محمد المُنفّي... أمام «ثلاثة تعهدات» لحل معضلات ليبيا

رئيس المجلس الرئاسي الجديد يعمل وفق قاعدة «انتهى زمن الإقصاء»

محمد المُنفّي... أمام «ثلاثة تعهدات» لحل معضلات ليبيا
TT

محمد المُنفّي... أمام «ثلاثة تعهدات» لحل معضلات ليبيا

محمد المُنفّي... أمام «ثلاثة تعهدات» لحل معضلات ليبيا

منذ أن هبط رئيس المجلس الرئاسي الليبي الجديد محمد المُنفّي، درج طائرة الخطوط الأفريقية خلال زيارته إلى شرق ليبيا، وقدّم له رئيس أركان «الجيش الوطني الليبي» الفريق عبد الرازق الناظوري، التحية العسكرية، أيقن الليبيون أنهم أمام مرحلة فارقة من عمر هذا الوطن. وفي هذه المرحلة قد يودعون أجواء الحرب والكراهية ويستقبلون عهداً جديداً؛ آملين بتحقيق شيء من الديمقراطية، في ظل ما قطعه «الرئيس الجديد» على نفسه من تعهدات.
المُنفّي (45 سنة) كان قد فاز برئاسة المجلس الرئاسي في الانتخابات التي أجراها «ملتقى الحوار السياسي» الليبي برعاية أممية، يوم 5 فبراير (شباط) الماضي، مدينة جنيف السويسرية، ليضطلع بـ«مهام جسام» مع حكومة «الوحدة الوطنية» بقيادة عبد الحميد الدُبيبة، في مقدمتها «لمّ شمل» البلد المنقسم سياسيا، والمنهار اقتصادياً.
في مدينة طبرق، الموصوفة بـ«دار السلام» (أقصى الشرق الليبي)، ولد محمد يونس أحمد بشير بوحويش المُنفّي عام 1976، منحدراً من قبيلة المنفّه، التي انتمى إليها المناضل الراحل عمر المختار. ونشأ في بيت اتسم بالاهتمامات العلمية ونظم الشعر الشعبي؛ فوالده هو الدكتور الراحل يونس المُنفّي، أستاذ الإعلام بجامعة قاريونس الليبية، وعم والده هو المرحوم رجب بوحويش، صاحب القصيدة الملحمية الشهيرة «ما بي مرض غير دار العقيلة». وأما العقيلة هذه فهي قرية صغيرة غرب مدينة بنغازي حوّلها الاستعمار الإيطالي لليبيا، (1911ــ 1943(إلى معتقل كبير لمعارضيه قتل فيه آنذاك المئات من بينهم غالبية أجداد المنفّي، الذي نعاهم عم والده بقصيدته المشار إليها.
وفي مدينة طبرق الساحلية الهادئة، التي تبعد شرقاً عن العاصمة طرابلس قرابة (1300 كيلومتر) تدرّج المُنفّي في مراحل التعليم المختلفة حتى حاز درجة الدكتوراه في الهندسة المدنية من جامعة طبرق، بجانب سنوات أمضاها في فرنسا لاستكمال دراسته ضمن إحدى البعثات الليبية وفي فرنسا حصل على شهادة عليا في الهندسة.
- أيام فرنسا
تشكلت بدايات محمد المُنفّي، ككثيرين من الشباب الليبي على وقع التأثيرات الحماسية لـ«ثورة الفاتح من سبتمبر» التي قادها الرئيس الراحل معمر القذافي، عام 1969، وما واكبها من أحاديث عن العروبة والقومية العربية. وإبان وجوده في فرنسا كان من القيادات النشطة في رابطة الطلاب الليبيين الدارسين بباريس، وأكثر المدافعين حماسة عن «ثورة الفاتح»، والحالمين بمستقبل أفضل لليبيا.
ولم يمض وقت طويل حتى عاد المُنفّي من فرنسا، وانشغل ببعض الأعمال المتعلقة بدراسته وتخصصه. ثم اندلعت «ثورة 17 فبراير» عام 2011، لكنها كانت هذه المرة على نظام القذافي الذي رأى كثيرون من الشباب أنه «لم يعد يمثل طموحاتهم في التغيير». ومجدداً وجد المُنفّي نفسه داخل المعترك السياسي، عقب تولي «المجلس الوطني الانتقالي» السابق مقاليد الحكم مؤقتاً بقيادة الراحل الدكتور محمود جبريل. وبالفعل، رشح نفسه في انتخابات «المؤتمر الوطني العام» يوم 7 يوليو (تموز) 2012 ليفوز بعضويته، ثم يُرشّح رئيساً للجنة الإسكان والمرافق بالمؤتمر؛ ومن ثَم انضوى ضم كتلة «الرأي المستقل» وهي كتلة كانت قليلة العدد نسبياً.
- «موقعة اليونان»
يُعد التعريف الحقيقي بمحمد المُنفّي لجموع الليبيين، إن لم يكن عربياً ودولياً أيضاً، خلال فترة عمله سفيراً لبلاده لدى اليونان بقرار صادر عن المجلس الرئاسي في 31 يوليو عام 2018. ومع إقدام فائز السراج، رئيس «حكومة الوفاق الوطني» في حينه يوم 28 نوفمبر (تشرين الثاني) 2019 على توقيع مذكرة تفاهم مثيرة للجدل بشأن ترسيم الحدود البحرية مع تركيا، لحماية ما رأته أنقرة «حقوقها في البحر المتوسط» اضطرت الحكومة اليونانية إلى إلغاء اعتماد المُنفّي لديها تعبيراً عن غضبها. وأعلن وزير الخارجية اليوناني نيكوس دندياس على الأثر أن أمام المُنفّي مهلة 72 ساعة لمغادرة البلاد، قبل أن يصف اتفاق السراج مع الرئيس التركي رجب طيب إردوغان بأنه «انتهاك سافر للقانون الدولي».
