مجازر دوما: أكثر من 150 قتيلا وألف جريح.. واستهداف للنقطة الطبية الوحيدة

دوما تستغيث وملايين التغريدات تطالب المجتمع الدولي بالتحرك

سكان محليون من دوما يبحثون عن ناجين من غارات طيران النظام المستمرة منذ 11 يوما (رويترز)
سكان محليون من دوما يبحثون عن ناجين من غارات طيران النظام المستمرة منذ 11 يوما (رويترز)
TT

مجازر دوما: أكثر من 150 قتيلا وألف جريح.. واستهداف للنقطة الطبية الوحيدة

سكان محليون من دوما يبحثون عن ناجين من غارات طيران النظام المستمرة منذ 11 يوما (رويترز)
سكان محليون من دوما يبحثون عن ناجين من غارات طيران النظام المستمرة منذ 11 يوما (رويترز)

منذ أكثر من 11 يوما ودوما في ريف دمشق تستغيث بضمير العالم لإنقاذها من مجازر مستمرة أوقعت مئات الضحايا، بينهم عشرات الأطفال، بينما لا يزال كثير منهم تحت الأنقاض. وبينما تستمر حملة النظام تحت عنوان «محاربة الإرهاب»، لم يجد أطفال دوما من يصرخ بصوتهم إلا العالم الافتراضي عبر ملايين التغريدات التي طالبت جميعها المجتمع الدولي بالنظر إلى هذه المنطقة التي، وقبل أن يبدأ النظام السوري بإبادتها، كان قد حاصرها لمدة سنتين قاطعا عنها الماء والغذاء.
وانطلقت حملات على مواقع التواصل الاجتماعي، تحت عناوين عدة تطالب جميعها بإنقاذ دوما، منها «دوما تباد» و«دوما تحترق» و«أنقذوا دوما»، وتناقل الناشطون صورا لأطفال وكبار في السن وأجساد مهشمة، وبيوتا مدمرة، تؤكد مدى شراسة هذه الحملة العسكرية التي يتعرض لها المدنيون في هذه المدينة، بينما دان كثير من السوريين السكوت المدوي عن مجازر دوما، وسأل بعضهم: «انتفض العالم بعد حادثة مجلة (شارلي إيبدو) الفرنسية ومقتل الرهائن الأجانب وحرق الطيار الأردني، لكن أين اليوم المجتمع الدولي مما يحصل من جرائم ضد الإنسانية في دوما؟!».
وقال ناشطون من المدينة إن «الغارات أصابت نحو 60 وحدة سكنية، واستهدفت مدرستين، وعددا من المساجد، وراح ضحيتها 120 قتيلا موثقين بالأسماء، بالإضافة إلى مئات الجرحى». من جهته، أكد الناشط في ريف دمشق، إسماعيل الديراني، أن «عدد القتلى تجاوز الـ150 قتيلا، إضافة إلى أكثر من ألف جريح، معظمهم عائلات بأكملها»، مرجحا في حديثه لـ«الشرق الأوسط» زيادة العدد بسبب الإصابات الخطرة واستمرار عمليات البحث. ولفت الديراني إلى أنه، يوم أمس، «نجح الناشطون في إخراج أم وطفليها أحياء من تحت الأنقاض بعد أكثر من 24 ساعة على استهداف منزلهم بصاروخ». ويوم أمس، أصدر المكتب الطبي الموحد التابع للمعارضة في الغوطة الشرقية بيانا، أعلن فيه خروج النقطة الإسعافية عن الخدمة وإغلاقها بعد استهدافها، بينما يقول ناشطون في المنطقة إن «عمليات البحث عن الضحايا من قبل الأهالي وفرق الإنقاذ لا تزال مستمرة بحثا عن أحياء أو انتشال جثث بعدما تحولت البيوت إلى ركام»، مؤكدين أن «ما تتعرض له دوما هو حرب إبادة جماعية مع استمرار غارات النظام عليها».
وذكر مكتب أخبار سوريا أن «النظام واصل تصعيد عملياته العسكرية ضد دوما، أمس، وشن الطيران الحربي التابع للجيش السوري 3 غارات على المدينة الخاضعة لسيطرة المعارضة في ريف دمشق، مما تسبب في مقتل 6 مدنيين وجرح أكثر من 10 آخرين، ودمار كبير في المنازل السكنية». بينما أفاد المرصد السوري لحقوق الإنسان عن ارتفاع عدد القتلى الذين قضوا جراء قصف الطيران الحربي وقصف قوات النظام على مناطق في مدينة دوما بالغوطة الشرقية منذ صباح أمس، إلى 37 بينهم 6 أطفال و5 نساء من ضمنهم سيدة و4 من أطفالها و6 مقاتلين.
وكانت دوما قد استهدفت، أول من أمس، بصاروخين محمولين بالمظلات استهدفا الأبنية السكنية وسط المدينة والنقطة الطبية الوحيدة فيها، مما أدى إلى مقتل 40 مدنيا، بينهم 8 أطفال و9 نساء، في حصيلة أولية بسبب الدمار الكبير الذي لحق بعدد من الأبنية السكنية وصعوبة انتشال الجثث.
واعتبر الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة أن المدينة التي يقطنها نحو 400 ألف نسمة تتعرض لحملة شرسة منذ 11 يوما، مشيرا إلى تنفيذ الطيران الحربي التابع لنظام الأسد نحو 150 غارة جوية يوميا، بالإضافة إلى قصف المدينة بما يقارب 500 صاروخ أو قذيفة، وتنوعت هذه الصواريخ بين الفراغية والمظلية، وكان منها ما هو شديد الانفجار، وكان آخر استخدام لتلك الصواريخ في نهاية عام 2013 ببلدة حمورية بريف دمشق.
ودان نائب رئيس الائتلاف الوطني السوري، هشام مروة، عمليات القصف الممنهجة التي يشنها نظام الأسد على مدينة دوما في غوطة دمشق، واعتبر أن هذه الأفعال هي «جرائم حرب وإبادة جماعية وجرائم ضد الإنسانية».
وأشار هشام مروة إلى أن «الصور التي تأتي من دوما وأسماء القتلى، تؤكد استهداف الأحياء السكنية وعدم استهداف أي مواقع عسكرية»، مؤكدا على أن «سياسة العقاب الجماعي التي ينتهجها نظام الأسد لطالما استخدمها في عدة مناطق سورية». وقال مروة إن «على المجتمع الدولي تحمل مسؤولياته اتجاه المدنيين بشكل كامل والضغط على نظام الأسد لإيقاف هذه المجازر فورا، وتنفيذ المطالب التي وضعها مجلس الأمن المتمثلة ببيان جنيف، مطالبا بضم مواقع نظام الأسد إلى مواقع تنظيم داعش التي يستهدفها التحالف الدولي في سوريا».



