سخط سوداني واتهامات للشرطة بـ«التقاعس» و«التواطؤ مع النظام البائد»

وسم لإقالة قيادي أمني بارز طالب بعودة «قانون قمعي» من عهد البشير

احتجاجات نسائية متواصلة في الخرطوم (إ.ب.أ)
احتجاجات نسائية متواصلة في الخرطوم (إ.ب.أ)
TT

سخط سوداني واتهامات للشرطة بـ«التقاعس» و«التواطؤ مع النظام البائد»

احتجاجات نسائية متواصلة في الخرطوم (إ.ب.أ)
احتجاجات نسائية متواصلة في الخرطوم (إ.ب.أ)

تواجه الشرطة السودانية موجة من السخط الشعبي العارم، بسبب اتهامات لها بالتقاعس عن القيام بدورها في حفظ الأمن، على خلفية تكرار حدوث جرائم قتل ونهب وسلب وخطف داخل العاصمة الخرطوم، وزادت تصريحات مسؤول شرطي بارز الطين بلة، حين طالب بالعودة لقانون «النظام العام» الذي ينتهك الحريات ويذل النساء، وبإعطاء الشرطة المزيد من الحصانات لتقوم بواجباتها، وهو ما دفع نشطاء في وسائل التواصل الاجتماعي إلى إنشاء وسم يطالب بإقالته على الفور.
وشهدت الخرطوم عدداً من جرائم القتل البشعة؛ ثلاث منها ضد نساء، أفلحت الشرطة في فك طلاسمها، في وقت انتشرت فيه جرائم الخطف والنهب والسلب باستخدام الدراجات البخارية، فيما أثارت مطالب من بعض المحسوبين على نظام الإسلاميين، تنادي بضرب السيدات بالسياط في الشوارع حال ارتدائهن أزياء لا تتسق مع ما أطلقوا عليه عادات وتقاليد البلاد.
وانشغل الرأي العام السوداني بجريمة مقتل طفلة جنوب مدينة أم درمان، وجهت وسائط التواصل الاجتماعي الاتهام فيها لوالدها، وتخضعه السلطات العدلية للتحقيق، وجريمة مقتل أحد موظفي توزيع الوقود غرب أم درمان أيضاً، ألقت الشرطة على متهمين بينهم «شقيقه»، وقالت إنهم سجلوا اعترافات قضائية بأن الهدف كان سلب حصيلة بيع المواد البترولية الموجودة بحوزته.
وتشهد الخرطوم يومياً العديد من جرائم خطف الهواتف الجوالة، والحقائب النسائية والرجالية بواسطة الدراجات البخارية، راح ضحية لها عدد من الأشخاص، ما دفع الخيال الشعبي لابتداع تسمية «آخر مكالمة» لبعض المناطق المشهورة بخطف الهواتف الجوالة.
وتنسب الذاكرة الشعبية إلى الشرطة، بعد انتصار ثورة ديسمبر (كانون الأول) 2019، مقولة: «هذه هي المدينة التي تريدونها»، وتعني أنهم لن يعملوا على حفظ الأمن، استناداً إلى الهتافات المناوئة لـ«الشرطة» إبان الثورة، ولدورها في قمع المحتجين، بل وتذهب التحليلات إلى أن الشرطة في الأصل تحولت لجهاز «آيديولوجي» للإسلاميين، استخدموه في قمع المواطنين إبان حكمهم، ومُنحت صلاحيات واسعة، وأن رجالها «شبه متمردين» بسبب الهتافات المناوئة لهم إبان الثورة.
وزادت تصريحات مدير شرطة الخرطوم، الفريق عيسى آدم إسماعيل، لـ«الجزيرة سودان»، الطين بلة، إذ طالب الرجل بالعودة لقانون النظام العام «سيئ الصيت»، الذي استخدمه نظام «الإخوان» في قمع المواطنين، وإذلال النساء والاعتداء عليهن بالضرب، وإهانة كرامة الأسر.
وفي نوفمبر (تشرين الثاني) 2019، ألغت الحكومة الانتقالية التي تشكلت عقب سقوط نظام الرئيس المعزول «قانون النظام العام»، وهو قانون وصفه حتى بعض رموز نظام الإسلاميين بأنه «سيئ السمعة»، ويفرض العديد من القيود على حرية النساء، بما في ذلك حق التنقل والتجمع والعمل والدراسة والزي والمظهر الاجتماعي والأزياء، وأوكلت مهمة تنفيذه لشرطة «آيديولوجية» أطلق عليها «شرطة أمن المجتمع»، التي كانت تنظم حملات ضد النساء بسبب الأزياء التي يرتدينها، ويفرض عليهن عقوبات قاسية، لمجرد الاشتباه.