من هنا أصبح المُنفّي مادة إعلامية وخبراً رئيسياً على الفضائيات المحلية والإقليمية، خصوصاً المناوئة لـ«حكومة الوفاق الوطني» حينئذٍ. إلا أن الرجل، الذي لم ترغب أثينا في إبقائه على أرضها سفيراً، خاض تجربة أكبر جعلت منه «رئيساً مؤقتاً» لليبيا، وفق الخريطة الأممية لتفعيل الحل السياسي في ليبيا، وفازت قائمته في الانتخابات التي أجريت وقائعها في جنيف بـ39 صوتاً متغلّبة على قائمة كانت تضم رئيس مجلس النواب عُقيلة صالح ووزير الداخلية في «حكومة الوفاق» فتحي باشاغا بفارق 5 أصوات.
وعلى متن طائرة الخطوط الأفريقية، المملوكة للدولة الليبية، وصل المُنفّي من الخارج إلى مطار بنينا ببنغازي، في أول زيارة له للبلاد منذ اختياره رئيساً للمجلس الرئاسي. ووفقاً لمتغيرات السياسة، وقف الفريق الناظوري رئيس أركان «الجيش الوطني» الليبي على مَدْرج الطائرة محاطاً بمجموعة من العسكريين في شرف استقبال الرئيس الشاب، وفور هبوطه سلّم الطائرة حياه الناظوري بالتحية العسكرية، في اعتراف بموقعه الرسمي الجديد. وفي ذلك رمزية اقتراب ليبيا من عتبة العبور إلى «دولة جديدة» استهلت بشائرها بإجراءات «اتسمت بشيء من الديمقراطية»، وأنتجت سلطة مدنية، حتى وإن كانت مؤقتة.
- انتقادات للمُنفّي
في الحقيقة لم يعبأ رئيس المجلس الرئاسي الجديد كثيراً بالانتقادات اللاذعة التي طالته من سياسة ونشطاء في غرب ليبيا؛ كون زيارته الأولى، بعد عودته كانت إلى مدينة الرّجمة معقل «الجيش الوطني الليبي» وقائده المشير خليفة حفتر؛ وذلك لأن السفير السابق يعمل وفق خطة أن ليبيا، التي تضم نحو سبعة ملايين نسمة، «لا بد أن تصبح جسداً واحداً» بعيداً عن الانقسامات السياسية والتحزبات الجهوية التي عانت منها قرابة 10 سنوات.
مع هذا، تساءل منتقدوه: «كيف يبدأ المُنفّي مباشرة مهامه بزيارة حفتر، الذي خاض حرباً على العاصمة وألحق بها أضراراً»؟ ورأوا أن هذه «بداية غير مبشّرة من رئيس مجلسهم الرئاسي الجديد»! وكان بين أشد المنتقدين لتلك الزيارة خالد المشري، رئيس المجلس الأعلى الدولة.
من جهة ثانية، فإن المُنفّي، الذي ما أن انتهى من زيارة الرّجمة، انتقل إلى طبرق مسقط رأسه، وهناك في استقباله شخصيات عسكرية وسياسية، في مقدمتهم رئيس أركان سلاح الجو الفريق الركن صقر الجروشي، وأعيان المدينة والمشايخ والوجهاء. ومن هناك بدأ المُنفّي تعهداته الكثير بالعمل على ملفات عدة مع حكومته لحل تعقيدات الأزمة الليبية، لكنه فعلياً ركز على ثلاث عقد، هي: توحيد المؤسسة العسكرية على أُسس مهنية وعقيدة وطنية خالصة، وإجراء مصالحة وطنية للمّ شمل ليبيا، وتجهيز ليبيا للانتخابات المقبلة يوم 24 ديسمبر (كانون الأول) المقبل، قبل أن يسلم السلطة للسلطة المنتخبة بعد ذلك وفقاً للخريطة الأممية.
ثم أنه فور عودة المُنفّي إلى العاصمة طرابلس العاصمة بادر إلى القيام بزيارة، برفقة نائبيه موسى الكوني وعبد الله اللافي، إلى مدينة سبها عاصمة إقليم فزّان، قلب الجنوب الليبي، الذي يشكو سكانه من «الإقصاء والتمييز». وفي سبها وجد حفاوة بالغة لكونه أول مسؤول كبير يزور هذا الجزء القصي من البلاد، غير أن الزيارة لم تقنع جلّ أهل الجنوب؛ إذ اعتبرها الشيخ علي أبو سبيحة، رئيس المجلس الأعلى لقبائل فزّان ومدنها، أنها تأتي في إطار «مجاملة وقطع ملام»!
- شبهات «الأخونة»
