القضاء العراقي يطلق سراح الصميدعي المتهم بـ«إهانة السلطات»

TT

القضاء العراقي يطلق سراح الصميدعي المتهم بـ«إهانة السلطات»

أعلن مجلس القضاء الأعلى، أمس، إطلاق سراح المحامي والمحلل السياسي إبراهيم الصميدعي، بعد اعتقاله السبت الماضي، على خلفية انتقادات وجهها إلى البرلمان والقضاء بشأن قانون المحكمة الاتحادية، ما اعتبرت «إهانة للسلطات».
وقال المجلس في بيان، إن «محكمة تحقيق الكرخ الثالثة في رئاسة محكمة استئناف بغداد الكرخ الاتحادية قررت إطلاق سراح المتهم إبراهيم الصميدعي عن ثلاث شكاوى مقامة ضده». وذكر أن «القاضي المختص قرر إطلاق سراح المتهم إبراهيم الصميدعي بعد تدوين أقواله عن ثلاث شكاوى بحقه بتوفر كل الضمانات القانونية لحين اكتمال التحقيق وإحالته إلى المحكمة المختصة».
وأضاف أن «الشكوى الأولى تخص الإساءة للمؤسسات العامة في الدولة وفقاً لأحكام المادة 226 من قانون العقوبات، وقد اعترف المتهم المذكور بالخطأ الذي ارتكبه واعتذر عن ذلك، والقضية الثانية وفقاً لأحكام المادة 433/ 1 من القانون المذكور والمقامة من قبل وزير الدفاع، والقضية الثالثة استناداً لأحكام المادة 210 منه عن موضوع التصريح في إحدى القنوات الفضائية عن عرض مبلغ مالي عليه مقابل توسطه لأحد الأشخاص في تولي منصب وزاري».
ولأول مرة يكشف القضاء عن التهمة الموجهة للصميدعي التي أثارت قضية اعتقاله ردود فعل غاضبة، تعرض خلالها مجلس القضاء إلى انتقادات واسعة نتيجة استعانته بمواد قانونية تعود لعهد «حزب البعث»، تجيز محاسبة أصحاب الرأي والمنتقدين لأداء السلطات الحكومية، الأمر الذي يتعارض مع بنود الدستور الذي أقر بعد عام 2003، وأتاح حرية الرأي والتعبير للمواطنين العراقيين.
وكان القضاء أصدر مذكرتي قبض متزامنتين بحق إبراهيم الصميدعي ويحيى الكبيسي، وبعد إطلاق سراح الصميدعي، تبقى قضية الكبيسي معلقة لوجوده خارج البلاد، ومن غير المعروف ما إذا قام الكبيسي بتوكيل محامين للدفاع عنه في بغداد وإسقاط التهم عنه.
من ناحية ثانية، أعلن مجلس القضاء إجراء مداولات أولية لاختيار رئيس وأعضاء المحكمة الاتحادية التي تمكن البرلمان العراقي الأسبوع الماضي من إقرار التعديل الأول على قانونها النافذ بعدما حالت الخلافات بين الفرقاء السياسيين والاعتراضات الشديدة بشأن دور فقهاء الشريعة في قانون المحكمة الجديد دون إقراره.
وطبقاً لبيان صادر عن المجلس، فإن اجتماع المداولة ضم القضاة المكلفين باختيار رئيس وأعضاء المحكمة الاتحادية العليا حسب نص المادة 3 من قانون التعديل الأول.
وبحسب التعديل، تتولى المحكمة الاتحادية ومجلس القضاء الأعلى ورئيسا جهاز الادعاء العام والإشراف القضائي وبالتنسيق مع مجلس قضاء إقليم كردستان اختيار رئيس المحكمة ونوابها وأعضائها التسعة من بين اللأسماء المرشحة التي يشترط أن تكون قد أمضت عشرين عاماً في السلك القضائي ومصنفة ضمن التصنيف القضائي الأول، ثم ترفع أسماؤهم إلى رئاسة الجمهورية للمصادقة على تعيينهم. وأحال التعديل الجديد للقانون ما تبقى من أعضاء المحكمة الاتحادية إلى التقاعد.
وإذا نجحت الجهات المكلفة بترشيح الرئيس وأعضاء المحكمة تمهيداً للمصادقة عليها في رئاسة الجمهورية خلال الأيام القريبة المقبلة، فإن واحدة من أبرز عقبات إجراء الانتخابات العامة المقررة في أكتوبر (تشرين الأول) المقبل قد انتهت، باعتبار أن المحكمة الاتحادية الجهة المسؤولة عن مصادقة نتائجها.



