لقاء جديد بين عون والحريري لتشكيل حكومة في لبنان والآمال ضئيلة

لقاء سابق بين عون والحريري (أ.ف.ب)
لقاء سابق بين عون والحريري (أ.ف.ب)
TT

لقاء جديد بين عون والحريري لتشكيل حكومة في لبنان والآمال ضئيلة

لقاء سابق بين عون والحريري (أ.ف.ب)
لقاء سابق بين عون والحريري (أ.ف.ب)

يلتقي الرئيس اللبناني ميشال عون، اليوم (الاثنين)، رئيس الحكومة المكلف سعد الحريري لبحث تشكيل الحكومة المنتظرة منذ سبعة أشهر، لكن الآمال بالتوصل إلى اتفاق تبقى ضئيلة جراء عمق الخلافات بين الأطراف السياسية.
ومن شأن الصراع المحموم بين القوى السياسية الكبرى والذي اعتاد اللبنانيون أن يتكرر أمامهم مع كل مساعٍ لتشكيل حكومة في البلاد، أن يفاقم اليوم الانهيار الاقتصادي المستمر منذ عام ونصف العام، وأدى إلى تدهور قياسي في قيمة العملة المحلية وارتفاع معدلات الفقر والبطالة.
وتُعد زيارة الحريري (الاثنين) الثامنة عشرة إلى القصر الرئاسي منذ تكليفه في أكتوبر (تشرين الأول) تشكيل حكومة، وبعد تلويح فرنسا الأسبوع الماضي بعقوبات محتملة على القادة اللبنانيين بسبب عرقلتهم أي تقدم في المسار السياسي.
وقال مسؤول سياسي، مطلع على مفاوضات تشكيل الحكومة، لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»، «يبدو تشكيلها صعباً اليوم»؛ إذ لا تزال هناك اختلافات في الطروحات بين الأطراف. وأضاف «الوضع لا يبشر بولادة حكومة».
ورغم ثقل الانهيار الاقتصادي، عجز القادة اللبنانيون على الاتفاق على تشكيلة حكومية؛ إذ يتمسك فريق رئيس الجمهورية (التيار الوطني الحر برئاسة جبران باسيل، صهر عون) المتحالف مع «حزب الله» بالحصول على أكثرية تضمن له حق نقض القرارات الحكومية، يسمى الثلث المعطل، بينما يصرّ الحريري وأطراف أخرى على أن تكون حقائب معينة من نصيب فريقهم السياسي.
وغالباً ما يستغرق تشكيل الحكومات في لبنان أشهراً طويلة جراء الانقسامات السياسية الحادة والخلاف على الحصص. لكن الانهيار الاقتصادي الحالي الذي فاقمه انفجار مرفأ بيروت في أغسطس (آب) وإجراءات مواجهة فيروس كورونا، عوامل لا تسمح بالمماطلة، وهو ما يؤكد عليه المجتمع الدولي موجهاً أقسى الانتقادات للمسؤولين اللبنانيين.
وكتبت صحيفة «الأخبار» المحلية، الاثنين، «يعود الرئيس سعد الحريري إلى قصر بعبدا مجدداً، من دون أي آمال بإمكان إحداث خرق في جدار الأزمة الحكومية المستمرة... لا تزال الأمور على حالها... حتى الآن لا تظهر أي بوادر لحل الأزمة المستعصية».
واستقالت حكومة حسان دياب إثر انفجار المرفأ. وبعد طول انتظار، كلف عون في أكتوبر 2020 الحريري تشكيل حكومة جديدة.
وكان الحريري أعلن استقالة آخر حكوماته في أكتوبر 2019 على وقع احتجاجات شعبية غير مسبوقة ضد الطبقة السياسية الحاكمة كاملة.
لكن هذه الطبقة السياسية، لا تزال بكامل مكوناتها اليوم، تتصارع فيما بينها. والنتيجة أن لا حكومة حتى الآن قادرة على القيام بإصلاحات ضرورية يضعها المجتمع الدولي شرطاً لحصول البلاد على دعم مالي يساعدها على الخروج من دوامة الانهيار الاقتصادي.
وخلال الأشهر الماضية، تبادل الحريري وعون الاتهامات بالعرقلة وبوضع شروط مضادة.
وشهد الأسبوع الماضي تصعيداً كلامياً بينهما. وخيّر عون مساء (الأربعاء) الماضي الحريري بين تشكيل حكومة بشكل «فوري» أو التنحي. وردّ الحريري مبدياً استعداده لعرض تشكيلة حكومية جديدة، لكنه طالب عون في حال عجزه عن التوقيع عليها بإفساح المجال أمام انتخابات رئاسية مبكرة.
وبعد تبادل الاتهامات، زار الحريري (الخميس) عون، واتفقا على لقاء آخر (الاثنين).
وإثر لقاء (الخميس)، جدد الحريري تمسكه بتشكيل حكومة اختصاصيين من 18 وزيراً، وهو ما يرفضه عون أساساً.
ورغم إعلان الموافقة على حكومة اختصاصيين إذا تمكن الحريري من تشكيلها، دعا الأمين العام لـ«حزب الله» حسن نصر الله (الجمعة) إلى «إعادة النظر» بصيغتها وتشكيل حكومة «تكنوسياسية»؛ لكي «لا نشكل حكومة تسقط بعد أسبوعين أو شهرين في الشارع». وحذّر من أن «حكومة الاختصاصيين إذا لم تحمها القوى السياسية لن تتمكن من حماية البلد».
وعلى وقع الجمود، اعتبر الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون الأسبوع الماضي، أنه من الضروري «تغيير المقاربة» في لبنان، متهماً المسؤولين اللبنانيين بالفشل في تحمّل مسؤولياتهم.
وشدّد مصدر دبلوماسي فرنسي على وجوب «زيادة الضغط إلى حد كبير على القادة السياسيين»، منبهاً إلى أنّ «مسألة العقوبات لم تكن أولوية في أغسطس وسبتمبر (أيلول)، لكن بعد ستة أو سبعة أشهر باتت مشروعة».
وخلال اجتماع لمجلس الأمن الدولي، الخميس، شددت القائمة بأعمال المنسق الخاص في لبنان نجاة رشدي «على ضرورة أن تتحرك السلطات اللبنانية بشكل عاجل لوقف الأزمة المتفاقمة».
واعتبر أعضاء مجلس الأمن، أن «على القوى السياسية أن تسهل فورا تشكيل حكومة قادرة على القيام بالإصلاحات الضرورية لوضع لبنان على طريق التعافي».
وتجددت مطلع الشهر الحالي الاحتجاجات الشعبية في لبنان على وقع تدهور قياسي في قيمة الليرة؛ إذ لامس سعر صرف الدولار (الثلاثاء) عتبة 15 ألف ليرة في السوق السوداء، قبل أن يتراجع تدريجا إلى حدود 11 ألفاً.
ودفع التغير السريع في سعر الصرف خلال الأيام الأخيرة عدداً من المحال التجارية الكبرى إلى إقفال أبوابها لإعادة تسعير سلعها. كذلك توقفت مصانع عن الإنتاج في انتظار استقرار سعر الصرف. وشهدت متاجر صدامات بين المواطنين على شراء سلع مدعومة.