في سياق آخر، من قبيل المُناكفة السياسية، استبق كثيرون مجيء المُنفّي إلى السلطة، فتحدثوا عن أن هيمنة لتنظيم «الإخوان» على «ملتقى الحوار السياسي» أتت به والدبيبة إلى سدة الحكم. وادعى هؤلاء أنه قبل تكليفه العمل سفيراً في أثينا، كان عضواً في «المؤتمر الوطني العام» الذي يغلب عليه النفوذ الإخواني، عبر حزب «العدالة والبناء» الذراع السياسية للتنظيم. غير أن هذا الزعم فنّده جمال شلوف، رئيس ‏مؤسسة «سلفيوم» للدراسات والأبحاث، قائلاً «باعتباري من طبرق، وبحكم معرفتي الشخصية بالمُنفّي، فإنه لا ينتمي إلى جماعة الإخوان المسلمين، لا فكراً ولا توجهاً، وإنما لا يؤمن بإقصائهم».
ونفى شلوف أن يكون رئيس المجلس الرئاسي الجديد قد انتمى في وقت ما إلى «كتلة الوفاء للشهداء» في «المؤتمر الوطني»، بل كان في كتلة «الرأي المستقل». وبرهن على بعده عن تنظيم «الإخوان» بأنه «عمل على فتح منظومة علاج جرحى القوات المسلحة أثناء فترة عمله سفيراً في اليونان... وما أعرفه أنه يتواصل مع القوات المسلحة كما يتواصل مع بقية الأطراف، وهو على علاقة طيبة معهم».
- احترم «ثورة فبراير»
واستطراداً، الملاحظ أن «الرئيس الشاب، الذي أقسم على احترام (ثورة فبراير)، يتَبِع دبلوماسية منفحته داخلياً وخارجياً من دون إقصاء لفصيل، أو تفضيل لمدينة على أخرى». بل دأبه العمل وفق قاعدة «لا إقصاء أو تمييز بعد اليوم، والكل مشارك في بناء ليبيا الجديدة». حقاً، بدا أنه يخط خطوطاً عريضة للدبلوماسية الليبية في الآتي من الأيام بعيداً عن حالة «العشوائية والمحاباة» التي سمحت بـ«تعيين المحاسيب والمقربين» في مناصب دبلوماسية. وبموازاة ذلك، لفت المُنفّي أيضاً في مناسبات عدة إلى ضرورة احترم السيادة الليبية كأساس للتعاملات المستقبلية معها.
وخطب المُنفّي ذات مرة في كلمة متلفزة، «كل الدول الشقيقة والصديقة، والمنظمات الدولية والإقليمية بلسان الشعب الليبي... نحن مُقبلون على مرحلة جديدة، نتطلع فيها لاستكمال عملية التحوّل الديمقراطي. وهذا يستوجب من المجتمع الدولي الإيفاء بالتزاماته تجاه شعبنا، وتنفيذ قرارات مجلس الأمن والتقيد بها، كوضع حد للتدخلات الخارجية السلبية، وحظر توريد الأسلحة، والحفاظ على الأموال والأصول الليبية المجمّدة، وتقديم الدعم الفني الذي تتطلبه المرحلة».
ولمزيد من التأكيد على انفتاح الرجل، فإنه أعرب عن تطلعه لبناء علاقات خارجية وثيقة قائمة على الشراكة والمصالح المتبادلة، واحترام السيادة وتجنب التدخل في الشؤون الداخلية للدول الأخرى.
وأمام قضاة المحكمة الدستورية العليا بطرابلس، وقف المُنفّي مؤدياً اليمن الدستورية، في خطوة نادرة لليبيا، وأقسم أنه «سيعمل على تحقيق أهداف (ثورة 17 فبراير)، واحترم مبادئ الإعلان الدستوري، ومراعاة مصالح الشعب رعاية كاملة، المحافظة على استقلال ليبيا ووحدة أراضيها».
- التكلّم بالفرنسية
ختاماً، الحاصل الآن، أنه بات لليبيا سلطة جديدة. وهي تسلمت الحكم في تقليد ذكّر الليبيين بما فعله رئيس الوزراء الراحل الدكتور عبد الرحيم الكيب، عندما تنازل طواعية عن السلطة لخلفه علي زيدان. وأمام عدسات المصوّرين والإعلاميين تسلّم محمد المُنفّي مهامه في مشهد وصفه بـ«التاريخي» في دلالة على سلاسة التداول السلمي للسلطة. وغادر فائز السراج منصبه، مستقلاً سيارته، بعدما سلّم السلطة للمُنفّي والدبيية، منهياً بذلك قرابة خمس سنوات من الحكم، منذ تشكلت حكومته في فبراير عام 2016 بموجب «اتفاق الصخيرات» (الموقع في المغرب) يوم 17 ديسمبر (كانون الأول) 2015 بدعم أممي.
وفيما يشبه الوعود الضمنية غير المتفق عليها، أجمع ليبيون على ضرورة منح المجلس الرئاسي وحكومته وقتاً كافياً لترتيب الأوراق، وإدارة «التركة الثقيلة» التي خلفتها «حكومة الوفاق الوطني». وسادت حالة من الارتياح والتفاؤل بين جميع الأوساط السياسية والاجتماعية، المُعربة عن ابتهاجها بمكالمات هاتفية جرت بين المُنفّي والرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، الذي عبّر فيها عن ترحيبه بالسلطة التنفيذية الجديدة. وترجم دبلوماسيون ليبيون ووسائل إعلام محلية هذه الفرحة، بالقول «إن المُنفّي لم يكن في حاجة إلى مترجم وهو يتلقى مكالمة ماكرون، فرئيسنا يتقن اللغة الفرنسية، ويتكلمها بطلاقة».



