صراع روسي ـ إيراني على «بقايا» النفط السوري

حلفاء أميركا يسيطرون على 90 % من احتياطي الثروات الاستراتيجية

مدرعة أميركية قرب منشأة نفط شمال شرقي سوريا في 13 فبراير الماضي (أ.ف.ب)
مدرعة أميركية قرب منشأة نفط شمال شرقي سوريا في 13 فبراير الماضي (أ.ف.ب)
TT

صراع روسي ـ إيراني على «بقايا» النفط السوري

مدرعة أميركية قرب منشأة نفط شمال شرقي سوريا في 13 فبراير الماضي (أ.ف.ب)
مدرعة أميركية قرب منشأة نفط شمال شرقي سوريا في 13 فبراير الماضي (أ.ف.ب)

تفاقم «الصراع الخفي» بين روسيا وإيران على الثروة النفطية في شمال شرقي سوريا، غير الخاضعة لسيطرة «قوات سوريا الديمقراطية» (قسد) المدعومة من التحالف الدولي بقيادة أميركا.
كان إنتاج سوريا من النفط يبلغ نحو 360 ألف برميل يومياً قبل 2011 وانخفض حالياً إلى حدود 80 ألف برميل. وقال وزير النفط السوري بسام طعمة، الخميس، إن الخسائر الإجمالية لقطاع النفط المباشرة وغير المباشرة تجاوزت 92 مليار دولار، لافتاً إلى أن أكثر 90 في المائة من الاحتياطي النفطي يقع تحت سيطرة الأميركيين وحلفائهم، في شرق الفرات، إلى جانب أهم مصانع الغاز ومعظم الثروات الزراعية والمائية والسدود في مساحة تبلغ حوالي 25 في المائة من سوريا، البالغة 185 ألف كلم مربع.
- حلفاء القامشلي
عادة، يجري الاحتفاظ بقسم من الإنتاج البدائي للنفط من الحقول شرق الفرات، التي لم تتعرض للتدمير لدى مراحل السيطرة العسكرية المختلفة بعد 2011، للاستهلاك المحلي بعد تكريره بمصاف محلية، أو أن يُنقل عبر وسطاء و«أمراء حرب» إلى مناطق سيطرة الحكومة للتكرير في مصفاة حمص أو بانياس لإعادة جزء منه إلى مناطق حلفاء واشنطن، أو استعماله في مناطق الحكومة. وتحصل أحياناً عمليات مقايضة مشتقات نفطية بالحبوب المنتجة شرق الفرات. ويتم تهريب قسم من النفط إلى كردستان العراق ثم إلى تركيا، لتوفير عائدات مالية لدعم «الإدارة الذاتية» شرق الفرات. وهناك اعتقاد أن هذه العمليات توفر بحدود 400 مليون دولار سنوياً، تصرف في الشؤون الإدارية لـ«الإدارة الذاتية» والعسكرية، بينها دعم حوالي مائة ألف مقاتل وعنصر شرطة تابعين لـ«قوات سوريا الديمقراطية».
واُدرجت على قائمة العقوبات الغربية، شخصيات وسيطة بين دمشق والقامشلي بينها «مجموعة قاطرجي»، إضافة إلى كامل قطاع النفط السوري. وجرت محادثات بين «الإدارة الذاتية» وشركات أميركية لاستثمار النفط. وفي أبريل (نيسان) الماضي، حصلت «دلتا كريسنت إينرجي» الأميركية على ترخيص من مكتب مراقبة الأصول الأجنبية التابع لوزارة الخزانة الأميركية للعمل في شمال شرقي سوريا لتجاوز العقوبات.