الاقتصاد اليمني في مواجهة انهيارات كارثية وشيكة

طفل يمني يعاني من سوء التغذية وتتوقع وكالة أممية تفاقم الوضع الإنساني خلال الأشهر المقبلة (الأمم المتحدة)
طفل يمني يعاني من سوء التغذية وتتوقع وكالة أممية تفاقم الوضع الإنساني خلال الأشهر المقبلة (الأمم المتحدة)
TT

الاقتصاد اليمني في مواجهة انهيارات كارثية وشيكة

طفل يمني يعاني من سوء التغذية وتتوقع وكالة أممية تفاقم الوضع الإنساني خلال الأشهر المقبلة (الأمم المتحدة)
طفل يمني يعاني من سوء التغذية وتتوقع وكالة أممية تفاقم الوضع الإنساني خلال الأشهر المقبلة (الأمم المتحدة)

يتضاعف خطر انعدام الأمن الغذائي في اليمن بعد تفاقم الأزمة الاقتصادية، وانهيار سعر العملة المحلية أمام العملات الأجنبية، بفعل الحرب الحوثية على الموارد الرئيسية للبلاد، وتوسيع دائرة الصراع إلى خارج الحدود، في حين تتزايد الدعوات إلى اللجوء للتنمية المستدامة، والبحث عن حلول من الداخل.

