مداولات عون ـ جنبلاط على طاولة محادثات الحريري في بعبدا اليوم

مصادر أكدت أنه ليس ضغطاً مضاداً في وجه المبادرة الفرنسية... ولا خلطاً للأوراق

عون مستقبلا جنبلاط أول من أمس (الرئاسة اللبنانية)
عون مستقبلا جنبلاط أول من أمس (الرئاسة اللبنانية)
TT

مداولات عون ـ جنبلاط على طاولة محادثات الحريري في بعبدا اليوم

عون مستقبلا جنبلاط أول من أمس (الرئاسة اللبنانية)
عون مستقبلا جنبلاط أول من أمس (الرئاسة اللبنانية)

أحدثَ لقاء رئيس الحزب «التقدمي الاشتراكي» وليد جنبلاط، مع رئيس الجمهورية اللبنانية ميشال عون، بناءً على رغبته، صدمة سياسية غير مسبوقة، ويمكن أن تحضُر المداولات التي جرت بينهما حول أزمة تأليف الحكومة على طاولة الاجتماع المقرر اليوم (الاثنين)، بين الأخير وبين الرئيس المكلف تشكيل الحكومة سعد الحريري، في محاولة قد تكون حاسمة لإخراج ملف التأليف من التأزُّم الذي يحاصرها، إلا إذا كانت لعون حسابات أخرى معطوفة على دعوة الأمين العام لـ«حزب الله» حسن نصر الله لتشكيل حكومة تكنوسياسية، مع أنها أحدثت نقزة في الوسط السياسي الذي رأى أنها تهدف للالتفاف على المبادرة الفرنسية.
فلقاء بعبدا بين عون وجنبلاط لا يمكن تصنيفه -كما تقول مصادر في «التقدمي» لـ«الشرق الأوسط»- في خانة إعادة خلط الأوراق باتجاه فتح صفحة جديدة بين بعبدا والمختارة على حساب تحالف جنبلاط مع الحريري واستمرار التشاور معه.
وقالت المصادر في «التقدمي» إن جنبلاط لبّى دعوة عون للقائه في بعبدا من موقع الاختلاف في وجهات النظر بينهما حول تشكيل الحكومة، وهذا ما تبلغه الحريري من موفد جنبلاط النائب وائل أبو فاعور الذي التقى ومعه الوزير السابق غازي العريضي، رئيس المجلس النيابي نبيه بري، لوضعه في أجواء اللقاء الذي فوجئ به كالآخرين.
ولفتت المصادر نفسها إلى أن جنبلاط حمل معه إلى بعبدا وجهة نظره متفهماً موقف الحريري. وقالت إنه مع تسهيل مهمة الرئيس المكلف داعياً عون للتفاهم معه. وأكدت أنه شدد على تفاهم الرئيسين لتجاوز العقبات، لأن الجوع يدقّ أبواب اللبنانيين ويُتخوّف من انفجار أمني واجتماعي. ونفت أن يكون جنبلاط في عداد مَن ينظّم ضغطاً مضاداً في وجه الضغط الفرنسي.
وفي المقابل، تقول مصادر في تيار «المستقبل» إن الحريري وإن كان فوجئ بلقاء بعبدا، فإن التيار يتفهم مخاوف جنبلاط لأنها جامعة للبنانيين الذين يحق لهم المطالبة بإخراج البلد من النفق المظلم الذي هو فيه. وبالتالي فهي لا تنظر إلى اللقاء بأن جنبلاط يحضّر للانقلاب على المبادرة الفرنسية أو تطويق الحريري الذي يعود له القرار النهائي في عملية تأليف الحكومة. وتؤكد أن لا مجال للدخول في سجال مع جنبلاط. وتقول إن «المستقبل» قرر الإحجام عن الرد أو التعليق حرصاً منه على علاقته بـ«التقدّمي» ولن يوفّر ذريعة لمن يحاول الإيقاع بينهما.