الاقتصاد اليمني في مواجهة انهيارات كارثية وشيكة

طفل يمني يعاني من سوء التغذية وتتوقع وكالة أممية تفاقم الوضع الإنساني خلال الأشهر المقبلة (الأمم المتحدة)
طفل يمني يعاني من سوء التغذية وتتوقع وكالة أممية تفاقم الوضع الإنساني خلال الأشهر المقبلة (الأمم المتحدة)
TT

الاقتصاد اليمني في مواجهة انهيارات كارثية وشيكة

طفل يمني يعاني من سوء التغذية وتتوقع وكالة أممية تفاقم الوضع الإنساني خلال الأشهر المقبلة (الأمم المتحدة)
طفل يمني يعاني من سوء التغذية وتتوقع وكالة أممية تفاقم الوضع الإنساني خلال الأشهر المقبلة (الأمم المتحدة)

يتضاعف خطر انعدام الأمن الغذائي في اليمن بعد تفاقم الأزمة الاقتصادية، وانهيار سعر العملة المحلية أمام العملات الأجنبية، بفعل الحرب الحوثية على الموارد الرئيسية للبلاد، وتوسيع دائرة الصراع إلى خارج الحدود، في حين تتزايد الدعوات إلى اللجوء للتنمية المستدامة، والبحث عن حلول من الداخل.

وبينما تتوالي التحذيرات من تعاظم احتياجات السكان إلى المساعدات الإنسانية خلال الأشهر المقبلة، تواجه الحكومة اليمنية تحديات صعبة في إدارة الأمن الغذائي، وتوفير الخدمات للسكان في مناطق سيطرتها، خصوصاً بعد تراجع المساعدات الإغاثية الدولية والأممية خلال الأشهر الماضية، ما زاد من التعقيدات التي تعاني منها بفعل توقف عدد من الموارد التي كانت تعتمد عليها في سد الكثير من الفجوات الغذائية والخدمية.

ورجحت شبكة الإنذار المبكر بالمجاعة حدوث ارتفاع في عدد المحتاجين إلى المساعدات الإنسانية في اليمن في ظل استمرار التدهور الاقتصادي في البلاد، حيث لا تزال العائلات تعاني من التأثيرات طويلة الأجل للصراع المطول، بما في ذلك الظروف الاقتصادية الكلية السيئة للغاية، بينما تستمر بيئة الأعمال في التآكل بسبب نقص العملة في مناطق سيطرة الجماعة الحوثية، وانخفاض قيمة العملة والتضخم في المناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة.

وبحسب توقعات الأمن الغذائي خلال الستة أشهر المقبلة، فإنه وبفعل الظروف الاقتصادية السيئة، وانخفاض فرص كسب الدخل المحدودة، ستواجه ملايين العائلات، فجوات مستمرة في استهلاك الغذاء وحالة انعدام الأمن الغذائي الحاد واسعة النطاق على مستوى الأزمة (المرحلة الثالثة من التصنيف المرحلي) أو حالة الطوارئ (المرحلة الرابعة) في مناطق نفوذ الحكومة الشرعية.

انهيار العملة المحلية أسهم مع تراجع المساعدات الإغاثية في تراجع الأمن الغذائي باليمن (البنك الدولي)

يشدد الأكاديمي محمد قحطان، أستاذ الاقتصاد في جامعة تعز، على ضرورة وجود إرادة سياسية حازمة لمواجهة أسباب الانهيار الاقتصادي وتهاوي العملة المحلية أمام العملات الأجنبية، منوهاً إلى أن عائدات صادرات النفط والغاز كانت تغطي 70 في المائة من الإنفاق العام في الموازنة العامة، وهو ما يؤكد أهميتها في تشغيل مؤسسات الدولة.

ويضيف قحطان في حديث خص به «الشرق الأوسط» أن وقف هذه الصادرات يضع الحكومة في حالة عجز عن الوفاء بالتزاماتها، بالتضافر مع أسباب أخرى منها الفساد والتسيب الوظيفي في أهم المؤسسات الحكومية، وعدم وصول إيرادات مؤسسات الدولة إلى البنك المركزي، والمضاربة بالعملات الأجنبية وتسريبها إلى الخارج، واستيراد مشتقات الوقود بدلاً من تكرير النفط داخلياً.

أدوات الإصلاح

طبقاً لخبراء اقتصاديين، تنذر الإخفاقات في إدارة الموارد السيادية ورفد خزينة الدولة بها، والفشل في إدارة أسعار صرف العملات الأجنبية، بآثار كارثية على سعر العملة المحلية، والتوجه إلى تمويل النفقات الحكومية من مصادر تضخمية مثل الإصدار النقدي.

