مواهب مسرحية عربية بإشراف كيفين سبيسي

ضمن مشروع «هوم غراون» لاكتشاف الفنانين الصاعدين من بلدان الشرق الأوسط

هوم غراون يختتم دورته الأولى في الشارقة بمسرحية «قارب تحت الشمس»
هوم غراون يختتم دورته الأولى في الشارقة بمسرحية «قارب تحت الشمس»
TT

مواهب مسرحية عربية بإشراف كيفين سبيسي

هوم غراون يختتم دورته الأولى في الشارقة بمسرحية «قارب تحت الشمس»
هوم غراون يختتم دورته الأولى في الشارقة بمسرحية «قارب تحت الشمس»

تتطلع مؤسسة الفنان والمسرحي العالمي كيفين سبيسي للتنقيب عن المواهب والمبدعين الصاعدين في منطقة الشرق الأوسط، وذلك من خلال مبادرات لاستكشافهم في مجالات الدراما والرقص والموسيقى والسينما وتزويدهم بوسائل التدريب والتوجيه اللازمة.
وتأتي هذه المبادرة من خلال برنامج لأكاديمية الشرق الأوسط لفنون المسرح، التي أطلقت برنامجا مسرحيا تدريبيا مكثفا، «هوم جراون»، بالتعاون مع المؤسسة بهدف استكشاف المواهب الشابة في المنطقة تحت رعاية قرينة الشيخ الدكتور سلطان القاسمي عضو المجلس الأعلى حاكم الشارقة، الشيخة جواهر بنت محمد القاسمي رئيسة المجلس الأعلى لشؤون الأسرة بالشارقة.
ويوفر البرنامج فرصا مقدمة بشكل خيري للشباب في جميع أنحاء الشرق الأوسط وشمال أفريقيا لتطوير مهاراتهم الاستعراضية، كما قدم التدريب اللازم لمجموعة من الشباب من بلدان المنطقة بهدف استكشاف القدرات الواعدة من بين المهتمين بالفنون الاستعراضية، وتشجيع الشباب على الثقة بالنفس وتعزيز الإمكانيات والمهارات اليومية اللازمة للتنمية والتطوير الشخصي.
وشارك في البرنامج 34 شابا وفتاة من 11 دولة تشمل الإمارات وسوريا ومصر والعراق والأردن وتونس والجزائر ولبنان والسعودية واليمن، الذين وقع الاختيار عليهم من بين أكثر من 300 طلب مشاركة تسلمها البرنامج من مختلف دول الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، نجح المشاركون في اجتياز تجارب الأداء التي أقيمت في الشارقة ليتأهلوا للبرنامج الذي اختتمت فعالياته الأسبوع الماضي.
وعرض مشروع «هوم جراون» للفنون المسرحية عددا من العروض الفنية في الشارقة خلال فترة انعقاده في الإمارة، واختتمها بمسرحية «قارب تحت الشمس» على مسرح الشارقة للفنون المسرحية بحضور الفنان كيفين سبيسي، وهو العمل الفني الذي يعمل على تمكين المشاركين من توسيع آفاقهم وزيادة ثقتهم وتطوير إمكاناتهم الفنية.
ويكمن جوهر فكرة المسرحية التي عرضت باللغتين العربية والإنجليزية بما تتضمنه من أحداث تجمع بين الفكاهة والرومانسية والمعاناة والسعي لتحقيق الحلم مهما كانت الصعوبات، فالقيادة والابتكار هما المفتاح لمستقبل مشرق للأمة العربية. إنها تطرح على المشاهدين سؤالا مهما: هل تفضل العيش بأمان أم بسعادة أم بكليهما معا؟ وتبقى الإجابة رهنا بكل مشاهد يريد أن يواصل السعي وراء أحلامه رغم التحديات التي تعصف بها الحياة.
يقول بدر جعفر الشريك المؤسس لأكاديمية الشرق الأوسط لفنون المسرح: «لقد شكل برنامج هوم جراون فرصة للاحتفاء بدور الفنون في تحقيق التنمية الاجتماعية والثقافية والاقتصادية للمنطقة وأهميتها في توفير فرص فريدة تساعد شبابنا على الاستفادة من إمكاناتهم وتحقيق طموحاتهم، ومن خلال تقديمنا لهذه المسرحية فإننا نسهم في تسليط الضوء على القضايا الاجتماعية المهمة في العالم العربي إضافة إلى المحافظة على روح فن المسرح وجمع الناس حوله. لقد كانت الفنون دوما جزءا كبيرا من الحضارات العالمية. وبرنامجنا الخيري يهدف إلى تشجيع الروح الفنية الخلاقة المنتشرة بين الشباب والشابات في منطقتنا العربية»، معربا عن ثقته في أن مثل هذه البرامج ستتيح الفرصة لتنمية المواهب المحلية ليكونوا سفراء المنطقة العربية حول العالم.
أما كيفين سبيسي فقال: «على مدى السنوات الأربع الماضية عملت مؤسسة كيفين سبيسي على رعاية وتدريب ودعم الفنانين الناشئين في الفنون الاستعراضية والسينما، وتقدم المؤسسة المساعدة المالية والخبرة لمساعدة الأعمال الجديدة على الخروج إلى النور بالإضافة إلى مشاريع تعليم مسرحية فريدة من نوعها ومنح دراسية مدفوعة التكاليف من الجامعات لهؤلاء الشباب».
وأثنى سبايسي على المجهود الذي بذله المشاركون في البرنامج التدريبي، مبديا فخره بالتعاون الذي جرى بين مؤسسته وأكاديمية الشرق الأوسط «وبالعمل الذي جرى في الشارقة، ودولة الإمارات».
ولفت إلى أن أكثر من 300 طالب من 17 دولة مختلفة حول العالم تقدموا للمشاركة البرنامج التدريبي الذي امتد على مدى أسبوعين، وأوضح أن اختيار المشاركين تم بناء على مهاراتهم، طموحهم، وإمكانياتهم، ومن مختلف الخلفيات والمهارة.
يذكر أن تاريخ إنشاء أكاديمية الشرق الأوسط لفنون المسرح يعود إلى عام 2011، في حين أنشئت مؤسسة كيفين سبيسي في المملكة المتحدة عام 2010 وفي الولايات المتحدة عام 2013، بهدف الاستفادة من شهرة ومكانة كيفين سبيسي في إيجاد مبادرات لاستكشاف الفنانين الصاعدين في الدراما والرقص والموسيقى والسينما وتزويدهم بوسائل التدريب والتوجيه اللازمة، ومن بين الخدمات التي تقدمها المؤسسة المساعدات المالية لابتكار أعمال جديدة وتوفير فرص تعليمية وإرشادية على يد متخصصين.