القطن المصري... محاولة حكومية لاستعادة «عصره الذهبي» تواجه تحديات

مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
TT

القطن المصري... محاولة حكومية لاستعادة «عصره الذهبي» تواجه تحديات

مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)

تراهن الحكومة المصرية على القطن المشهور بجودته، لاستنهاض صناعة الغزل والنسيج وتصدير منتجاتها إلى الخارج، لكن رهانها يواجه تحديات عدة في ظل تراجع المساحات المزروعة من «الذهب الأبيض»، وانخفاض مؤشرات زيادتها قريباً.

ويمتاز القطن المصري بأنه طويل التيلة، وتزرعه دول محدودة حول العالم، حيث يُستخدم في صناعة الأقمشة الفاخرة. وقد ذاع صيته عالمياً منذ القرن التاسع عشر، حتى أن بعض دور الأزياء السويسرية كانت تعتمد عليه بشكل أساسي، حسب كتاب «سبع خواجات - سير رواد الصناعة الأجانب في مصر»، للكاتب مصطفى عبيد.

ولم يكن القطن بالنسبة لمصر مجرد محصول، بل «وقود» لصناعة الغزل والنسيج، «التي مثلت 40 في المائة من قوة الاقتصاد المصري في مرحلة ما، قبل أن تتهاوى وتصل إلى ما بين 2.5 و3 في المائة حالياً»، حسب رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي، الذي أكد عناية الدولة باستنهاض هذه الصناعة مجدداً، خلال مؤتمر صحافي من داخل مصنع غزل «1» في مدينة المحلة 28 ديسمبر (كانون الأول) الماضي.

أشار مدبولي، حسب ما نقله بيان مجلس الوزراء، إلى أن مشروع «إحياء الأصول» في الغزل والنسيج يتكلف 56 مليار جنيه (الدولار يعادل 50.7 جنيها مصري)، ويبدأ من حلج القطن، ثم تحويله غزلاً فنسيجاً أو قماشاً، ثم صبغه وتطويره حتى يصل إلى مُنتج سواء ملابس أو منسوجات، متطلعاً إلى أن ينتهي المشروع نهاية 2025 أو بداية 2026 على الأكثر.

وتكمن أهمية المشروع لمصر باعتباره مصدراً للدولار الذي تعاني الدولة من نقصه منذ سنوات؛ ما تسبب في أزمة اقتصادية دفعت الحكومة إلى الاقتراض من صندوق النقد الدولي؛ مرتين أولاهما عام 2016 ثم في 2023.

وبينما دعا مدبولي المزارعين إلى زيادة المساحة المزروعة من القطن، أراد أن يطمئن الذين خسروا من زراعته، أو هجروه لزراعة الذرة والموالح، قائلاً: «مع انتهاء تطوير هذه القلعة الصناعية العام المقبل، فسوف نحتاج إلى كل ما تتم زراعته في مصر لتشغيل تلك المصانع».

وتراجعت زراعة القطن في مصر خلال الفترة من 2000 إلى عام 2021 بنسبة 54 في المائة، من 518 ألفاً و33 فداناً، إلى 237 ألفاً و72 فداناً، حسب دراسة صادرة عن مركز البحوث الزراعية في أبريل (نيسان) الماضي.

وأرجعت الدراسة انكماش مساحته إلى مشكلات خاصة بمدخلات الإنتاج من بذور وتقاوٍ وأسمدة، بالإضافة إلى أزمات مرتبطة بالتسويق.