وتأسست شركة «دلتا كريسنت إينرجي»، في ولاية ديلاوير الأميركية في فبراير (شباط) 2019. وبين الشركاء فيها جيمس كاين السفير الأميركي السابق في الدنمارك، وجيمس ريس الضابط السابق في قوة «دلتا» الخاصة بالجيش، وجون دورير المدير التنفيذي السابق في شركة «غلف ساندز بتروليوم» التي لا تزال تملك إحدى الآبار شرق الفرات وتنتج 20 ألف برميل يومياً، لكن لا علاقة لها بهذا العقد.
وفي يوليو (تموز)، أعلن السيناتور الجمهوري ليندسي غراهام، أن قائد «قوات سوريا الديمقراطية» مظلوم عبدي، أبلغه بتوقيع اتفاق مع الشركة الأميركية، فيما قال وزير الخارجية السابق مايك بومبيو، وقتذاك، إن الاتفاق يرمي إلى «تحديث النفط». لكن العقد قوبل بانتقادات واسعة من دمشق وموسكو وطهران وأنقرة. وقال وزير النفط السوري إن هذه «قرصنة وسرقة لثروات السوريين». من جهتها، قالت واشنطن إن «النفط السوري مِلك للشعب السوري، ونحن لا نزال ملتزمين بوحدة وسلامة أراضي سوريا»، وإن «حكومة الولايات المتحدة لا تملك أو تسيطر أو تدير الموارد النفطية. يتخذ السكان في المناطق المحررة من (داعش) قراراتهم الخاصة بشأن الحكم المحلي». كان الرئيس السابق دونالد ترمب قال إن قواته قررت البقاء شرق سوريا لـ«حماية النفط» ومنع سقوطه بأيدي «داعش». ونأت شركة «غلف ساندز بتروليوم» البريطانية بنفسها عن اتفاق «دلتا كريسنت إينرجي» و«الإدارة الذاتية»، وهي تجري اتصالات لحماية مصالحها في بئر تنتج 20 ألف برميل يومياً.
- حلفاء دمشق
سعت دمشق للتعويض عن خسائرها لـ«سوريا المفيدة» بالحصول على مشتقات النفط من إيران، غير أنه في السنوات الأخيرة قوبلت الشحنات باعتراضات أميركية وإسرائيلية لدى نقلها عبر البحار، كان آخر حادث جرى الأربعاء الماضي لدى منع سفينة تحمل مشتقات من الوصول إلى الموانئ السورية.
وفي ضوء الأزمة الاقتصادية السورية والعقوبات الغربية وتوقف العمليات العسكرية، اتجه في الفترة الأخيرة، التركيز أكثر إلى استثمار ما تبقى من آبار النفط والغاز، حيث تسابقت طهران وموسكو للسيطرة على الثروات الطبيعية السورية التي تشمل الفوسفات أيضاً.
ووقعت دمشق وطهران في 2017 أربعة اتفاقات استراتيجية تتعلق بتشغيل شركة يدعمها «الحرس» الإيراني مشغلاً ثالثاً للهاتف النقال واستثمار الفوسفات لـ99 سنة، والاستحواذ على أراضٍ زراعية وصناعية وإقامة «ميناء نفطي» على المتوسط، إضافة إلى توقيع خط ائتمان لتمويل تصدير نفط خام ومشتقات نفطية إلى سوريا.
في المقابل، وفي سبتمبر (أيلول) الماضي، عقدت سلسلة اجتماعات سورية - روسية لتطوير العلاقات الاقتصادية، لتكون في موازاة التعاون العسكري ووجود قاعدتي اللاذقية وطرطوس. وكانت الحكومة السورية وقعت بعد التدخل الروسي في نهاية 2015، مع شركة «إيفرو بوليس» التابعة ليفغيني بريغوجين ممول «جيش فاغنر»، اتفاقاً لحماية منشآت النفط والغاز وتحريرها من «داعش» مقابل الحصول على 25 من أرباحها - عائداتها. وكان عناصر «فاغنر» حاولوا الهجوم على مصنع غاز «كونوكو» شرق الفرات، لكنهم قوبلوا بقصف من القوات الأميركية، الأمر الذي أسفر عن مقتل حوالي 200 عنصر.