الحدود العراقية ــ السورية... وذكريات صيف 2014

شاحنات ومعدّات عسكرية عراقية تتحرك عند الحدود مع سوريا (آ ف ب)
شاحنات ومعدّات عسكرية عراقية تتحرك عند الحدود مع سوريا (آ ف ب)
TT

الحدود العراقية ــ السورية... وذكريات صيف 2014

شاحنات ومعدّات عسكرية عراقية تتحرك عند الحدود مع سوريا (آ ف ب)
شاحنات ومعدّات عسكرية عراقية تتحرك عند الحدود مع سوريا (آ ف ب)

شأن معظم دول المنطقة والإقليم، تسببت الأزمة السورية المتصاعدة في تراجع الاهتمام الرسمي والشعبي العراقي بالحرب التي تشنّها إسرائيل على غزة ولبنان، بعد أن كانت تحظى بأولوية قصوى، خصوصاً بعد التهديدات الإسرائيلية بتوجيه ضربات عسكرية ضد الفصائل المسلحة العراقية التي استهدفتها بأكثر من 200 هجمة صاروخية خلال الأشهر الماضية. وأظهر رئيس الوزراء محمد شيّاع السوداني، موقفاً داعماً للحكومة السورية في ظروفها الحالية منذ اليوم الأول للهجوم الذي شنَّته الفصائل السورية المسلحة وتمكّنت من السيطرة على محافظة حلب ومدن أخرى، إذ أجرى اتصالاً بالرئيس السوري بشار الأسد وكذلك الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان، وأكد دعمه لدمشق.

