برج القاهرة.. قمة الرمزية السياسية

أسراره تواصلت منذ تأسيسه حتى دعوة بوتين على العشاء

برج القاهرة.. قمة الرمزية السياسية
TT

برج القاهرة.. قمة الرمزية السياسية

برج القاهرة.. قمة الرمزية السياسية

تؤثر الدلالات الرمزية على التواريخ الفارقة في حياة الشعوب، أحيانا من دون قصد، وكثيرا عن عمد. وربما كان من ضمن تلك الدلالات تناول الرئيس الروسي فلاديمير بوتين العشاء ليلة أول من أمس في مطعم برج القاهرة، الذي يقع في قلب منطقة الجزيرة على ضفاف النيل، ضمن زيارته الأولى إلى مصر بعد تولي الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي الحكم.
برج القاهرة، الذي يحمل في طياته تاريخا حافلا من الروايات، تناولته الأجيال حتى يومنا هذا، حتى تلقفته زيارة رئاسية بالغة الدلالة لتفتح صفحات التاريخ مرة أخرى. ولذلك كان لا بد من سرد القصة من بدايتها.
البرج الذي تم بناؤه بين عامي 1956 و1961، صممه المعماري المصري نعوم شبيب من الخرسانة المسلحة على شكل زهرة اللوتس الفرعونية الأصل، التي رمزت للحضارة الفرعونية، ويبلغ ارتفاعه 187 مترا، وهو أعلى من الهرم الأكبر بالجيزة بنحو 43 مترا. ويتكون البرج من 16 طابقا، ويقف على قاعدة من أحجار الجرانيت الأسواني، وهي ذات نوعية الأحجار التي سبق أن استخدمها المصريون القدماء في بناء معابدهم ومقابرهم.
ويعد نعوم أحد أهم رواد العمارة المعاصرة في مصر، التي تنتهج من البساطة والبعد عن الزخارف منهجا. وكان يتمتع بمهارة وجرأة واضحة حين قام بالاستخدام الجريء للخرسانة المسلحة في صنع أسطح خارجية أنيقة وخفيفة، في وقت لم تكن تتوافر فيه تكنولوجيا البناء المتطورة كالوقت الحالي. ولذلك فكل خطوط البرج جاءت رفيعة ورزينة وحادة برؤية تحمل الكثير من الحداثة للمدينة في المباني السكنية وغيرها.
وبعيدا عن الجانب المعماري والسياحي للبرج، فهو يُعد قطعة فنية في قلب القاهرة، لكن تفاصيل الأحداث التي دارت أثناء بنائه وكذلك فكرته من الأصل تناولتها الروايات وتنوعت فيها. فحسب المؤرخ العسكري جمال حماد في بعض كتاباته، أن البرج بني في عهد الرئيس الراحل جمال عبد الناصر وتكلف بناؤه 6 ملايين جنيه مصري آنذاك، كانت الولايات المتحدة قد أعطتها لمصر بهدف التأثير على موقفها المؤيد للقضية الجزائرية ضد الاحتلال الفرنسي. لكن الملايين الستة لم تخدع عيون الرئيس عبد الناصر لتغيير موقفه تجاه القضايا العربية، ورفض حتى أن يخصصها للإنفاق على البنية الأساسية في مصر رغم احتياج البلاد وقتها لهذا المبلغ.
ولكن أراد عبد الناصر أن يبني بناء يظل علما بارزا مع الزمن يؤرخ لكرامة المصريين، حتى وإن كانوا في أشد الاحتياج.. رغم أن المبلغ حمله حسن التهامي الذي كان يشغل وقتها منصب مستشار رئيس الجمهورية، وجاء بالمبلغ في حقيبة سلمها للرئيس بعد عودته من زيارة للولايات المتحدة التي لم تكن علاقة مصر بها قد ساءت؛ تحت اسم مساعدة رؤساء الدول الصديقة.. ولكن رفضها عبد الناصر أيا كان اسمها، وها هو الآن يزوره السائحون العرب والأجانب والمصريون ليتذكروا تاريخه، بحسب رواية حماد.
ويتفق مع حماد، اللواء دكتور عادل شاهين، وكيل جهاز المخابرات العامة الأسبق، الذي تناول نفس الرواية في كتابه «برج القاهرة أول مهمة قومية للمخابرات العامة المصرية». وقال شاهين في مقدمته إن عملية بناء البرج تجسيد حي لحب مصر، ودرس لكل من تسول له نفسه أن يفكر يوما في شراء ذمم أبنائها أو يكسر إرادتها أو يحاول استئناسها لتحيد عن دورها القومي في محيط أمتها العربية ودورها الأفريقي والإقليمي والدولي. وأن برج القاهرة، الذي كان وسيظل درسا ماثلا للرد على الغطرسة الأميركية، سواء على المستوى السياسي أو على المستوى المخابراتي.