وتشير تقديرات إلى أنه في 2018 وصل عدد عناصر «فاغنر» إلى نحو 2500 يعملون في سوريا، سواء في أرض المعارك أو معسكرات التدريب الميداني، في وقت تتراوح تقديرات عدد أفراد الميليشيات الإيرانية غير السورية بين 20 و25 ألف عنصر. وأفيد بوجود حوالي 70 شركة أمنية خاصة تابعة لموالين لطهران وموسكو مسجلة رسمياً، بهدف حماية شركات وقوافل وآبار النفط.
ومع جمود العمليات العسكرية منذ مارس (آذار) الماضي وثبات خطوط التماس بين مناطق النفوذ الثلاث (شرق الفرات، إدلب، باقي سوريا)، احتدم التنافس الروسي - الإيراني على السيطرة على حقوق سيادية في مناطق الحكومة. وكان لافتاً أن عناصر ميليشيات إيرانية بينها «حزب الله» العراقي و«فاطميون»، سيطروا على حقول نفط وغاز في ريفي دير الزور والرقة، لكن موالين لروسيا عملوا على إخراجهم منها، وتدخلت الشرطة العسكرية الروسية لصالح «فاغنر» و«الفيلق الخامس» التابعة لقاعدة حميميم الروسية في اللاذقية لطرد الإيرانيين والحلول محلهم. وشملت قائمة السيطرة الروسية، حقول «الثورة» النفطي و«الورد» و«التيم» للنفط و«توينان» للغاز في ريف دير الزور والرقة. وأوكلت دمشق استثمار حقول دير الزور لشركة «أرفادا» التي يملكها «الإخوة قاطرجي»، المدرجون بـ«القائمة السوداء» غربياً.
يضاف إلى ذلك، سعي موسكو للاستحواذ عقود لاستثمار النفط في البحر المتوسط، إذ صادقت دمشق على عقد مع شركة «كابيتال» الروسية للحصول على حق حصري للتنقيب عن البترول وتنميته في بلوك بحري في «المنطقة الاقتصادية الخالصة لسوريا في البحر المتوسط، مقابل ساحل طرطوس حتى الحدود البحرية الجنوبية اللبنانية» لمدة 29 سنة. وهذا هو الثاني، بعد توقيع عقد مع شركة «إيست ميد عمريت»، والممتد من شمال طرطوس إلى جنوب بانياس السورية.
ولا تزال طهران تسيطر على آبار في ريف البوكمال، منطقة نفوذها، منذ عام 2017 ومناجم الفوسفات في ريف تدمر، حيث عززت ميليشياتها نقاط الحماية لمناجم خنيفيس بموجب اتفاق مع دمشق في بداية 2017. وإن كانت موسكو حاولت مراراً السيطرة عليها. وتساهم «الشركات الأمنية» في حماية قوافل نقل المنتجات الاستراتيجية من فوسفات ونفط.
وإذ يقول مسؤولون أميركيون إن السيطرة على الثروات الطبيعية شرق الفرات هي إحدى «أدوات الضغط» على دمشق وموسكو وطهران، فإن الجانبين الروسي والإيراني مشغولان في التمكن من ثروات استراتيجية، لتعويض قيمة مساهمتهما في العمليات العسكرية والقبض على ورقة تفاوضية أساسية في مستقبل سوريا.