وفي هذا السياق، تقول مصادر سياسية مواكبة إن جنبلاط جدّد بعد لقائه عون تمسّكه بالمبادرة الفرنسية، وهو أراد أن يوجّه من بعبدا رسالة إلى باريس عنوانها أنه لن يفرّط فيها، وأنه يضغط لوضعها موضع التنفيذ، وبالتالي فهو يعلّق أهمية على توافق عون - الحريري ولا يمانع في زيادة عدد أعضاء الحكومة شرط التقيُّد بالإطار العام للمبادرة، وتؤكد أن جنبلاط يُبدي قلقه الشديد حيال تعثّر تشكيل الحكومة، وأن همّه الحفاظ على البيت الدرزي وعدم تعريضه للأخطار الأمنية، وهذا ما يعكس تشدّده ضد قطع الطرقات سواء على طريق الساحل المؤدي إلى الجنوب أو الآخر الذي يربط بيروت بالبقاع عبر الطريق الدولية.
وتؤكد المصادر أن بري لا يزال على موقفه الداعم للحريري، وأن بعض ما طرحه نصر الله لا يشبهه سياسياً، لكنه يحرص على عدم تعريض البيت الشيعي لأي اهتزاز يمس بالوضع الأمني، وترى أن لدى «حزب الله» مشروعه السياسي بخلاف «التقدّمي» الذي يبقى مشروعه الوحيد محصوراً في عدم جرّ البلد إلى المجهول والاستجابة لمطالب اللبنانيين من معيشية واجتماعية.
وترى أن عون ورئيس «التيار الوطني الحر» النائب جبران باسيل، وحدهما مَن يقفان إلى جانب نصر الله لأنه بطروحاته يتيح لرئيس الظل، أي باسيل، الخروج من الحصار السياسي بعد أن أقحم نفسه و«العهد القوي» في اشتباكات لم توفّر أحداً من الذين اختلف معهم، وتؤكد أن لدى نصر الله مشروعاً سياسياً يتجاوز الساحة اللبنانية، خصوصاً أنه يربط الحل الداخلي بالصراع الدائر في المنطقة.
وبكلام آخر، لا ترى المصادر من مبرّر لنصر الله للتقدّم بصيغ مركّبة للخروج من أزمة تأليف الحكومة، وتسأل: لماذا رهن موافقته على تشكيل حكومة مهمة من اختصاصيين ومن 18 وزيراً ولا ثلث ضامناً لأي طرف بتوافق عون والحريري؟
وتقول إنه نعى سلفاً موافقته على تشكيل حكومة مهمة قبل أن تولد، وهو يسعى لتعديلها بزيادة عددها وبتطعيمها بوزراء سياسيين مراعاةً منه لعون وباسيل اللذين يتصرفان كأن «حزب الله» وضع نفسه في خدمتهما، فيما هو يتلطى بهما لتأخير تشكيل الحكومة لدواعٍ إقليمية وتحديداً إيرانية.
وتكشف المصادر أن طهران بدأت تتعاطى مع الملف اللبناني على أنه بات ورقة متقدّمة إقليمياً على أوراقها الأخرى، خصوصاً في العراق وسوريا، وهذا ما يدفعها إلى التشدُّد بغية الاحتفاظ بها ما دامت مفاوضاتها مع واشنطن ما زالت تتعثّر، ويتحكّم بمصيرها حالياً تبادل الرسائل الدبلوماسية الساخنة التي تشارك فيها أوروبا.
لذلك، فإن «حزب الله» وحده من يتعاطى مع الملف الحكومي من زاوية إقليمية وبحسابات إيرانية لا لبس فيها، وهذا ما يفتح الباب أمام السؤال عمّا إذا كان لقاء بعبدا اليوم سيكون على غرار سوابقه، أم أنه يمهد الطريق لتشكيل الحكومة، وإن كانت حظوظ تشكيلها ما زالت متدنّية إلا إذا حضر الضغط الأوروبي غير المسبوق على طاولة اللقاء الثامن عشر بين الرئيسين، خصوصاً أن الحريري باقٍ على موقفه ولن يتراجع، وأي رهان على تبدُّل موقفه في غير محله.



«موسم أمطار غزيرة» و«انهيارات صخرية» يهددان حياة اليمنيين وأمنهم الغذائي

الأمطار الغزيرة منعت استكمال صيانة طريق هيجة العبد الحيوية بين مدينة تعز المحاصرة وباقي البلاد (إكس)
الأمطار الغزيرة منعت استكمال صيانة طريق هيجة العبد الحيوية بين مدينة تعز المحاصرة وباقي البلاد (إكس)
TT