ولكن الكاتب الصحافي صلاح عيسي، قال لـ«الشرق الأوسط» رواية أخرى، مفادها أن «وكالة المخابرات الأميركية أرسلت إلى اللواء محمد نجيب مبلغ 3 ملايين دولار بشكل شخصي، أو شيء من هذا القبيل. وحين علم عبد الناصر هذا الأمر غضب بشدة، وأمر بتخصيص المبلغ لتنفيذ برج اتصالات لاسلكية يربط بين مصر والسفارات المصرية في دول العالم، ولم يكن حينها يملك الموارد المالية الكافية لإنشائه. ومع توافر المبلغ الكبير هذا، اتجه عبد الناصر إلى توسيع ميزانية البناء ليصبح برجا ضخما فخيما وسياحيا، وكان من المقدر حينها تخصيص عدة أدوار بالبرج ليصبح معهد تدريب للمخابرات العامة المصرية».
ويضيف عيسي: «ولم تتعامل القيادة المصرية في ستينات القرن الماضي مع برج القاهرة كونه مزارا سياحيا فقط، بل تحول إلى مركز رئيسي لبث الإذاعات السرية والعلنية، التي انطلقت من القاهرة لتغطي قارتي أفريقيا وآسيا، داعمة لحركات التحرر الوطني. وكانت هذه الإذاعات الثورية فيما مضى أحد مبررات العدوان الثلاثي على مصر في عام 1956».
وبحسب تقرير لهيئة الإذاعة البريطانية حينها، فإن مصر احتلت في عام 1960 المرتبة السادسة في العالم من حيث عدد ساعات الإرسال متعدد اللغات، وبلغت حينذاك 301 ساعة. ويوضح عيسي أن «إنشاء البرج بهذا الشكل أصبح بين ليلة وضحاها ضربة واضحة في جبهة الأميركيين، حتى إن مايلز كوبلاند، وهو أحد مساعدي الرئيس الأميركي حينها، المسؤول عن المخابرات الأميركية في الشرق الأوسط آنذاك، ذكر في كتابه «لعبة الأمم» الذي صدر في عام 1968 أن عبد الناصر بموقفه هذا أصبح رمزا للخيبة الأميركية في المنطقة؛ حين فشلت في السيطرة عليه بالأموال».
وعن زيارة الرئيس الروسي بوتين للبرج مساء أمس قال عيسى: «في بداية إنشاء البرج، كانت تدرج زيارته على جداول الزيارات للرؤساء وكبار الزوار لمصر، ثم لم يعد يحدث هذا إلا نادرا.. ويمكن أن نأخذ معنى الزيارة هنا بأن البرج لديه بانوراما عظيمة الشأن عن جمال القاهرة ومعالمها السياحية، تستطيع أن تشاهدها من كل الجهات. وربما المعنى التاريخي أيضا بتجديد العلاقات الروسية المصرية التي ازدهرت بشدة في ستينات القرن الماضي».
وفي السياق ذاته، يقال إنه في أحد مؤتمرات الفدائيين الفلسطينيين بالقاهرة، وقف عبد الناصر في شرفة فندق هيلتون (الذي يطل على نيل القاهرة) وتطلع إلى برج القاهرة، وقال هازئا ومشيرا إلى البرج: «لا تتكلموا.. واحذروا، إننا موضع مراقبة من وكالة المخابرات المركزية الأميركية».
ومنذ بناء البرج لم يتم إغلاقه إلا مرتين، الأولى في عام 2006 لمدة عامين، تم خلالهما إجراء صيانة من قبل شركة المقاولون العرب المصرية وتجديدات تكلفت 15 مليون جنيه شملت معالجة وترميم خرسانة البرج، وإضافة عدد 3 أدوار هياكل معدنية أسفل البرج، ودور آخر أعلى المدخل الرئيسي مباشرة، وإنشاء سلم للطوارئ ومصعد للزائرين، وتطوير مدخل البرج وكذا تشطيب واجهاته وإضافة إضاءة خارجية جديدة.
ثم في فبراير (شباط) من العام الماضي، أغلق البرج لظرف آخر يرجع إلى أن الشركة التي كان لها حق الانتفاع بالبرج انتهى عقدها، ولم ترغب الجهة المالكة في التجديد لها لأن حالة البرج ساءت بشكل كبير ولم يتم القيام بالصيانة الدورية له. ولم يكن هناك مفر من البحث عن مستثمر جديد. وبعد مرور ما يقرب من 3 أشهر على قرار إغلاق برج القاهرة، أعيد افتتاحه مرة أخرى، بعد توقيع عقد جديد مع إحدى الشركات المساهمة المصرية، التي أعلنت نيتها عدم تسريح أي من العمال وبدء توافد عدد من السائحين على البرج في اليوم الأول لإعادة افتتاحه.