تحذيرات مصرية من عرقلة «مسار اتفاق غزة» وتجزئة الإعمار

فلسطينيون يسيرون وسط الملاجئ في مخيم النصيرات للنازحين الفلسطينيين بغزة (أ.ف.ب)
فلسطينيون يسيرون وسط الملاجئ في مخيم النصيرات للنازحين الفلسطينيين بغزة (أ.ف.ب)
TT

تحذيرات مصرية من عرقلة «مسار اتفاق غزة» وتجزئة الإعمار

فلسطينيون يسيرون وسط الملاجئ في مخيم النصيرات للنازحين الفلسطينيين بغزة (أ.ف.ب)
فلسطينيون يسيرون وسط الملاجئ في مخيم النصيرات للنازحين الفلسطينيين بغزة (أ.ف.ب)

تتواصل جهود الوسطاء للدفع بالمرحلة الثانية في اتفاق وقف إطلاق النار في قطاع غزة، وسط مخاوف وتحذيرات مصرية، من عرقلة ذلك المسار المرتقب أن يدخل حيز التنفيذ بعد أقل من أسبوع في يناير (كانون الثاني) المقبل.

ذلك الموقف المصري، الرافض لتجزئة الإعمار أو تقسيم قطاع غزة أو وضع شروط إسرائيلية بشأن قوات الاستقرار في القطاع، يحمل رسائل مهمة للضغط على إسرائيل قبل لقاء الرئيس الأميركي دونالد ترمب، ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في 29 ديسمبر (كانون الأول) الحالي، وفق تقديرات خبراء تحدثوا لـ«الشرق الأوسط»، وتوقعوا أن تضغط واشنطن لبدء المرحلة الثانية في ضوء تلك الرسائل المصرية.

وأعلن وزير الخارجية الألماني، يوهان فاديفول، في تصريحات، الجمعة، أن ألمانيا لن تشارك في المستقبل المنظور في قوة دولية للاستقرار في غزة ضمن خطة السلام الخاصة بالقطاع المتوقع أن تنتشر الشهر المقبل.

هذه الخطوة تعزز مخاوف مصرية، تحدث بها رئيس الهيئة العامة للاستعلامات المصرية، ضياء رشوان، متهماً نتنياهو بأنه «يحاول إعادة صياغة المرحلة الثانية وحصرها في مطلب نزع سلاح المقاومة، وهو ما لا ينص عليه الاتفاق، وتدركه الولايات المتحدة جيداً»، مشيراً إلى مساعٍ إسرائيلية لإقحام قوة حفظ الاستقرار في أدوار لا تتعلق بتكليفها، مثل نزع السلاح، وهو أمر لن توافق عليه الدول المشاركة.

وأكد رشوان، الخميس، وفق ما أوردت قناة «القاهرة الإخبارية» الفضائية، أن «محاولات نتنياهو قد تؤدي إلى تأجيل أو إبطاء التنفيذ، لكنها لن تنجح في إيقاف المرحلة الثانية»، مشيراً إلى أن «نتنياهو يسعى بكل السبل لتجنب الانتقال إلى المرحلة الثانية من اتفاق وقف إطلاق النار في غزة، ودفع واشنطن إلى مواجهة مع طهران، بما قد يعيد إشعال غزة ويُفشل المرحلة الثانية من الاتفاق».

والخميس، نقل موقع «واي نت» الإخباري الإسرائيلي عن مصدر عسكري قوله إن نتنياهو سيُطلع ترمب على معلومات استخباراتية عن خطر الصواريخ الباليستية الإيرانية خلال اجتماعهما المرتقب قبل نهاية العام الحالي، لافتاً إلى أن بلاده قد تضطر لمواجهة إيران إذا لم تتوصل أميركا لاتفاق يكبح جماح برنامج الصواريخ الباليستية - الإيرانية.

أمين عام «مركز الفارابى للدراسات السياسية»، الدكتور مختار غباشي، قال إن التصريحات المصرية واضحة وصريحة، وتحمل رسائل للكيان الإسرائيلي وواشنطن قبل الزيارة المرتقبة، مؤكداً أن الغضب المصري عندما يصل لهذه المرحلة من الرسائل المباشرة، تضع واشنطن في حساباتها الوصول لنقطة تقارب بين القاهرة وتل أبيب.

وأكد المحلل السياسي الفلسطيني، نزار نزال، أن التصريحات المصرية تحمل في طياتها رسائل ومخاوف حقيقية من ترسيخ إسرائيلي للوضع القائم من منظور أمني وليس سياسياً، على أمل أن تتحرك واشنطن بجدية لوضع نهاية له.