«موسم أمطار غزيرة» و«انهيارات صخرية» يهددان حياة اليمنيين وأمنهم الغذائي

الأمطار الغزيرة منعت استكمال صيانة طريق هيجة العبد الحيوية بين مدينة تعز المحاصرة وباقي البلاد (إكس)
الأمطار الغزيرة منعت استكمال صيانة طريق هيجة العبد الحيوية بين مدينة تعز المحاصرة وباقي البلاد (إكس)

تشهد أجزاء واسعة من اليمن هطول أمطار غزيرة مع اقتراب فصل الشتاء وانخفاض درجة الحرارة، متسببة في انهيارات طينية وصخرية تهدد حياة السكان وتلحق الأضرار بالممتلكات والأراضي، في حين لم تتجاوز البلاد آثار فيضانات الصيف الماضي التي ترصد تقارير دولية آثارها الكارثية.

وتسببت الأمطار الأخيرة المستمرة لمدد طويلة، والمصحوبة بضباب كثيف وغيوم منخفضة، في انهيارات صخرية أغلقت عدداً من الطرق، في حين أوقع انهيار صخري، ناجم عن تأثيرات أمطار الصيف الماضي، ضحايا وتسبب في تدمير منازل بمنطقة ريفية شمال غربي البلاد.

وعطلت الانهيارات الصخرية في مديرية المقاطرة التابعة لمحافظة لحج (جنوبي غرب) استمرار العمل في تحسين وصيانة طريق هيجة العبد التي تربط محافظة تعز المجاورة بباقي محافظات البلاد، بعد أن أغلقت الجماعة الحوثية بقية الطرق المؤدية إليها منذ نحو 10 أعوام، وتسببت تلك الأمطار والانهيارات في إيقاف حركة المرور على الطريق الفرعية.

أمطار غزيرة بمحافظة لحج تلحق أضراراً بالطريق الوحيدة التي تخفف الحصار عن مدينة تعز (إكس)

ويواجه السائقون والمسافرون مخاطر شديدة بسبب هذه الأمطار، تضاف إلى مخاطر أخرى، مما أدى إلى صعوبة التنقل.

ودعت السلطات المحلية في المحافظة السائقين والمسافرين إلى توخي الحذر الشديد في الطرق الجبلية والمنحدرات المعرضة للانهيارات الطينية والصخرية والانجرافات، وتجنب المجازفة بعبور الوديان ومسارات السيول المغمورة بالمياه.

وكان انهيار صخري في مديرية الطويلة، التابعة لمحافظة المحويت (شمالي غرب)، أدى إلى مقتل 8 أشخاص، وإصابة 3 آخرين، بعد سقوط كتلة صخرية هائلة كانت مائلة بشدة فوق منزل بُني أسفلها.

وتزداد الانهيارات الصخرية في المناطق التي تتكون من الصخور الرسوبية الطبقية عندما يصل وضع الكتل الصخرية المائلة إلى درجة حرجة، وفق الباحث اليمني في الجيمورفولوجيا الحضرية (علم شكل الأرض)، أنس مانع، الذي يشير إلى أن جفاف التربة في الطبقات الطينية الغروية أسفل الكتل المنحدرة يؤدي إلى اختلال توازن الكتل الصخرية، وزيادة ميلانها.

ويوضح مانع لـ«الشرق الأوسط» أن الأمطار الغزيرة بعد مواسم الجفاف تؤدي إلى تشبع التربة الجافة، حيث تتضخم حبيباتها وتبدأ في زحزحة الكتل الصخرية، أو يغير الجفاف من تموضع الصخور، وتأتي الأمطار لتكمل ذلك التغيير.

انهيار صخري بمحافظة المحويت بسبب أمطار الصيف الماضي يودي بحياة 8 يمنيين (إكس)

وينبه الباحث اليمني إلى خطر يحدق بغالبية القرى اليمنية، ويقول إنها عرضة لخطر الانهيارات الصخرية بسبب الأمطار أو الزلازل، خصوصاً منها تلك الواقعة على خط الصدع العام الممتد من حمام علي في محافظة ذمار (100 كيلومتر جنوب صنعاء)، وحتى ساحل البحر الأحمر غرباً.

استمرار تأثير الفيضانات

تواصل الأمطار هطولها على أجزاء واسعة من البلاد رغم انتهاء فصل الصيف الذي يعدّ موسم الأمطار الرئيسي، وشهد هذا العام أمطاراً غير مسبوقة تسببت في فيضانات شديدة أدت إلى دمار المنازل والبنية التحتية ونزوح السكان.