قضية ابنة شيرين عبد الوهاب تجدد الحديث عن «الابتزاز الإلكتروني»

شيرين وابنتها هنا (إكس)
شيرين وابنتها هنا (إكس)
TT

قضية ابنة شيرين عبد الوهاب تجدد الحديث عن «الابتزاز الإلكتروني»

شيرين وابنتها هنا (إكس)
شيرين وابنتها هنا (إكس)

جدد الحكم القضائي الصادر في مصر ضد شاب بتهمة ابتزاز وتهديد الطفلة «هنا»، ابنة الفنانة المصرية شيرين عبد الوهاب، الحديث عن «الابتزاز الإلكتروني» عبر مواقع التواصل الاجتماعي، وسبب انتشاره بكثافة، ومدى المخاطر التي يحملها، لا سيما ضد المراهقات.

وقضت محكمة جنايات المنصورة بالحبس المشدد 3 سنوات على المتهم، وهو طالب بكلية الهندسة، بعد ثبوت إدانته في ممارسة الابتزاز ضد ابنة شيرين، إثر نجاحه في الحصول على صور ومقاطع فيديو وتهديده لها بنشرها عبر موقع «تيك توك»، إذا لم تدفع له مبالغ مالية كبيرة.

وتصدرت الأزمة اهتمام مواقع «السوشيال ميديا»، وتصدر اسم شيرين «الترند» على «إكس» و«غوغل» في مصر، الجمعة، وأبرزت المواقع عدة عوامل جعلت القضية مصدر اهتمام ومؤشر خطر، أبرزها حداثة سن الضحية «هنا»، فهي لم تتجاوز 12 عاماً، فضلاً عن تفكيرها في الانتحار، وهو ما يظهر فداحة الأثر النفسي المدمر على ضحايا الابتزاز حين يجدون أنفسهم معرضين للفضيحة، ولا يمتلكون الخبرة الكافية في التعامل مع الموقف.

وعدّ الناقد الفني، طارق الشناوي، رد فعل الفنانة شيرين عبد الوهاب حين أصرت على مقاضاة المتهم باستهداف ابنتها بمثابة «موقف رائع تستحق التحية عليه؛ لأنه اتسم بالقوة وعدم الخوف مما يسمى نظرة المجتمع أو كلام الناس، وهو ما يعتمد عليه الجناة في مثل تلك الجرائم».

مشيراً لـ«الشرق الأوسط» إلى أن «أبناء المشاهير يدفعون أحياناً ثمن شهرة ومواقف ذويهم، مثلما حدث مع الفنانة منى زكي حين تلقت ابنتها حملة شتائم ضمن الهجوم على دورها في فيلم (أصحاب ولاّ أعز) الذي تسبب في موجة من الجدل».

وتعود بداية قضية ابنة شيرين عبد الوهاب إلى مايو (أيار) 2023، عقب استدعاء المسؤولين في مدرسة «هنا»، لولي أمرها وهو والدها الموزع الموسيقي محمد مصطفى، طليق شيرين، حيث أبلغته الاختصاصية الاجتماعية أن «ابنته تمر بظروف نفسية سيئة للغاية حتى أنها تفكر في الانتحار بسبب تعرضها للابتزاز على يد أحد الأشخاص».

ولم تتردد شيرين عبد الوهاب في إبلاغ السلطات المختصة، وتبين أن المتهم (19 عاماً) مقيم بمدينة المنصورة، وطالب بكلية الهندسة، ويستخدم حساباً مجهولاً على تطبيق «تيك توك».

شيرين وابنتيها هنا ومريم (إكس)

وأكد الدكتور سعيد صادق، أستاذ علم الاجتماع، أن «الوعي لدى الفتيات والنساء هو كلمة السر في التصدي لتلك الجرائم التي كثُرت مؤخراً؛ نتيجة الثقة الزائدة في أشخاص لا نعرفهم بالقدر الكافي، ونمنحهم صوراً ومقاطع فيديو خاصة أثناء فترات الارتباط العاطفي على سبيل المثال»، وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «كثيراً من الأشخاص لديهم وجه آخر صادم يتسم بالمرض النفسي أو الجشع والرغبة في الإيذاء ولا يتقبل تعرضه للرفض فينقلب إلى النقيض ويمارس الابتزاز بكل صفاقة مستخدماً ما سبق وحصل عليه».

فيما يعرّف أستاذ كشف الجريمة بالمركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية بمصر، الدكتور فتحي قناوي، الابتزاز الإلكتروني بوصفه «استخدام التكنولوجيا الحديثة لتهديد وترهيب ضحية ما، بنشر صور لها أو مواد مصورة تخصها أو تسريب معلومات سرية تنتهك خصوصيتها، مقابل دفع مبالغ مالية أو استغلال الضحية للقيام بأعمال غير مشروعة لصالح المبتزين».

ويضيف في تصريح لـ«الشرق الأوسط» أن «مرتكب الابتزاز الإلكتروني يعتمد على حسن نية الضحية وتساهلها في منح بياناتها الخاصة ومعلوماتها الشخصية للآخرين، كما أنه قد يعتمد على قلة وعيها، وعدم درايتها بالحد الأدنى من إجراءات الأمان والسلامة الإلكترونية مثل عدم إفشاء كلمة السر أو عدم جعل الهاتف الجوال متصلاً بالإنترنت 24 ساعة في كل الأماكن، وغيرها من إجراءات السلامة».

مشدداً على «أهمية دور الأسرة والمؤسسات الاجتماعية والتعليمية والإعلامية المختلفة في التنبيه إلى مخاطر الابتزاز، ومواجهة هذه الظاهرة بقوة لتفادي آثارها السلبية على المجتمع، سواء في أوساط المشاهير أو غيرهم».