلاً تريد مساعدة لبنان، أن تسمح لمصنع الأكسجين اللبناني الذي على أراضيها أن يستكمل تصدير الأكسجين إلى لبنان، بدلاً من أن يشمله قرار منع التصدير، بحجة أن سوريا بحاجة إلى الأكسجين، موضحاً أن حزب «القوات» طالما حاول عدم التعليق على أداء الوزارة بشكل يفهم منه أنه سياسي، ولكن هناك سوء إدارة لأزمة كورونا يدفع ثمنها المواطن، واستثماراً غير مقبول بالسياسة.
وعد رئيس حزب الكتائب اللبناني، سامي الجميل، أن «أسوأ حملة تلقيح في العالم والأبطأ هي في لبنان، وهو البلد الوحيد (غير باكستان) الذي يبيع اللقاح بـ38 دولاراً، فيما الواضح على الموقع الإلكتروني للقاح الروسي أن كلفته 10 دولارات»، سائلاً المعنيين في القطاع الصحي في لبنان عن سبب عدم إعطاء اللقاح مجاناً للبنانيين، والدولة قد حصلت على 120 مليون دولار من البنك الدولي للحصول على اللقاح.
وأشار الجميل، في مقطع فيديو نشره على صفحته على موقع «فيسبوك»، إلى أنه يبحث «عن مستشفى تستقبل مريضاً انخفض معدل الأكسجين لديه، وأنه لا مستشفى قادرة على استقباله»، وقال: «صراحة، أطلنا بالنا كثيراً، انطلاقا من مبدأ أن الصحة فوق السياسة، ولا نريد أن نتحدث في موضوع يفسر في السياسة، ولكن لن نستطيع السكوت أكثر عن (تخبيصكم) منذ سنة إلى اليوم».
وكتب وزير الصحة، أمس، على حسابه على موقع «تويتر»، تغريدة رد فيها بطريقة غير مباشرة على الجميل، ومنتقدي الأكسجين السوري، قائلاً: «حكمة الأجداد العقلاء أنجع من التذاكي كتابة أو التجني جهارة». وأضاف الوزير: «يقولون عندنا: أجبرها قبل أن تنكسر؛ وهذا ما فعلناه بموضوع الأكسجين. ولمن يدعي باللقاح معرفة، غابت عنك أحداث وأشياء».
ويرى مصدر في وزارة الصحة أنه بات واضحاً مؤخراً أن الهجوم على وزير الصحة وأداء الوزارة ينطلق بمعظمه من دوافع سياسية، لا سيما في موضوع جلب الأكسجين من سوريا، مضيفاً في حديث مع «الشرق الأوسط» أن الوزير، بعدما تواصلت معه شركات الأكسجين في لبنان لإعلامه بأن هناك نقصاً في الأكسجين تسبب به تأخر تفريغ شاحنة آتية من تركيا بسبب الأوضاع الجوية، توجه إلى سوريا كونها الأقرب، ما يتيح تأمين الأكسجين براً. وفيما خص الانتقادات عن كمية الأكسجين، رأى المصدر أن الهدف كان تأمين الحاجة حتى وصول الشحنة من تركيا، ومنع حدوث وفيات، ليس أكثر.
وفي رد على موضوع خرق الوزير لـ«قانون قيصر» بهذه الخطوة، رأى المصدر أن ما كان يهم الوزارة فقط أرواح الناس، وعدم حصول وفيات بسبب نقص الأكسجين، لذلك توجه الوزير إلى سوريا، وحصل على استثناء لجلب الأكسجين إلى لبنان، كون القانون السوري يمنع حالياً تصديره.
وكان نائب رئيس مجلس الوزراء السابق غسان حاصباني قد عد أنه لا قيمة صحية تذكر للاتفاق على توريد الأكسجين من الحكومة السورية، أو قبول هبة، إذ كان لبنان يستورد عند الحاجة أكسجيناً من دول متعددة، عندما يزيد الطلب مؤقتاً على قدرة المعامل المحلية عبر القطاع الخاص، مشيراً إلى وجود مصنع لبناني - سوري كان يلبي هذه الحاجة بصفته قطاعاً خاصاً، وفجأة توقفت صهاريجه من سوريا، ومُنعت من دخول الأراضي اللبنانية.
وأوضح حاصباني أن «الاستيراد من القطاع الخاص شيء، والتعامل على مستوى الوزراء شيء آخر تماماً، إذ قد يُعرض لبنان رسمياً لطائلة العقوبات الأميركية تحت (قانون قيصر)، إذا استمرت هذه العلاقة وتطورت لمقابل مالي أو عيني».