وبينما تتوالي التحذيرات من تعاظم احتياجات السكان إلى المساعدات الإنسانية خلال الأشهر المقبلة، تواجه الحكومة اليمنية تحديات صعبة في إدارة الأمن الغذائي، وتوفير الخدمات للسكان في مناطق سيطرتها، خصوصاً بعد تراجع المساعدات الإغاثية الدولية والأممية خلال الأشهر الماضية، ما زاد من التعقيدات التي تعاني منها بفعل توقف عدد من الموارد التي كانت تعتمد عليها في سد الكثير من الفجوات الغذائية والخدمية.

ورجحت شبكة الإنذار المبكر بالمجاعة حدوث ارتفاع في عدد المحتاجين إلى المساعدات الإنسانية في اليمن في ظل استمرار التدهور الاقتصادي في البلاد، حيث لا تزال العائلات تعاني من التأثيرات طويلة الأجل للصراع المطول، بما في ذلك الظروف الاقتصادية الكلية السيئة للغاية، بينما تستمر بيئة الأعمال في التآكل بسبب نقص العملة في مناطق سيطرة الجماعة الحوثية، وانخفاض قيمة العملة والتضخم في المناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة.

وبحسب توقعات الأمن الغذائي خلال الستة أشهر المقبلة، فإنه وبفعل الظروف الاقتصادية السيئة، وانخفاض فرص كسب الدخل المحدودة، ستواجه ملايين العائلات، فجوات مستمرة في استهلاك الغذاء وحالة انعدام الأمن الغذائي الحاد واسعة النطاق على مستوى الأزمة (المرحلة الثالثة من التصنيف المرحلي) أو حالة الطوارئ (المرحلة الرابعة) في مناطق نفوذ الحكومة الشرعية.

انهيار العملة المحلية أسهم مع تراجع المساعدات الإغاثية في تراجع الأمن الغذائي باليمن (البنك الدولي)

يشدد الأكاديمي محمد قحطان، أستاذ الاقتصاد في جامعة تعز، على ضرورة وجود إرادة سياسية حازمة لمواجهة أسباب الانهيار الاقتصادي وتهاوي العملة المحلية أمام العملات الأجنبية، منوهاً إلى أن عائدات صادرات النفط والغاز كانت تغطي 70 في المائة من الإنفاق العام في الموازنة العامة، وهو ما يؤكد أهميتها في تشغيل مؤسسات الدولة.

ويضيف قحطان في حديث خص به «الشرق الأوسط» أن وقف هذه الصادرات يضع الحكومة في حالة عجز عن الوفاء بالتزاماتها، بالتضافر مع أسباب أخرى منها الفساد والتسيب الوظيفي في أهم المؤسسات الحكومية، وعدم وصول إيرادات مؤسسات الدولة إلى البنك المركزي، والمضاربة بالعملات الأجنبية وتسريبها إلى الخارج، واستيراد مشتقات الوقود بدلاً من تكرير النفط داخلياً.

أدوات الإصلاح

طبقاً لخبراء اقتصاديين، تنذر الإخفاقات في إدارة الموارد السيادية ورفد خزينة الدولة بها، والفشل في إدارة أسعار صرف العملات الأجنبية، بآثار كارثية على سعر العملة المحلية، والتوجه إلى تمويل النفقات الحكومية من مصادر تضخمية مثل الإصدار النقدي.

توقف تصدير النفط يتسبب في عجز الحكومة اليمنية عن تلبية احتياجات السكان (البنك الدولي)

ويلفت الأكاديمي قحطان إلى أن استيراد مشتقات الوقود من الخارج لتغطية حاجة السوق اليمنية من دون مادة الأسفلت يكلف الدولة أكثر من 3.5 مليار دولار في السنة، بينما في حالة تكرير النفط المنتج محلياً سيتم توفير هذا المبلغ لدعم ميزان المدفوعات، وتوفير احتياجات البلاد من الأسفلت لتعبيد الطرقات عوض استيرادها، وأيضاً تحصيل إيرادات مقابل بيع الوقود داخلياً.