قصة «أيمن» الحقيقي بطل القصيدة والأغنية

قصة «أيمن» الحقيقي بطل القصيدة والأغنية
TT

قصة «أيمن» الحقيقي بطل القصيدة والأغنية

قصة «أيمن» الحقيقي بطل القصيدة والأغنية

لطالما كانت كلمات الأغاني محل اهتمام البشر بمختلف أجناسهم وأعمارهم وشرائحهم الاجتماعية والثقافية. وإذا كانت القلة القليلة من الباحثين وأهل الاختصاص تحصر تعاملها مع الأغاني في الإطار النقدي، فإن معظم الناس يبحثون في كلماتها، كما في اللحن والصوت عما يحرّك في دواخلهم أماكن الرغبة والحنين وترجيعات النفس والذاكرة. لا، بل إن بعض الأغاني التي تعجز عن لفت انتباه سامعيها بسبب سذاجتها أو مستواها الهابط سرعان ما تكتسب أبعاداً وتأثيرات لم تكن لها من قبل، حين يمرون في تجربة سفر أو فراق أو حب عاصف أو خيانة غير متوقعة.

وحيث لا يُظهر البعض أي اهتمام يُذكر بالدوافع التي أملت على الشعراء كتابة النصوص المغناة، فإن البعض الآخر يجدُّون بدافع الفضول أو المعرفة المجردة، في الوقوف على حكايات الأغاني ومناسباتها وظروف كتابتها. وهو فضول يتضاعف منسوبه إذا ما كانت الأغنية تدور حول حدث بعينه، أو اسم علم مبهم الملامح وغير مكتمل الهوية.

