موازنة العراق تدخل عنق زجاجة المساومات السياسية

حصة إقليم كردستان ما زالت عالقة

موازنة العراق تدخل عنق زجاجة المساومات السياسية
TT

موازنة العراق تدخل عنق زجاجة المساومات السياسية

موازنة العراق تدخل عنق زجاجة المساومات السياسية

قبل أكثر من شهر، أعلنت اللجنة المالية في البرلمان العراقي أنها أنهت كل المشاكل والعقد والخلافات بشأن مشروع قانون الموازنة المالية لعام 2021، وكانت اللجنة المالية عقدت نحو 300 اجتماع شملت لقاءات مع الوزارات والمؤسسات والمنظمات ومختلف القطاعات من أجل حسم الاستحقاقات المالية بموجب القانون الذي أرسلته الحكومة إلى البرلمان أواخر العام الماضي. كما عقدت عشرات الاجتماعات مع وفد حكومة إقليم كردستان الذي كان يحضر خصيصاً لمثل هذه الجلسات من أربيل، من أجل حسم حصة الإقليم.
في الوقت الذي تم فيه حسم كل المعوقات التي كانت تحول دون عرضها على التصويت داخل قبة البرلمان، فإن حصة إقليم كردستان ما زالت عالقة حتى الآن بسبب تعثر التوصل إلى اتفاق مع الإقليم بخصوص مبيعات النفط وكيفية تسديد أقيامه إلى الحكومة الاتحادية، بالإضافة إلى عدم الاتفاق على آلية مناسبة لتوزيع واردات المنافذ الحدودية التي تطالب بغداد بأن تكون مركزية طبقاً للدستور العراقي. وفي الوقت الذي كان مقرراً التصويت على مشروع قانون الموازنة، أول من أمس، حيث عقدت جلسة استثنائية برغم أن يوم الجمعة عطلة رسمية في العراق، فإن بروز خلافات أخرى، منها مسألة سعر صرف الدولار، أدخل الموازنة في عنق زجاجة جديد أدى إلى تأجيل عقد الجلسة البرلمانية إلى يوم أمس (السبت). وبينما توصلت الكتل السياسية التي لها تمثيل في البرلمان إلى اتفاق مع الوفد الكردي بخصوص المادة 11 من قانون الموازنة الخاصة بحصة إقليم كردستان، فإن تفاصيل الاتفاق بدت غير واضحة لدى كتل أخرى هددت بعدم التصويت على الموازنة في حال عرضها للتصويت لا سيما فيما يتعلق بالكمية التي يتعين على الإقليم تسليمها من عائدات النفط. الوفد الكردي، من جهته، ما زال يواصل مباحثاته مع مختلف الأطراف من أجل تخطي هذه العقبة، قبل أن تظهر عقبة جديدة أدخلت هذه المرة كل مشروع الموازنة في عنق زجاجة جديد وهو مطالبة أكثر من 109 نواب بإعادة سعر صرف الدولار مقابل الدينار العراقي إلى ما كان عليه قبل رفع سعره من قبل الحكومة. ورغم أن عملية رفع سعر صرف الدولار جزء من اختصاصات الحكومة وطبقاً لخطة الإصلاح الحكومي التي سميت «الورقة البيضاء»، فإنه في اللحظات الأخيرة تبنى عشرات النواب عبر جمع تواقيع إصدار تشريع يلزم الحكومة بإعادة سعر صرف الدولار من 145 ديناراً للدولار الواحد إلى ما كان عليه سابقاً وهو 122 ديناراً للدولار الواحد. وفي هذا السياق، قال النائب المستقل محمد شياع السوداني في بيان: «نجدد مطالبتنا بإعادة النظر بسعر صرف الدولار لأن التأثير السلبي لارتفاعه بات يقض مضاجع الفقراء وذوي الدخل المحدود». وأضاف السوداني أن «الحكومة عجزت عن اتخاذ أي إجراء للتخفيف عن كاهل هذه الفئات مقابل خطوتها التي أصبحت غير مبررة في ظل ارتفاع أسعار النفط عالمياً». وأضاف أن «قرار خفض الدينار تسبب بتوقف الأعمال الصغيرة والمتوسطة جراء ارتفاع الأسعار».
من جهتها، أعلنت كتلة «سائرون» المدعومة من زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر أن سبب عدم انعقاد الجلسة البرلمانية في وقتها المحدد من أجل التصويت على الموازنة يعود إلى تدخل الكتل السياسية في إعادة صياغة بعض مواد قانون الموازنة، إلى جانب أسباب أخرى. وقال النائب عن كتلة «سائرون» رياض المسعودي إنه «بالإضافة إلى تدخل بعض الكتل السياسية بإعادة صياغة مواد قانون الموازنة، هناك أيضاً المشاكل والمطالب التي ما زالت تعرقل انعقاد جلسة التصويت». وبيّن أن «من بين تلك المعرقلات تخفيض سعر الدولار أمام الدينار العراقي ورفع سعر برميل النفط بالموازنة، ومشاريع تنمية الأقاليم وآلية وكمية نفط إقليم كردستان».