أعلن رئيس الحكومة العراقي محمد شيّاع السوداني، يوم الثلاثاء الماضي، موقفاً أكثر وضوحاً بالنسبة لدعم نظام دمشق، وذلك خلال اتصال - مماثل لاتصاليه مع القيادتين السورية والإيرانية - أجراه مع الرئيس التركي رجب طيب إردوغان.

ومما قاله السوداني إن «العراق لن يقف متفرجاً على التداعيات الخطيرة الحاصلة في سوريا، خصوصاً عمليات التطهير العرقي للمكوّنات والمذاهب هناك»، طبقاً لبيان حكومي.

كذلك شدّد الزعيم العراقي على أنه سبق لبلاده أن «تضرّرت من الإرهاب ونتائج سيطرة التنظيمات المتطرّفة على مناطق في سوريا، ولن يُسمَح بتكرار ذلك»، مؤكداً «أهمية احترام وحدة سوريا وسيادتها، وأن العراق سيبذل كل الجهود من أجل الحفاظ على أمنه وأمن سوريا».

محمد شياع السوداني (آ ف ب)

السوداني كان قد انهمك بسلسلة اتصالات خلال الأيام القليلة الماضية مع عدد من قادة الدول، بخصوص الوضع في سوريا؛ من «أجل دعم الاستقرار في المنطقة، وعدم حصول أي تداعيات فيها، خصوصاً مع ما تشهده من حرب إجرامية صهيونية مستمرة منذ أكثر من عام» بحسب بيان حكومي.

وأظهرت قوى «الإطار التنسيقي» الشيعية موقفاً مماثلاً وداعماً لحكومة السوداني في مواقفها حيال سوريا، لكنها أعربت خلال اجتماع، الثلاثاء الماضي أيضاً، عن قلقها جراء الأوضاع في سوريا بعد «احتلال الإرهابيين مناطق مهمة» طبقاً لبيان صدر عن الاجتماع. وعدّت «أمن سوريا امتداداً للأمن القومي العراقي للجوار الجغرافي بين البلدين، والامتدادات المختلفة لذلك الجوار».

الحدود المشتركة مؤمّنة

للعلم، مع الشرارة الأولى لاندلاع الأزمة السورية، اتخذت السلطات العراقية على المستوى الأمني إجراءات عديدة «لتأمين» حدودها الممتدة لأكثر من 600 كيلومتر مع سوريا. وصدرت بيانات كثيرة حول جاهزية القوات العراقية وقدرتها على التصدّي لأي محاولة توغّل داخل الأراضي العراقية من قبل الفصائل المسلحة من الجانب السوري، مثلما حدث صيف عام 2014، حين تمكَّنت تلك الجماعات من كسر الحدود المشتركة والسيطرة على مساحات واسعة من العراق.

اللواء يحيى رسول، الناطق باسم القائد العام للقوات المسلحة العراقية، أوضح (الثلاثاء) أبرز الإجراءات المُتَّخذة لتحصين الحدود مع سوريا. وقال في تصريحات صحافية إن «الحدود مؤمَنة ومُحكمة بشكل كبير من تحكيمات وتحصينات، وهناك وجود لقوات الحدود على خط الصفر الذي يربطنا مع الجارة سوريا مدعومة بالأسلحة الساندة والجهد الفني، المتمثل بالكاميرات الحرارية وأبراج المراقبة المحصّنة». وأضاف رسول: «لا خوف على الحدود العراقية، فهي مؤمّنة ومحكمة ومحصّنة، وأبطالنا منتشرون على طولها»، مشيراً إلى أنه «تم تعزيز الحدود بقطاعات من الألوية المدرعة وهي موجودة أيضاً عند الحدود».