منازل مدمرة في مخيم النصيرات وسط قطاع غزة (أ.ف.ب)

ولا يتوقف الموقف المصري عند مجرد المخاوف، بل يحمل تحذيرات واضحة، وقال وزير الخارجية المصري، بدر عبد العاطي، الخميس، في مقابلة مع التلفزيون المصري، إن «هناك خطين أحمرين في غزة، الخط الأحمر الأول يتمثل في عدم الفصل بين الضفة الغربية وقطاع غزة، هذا مستحيل، المنطقتان تشكلان وحدة واحدة لا تتجزأ للدولة الفلسطينية القادمة، والخط الأحمر الثاني عدم تقسيم قطاع غزة».

وأضاف أن «الكلام اللغو الذي يقال عن وجود تقسيم القطاع إلى مناطق حمراء وخضراء أو أن الأماكن التي تقع تحت سيطرة إسرائيل مباشرة تأكل وتشرب وترى إعماراً، بينما الـ90 في المائة من الفلسطينيين الموجودين في الغرب تحت دعاوى أن (حماس) موجودة لا يأكلون ولا يشربون، هذا عبث ولن يتم ولن يتم التوافق عليه».

وفي ضوء ذلك، شدد مختار غباشي على أن مصر عندما تعلن خطوطاً حمراء، فهذا حد فاصل، وثمة مخالفات على أرض الواقع غير مقبولة، للقاهرة، مشيراً إلى أن القاهرة تتعمد هذه الرسائل في هذا التوقيت على أمل أن تعزز مسار الوسطاء نحو بدء المرحلة الثانية قريباً، خاصة أنه «إذا أرادت واشنطن فعلت ما تريد، خصوصاً إن كان الأمر يتعلق بضغط على الكيان لوقف مساراته المعرقلة للاتفاق».

وذكرت صحيفة «إسرائيل اليوم»، الخميس، أن لقاء نتنياهو وترمب المرتقب سيختتم ببيان عن التقدم المحرز نحو المرحلة الثانية من اتفاق وقف إطلاق النار بقطاع غزة.

وأكد رشوان أن جميع الشواهد تؤكد أن الإدارة الأميركية حسمت موقفها من بدء المرحلة الثانية مطلع يناير المقبل، لافتاً إلى أن استقبال ترمب لرئيس الوزراء الإسرائيلي في 29 ديسمبر الحالي يرجح أن يكون إشارة الانطلاق الفعلية للمرحلة الثانية دون لبس.

ويتوقع نزار نزال أن يحاول نتنياهو في مقابلة ترمب، تمرير سردية بقاء إسرائيل في الخط الأصفر وتقسيم غزة وبدء الإعمار في الجزء الذي يقع تحت سيطرتها، موضحاً: «لكن الرسائل المصرية التحذيرية خطوة استباقية لتفادي أي عراقيل جديدة أو تناغم أميركي إسرائيلي يعطل مسار الاتفاق».


ضربة سعودية تحذيرية في حضرموت... والانتقالي «منفتح على التنسيق»

قوات في عدن خلال مسيرة مؤيدة للمجلس الانتقالي الجنوبي المطالب بالانفصال عن شمال اليمن (إ.ب.أ)
قوات في عدن خلال مسيرة مؤيدة للمجلس الانتقالي الجنوبي المطالب بالانفصال عن شمال اليمن (إ.ب.أ)
TT

ضربة سعودية تحذيرية في حضرموت... والانتقالي «منفتح على التنسيق»

قوات في عدن خلال مسيرة مؤيدة للمجلس الانتقالي الجنوبي المطالب بالانفصال عن شمال اليمن (إ.ب.أ)
قوات في عدن خلال مسيرة مؤيدة للمجلس الانتقالي الجنوبي المطالب بالانفصال عن شمال اليمن (إ.ب.أ)

فيما أعاد البيان الصادر عن وزارة الخارجية السعودية رسم المسار المطلوب للتهدئة، شرق اليمن، إذ شدد على وقف التحركات العسكرية الأحادية، مع المطالبة بعودة قوات المجلس الانتقالي الجنوبي إلى مواقعها السابقة خارج حضرموت والمهرة، أكدت الرياض موقفها ميدانياً عبر توجيه ضربة جوية تحذيرية، وفق ما أكدته مصادر مطلعة لـ«الشرق الأوسط».