الاقتصاد اليمني في مواجهة انهيارات كارثية وشيكة

طفل يمني يعاني من سوء التغذية وتتوقع وكالة أممية تفاقم الوضع الإنساني خلال الأشهر المقبلة (الأمم المتحدة)
طفل يمني يعاني من سوء التغذية وتتوقع وكالة أممية تفاقم الوضع الإنساني خلال الأشهر المقبلة (الأمم المتحدة)
TT

الاقتصاد اليمني في مواجهة انهيارات كارثية وشيكة

طفل يمني يعاني من سوء التغذية وتتوقع وكالة أممية تفاقم الوضع الإنساني خلال الأشهر المقبلة (الأمم المتحدة)
طفل يمني يعاني من سوء التغذية وتتوقع وكالة أممية تفاقم الوضع الإنساني خلال الأشهر المقبلة (الأمم المتحدة)

يتضاعف خطر انعدام الأمن الغذائي في اليمن بعد تفاقم الأزمة الاقتصادية، وانهيار سعر العملة المحلية أمام العملات الأجنبية، بفعل الحرب الحوثية على الموارد الرئيسية للبلاد، وتوسيع دائرة الصراع إلى خارج الحدود، في حين تتزايد الدعوات إلى اللجوء للتنمية المستدامة، والبحث عن حلول من الداخل.

وبينما تتوالي التحذيرات من تعاظم احتياجات السكان إلى المساعدات الإنسانية خلال الأشهر المقبلة، تواجه الحكومة اليمنية تحديات صعبة في إدارة الأمن الغذائي، وتوفير الخدمات للسكان في مناطق سيطرتها، خصوصاً بعد تراجع المساعدات الإغاثية الدولية والأممية خلال الأشهر الماضية، ما زاد من التعقيدات التي تعاني منها بفعل توقف عدد من الموارد التي كانت تعتمد عليها في سد الكثير من الفجوات الغذائية والخدمية.

ورجحت شبكة الإنذار المبكر بالمجاعة حدوث ارتفاع في عدد المحتاجين إلى المساعدات الإنسانية في اليمن في ظل استمرار التدهور الاقتصادي في البلاد، حيث لا تزال العائلات تعاني من التأثيرات طويلة الأجل للصراع المطول، بما في ذلك الظروف الاقتصادية الكلية السيئة للغاية، بينما تستمر بيئة الأعمال في التآكل بسبب نقص العملة في مناطق سيطرة الجماعة الحوثية، وانخفاض قيمة العملة والتضخم في المناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة.

وبحسب توقعات الأمن الغذائي خلال الستة أشهر المقبلة، فإنه وبفعل الظروف الاقتصادية السيئة، وانخفاض فرص كسب الدخل المحدودة، ستواجه ملايين العائلات، فجوات مستمرة في استهلاك الغذاء وحالة انعدام الأمن الغذائي الحاد واسعة النطاق على مستوى الأزمة (المرحلة الثالثة من التصنيف المرحلي) أو حالة الطوارئ (المرحلة الرابعة) في مناطق نفوذ الحكومة الشرعية.

انهيار العملة المحلية أسهم مع تراجع المساعدات الإغاثية في تراجع الأمن الغذائي باليمن (البنك الدولي)

يشدد الأكاديمي محمد قحطان، أستاذ الاقتصاد في جامعة تعز، على ضرورة وجود إرادة سياسية حازمة لمواجهة أسباب الانهيار الاقتصادي وتهاوي العملة المحلية أمام العملات الأجنبية، منوهاً إلى أن عائدات صادرات النفط والغاز كانت تغطي 70 في المائة من الإنفاق العام في الموازنة العامة، وهو ما يؤكد أهميتها في تشغيل مؤسسات الدولة.

ويضيف قحطان في حديث خص به «الشرق الأوسط» أن وقف هذه الصادرات يضع الحكومة في حالة عجز عن الوفاء بالتزاماتها، بالتضافر مع أسباب أخرى منها الفساد والتسيب الوظيفي في أهم المؤسسات الحكومية، وعدم وصول إيرادات مؤسسات الدولة إلى البنك المركزي، والمضاربة بالعملات الأجنبية وتسريبها إلى الخارج، واستيراد مشتقات الوقود بدلاً من تكرير النفط داخلياً.

أدوات الإصلاح

طبقاً لخبراء اقتصاديين، تنذر الإخفاقات في إدارة الموارد السيادية ورفد خزينة الدولة بها، والفشل في إدارة أسعار صرف العملات الأجنبية، بآثار كارثية على سعر العملة المحلية، والتوجه إلى تمويل النفقات الحكومية من مصادر تضخمية مثل الإصدار النقدي.