وعد النشطاء مطالبة مدير شرطة الخرطوم بالعودة للقانون سيئ الصيت «ردة على الثورة»، وعلى الفور نشطت مواقع التواصل الاجتماعي للمطالبة بإقالته، وانتشر وسم «إقالة مدير شرطة ولاية الخرطوم» على منصات «فيسبوك» و«تويتر»، بل ووسمته بأنه يسعى لإعادة قوانين النظام المعزول لأنه ينتمي لجماعة «الإخوان».
وكان الرجل قد ذكر رداً على مطالبة بالعودة لقانون النظام العام بالقول: «أقول: (نعم)، بالفم المليان، قانون النظام العام هو قانون ضبط اجتماعي، يضبط سلوك المواطن في الشارع في لبسه وتعامله، وبعد إلغائه برزت عدة ظواهر سالبة»، وتابع: «للأسف الشديد فسر الناس الحريات المتاحة تفسيراً خاطئاً، وبالتالي نحن كأجهزة لإنفاذ القانون نطالب بإنفاذ هذا القانون»، بيد أنه استدرك: «يمكن يتغير اسمه، لكنه قانون ضروري جداً، في حفظ تقاليد المجتمع وعاداته، لأن السودان دولة محافظة عندها تقاليد وعادات، وإرث ضارب في الجذور يحمي المجتمع ويحمي الأسرة».
واعترف الفريق عيسى بما أطلق عليه «السيولة الأمنية»، بقوله: «لا ننكر ظاهرة الخطف والسلب والنهب نهاراً، في مناطق محددة في الولاية، ونسمي هذه المواقع مواقع هشاشة أمنية، وفي الغالب هي مناطق طرفية، ونعمل على نشر قوات الشرطة وشرطة النجدة، ومراقبة معتادي الإجرام وتقييد حركتهم وفقاً للقانون»، وتابع: «ما تم وضعه من خطط أمنية كفيلة بحماية المواطنين».
وتنظر الشرطة بغضب على تقييد الحصانات الواسعة التي كانت ممنوحة لها أيام النظام السابق، وفي تصريحاته، أمس، طالب مدير شرطة الخرطوم بإعطاء الشرطة حصانة أثناء تأدية الواجب، وقال: «طلبنا منح حصانة لرجل الشرطة أثناء تأدية الواجب، لأن الجهة المنفذة للقانون يجب أن تكون محمية، حتى تستطيع أن تقوم بأداء واجبها ودورها بصورة ممتازة».
وانتشرت دعوات في وسائط التواصل، أطلقها رجال وشباب، تنادي بضرب النساء بالسياط إذا قمن بارتداء أزياء غير محتشمة، ردت عليها ناشطات بالدعوة للدفاع عن أنفسهن باستخدام العصي الكهربائية والحامض وغاز الشطة، واعتبرها النشطاء محاولة من رموز النظام المعزول للعودة لدائرة الأحداث والعودة للقوانين المذلة والمهينة لكرامة النساء التي شرعها نظام «الإخوان».
وانتقدت مجموعات نسوية ما أطلقت عليه الموقف «المتواطئ» لمدير شرطة الخرطوم، الذي اكتفى بالإجابة على سؤال عن «حملة السياط» بالقول: «ما في زول بيضرب زول بدون سبب»، واعتبرنه تواطؤاً مع الحملة. وقالت الصيدلانية سارة حسبو بحسب صفحتها على «فيسبوك»: «مدير الشرطة مؤيد لحملة السياط، وبدل أن يتخذ إجراءات قانونية ضد الثيران الهائجة... يدعو الأسر لأن تلم بناتها... الشرطة ما عندها مانع الأولاد والرجال يجلدونا في الشارع». ورفعت على صفحتها وسم «إقالة مدير شرطة ولاية الخرطوم».
ولم تكتف «تحفة كمال» بمجرد الإقالة، ودعت لمحاسبته لأنه يحرض على العنف ويبرر للمجرمين، أو بحسب ما نشرته على صفحتها على «فيسبوك». فيما قالت الطبيبة داليا الكباشي، إن مدير الشرطة يدافع عن باعثي الفوضى، وتابعت: «يعني الفوضى محمية بالسلطة الأمنية».
ويربط نشطاء وسياسيون بين دعوات مدير الشرطة للعودة لقانون النظام العام، وتبرير الاعتداءات على النساء وضربهن بالسياط، وحملات صحافية تنظمها صحف محسوبة على «الإخوان» نشرت أخباراً عن استشراء الفاحشة والمخدرات بين الفتيات في السودان.
وقال الصحافي عبد الجليل سليمان على صفحته على «فيسبوك»، تعليقاً على ما نشرته صحيفة «الانتباهة»، عن قدوم أجنبية لتصوير أفلام إباحية في الخرطوم: «(الانتباهة) صحيفة الكيزان الأولى، أسسها خال الرئيس المخلوع الطيب مصطفى، ونشرت الخبر ولم تقدم معطى واحداً يثبت صحته»... وتابع: «لصالح مَن دفعت (الانتباهة) بهذا الخبر المفبرك؟».