وأوضحت المصادر أن الضربة جاءت لإيصال رسالة مفادها عدم السماح بفرض وقائع جديدة بالقوة أو تجاوز الأطر المؤسسية التي تحكم الملف الأمني في المحافظات الشرقية، محذرةً من أن أي تصعيد إضافي سيقابل بإجراءات أشد صرامة.

الخارجية السعودية كانت وصفت تحركات «الانتقالي» بأنها أحادية وأضرت بمسار التهدئة، داعيةً إلى خروج عاجل ومنظم للقوات وتسليم المعسكرات تحت إشراف التحالف وبالتنسيق مع مجلس القيادة الرئاسي والسلطات المحلية.

من جهته، أصدر المجلس الانتقالي الجنوبي بياناً، الجمعة، حاول فيه تبرير تحركاته العسكرية، معتبراً أنها جاءت استجابةً لـ«دعوات شعبية جنوبية» لمواجهة التهديدات الإرهابية وقطع خطوط تهريب الحوثيين.

وأكد «الانتقالي»، في بيانه، أنه منفتح على أي تنسيق أو ترتيبات مع السعودية، معتبراً الضربة الجوية «قصفاً مستغرباً» لا يخدم مسارات التفاهم.

وقال مراقبون لـ«الشرق الأوسط» إن التنسيق والترتيبات سيكون مرحباً بهما من قبل السعودية إذا كانت تصب في إنهاء التصعيد وخروج قوات «الانتقالي الجنوبي» واستلام قوات «درع الوطن» الجنوبية والسلطة المحلية المعسكرات والأمن في محافظتي حضرموت والمهرة. والجلوس للتشاور والحوار من دون الحاجة لاستخدام القوة.

ويتوقع مراقبون أن تؤدي الضربة التحذيرية إلى توصيل رسالة واضحة بأن الرياض قد تضطر للانتقال من سياسة الاحتواء الهادئ إلى فرض خطوط حمر لمنع أي تصعيد بالقوة.

وتشير مصادر «الشرق الأوسط» إلى أن أي تسوية مستقبلية ستقوم على عودة الأوضاع إلى ما قبل التصعيد، مدخلاً أساسياً للحفاظ على وحدة الصف اليمني، ومنع انزلاق المحافظات الشرقية إلى مسار يهدد جهود السلام.

كان البيان السعودي أكد على دعم الرياض الكامل لوحدة اليمن وأمنه واستقراره، مشدداً على أن معالجة القضية الجنوبية العادلة لا تتم عبر القوة، بل من خلال حوار سياسي شامل، ضمن المرجعيات المتفق عليها، وفي مقدمتها اتفاق الرياض وإعلان نقل السلطة.

وكشف البيان عن تنسيق سعودي - إماراتي لإرسال فريق عسكري مشترك إلى عدن، لوضع آلية لإعادة انتشار القوات ومنع تكرار التصعيد، في خطوة عدها مراقبون انتقالاً من التحذير السياسي إلى الضبط التنفيذي الميداني.


بعد 9 أشهر... الحوثيون يعترفون بمقتل قادة طيرانهم المسيّر

مركبات عسكرية تحمل نعوشاً وصوراً لكبار قادة الحوثيين العسكريين الذين قُتلوا في غارة جوية أميركية (إ.ب.أ)
مركبات عسكرية تحمل نعوشاً وصوراً لكبار قادة الحوثيين العسكريين الذين قُتلوا في غارة جوية أميركية (إ.ب.أ)
TT

بعد 9 أشهر... الحوثيون يعترفون بمقتل قادة طيرانهم المسيّر

مركبات عسكرية تحمل نعوشاً وصوراً لكبار قادة الحوثيين العسكريين الذين قُتلوا في غارة جوية أميركية (إ.ب.أ)
مركبات عسكرية تحمل نعوشاً وصوراً لكبار قادة الحوثيين العسكريين الذين قُتلوا في غارة جوية أميركية (إ.ب.أ)