توقف تصدير النفط يتسبب في عجز الحكومة اليمنية عن تلبية احتياجات السكان (البنك الدولي)

ويلفت الأكاديمي قحطان إلى أن استيراد مشتقات الوقود من الخارج لتغطية حاجة السوق اليمنية من دون مادة الأسفلت يكلف الدولة أكثر من 3.5 مليار دولار في السنة، بينما في حالة تكرير النفط المنتج محلياً سيتم توفير هذا المبلغ لدعم ميزان المدفوعات، وتوفير احتياجات البلاد من الأسفلت لتعبيد الطرقات عوض استيرادها، وأيضاً تحصيل إيرادات مقابل بيع الوقود داخلياً.

وسيتبع ذلك إمكانية إدارة البنك المركزي لتلك المبالغ لدعم العرض النقدي من العملات الأجنبية، ومواجهة الطلب بأريحية تامة دون ضغوط للطلب عليها، ولن يكون بحاجة إلى بيع دولارات لتغطية الرواتب، كما يحدث حالياً، وسيتمكن من سحب فائض السيولة النقدية، ما سيعيد للاقتصاد توازنه، وتتعافى العملة الوطنية مقابل العملات الأجنبية، وهو ما سيسهم في استعادة جزء من القدرة الشرائية المفقودة للسكان.

ودعا الحكومة إلى خفض نفقاتها الداخلية والخارجية ومواجهة الفساد في الأوعية الإيرادية لإحداث تحول سريع من حالة الركود التضخمي إلى حالة الانتعاش الاقتصادي، ومواجهة البيئة الطاردة للاستثمارات ورجال الأعمال اليمنيين، مع الأهمية القصوى لعودة كل منتسبي الدولة للاستقرار داخل البلاد، وأداء مهاهم من مواقعهم.

الحكومة اليمنية تطالب المجتمع الدولي بالضغط على الحوثيين لوقف حصار تصدير النفط (سبأ)

ويؤكد مصدر حكومي يمني لـ«الشرق الأوسط» أن الحكومة باتت تدرك الأخطاء التي تراكمت خلال السنوات الماضية، مثل تسرب الكثير من أموال المساعدات الدولية والودائع السعودية في البنك المركزي إلى قنوات لإنتاج حلول مؤقتة، بدلاً من استثمارها في مشاريع للتنمية المستدامة، إلا أن معالجة تلك الأخطاء لم تعد سهلة حالياً.

الحل بالتنمية المستدامة

وفقاً للمصدر الذي فضل التحفظ على بياناته، لعدم امتلاكه صلاحية الحديث لوسائل الإعلام، فإن النقاشات الحكومية الحالية تبحث في كيفية الحصول على مساعدات خارجية جديدة لتحقيق تنمية مستدامة، بالشراكة وتحت إشراف الجهات الممولة، لضمان نجاح تلك المشروعات.

إلا أنه اعترف بصعوبة حدوث ذلك، وهو ما يدفع الحكومة إلى المطالبة بإلحاح للضغط من أجل تمكينها من الموارد الرئيسية، ومنها تصدير النفط.

واعترف المصدر أيضاً بصعوبة موافقة المجتمع الدولي على الضغط على الجماعة الحوثية لوقف حصارها المفروض على تصدير النفط، نظراً لتعنتها وشروطها صعبة التنفيذ من جهة، وإمكانية تصعيدها العسكري لفرض تلك الشروط في وقت يتوقع فيه حدوث تقدم في مشاورات السلام، من جهة ثانية.

تحذيرات من مآلات قاتمة لتداعيات الصراع الذي افتعلته الجماعة الحوثية في المياه المحيطة باليمن على الاقتصاد (أ.ف.ب)

وقدمت الحكومة اليمنية، أواخر الشهر الماضي، رؤية شاملة إلى البنك الدولي لإعادة هيكلة المشروعات القائمة لتتوافق مع الاحتياجات الراهنة، مطالبةً في الوقت ذاته بزيادة المخصصات المالية المخصصة للبلاد في الدورة الجديدة.

وكان البنك الدولي توقع في تقرير له هذا الشهر، انكماش إجمالي الناتج المحلي بنسبة واحد في المائة هذا العام، بعد انخفاضه بنسبة 2 في المائة العام الماضي، بما يؤدي إلى المزيد من التدهور في نصيب الفرد من إجمالي الناتج الحقيقي.

ويعاني أكثر من 60 في المائة من السكان من ضعف قدرتهم على الحصول على الغذاء الكافي، وفقاً للبنك الدولي، بسبب استمرار الحصار الذي فرضته الجماعة الحوثية على صادرات النفط، ما أدى إلى انخفاض الإيرادات المالية للحكومة بنسبة 42 في المائة خلال النصف الأول من العام الحالي، وترتب على ذلك عجزها عن تقديم الخدمات الأساسية للسكان.

وأبدى البنك قلقه من مآلات قاتمة لتداعيات الصراع الذي افتعلته الجماعة الحوثية في المياه المحيطة باليمن على الاقتصاد، وتفاقم الأزمات الاجتماعية والإنسانية.