«سوريو مصر» يفضلون التريث قبل اتخاذ قرار العودة

لاجئون سوريون في مصر (مفوضية اللاجئين)
لاجئون سوريون في مصر (مفوضية اللاجئين)
TT

«سوريو مصر» يفضلون التريث قبل اتخاذ قرار العودة

لاجئون سوريون في مصر (مفوضية اللاجئين)
لاجئون سوريون في مصر (مفوضية اللاجئين)

بعد مرور نحو أسبوع على سقوط نظام بشار الأسد في سوريا، يفضل اللاجئون والمهاجرون السوريون في مصر التريث والصبر قبل اتخاذ قرار العودة إلى بلادهم التي تمر بمرحلة انتقالية يشوبها الكثير من الغموض.

ويتيح تغيير نظام الأسد وتولي فصائل المعارضة السورية السلطة الانتقالية، الفرصة لعودة المهاجرين دون ملاحقات أمنية، وفق أعضاء بالجالية السورية بمصر، غير أن المفوضية العامة لشؤون اللاجئين في القاهرة ترى أنه «من المبكر التفكير في عودة اللاجئين المسجلين لديها، إلى البلاد حالياً».

وازدادت أعداد السوريين في مصر، على مدى أكثر من عقد، مدفوعة بالتطورات السياسية والأمنية في الداخل السوري؛ إذ ارتفع عدد السوريين المسجلين لدى مفوضية اللاجئين إلى نحو 148 ألف لاجئ، غير أن تلك البيانات لا تعكس العدد الحقيقي للجالية السورية بمصر؛ إذ تشير المنظمة الدولية للهجرة إلى أن تعدادهم يصل إلى 1.5 مليون.

ولم تغير تطورات الأوضاع السياسية والأمنية في الداخل السوري من وضعية اللاجئين السوريين بمصر حتى الآن، حسب مسؤولة العلاقات الخارجية بمكتب مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين في القاهرة، كريستين بشاي، التي قالت في تصريحات لـ«الشرق الأوسط» إن «السوريين المسجلين كلاجئين لدى المفوضية يتلقون خدماتهم بشكل طبيعي»، مشيرة إلى أنه «لا يوجد أي إجراءات حالية لمراجعة ملف اللاجئين المقيمين بمصر، تمهيداً لعودتهم».

وتعتقد بشاي أنه «من المبكر الحديث عن ملف العودة الطوعية للاجئين السوريين لبلادهم»، وأشارت إلى إفادة صادرة عن المفوضية العامة لشؤون اللاجئين مؤخراً، تدعو السوريين في الخارج لـ«التريث والصبر قبل اتخاذ قرار العودة لبلادهم».

وكانت مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين قد نصحت المهاجرين السوريين في الخارج «بضرورة التحلي بالصبر واليقظة، مع قضية العودة لديارهم». وقالت، في إفادة لها الأسبوع الماضي، إن «ملايين اللاجئين يواصلون تقييم الأوضاع قبل اتخاذ قرار العودة»، وأشارت إلى أن «الصبر ضروري، على أمل اتخاذ التطورات على الأرض منحى إيجابياً، ما يتيح العودة الطوعية والآمنة والمستدامة».

ووعدت المفوضية، في بيانها، بـ«مراقبة التطورات بسوريا، مع الانخراط مع مجتمعات اللاجئين، لدعم الدول في مجال العودة الطوعية والمنظمة، وإنهاء أزمة النزوح القسري الأكبر في العالم»، وأشارت في الوقت نفسه إلى أن «الاحتياجات الإغاثية داخل سوريا لا تزال هائلة، في ظل البنية التحتية المتهالكة، واعتماد أكثر من 90 في المائة من السكان على المساعدات الإنسانية».