وإذا كان لموت الأبطال في الملاحم والأساطير وحركات المقاومة تأثيره البالغ في النفوس، فإن موت الأطفال في الحروب يكتسب تأثيره المضاعف لأنه ينتقل من الخاص إلى العام فيصيب البراءة في عمقها ويسدد طعنته القاتلة إلى نحر الأحلام ووعود المستقبل. وهو ما جسّدته بشكل جلي أعداد وافرة من الروايات واللوحات التشكيلية والقصائد والأغاني، بدءاً من قصيدة «الأسلحة والأطفال» لبدر شاكر السياب، وليس انتهاءً بشخصية «شادي» المتزلج فوق ثلوج الزمن الذي حولته الأغنية الفيروزية رمزاً أيقونياً لتراجيديا البراءة الطفولية التي قصفتها الحرب في ريعانها.

ولم تكن مأساة «أيمن» الذي قتلته الطائرات الإسرائيلية المغيرة على الجنوب اللبناني في نهاية عام 1977 والتي استوحيت من حادثة استشهاده القصيدة التي تحمل الاسم نفسه، سوى حلقة من حلقات التراجيديا الإنسانية التي تجدد نفسها مع كل صراع قومي وإثني، أو مواجهة قاسية مع الطغاة والمحتلين. تجدر الإشارة في هذا السياق إلى أن الفارق بين شادي وأيمن هو أن الأول قد اخترعه الرحبانيان بخيالهما المحض، في حين أن أيمن كان طفلاً حقيقياً من لحم ودم، قضى في ظل الظروف نفسها والصراع إياه.

أما الفارق الآخر الذي لا ينبغي إغفاله، فيتمثل في كون النص الرحباني كُتب في الأساس ليكون جزءاً من مسرح الأخوين الغنائي، في حين أن قصيدة أيمن لم تُكتب بهدف الغناء، رغم أن جرسها الإيقاعي سهّل أمر تلحينها وغنائها في وقت لاحق. ومع ذلك، فإن ما يثير العجب في تجربة الرحبانيين هو أن كتابة النص أغنيةً لم تنقص بأي وجه من رشاقته وعوالمه الساحرة وأسلوبه التلقائي.

والواقع أنني ما كنت أعود لقصة أيمن بعد 47 عاماً من حدوثها، لو لم تكن هذه القصة محلّ أخذ ورد على مواقع التواصل الاجتماعي في الآونة الأخيرة، فهوية الطفل القتيل قد حُملت من قِبل المتحدثين عنها على غير رواية ووجه. على أن تبيان وقائع الحدث المأساوي لا بد أن تسبقه الإشارة إلى أن الفنان مرسيل خليفة الذي كانت تربطني به ولا تزال صداقة وطيدة، كان قد فاتحني بشأن كتابة نص شعري يعكس مأساة لبنان الرازح تحت وطأة حربه الأهلية، أو معاناة الجنوبيين وصمودهم في وجه العدو الإسرائيلي. ومع أنني عبّرت لمرسيل عن حماسي الشديد للتعاون معه، وهو الذي اعتُبر أحد الرموز الأبرز لما عُرف بالأغنية الوطنية أو الملتزمة، أبديت في الآن ذاته توجسي من أن يقع النص المطلوب في مطب الحذق التأليفي والصنعة المفتعلة. وإذ أجاب خليفة الذي كان قد أنجز قبل ذلك أغنيات عدة مقتبسة من نصوص محمود درويش، بأن المسألة ليست شديدة الإلحاح وأنه ينتظر مني الاتصال به حالما ينجز الشيطان الذي يلهمني الشعر مهماته.