بعد 9 أشهر من الإنكار والتكتم، أقرّت الجماعة الحوثية بخسارة إحدى أهم وحداتها القتالية، مع تشييع قائد سلاح الطيران المسيّر اللواء زكريا حجر وعدد من أبرز معاونيه، الذين يرجح أنهم قُتلوا في غارة أميركية استهدفتهم داخل أحد المنازل بحي الجراف شرق صنعاء خلال شهر رمضان الماضي.

الاعتراف الحوثي المتأخر أعاد فتح ملف الخسائر العسكرية الثقيلة التي مُني بها جناح الجماعة العسكري، وكشف جانباً من حجم الضربات التي طالت بنيته القيادية والتقنية خلال الأشهر الماضية.

وجاء هذا الإقرار من قبل الجماعة المتحالفة مع إيران بعد أشهر من إقرار مماثل بمقتل رئيس هيئة أركانها محمد الغماري، عبر مراسم تشييع نُظمت في صنعاء.

وشملت مراسم تشييع حجر، التي أقيمت الخميس، كلاً من مدير العمليات في وحدة الطيران المسيّر اللواء محمد الحيفي، واللواء عبد الله حجر، والعميد أحمد حجر، والعميد حسين الهاشمي. ويُعد هؤلاء من أبرز القادة في وحدة الطيران المسيّر التي أُنشئت بإشراف وتدريب مباشر من الحرس الثوري الإيراني والجناح العسكري لـ«حزب الله» اللبناني، وشكّلت خلال السنوات الماضية أحد أهم أذرع الحوثيين في تنفيذ الهجمات العابرة للحدود.

الحوثيون تعمّدوا التكتم على خبر مقتل حجر 9 أشهر (إعلام محلي)

وعلى الرغم من أن هذه الخسارة تُعد ثاني أكبر خسارة تعترف بها الجماعة بعد مقتل الغماري، فإن اللافت في مراسم التشييع كان الغياب شبه الكامل للقيادات العسكرية البارزة. إذ غاب وزير دفاع الجماعة محمد العاطفي، الذي تُرجّح مصادر إصابته في غارة إسرائيلية استهدفت اجتماعاً للحكومة غير المعترف بها في نهاية أغسطس (آب) الماضي، ومنذ ذلك الحين اختفى عن الأنظار.

كما غاب رئيس هيئة الأركان الجديد يوسف المدني، إلى جانب معظم القادة العسكريين، واقتصر الحضور على مفتي الجماعة شمس الدين شرف الدين، والقائم بأعمال رئيس الحكومة غير المعترف بها محمد مفتاح، في مؤشر فسّره مراقبون بحجم الإرباك الذي تعانيه القيادة العسكرية للجماعة.

ضربات موجعة

يرى مراقبون عسكريون أن الهجمات الأميركية التي استهدفت مخابئ القادة الحوثيين ومخازن أسلحتهم ومراكز القيادة والسيطرة، قبل التوصل إلى هدنة بين الطرفين، كادت أن تُخرج القوة الصاروخية وسلاح الطيران المسيّر عن الخدمة. فقد خسر الحوثيون خلال تلك الضربات أبرز كوادرهم المتخصصة، من قائد الوحدة ومسؤول العمليات والدراسات، إلى المسؤولين التقنيين والمشرفين على ورش تركيب وتجهيز الطائرات المسيّرة، إضافة إلى مختصين بعمليات الإطلاق والتوجيه.

غياب القادة العسكريين لجماعة الحوثي عن مراسم التشييع (إعلام محلي)

وفي هذا السياق، وصفت منصة «ديفانس أونلاين» المتخصصة في الشؤون العسكرية والأمنية زكريا حجر (39 عاماً) بأنه خبير محوري في منظومة الصواريخ وبرنامج الطيران المسيّر لدى الحوثيين، وأحد الفنيين الذين عملوا إلى جانب خبراء ومستشارين من «الحرس الثوري» و«فيلق القدس»، إضافة إلى جنسيات عربية، على تطوير القدرات القتالية للجماعة.