أيضاً، وصل وفد أمني برئاسة الفريق أول قوات خاصة الركن عبد الأمير رشيد يارالله، رئيس أركان الجيش، يوم الأربعاء، إلى الشريط الحدودي العراقي - السوري. وذكر بيان عسكري أن «هدف الزيارة جاء لمتابعة انتشار القطعات الأمنية وانفتاح خطوط الصد».

غموض في الموقف

إلا أنه حتى مع المواقف الحكومية الداعمة لدمشق في أزمتها الراهنة، يبدو جلياً «الالتباس» بالنسبة لكثرة من المراقبين، وبالأخص لجهة شكل ذلك الدعم وطبيعته، وما إذا كانت السلطات الحكومية العراقية ستنخرط بقوة لمساعدة نظام الأسد عسكرياً، أم أنها ستبقى عند منطقة الدعم السياسي والدبلوماسي، تاركة أمر الانخراط والمساعدة الميدانية للفصائل المسلحة.

وهنا يلاحظ إياد العنبر، أستاذ العلوم السياسية في جامعة بغداد، وجود «التباس واضح حيال الموقف من الحدث السوري، وهذا الالتباس نختبره منذ سنوات، وليس هناك تمييز واضح بين العراق الرسمي وغير الرسمي». وتابع العنبر لـ«الشرق الأوسط» أن «مستويات تفعيل المساهمة العراقية في الحرب غير واضحة، وإذا ما قررت الحكومة البقاء على المستوى الدبلوماسي بالنسبة لقضة دعم سوريا، أم أن هناك مشاركة عسكرية».

غير أن إحسان الشمري، أستاذ الدراسات الاستراتيجية والدولية في جامعة بغداد، يعتقد بأن «العراق الرسمي عبَر عتبة التردّد، وبات منخرطاً في الأزمة السورية». وفي لقاء مع «الشرق الأوسط» بنى الشمري فرضيته على مجمل المواقف الرسمية التي صدرت عن رئيس الوزراء، والناطق الرسمي، وزعماء «الإطار التنسيقي»، وشرح قائلاً إن «هذه المواقف بمجملها كسرت مبدأ الحياد وعدم التدخل في شؤون الدول الأخرى الذي يتمسّك به العراق، إلى جانب كونها انخراطاً رسمياً عراقياً بالأزمة السورية».

نتنياهو غير مضمون

ولكن، بعيداً عن الانشغال الراهن بالأزمة السورية، ما زالت التهديدات الإسرائيلية بين أهم القضايا التي تشغل الرأي العام ببعدَيه السياسي والشعبي. وحتى مع الترحيب العراقي بقرار وقف إطلاق النار بين إسرائيل و«حزب الله»، ما زالت مخاوف البلاد من ضربة إسرائيلية محتملة قائمةً.

ولقد قال الناطق باسم الحكومة باسم العوادي، الأربعاء قبل الماضي، في تصريحات صحافية، إنه «مع عملية وقف إطلاق النار في لبنان، نحن أنهينا الجزء الأسهل، فالمعركة انتهت والحرب لم تنتهِ، فالأصعب أنك ستدخل بالمخططات غير المعلومة. ونحن (العراق) واقعون في المنطقة الحرام، لكن السياسة العقلانية المتوازنة استطاعت أن تجنبنا الضرر».

وأجاب، من ثم، عن طبيعة الرد العراقي إذا ما هاجمت إسرائيل أراضيه، بالقول: «إلى حد أيام قليلة كانت تأتي نتائج جيدة من المعادلات التي اشتغل عليها رئيس الوزراء، لكن رغم ذلك فلا أحد يضمن ما الذي يدور في بال حكومة نتنياهو، وما هو القادم مع الإدارة الأميركية الجديدة، وكيف سيتصرف نتنياهو».

وتابع العوادي، أن «الإسرائيليين عملوا على تفكيك الساحات، وتوجيه ضربات إلى اليمن وسوريا، لكن الطرف العراقي هو الوحيد الذي لم يستطيعوا الوصول إليه بفضل المعادلة... وقد يكونون وضعونا للحظات الأخيرة أو الأيام الأخيرة بنوع ما، وهذا وارد جداً، وتتعامل الحكومة العراقية مع ذلك».