إرغام تربويين في صنعاء على تلقي برامج تعبئة طائفية

مسؤولون تربويون في صنعاء يخضعون لتعبئة حوثية (إعلام حوثي)
مسؤولون تربويون في صنعاء يخضعون لتعبئة حوثية (إعلام حوثي)
TT

إرغام تربويين في صنعاء على تلقي برامج تعبئة طائفية

مسؤولون تربويون في صنعاء يخضعون لتعبئة حوثية (إعلام حوثي)
مسؤولون تربويون في صنعاء يخضعون لتعبئة حوثية (إعلام حوثي)

أوقفت الجماعة الحوثية عشرات القادة والمسؤولين التربويين في العاصمة المختطفة صنعاء عن العمل، وأحالتهم إلى المحاسبة تمهيداً لفصلهم من وظائفهم، بعد أن وجّهت إليهم تهماً برفض حضور ما تُسمى «برامج تدريبية» تُقيمها حالياً في صنعاء وتركّز على الاستماع إلى سلسلة محاضرات لزعيمها عبد الملك الحوثي.

وفي سياق سعي الجماعة لتعطيل ما تبقى من مؤسسات الدولة تحت سيطرتها، تحدّثت مصادر تربوية في صنعاء لـ«الشرق الأوسط»، عن إرغام الجماعة أكثر من 50 مسؤولاً وقيادياً تربوياً يشملون وكلاء قطاعات ومديري عموم في وزارة التعليم الحوثية على الخضوع لبرامج تعبوية تستمر 12 يوماً.

ملايين الأطفال في مناطق سيطرة الحوثيين عُرضة لغسل الأدمغة (رويترز)

وبموجب التعليمات، ألزمت الجماعة القادة التربويين بحضور البرنامج، في حين اتخذت إجراءات عقابية ضد المتغيبين، وكذا المنسحبون من البرنامج بعد انتهاء يومه الأول، لعدم قناعتهم بما يتمّ بثّه من برامج وأفكار طائفية.

وكشفت المصادر عن إحالة الجماعة 12 مديراً عاماً ووكيل قطاع تربوي في صنعاء ومدن أخرى إلى التحقيق، قبل أن تتخذ قراراً بإيقافهم عن العمل، بحجة تخلفهم عن المشاركة في برنامجها التعبوي.

وجاء هذا الاستهداف تنفيذاً لتعليمات صادرة من زعيم الجماعة وبناء على مخرجات اجتماع ترأسه حسن الصعدي المعيّن وزيراً للتربية والتعليم والبحث العلمي بحكومة الانقلاب، وخرج بتوصيات تحض على إخضاع التربويين لبرامج تحت اسم «تدريبية» على ثلاث مراحل، تبدأ بالتعبئة الفكرية وتنتهي بالالتحاق بدورات عسكرية.

توسيع التطييف

تبرّر الجماعة الحوثية إجراءاتها بأنها رد على عدم استجابة التربويين للتعليمات، ومخالفتهم الصريحة لما تُسمّى مدونة «السلوك الوظيفي» التي فرضتها سابقاً على جميع المؤسسات تحت سيطرتها، وأرغمت الموظفين تحت الضغط والتهديد على التوقيع عليها.

وأثار السلوك الحوثي موجة غضب في أوساط القادة والعاملين التربويين في صنعاء، ووصف عدد منهم في حديثهم لـ«الشرق الأوسط»، ذلك التوجه بأنه «يندرج في إطار توسيع الجماعة من نشاطاتها الطائفية بصورة غير مسبوقة، ضمن مساعيها الرامية إلى تطييف ما تبقى من فئات المجتمع بمن فيهم العاملون في قطاع التعليم».

عناصر حوثيون يرددون هتافات الجماعة خلال تجمع في صنعاء (إ.ب.أ)

واشتكى تربويون في صنعاء، شاركوا مكرهين في البرامج الحوثية، من إلزامهم يومياً منذ انطلاق البرنامج بمرحلته الأولى، بالحضور للاستماع إلى محاضرات مسجلة لزعيم الجماعة، وتلقي دروس طائفية تحت إشراف معممين جرى استقدام بعضهم من صعدة حيث المعقل الرئيس للجماعة.

ويأتي تحرك الجماعة الحوثية لتعبئة ما تبقى من منتسبي قطاع التعليم فكرياً وعسكرياً، في وقت يتواصل فيه منذ سنوات حرمان عشرات الآلاف من المعلمين من الحصول على مرتباتهم، بحجة عدم توفر الإيرادات.

ويتحدث ماجد -وهو اسم مستعار لمسؤول تعليمي في صنعاء- لـ«الشرق الأوسط»، عن تعرضه وزملائه لضغوط كبيرة من قبل مشرفين حوثيين لإجبارهم بالقوة على المشاركة ضمن ما يسمونه «برنامجاً تدريبياً لمحاضرات زعيم الجماعة من دروس عهد الإمام علي عليه السلام لمالك الأشتر».

وأوضح المسؤول أن مصير الرافضين الانخراط في ذلك البرنامج هو التوقيف عن العمل والإحالة إلى التحقيق وربما الفصل الوظيفي والإيداع في السجون.

يُشار إلى أن الجماعة الانقلابية تركز جُل اهتمامها على الجانب التعبوي، عوضاً الجانب التعليمي وسط ما يعانيه قطاع التعليم العمومي من حالة انهيار وتدهور غير مسبوقة.