أزمات الفلاحين

سمع المزارع الستيني محمد سعد، وعود رئيس الوزراء من شاشة تليفزيون منزله في محافظة الغربية (دلتا النيل)، لكنه ما زال قلقاً من زراعة القطن الموسم المقبل، الذي يبدأ في غضون 3 أشهر، تحديداً مارس (آذار) كل عام.

يقول لـ«الشرق الأوسط»: «زرعت قطناً الموسم الماضي، لكن التقاوي لم تثمر كما ينبغي... لو كنت أجَّرت الأرض لكسبت أكثر دون عناء». وأشار إلى أنه قرر الموسم المقبل زراعة ذرة أو موالح بدلاً منه.

نقيب الفلاحين المصري حسين أبو صدام (صفحته بفيسبوك)

على بعد مئات الكيلومترات، في محافظة المنيا (جنوب مصر)، زرع نقيب الفلاحين حسين أبو صدام، القطن وكان أفضل حظاً من سعد، فأزهر محصوله، وحصده مع غيره من المزارعين بقريته في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، لكن أزمة أخرى خيَّبت أملهم، متوقعاً أن تتراجع زراعة القطن الموسم المقبل مقارنة بالماضي (2024)، الذي بلغت المساحة المزروعة فيه 311 ألف فدان.

تتلخص الأزمة التي شرحها أبو صدام لـ«الشرق الأوسط» في التسويق، قائلاً إن «المحصول تراكم لدى الفلاحين شهوراً عدة؛ لرفض التجار شراءه وفق سعر الضمان الذي سبق وحدَّدته الحكومة لتشجيع الفلاح على زراعة القطن وزيادة المحصول».

ويوضح أن سعر الضمان هو سعر متغير تحدده الحكومة للفلاح قبل أو خلال الموسم الزراعي، وتضمن به ألا يبيع القنطار (وحدة قياس تساوي 100 كيلوغرام) بأقل منه، ويمكن أن يزيد السعر حسب المزايدات التي تقيمها الحكومة لعرض القطن على التجار.

وكان سعر الضمان الموسم الماضي 10 آلاف جنيه، لمحصول القطن من الوجه القبلي، و12 ألف جنيه للمحصول من الوجه البحري «الأعلى جودة». لكن رياح القطن لم تجرِ كما تشتهي سفن الحكومة، حيث انخفضت قيمة القطن المصري عالمياً في السوق، وأرجع نقيب الفلاحين ذلك إلى «الأزمات الإقليمية وتراجع الطلب عليه».

ويحدّد رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية في معهد بحوث القطن التابع لوزارة الزراعة، الدكتور مصطفى عمارة، فارق سعر الضمان عن سعر السوق بنحو ألفي جنيه؛ ما نتج منه عزوف من التجار عن الشراء.

وأكد عمارة أن الدولة تدخلت واشترت جزءاً من المحصول، وحاولت التيسير على التجار لشراء الجزء المتبقي، مقابل أن تعوض هي الفلاح عن الفارق، لكن التجار تراجعوا؛ ما عمق الأزمة في السوق.

يتفق معه نقيب الفلاحين، مؤكداً أن مزارعي القطن يتعرضون لخسارة مستمرة «سواء في المحصول نفسه أو في عدم حصول الفلاح على أمواله؛ ما جعل كثيرين يسخطون وينون عدم تكرار التجربة».

د. مصطفى عمارة رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية (مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار المصري)

فرصة ثانية

يتفق المزارع ونقيب الفلاحين والمسؤول في مركز أبحاث القطن، على أن الحكومة أمامها تحدٍ صعب، لكنه ليس مستحيلاً كي تحافظ على مساحة القطن المزروعة وزيادتها.

أول مفاتيح الحل سرعة استيعاب أزمة الموسم الماضي وشراء المحصول من الفلاحين، ثم إعلان سعر ضمان مجزٍ قبل موسم الزراعة بفترة كافية، وتوفير التقاوي والأسمدة، والأهم الذي أكد عليه المزارع من الغربية محمد سعد، هو عودة نظام الإشراف والمراقبة والعناية بمنظومة زراعة القطن.

ويحذر رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية في معهد بحوث القطن من هجران الفلاحين لزراعة القطن، قائلاً: «لو فلاح القطن هجره فـلن نعوضه».

أنواع جديدة

يشير رئيس غرفة الصناعات النسيجية في اتحاد الصناعات محمد المرشدي، إلى حاجة مصر ليس فقط إلى إقناع الفلاحين بزراعة القطن، لكن أيضاً إلى تعدد أنواعه، موضحاً لـ«الشرق الأوسط» أن القطن طويل التيلة رغم تميزه الشديد، لكن نسبة دخوله في المنسوجات عالمياً قليلة ولا تقارن بالقطن قصير التيلة.

ويؤكد المسؤول في معهد بحوث القطن أنهم استنبطوا بالفعل الكثير من الأنواع الجديدة، وأن خطة الدولة للنهوض بصناعة القطن تبدأ من الزراعة، متمنياً أن يقتنع الفلاح ويساعدهم فيها.