شبح هجوم إسرائيلي

وحقاً، لا يزال شبح هجوم إسرائيلي واسع يخيم على بغداد، إذ تناقلت أوساط حزبية تحذيرات جدية من شنِّ ضربات جوية على العراق. وفي وقت سابق، قال مصدر مقرّب من قوى «الإطار التنسيقي» الشيعية، لـ«الشرق الأوسط»، إنَّ «مخاوف الأحزاب الشيعية من جدية التهديد دفعتها إلى مطالبة رئيس الحكومة للقيام بما يلزم لمنع الهجمات». وأكَّد المصدر أنَّ «فصائل عراقية مسلّحة لجأت أخيراً إلى التحرك في أجواء من التكتم والسرية، وقد جرى بشكل مؤكد إبدال معظم المواقع العسكرية التابعة لها».

وفي سياق متصل، تتحدَّث مصادر صحافية عمَّا وصفتها بـ«التقديرات الحكومية» التي تشير إلى إمكانية تعرّض البلاد لـ«300 هجوم إسرائيلي». وفي مطلع الأسبوع الماضي، شدَّدت وزارة الخارجية العراقية، في رسالة إلى مجلس الأمن، على أهمية «تدخل المجتمع الدولي لوقف هذه السلوكيات العدوانية لإسرائيل».

كما أنَّه حيال التهديدات الجدية والخشية الحقيقية من عمل عسكري إسرائيل ضد البلاد، اهتدت بعض الشخصيات والأجواء المقرّبة من الحكومة والفصائل إلى «رمي الكرة» في الملعب الأميركي، مستندين بذلك إلى اتفاقية «الإطار الاستراتيجي» المُوقَّعة منذ عام 2011، بين بغداد وواشنطن، وهو العام الذي خرجت فيه القوات الأميركية من العراق.

التهديدات الإسرائيلية من أهم القضايا التي تشغل الرأي العام العراقي

هادي العامري (رووداو)

العامري يلوم واشنطن

أيضاً، وجد هادي العامري، زعيم منظمة «بدر»، بنهاية أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، الفرصة ليحمّل واشنطن مسؤولية حماية الأجواء العراقية، بعدما شنَّت إسرائيل هجوماً عسكرياً ضد إيران، مستخدمةً الأجواء العراقية في هجماتها. ويومذاك، حمّل العامري الجانب الأميركي «المسؤولية الكاملة» على انتهاك إسرائيل سيادة الأجواء العراقية في طريقها لضرب إيران. وقال، إن «الجانب الأميركي أثبت مجدّداً إصراره على الهيمنة على الأجواء العراقية، وعمله بالضد من مصالح العراق وشعبه وسيادته، بل سعيه لخدمة الكيان الصهيوني وإمداده بكل ما يحتاج إليه لممارسة أساليبه العدوانية، وتهديده للسلام والاستقرار في المنطقة».

وأضاف العامري: «لهذا باتت الحاجة ماسة أكثر من أي وقت مضى لإنهاء الوجود العسكري الأميركي في العراق بأشكاله كافة». وللعلم، فإن منظمة «بدر» - التي يقودها العامري - وردت ضمن لائحة المنظمات التي اتهمتها إسرائيل بشنِّ هجمات ضدها خلال الشكوى التي قدمتها إلى مجلس الأمن في 18 نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي.

وبناءً على تصريحات العامري السالفة، وتصريحات أخرى لشخصيات مقرّبة من الفصائل المسلحة وقوى «الإطار التنسيقي» الشيعية، تبلورت خلال الأسبوع الأخير، قناعة داخل أوساط هذه القوى مفادها، بأن واشنطن «ملزمة وبشكل مباشر بحماية الأجواء العراقية» من أي هجوم محتمل من إسرائيل أو غيرها، أخذاً في الاعتبار الاتفاقية الاستراتيجية الموقعة و«سيطرتها على الأجواء العراقية».

وبالتوازي، سبق أن حمّل فادي الشمري، المستشار السياسي لرئيس الوزراء، الولايات المتحدة، أيضاً وفقاً لـ«اتفاقية الإطار الاستراتيجي والاتفاقية الأمنية»، مسؤولية «الردع، والرد على أي هجمات خارجية تمسّ الأمن الداخلي العراقي».