توقف تصدير النفط يتسبب في عجز الحكومة اليمنية عن تلبية احتياجات السكان (البنك الدولي)

ويلفت الأكاديمي قحطان إلى أن استيراد مشتقات الوقود من الخارج لتغطية حاجة السوق اليمنية من دون مادة الأسفلت يكلف الدولة أكثر من 3.5 مليار دولار في السنة، بينما في حالة تكرير النفط المنتج محلياً سيتم توفير هذا المبلغ لدعم ميزان المدفوعات، وتوفير احتياجات البلاد من الأسفلت لتعبيد الطرقات عوض استيرادها، وأيضاً تحصيل إيرادات مقابل بيع الوقود داخلياً.

وسيتبع ذلك إمكانية إدارة البنك المركزي لتلك المبالغ لدعم العرض النقدي من العملات الأجنبية، ومواجهة الطلب بأريحية تامة دون ضغوط للطلب عليها، ولن يكون بحاجة إلى بيع دولارات لتغطية الرواتب، كما يحدث حالياً، وسيتمكن من سحب فائض السيولة النقدية، ما سيعيد للاقتصاد توازنه، وتتعافى العملة الوطنية مقابل العملات الأجنبية، وهو ما سيسهم في استعادة جزء من القدرة الشرائية المفقودة للسكان.

ودعا الحكومة إلى خفض نفقاتها الداخلية والخارجية ومواجهة الفساد في الأوعية الإيرادية لإحداث تحول سريع من حالة الركود التضخمي إلى حالة الانتعاش الاقتصادي، ومواجهة البيئة الطاردة للاستثمارات ورجال الأعمال اليمنيين، مع الأهمية القصوى لعودة كل منتسبي الدولة للاستقرار داخل البلاد، وأداء مهاهم من مواقعهم.

الحكومة اليمنية تطالب المجتمع الدولي بالضغط على الحوثيين لوقف حصار تصدير النفط (سبأ)

ويؤكد مصدر حكومي يمني لـ«الشرق الأوسط» أن الحكومة باتت تدرك الأخطاء التي تراكمت خلال السنوات الماضية، مثل تسرب الكثير من أموال المساعدات الدولية والودائع السعودية في البنك المركزي إلى قنوات لإنتاج حلول مؤقتة، بدلاً من استثمارها في مشاريع للتنمية المستدامة، إلا أن معالجة تلك الأخطاء لم تعد سهلة حالياً.

الحل بالتنمية المستدامة

وفقاً للمصدر الذي فضل التحفظ على بياناته، لعدم امتلاكه صلاحية الحديث لوسائل الإعلام، فإن النقاشات الحكومية الحالية تبحث في كيفية الحصول على مساعدات خارجية جديدة لتحقيق تنمية مستدامة، بالشراكة وتحت إشراف الجهات الممولة، لضمان نجاح تلك المشروعات.

إلا أنه اعترف بصعوبة حدوث ذلك، وهو ما يدفع الحكومة إلى المطالبة بإلحاح للضغط من أجل تمكينها من الموارد الرئيسية، ومنها تصدير النفط.

واعترف المصدر أيضاً بصعوبة موافقة المجتمع الدولي على الضغط على الجماعة الحوثية لوقف حصارها المفروض على تصدير النفط، نظراً لتعنتها وشروطها صعبة التنفيذ من جهة، وإمكانية تصعيدها العسكري لفرض تلك الشروط في وقت يتوقع فيه حدوث تقدم في مشاورات السلام، من جهة ثانية.

تحذيرات من مآلات قاتمة لتداعيات الصراع الذي افتعلته الجماعة الحوثية في المياه المحيطة باليمن على الاقتصاد (أ.ف.ب)

وقدمت الحكومة اليمنية، أواخر الشهر الماضي، رؤية شاملة إلى البنك الدولي لإعادة هيكلة المشروعات القائمة لتتوافق مع الاحتياجات الراهنة، مطالبةً في الوقت ذاته بزيادة المخصصات المالية المخصصة للبلاد في الدورة الجديدة.

وكان البنك الدولي توقع في تقرير له هذا الشهر، انكماش إجمالي الناتج المحلي بنسبة واحد في المائة هذا العام، بعد انخفاضه بنسبة 2 في المائة العام الماضي، بما يؤدي إلى المزيد من التدهور في نصيب الفرد من إجمالي الناتج الحقيقي.

ويعاني أكثر من 60 في المائة من السكان من ضعف قدرتهم على الحصول على الغذاء الكافي، وفقاً للبنك الدولي، بسبب استمرار الحصار الذي فرضته الجماعة الحوثية على صادرات النفط، ما أدى إلى انخفاض الإيرادات المالية للحكومة بنسبة 42 في المائة خلال النصف الأول من العام الحالي، وترتب على ذلك عجزها عن تقديم الخدمات الأساسية للسكان.

وأبدى البنك قلقه من مآلات قاتمة لتداعيات الصراع الذي افتعلته الجماعة الحوثية في المياه المحيطة باليمن على الاقتصاد، وتفاقم الأزمات الاجتماعية والإنسانية.