ولم يكد يمرّ أسبوعان اثنان على لقائي صاحب «وعود من العاصفة»، حتى كنت أتصل هاتفياً بمرسيل لأسمعه دون إبطاء النص الذي كتبته عن أيمن، والذي لم يتأخر خليفة في تلحينه وغنائه. لكن مَن هو أيمن؟ وفي أي قرية وُلد وقضى نَحْبَه؟ وما هي قصته الحقيقية وسبب معرفتي به وبمصيره الفاجع؟

في أوائل سبعينات القرن المنصرم وفي قرية «العزّية» الجنوبية القريبة من الطريق الساحلية الواقعة بين صور والبيّاضة وُلد أيمن علواني لأب فلسطيني وأم لبنانية من بلدة برجا اللبنانية الشوفيّة. وإذ كانت معظم أراضي القرية ملكاً لعائلة سلام البيروتية المعروفة، فقد قدُمت العائلة إلى المكان بهدف العمل في الزراعة شأنها في ذلك شأن عائلات قليلة أخرى، ليؤلف الجميع مجمعاً سكنياً صغيراً لا يتجاوز بيوته العشرين بيتاً، ولا يبلغ سكانه المائة نسمة. أما البساتين الممتدة هناك على مرمى البصر، فقد كان يتعهدها بالنمو والخصوبة والاخضرار نبع دائم الجريان يحمل اسم القرية، ويختتم سلسلة الينابيع المتقطعة الذي يتفتح أولها في كنف الجليل الفلسطيني دون أن يتمكن آخرها من بلوغ البحر.

شكَّل نبع العزية جزءاً حيوياً من مسرح طفولتي الأولى، حيث كان سكان قريتي زبقين الواقعة على هضبة قريبة من مكان النبع يقصدونه للسباحة والاستجمام ويلوذون بمياهه المنعشة من حر الصيف، كما أن معرفتي بأيمن وذويه تعود إلى عملي في التدريس في ثانوية صور الرسمية، حيث كان من بين تلامذتي خالة الطفل وبعض أقاربه الآخرين. وحين قصف الإسرائيليون بيوت القرية الوادعة بالطائرات، متسببين بتدمير بيوتها وقتل العشرات من سكانها الآمنين، ومتذرعين بوجود معسكر تدريب فلسطيني قريب من المكان، فقد بدا اغتيال أيمن ذي الوجه القمري والعينين الخرزيتين بمثابة اغتيال لطفولتي بالذات، ولكل ذلك العالم المصنوعة فراديسه من قصاصات البراءة ونثار الأحلام. وفي حين لم أجد ما أردّ به على موت أيمن سوى كتابة القصيدة التي تحمل اسمه، فإن ذوي الطفل القتيل قرروا الذهاب إلى أبعد من ذلك، فأنجبوا طفلاً آخر يحمل اسم ابنهم الراحل وملامحه، ويواصل حتى الساعة الحياة بالأصالة عن نفسه ونيابة عن أخيه.

بعد ذلك بات اسم أيمن بالنسبة لي محفوراً في مكان عميق من القلب والذاكرة إلى حد أنني كلما قرأته في جريدة أو كتاب، أو قابلت أحداً بهذا الاسم تناهت إلي أصداء ضحكات الطفل القديم وأطيافه المدماة على ضفاف نبع العزية. ومع ذلك، فإن السيناريو الذي ضجت به في الأسابيع الأخيرة مواقع التواصل الاجتماعي في لبنان، ومفاده أن قصيدة أيمن قد استوحيتْ من مقتل الطفل أيمن رحال إثر غارة إسرائيلية على قرية طير حرفا الجنوبية عام 1978، لم يكن هو وحده ما أصابني بالذهول، بل معرفتي بأن الرقيب في الجيش اللبناني الذي استُشهد مؤخراً بفعل غارة مماثلة هو الشقيق البديل لأيمن الأول.

ومع أنه لم يسبق لي معرفة أيّ من «الأيمنين» الآخرين، إلا أن نسبة القصيدة إليهما لا تضير الحقيقة في شيء، بل تؤكد مرة أخرى على أن الشعر كما الأغنية والفن على نحو عام يتجاوز الحدث الباعث على كتابته ليلد نفسه في كل زمن، وليتجدد مع كل مواجهة غير عادلة بين الأطفال والطائرات. لكن كم من أيمن عليه أن يسقط، وكم من قصيدة ينبغي أن تُكتب لكي يرتوي القتلة من دم القتلى وتأخذ الحرية طريقها إلى التفتح؟