الرد الأميركي قاطع

في المقابل، تخلي واشنطن مسؤوليتها حيال هذا الأمر. ورداً على المزاعم العراقية المتعلقة بـ«الحماية الأميركية»، قالت ألينا رومانوسكي، السفيرة الأميركية في بغداد، صراحةً إن بلادها غير معنية بذلك. وأردفت رومانوسكي، خلال مقابلة تلفزيونية سابقة، أن التحالف الدولي دُعي إلى العراق لـ«محاربة (داعش) قبل 10 سنوات، وقد حققنا إنجازات على مستوى هزيمة هذا التنظيم، لكنه ما زال يمثل بعض التهديد، ودعوة الحكومة العراقية لنا تتعلق بهذا الجانب حصراً. أما اتفاقية الإطار الاستراتيجي فتلزمنا ببناء القدرات العسكرية العراقية، لكنها لا تتطرق لمسألة حماية الأجواء والدفاع بالنيابة». ونفت السفيرة أن تكون بلادها قد «فرضت سيطرتها على سماء العراق».

والاثنين قبل الماضي، قالت رومانوسكي، خلال لقاء «طاولة مستديرة» لعدد من وسائل الإعلام: «أود أن أكون واضحة جداً، ومنذ البداية، بأن الإسرائيليين وجّهوا تحذيرات ردع للميليشيات المدعومة إيرانياً والموجودة هنا في العراق، التي تعتدي على إسرائيل». وأضافت: «هذه الميليشيات هي التي بدأت الاعتداء على إسرائيل. ولأكون واضحة جداً في هذه النقطة، فإن الإسرائيليين حذّروا حكومة العراق بأن يوقف هذه الميليشيات عن اعتداءاتها المتكررة والمستمرة على إسرائيل... إن رسالتنا إلى حكومة العراق هي أن تسيطر على هذه الميليشيات المنفلتة، والتي لا تعتد بأوامر الحكومة وأوامر القائد العام للقوات المسلحة رئيس الوزراء. إن إسرائيل دولة لها سيادتها، وهي سترد على أي اعتداء من أي مكان ضدها».

جدعون ساعر (آ ف ب)

 

حقائق

قلق عراقي جدّي من التهديدات الإسرائيلية مع مطالبة واشنطن بالتدخّل

خلال الأسبوع قبل الماضي، بعث وزير الخارجية الإسرائيلي جدعون ساعر رسالةً إلى مجلس الأمن تكلّم فيها عمّا أسماه بـ«حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها»، وحمّل فيها الحكومة العراقية المسؤولية عن الهجمات التي تشنها الفصائل العراقية عليها، داعياً مجلس الأمن للتحرك والتأكد من أن الحكومة العراقية تفي بالتزاماتها. ساعر اتّهم بالتحديد «عصائب أهل الحق» و«كتائب حزب الله» و«ألوية بدر» وحركة «النُّجباء» و«أنصار الله الأوفياء» و«كتائب سيد الشهداء»، بمهاجمة إسرائيل، ومعظم هذه الفصائل مشاركة في الحكومة العراقية الحالية ولها نفوذ كبير داخلها. هنا، تجدر الإشارة إلى أنه سبق لرئاسة الوزراء العراقية توجيه وزارة الخارجية لمتابعة ملف التهديدات الإسرائيلية في المحافل الأممية والدولية وأمام هيئات منظمة الأمم المتحدة، واتخاذ كل الخطوات اللازمة، وفق مبادئ القانون الدولي، لحفظ حقوق العراق وردع تهديدات إسرائيل العدوانية. كذلك طالبت رئاسة الوزراء بـ«دعوة جامعة الدول العربية إلى اتخاذ موقف حازم وموحّد ضد تهديدات سلطات الكيان المحتل، يتضمن إجراءات عملية تستند إلى وحدة المصير والدفاع المشترك». وهذا بجانب «مطالبة مجلس الأمن الدولي بالنظر في الشكاوى المقدمة من جمهورية العراق ضد سلطات الكيان المحتل، واتخاذ إجراءات رادعة تكفل تحقيق الاستقرار والسِّلم الإقليمي والدولي»، وباتخاذ الولايات المتحدة مع العراق، من خلال الحوارات الأمنية والعسكرية ضمن إطار القسم الثالث من «اتفاقية الإطار الاستراتيجي»، خطوات فعالة «لردع سلطات الكيان المحتل» مع دعوة «التحالف الدولي والدول الأعضاء فيه إلى كبح هذه التهديدات والحدّ من اتساع رقعة الحرب».