وحسب مسؤولة العلاقات الخارجية بمكتب مفوضية اللاجئين في القاهرة، يمثل اللاجئون السوريون المسجلون لدى المفوضية نحو 17 في المائة من تعداد اللاجئين في مصر، بواقع 148 ألف لاجئ سوري، من نحو 863 ألف لاجئ من أكثر من 60 جنسية. ويأتي ترتيبهم الثاني بعد السودانيين.

وباعتقاد مدير عام مؤسسة «سوريا الغد»، ملهم الخن، (مؤسسة إغاثية معنية بدعم اللاجئين السوريين في مصر)، أن «قضية عودة المهاجرين ما زال يحيطها الغموض»، مشيراً إلى «وجود تخوفات من شرائح عديدة من الأسر السورية من التطورات الأمنية والسياسية الداخلية»، ورجّح «استمرار فترة عدم اليقين خلال الفترة الانتقالية الحالية، لنحو 3 أشهر، لحين وضوح الرؤية واستقرار الأوضاع».

ويفرق الخن، في تصريحات لـ«الشرق الأوسط»، بين 3 مواقف للمهاجرين السوريين في مصر، تجاه مسألة العودة لبلادهم، وقال إن «هناك فئة المستثمرين، وأصحاب الأعمال، وهؤلاء تحظى أوضاعهم باستقرار ولديهم إقامة قانونية، وفرص عودتهم ضئيلة».

والفئة الثانية، حسب الخن، «الشباب الهاربون من التجنيد الإجباري والمطلوبون أمنياً، وهؤلاء لديهم رغبة عاجلة للعودة، خصوصاً الذين تركوا أسرهم في سوريا»، أما الثالثة فتضم «العائلات السورية، وهؤلاء فرص تفكيرهم في العودة ضعيفة، نظراً لارتباط أغلبهم بتعليم أبنائهم في المدارس والجامعات المصرية، وفقدان عدد كبير منهم منازلهم بسوريا».

وارتبط الوجود السوري في مصر باستثمارات عديدة، أبرزها في مجال المطاعم التي انتشرت في مدن مصرية مختلفة.

ورأى كثير من مستخدمي مواقع «السوشيال ميديا» في مصر، أن التغيير في سوريا يمثّل فرصة لعودة السوريين لبلادهم، وتعددت التفاعلات التي تطالب بعودتهم مرة أخرى، وعدم استضافة أعداد جديدة بالبلاد.

وتتيح مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، مساعدات لراغبي العودة الطوعية من اللاجئين، تشمل «التأكد من أن العودة تتم في ظروف آمنة، والتأكد من أن الأوضاع في البلد الأصلي آمنة»، إلى جانب «تقديم دعم نقدي لتغطية النفقات الأساسية والسفر»، حسب مكتب مفوضية اللاجئين في مصر.

ويرى مسؤول الائتلاف الوطني السوري، عادل الحلواني، (مقيم بمصر)، أن ملف عودة المهاجرين «ليس أولوية في الوقت الراهن»، مشيراً إلى أن «جميع السوريين يترقبون التطورات الداخلية في بلادهم، والهدف الأساسي هو عبور سوريا الفترة الانتقالية بشكل آمن»، معتبراً أنه «عندما يستشعر المهاجرون استقرار الأوضاع الداخلية، سيعودون طواعية».

وأوضح الحلواني، لـ«الشرق الأوسط»، أن «حالة الضبابية بالمشهد الداخلي، تدفع الكثيرين للتريث قبل العودة»، وقال إن «الشباب لديهم رغبة أكثر في العودة حالياً»، منوهاً بـ«وجود شريحة من المهاجرين صدرت بحقهم غرامات لمخالفة شروط الإقامة بمصر، وفي حاجة للدعم لإنهاء تلك المخالفات».

وتدعم السلطات المصرية «العودة الآمنة للاجئين السوريين إلى بلادهم»، وأشارت الخارجية المصرية، في إفادة لها الأسبوع الماضي، إلى أن «القاهرة ستواصل العمل مع الشركاء الإقليميين والدوليين لتقديم يد العون والعمل على إنهاء معاناة الشعب السوري الممتدة، وإعادة الإعمار، ودعم عودة اللاجئين، والتوصل للاستقرار الذي يستحقه الشعب السوري».