وسيتبع ذلك إمكانية إدارة البنك المركزي لتلك المبالغ لدعم العرض النقدي من العملات الأجنبية، ومواجهة الطلب بأريحية تامة دون ضغوط للطلب عليها، ولن يكون بحاجة إلى بيع دولارات لتغطية الرواتب، كما يحدث حالياً، وسيتمكن من سحب فائض السيولة النقدية، ما سيعيد للاقتصاد توازنه، وتتعافى العملة الوطنية مقابل العملات الأجنبية، وهو ما سيسهم في استعادة جزء من القدرة الشرائية المفقودة للسكان.

ودعا الحكومة إلى خفض نفقاتها الداخلية والخارجية ومواجهة الفساد في الأوعية الإيرادية لإحداث تحول سريع من حالة الركود التضخمي إلى حالة الانتعاش الاقتصادي، ومواجهة البيئة الطاردة للاستثمارات ورجال الأعمال اليمنيين، مع الأهمية القصوى لعودة كل منتسبي الدولة للاستقرار داخل البلاد، وأداء مهاهم من مواقعهم.

الحكومة اليمنية تطالب المجتمع الدولي بالضغط على الحوثيين لوقف حصار تصدير النفط (سبأ)

ويؤكد مصدر حكومي يمني لـ«الشرق الأوسط» أن الحكومة باتت تدرك الأخطاء التي تراكمت خلال السنوات الماضية، مثل تسرب الكثير من أموال المساعدات الدولية والودائع السعودية في البنك المركزي إلى قنوات لإنتاج حلول مؤقتة، بدلاً من استثمارها في مشاريع للتنمية المستدامة، إلا أن معالجة تلك الأخطاء لم تعد سهلة حالياً.

الحل بالتنمية المستدامة

وفقاً للمصدر الذي فضل التحفظ على بياناته، لعدم امتلاكه صلاحية الحديث لوسائل الإعلام، فإن النقاشات الحكومية الحالية تبحث في كيفية الحصول على مساعدات خارجية جديدة لتحقيق تنمية مستدامة، بالشراكة وتحت إشراف الجهات الممولة، لضمان نجاح تلك المشروعات.

إلا أنه اعترف بصعوبة حدوث ذلك، وهو ما يدفع الحكومة إلى المطالبة بإلحاح للضغط من أجل تمكينها من الموارد الرئيسية، ومنها تصدير النفط.

واعترف المصدر أيضاً بصعوبة موافقة المجتمع الدولي على الضغط على الجماعة الحوثية لوقف حصارها المفروض على تصدير النفط، نظراً لتعنتها وشروطها صعبة التنفيذ من جهة، وإمكانية تصعيدها العسكري لفرض تلك الشروط في وقت يتوقع فيه حدوث تقدم في مشاورات السلام، من جهة ثانية.

تحذيرات من مآلات قاتمة لتداعيات الصراع الذي افتعلته الجماعة الحوثية في المياه المحيطة باليمن على الاقتصاد (أ.ف.ب)

وقدمت الحكومة اليمنية، أواخر الشهر الماضي، رؤية شاملة إلى البنك الدولي لإعادة هيكلة المشروعات القائمة لتتوافق مع الاحتياجات الراهنة، مطالبةً في الوقت ذاته بزيادة المخصصات المالية المخصصة للبلاد في الدورة الجديدة.

وكان البنك الدولي توقع في تقرير له هذا الشهر، انكماش إجمالي الناتج المحلي بنسبة واحد في المائة هذا العام، بعد انخفاضه بنسبة 2 في المائة العام الماضي، بما يؤدي إلى المزيد من التدهور في نصيب الفرد من إجمالي الناتج الحقيقي.

ويعاني أكثر من 60 في المائة من السكان من ضعف قدرتهم على الحصول على الغذاء الكافي، وفقاً للبنك الدولي، بسبب استمرار الحصار الذي فرضته الجماعة الحوثية على صادرات النفط، ما أدى إلى انخفاض الإيرادات المالية للحكومة بنسبة 42 في المائة خلال النصف الأول من العام الحالي، وترتب على ذلك عجزها عن تقديم الخدمات الأساسية للسكان.

وأبدى البنك قلقه من مآلات قاتمة لتداعيات الصراع الذي افتعلته الجماعة الحوثية في المياه المحيطة باليمن على الاقتصاد، وتفاقم الأزمات الاجتماعية والإنسانية.