وطبقاً لـ«الاتحاد الدولي لجمعيات الصليب الأحمر والهلال الأحمر»، فإن اليمن شهد خلال هذا العام موسمين رئيسيين للأمطار، الأول في أبريل (نيسان) ومايو (أيار)، والثاني بدأ في يوليو (تموز) إلى نهاية سبتمبر (أيلول)، و«كانا مدمرَين، بسبب أنماط الطقس غير العادية والأمطار الغزيرة المستمرة في جميع أنحاء البلاد».

ووفقاً للتقييمات الأولية التي أجرتها «جمعية الهلال الأحمر اليمني»؛ فقد تأثر 655 ألفاً و11 شخصاً، ينتمون إلى 93 ألفاً و573 عائلة بالأمطار الغزيرة والفيضانات التي ضربت البلاد أخيراً، ما أسفر عن مقتل 240 شخصاً، وإصابة 635 آخرين، في 20 محافظة من أصل 22.

فيضانات الصيف الماضي ألحقت دماراً هائلاً بالبنية التحتية في عدد من محافظات اليمن (أ.ب)

وألحقت الأمطار أضراراً جسيمة بمواقع السكان والنازحين داخلياً ومنازلهم وملاجئهم المؤقتة والبنية التحتية، مما أثر على آلاف الأسر، وكثير منهم كانوا نازحين لسنوات، حيث أبلغت «المجموعة الوطنية للمأوى والمواد غير الغذائية» في اليمن، عن تضرر 34 ألفاً و709 من المآوي، بينها 12 ألفاً و837 تضررت جزئياً، و21 ألفاً و872 تضررت بالكامل.

ونقل التقرير عن «المنظمة الدولية للهجرة» أن الفيضانات ألحقت أضراراً بالبنية التحتية الحيوية، بما في ذلك تدمير الأنظمة الكهربائية، مما أدى إلى انقطاع التيار الكهربائي وتعطيل تقديم الرعاية الصحية، وتسبب في تدمير الملاجئ، وتلوث مصادر المياه، وخلق حالة طوارئ صحية، وفاقم التحديات التي يواجهها النازحون.

تهديد الأمن الغذائي

وتعدّ الأراضي الزراعية في محافظة الحديدة الأعلى تضرراً بـ77 ألفاً و362 هكتاراً، ثم محافظة حجة بـ20 ألفاً و717 هكتاراً، وهو ما يعادل نحو 12 و9 في المائة على التوالي من إجمالي الأراضي الزراعية، بينما تأثر نحو 279 ألف رأس من الأغنام والماعز، وفقاً لتقييم «منظمة الأغذية والزراعة (فاو)».

شتاء قاسٍ ينتظر النازحين اليمنيين مع نقص الموارد والمعونات وتأثيرات المناخ القاسية (غيتي)

وكانت الحديدة وحجة والجوف الأعلى تضرراً، وهي من المحافظات الأكبر إنتاجاً للماشية، خصوصاً في الجوف، التي يعتمد نحو 20 في المائة من عائلاتها على الماشية بوصفها مصدر دخل أساسياً.

وتوقع «الاتحاد» أن العائلات الأعلى تضرراً من الفيضانات في كل من المناطق الرعوية والزراعية الرعوية غير قادرة على تلبية احتياجاتها الغذائية الدنيا في غياب المساعدة، مما يؤدي إلى ازدياد مخاطر انعدام الأمن الغذائي خلال الأشهر المقبلة.

وتشمل الاحتياجات الحرجة والعاجلة في المناطق المتضررة من الفيضانات؛ المأوى الطارئ، والغذاء، والمواد غير الغذائية، والمياه، والصرف الصحي، والملابس، والحماية، والمساعدات النقدية متعددة الأغراض، والإمدادات الطبية لضمان استمرارية وظائف مرافق الرعاية الصحية.

ودعت «مفوضية الأمم المتحدة السامية لشؤون اللاجئين» إلى التحرك العالمي، والعمل على تخفيف آثار تغير المناخ بالتزامن مع انعقاد «مؤتمر المناخ»، مقدرة أعداد المتضررين من الفيضانات في اليمن خلال العام الحالي بنحو 700 ألف.

وسبق للحكومة اليمنية الإعلان عن أن الفيضانات والسيول، التي شهدتها البلاد هذا العام، أثرت على 30 في المائة من الأراضي الزراعية.