وأشارت المنصة إلى أن حجر يرتبط بعلاقة مصاهرة مع عائلة عبد الملك الحوثي، وأن عدداً من إخوته وأفراد أسرته يشغلون مواقع مهمة داخل هياكل الجماعة.

وحسب المعلومات، جرى تعيين حجر عقب اجتياح صنعاء ضمن هياكل وزارة الدفاع التابعة للجماعة، ومنح رتبة عسكرية رفيعة، قبل أن يتولى الإشراف على برنامج الطيران المسيّر ضمن منظومة «القوة النوعية» المرتبطة بالمجلس الجهادي للحوثيين. وتؤكد مصادر متطابقة أن هذه الوحدة لعبت دوراً رئيسياً في الهجمات التي استهدفت العمق اليمني ودول الجوار وخطوط الملاحة الدولية.

اعترافات متأخرة

تشير منصة «ديفانس أونلاين» إلى أن حجر يُعد من العناصر المطلوبين للقضاء اليمني، وقد ورد اسمه ضمن قائمة قيادات خضعت للمحاكمة أمام القضاء العسكري في مأرب منذ مطلع 2022، بتهم تتعلق بالتمرد والقتل والإرهاب.

كما أدرجه التحالف الداعم للشرعية ضمن قوائم الإرهاب في أغسطس (آب) من العام نفسه، إلى جانب أربعة آخرين، لارتباطهم المباشر بعمليات إطلاق الصواريخ الباليستية والطائرات المسيّرة، وتهريب الأسلحة الإيرانية، والمشاركة في الهجمات على الشحن الدولي في البحر الأحمر والبحر العربي وخليج عدن.

ويؤكد الصحافي المتخصص في شؤون الحوثيين، عدنان الجبرني، أن وحدة الطيران المسيّر تلقت «ضربات قاتلة» جراء الغارات الأميركية التي نُفذت خلال الأشهر الأولى من ولاية الرئيس الأميركي دونالد ترمب. وأوضح أن حجر قُتل في غارة استهدفت منزلاً بحي الجراف، ومعه اثنان من أبرز مساعديه، أثناء تناول وجبة الإفطار في شهر رمضان، إلا أن الجماعة فرضت تعتيماً مشدداً على هوية المستهدفين.

ناشطون حوثيون كشفوا عن مقتل ثمانية من أشقاء حجر خلال تجنيدهم مع الجماعة (إكس)

وفي نعي آخر، أقرت قيادات حوثية بأن حجر قُتل قبل مصرع محمد الغماري، الذي يُرجّح أنه لقي حتفه في غارة استهدفت منزلاً بحي حدة جنوب صنعاء، كان الحوثيون قد استولوا عليه وحولوه إلى مركز للعمليات العسكرية، رغم ترويج شائعات آنذاك عن نجاته ومغادرته المكان قبل دقائق من الضربة.

وتجمع مصادر حكومية ومراقبون على أن هذه الخسائر القيادية والتقنية كانت عاملاً رئيسياً وراء عرض الحوثيين هدنة مع الجانب الأميركي، التزموا بموجبها بوقف استهداف السفن في جنوب البحر الأحمر وخليج عدن، مقابل وقف الضربات الأميركية التي استهدفت قيادات مهمة في جناحهم العسكري، ودمرت مخازن سرية للأسلحة ومراكز للقيادة والسيطرة في صنعاء وصعدة والحديدة.

ويذهب هؤلاء إلى أن الاعتراف المتأخر بمقتل قادة الطيران المسيّر يعكس حجم الضرر الذي أصاب أحد أهم أذرع الجماعة، ويؤشر إلى مرحلة جديدة من إعادة ترتيب الصفوف تحت ضغط الخسائر.