منذ أن أصبح كتاب «ذا سيكريت» أي «السر» لروندا بايرن من أكثر الكتب مبيعاً على مستوى العالم، بات الناس مهووسين بقوة التفكير الإيجابي. اكتسب الكتاب شهرة لنشره «قانون الجذب» - المبدأ الذي يقول إن التفكير السلبي أو الإيجابي يمكن أن يجذب المزيد من هذه الأشياء إلى حياتنا.
بالمقابل، تشير مدرسة فكرية متنامية إلى أن فكرة الإيجابية هذه قد يكون لها جانب ضار. ربما سمعت أشخاصاً يستخدمون مصطلح «الإيجابية السامة»، أي أنه إذا نظرنا دائماً إلى الجانب المشرق، فقد نفشل في معالجة المشاعر المهمة مثل الحزن والخوف، والتي تساعدنا في النهاية على الشفاء، وفقاً لصحيفة «إندبندنت».
وإذا تُركت دون رادع، يحذر الخبراء من أن الإيجابية السامة قد تسبب مشكلات أعمق، وربما تلعب دوراً في أمور مثل الإرهاق واضطرابات مرتبطة بالقلق والثقة بالنفس.
* ما الإيجابية السامة؟
قال جون بول ديفيز، المعالج النفسي والمستشار ومؤلف كتاب للتنمية الشخصية: «الإيجابية السامة هي التوجه مباشرة إلى تلك المشاعر التي نريد بطبيعة الحال المزيد منها، مثل الفرح والسعادة، والرغبة في تجاوز المشاعر التي يصعب العيش معها».
ويشرح قائلاً: «السبب وراء اعتبارها سامة أحياناً هو أن المشاعر هي ردود فعل على الأشياء التي تحدث من حولنا، لذلك يجب منحها مساحة معينة».
وتضيف الدكتورة ليندا شو، اختصاصية التغيير وعالمة النفس المعتمدة وعالمة الأعصاب الإدراكي: «كمجتمع، نحب حقاً استخدام لغة مثل المشاعر الإيجابية والسلبية. لكن الحقيقة هي أنه لا يوجد شيء اسمه المشاعر الجيدة والسيئة. جميع الحالات العاطفية ذات قيمة لتجربتنا الإنسانية، والقلق والغضب والخوف طرق بدائية للحفاظ على سلامتنا وصحتنا».
ويمكن للإيجابية السامة أن تظهر بعدة طرق مختلفة: قد يكون الصديق هو الذي يتجاهل مشاعرك ويخبرك أن «تنظر إلى الجانب المشرق»، بدلاً من الاعتراف بأسباب انزعاجك. أو قد تكون الأوقات التي تعاقب فيها نفسك لإحساسك ببعض المخاوف عندما يكون الآخرون في حالة أسوأ منك.
في كلتا الحالتين، المشكلة ترتبط بالضغط المألوف للغاية لتجاوز انزعاجك بسرعة، والشعور بالتحسن قبل أن تكون مستعداً عاطفياً حقاً.
* لماذا تعتبر الإيجابية السامة ضارة؟
قال ديفيز: «من أجل تجاوز الألم، عليك أن تشعر به - والتفكير الإيجابي يمكن أن يصبح ضاراً إذا كنت تضغط على شخص ما ليرى دائماً الجانب المشرق من الأمور».
وأوضح الدكتور بول ماكلارين، الطبيب النفسي في مستشفى «بريوري هايز غروف»: «تعتبر عبارات مثل (انظر إلى كل الأشياء الجيدة التي لديك) ضارة لشخص يتعامل مع مشاعر مناسبة ومفهومة - على سبيل المثال أثناء فترات الحزن أو خلال معاناته من مرض اكتئابي ولديه حقاً القليل من الخيارات بشأن ما سيشعر به».
ووجدت الدراسات أن إخفاء مشاعرنا يمكن أن يسبب ضغوطاً نفسية كبيرة، وإضفاء السعادة على الأشياء يمكن أن يكون له تأثير أعمق على نفسيتنا، مما يعبث بقدرتنا على تنظيم عواطفنا.
وقالت شو، التي تحذر من الإرهاق أو اضطراب النوم أو الحزن لفترات طويلة أو حتى اضطراب ما بعد الصدمة: «إذا كنت تتجاهل ألماً جسدياً مزمناً، فقد يزداد سوءاً مع مرور الوقت دون علاج - ويمكن أن ينطبق الأمر نفسه على صحتنا العقلية».
وبينما يقول ديفيز إن إدارة أشياء مثل الخوف أمر مهم عندما تصبح المشاعر «السلبية» مستهلكة للغاية، إلا أنه يعتقد أنه من الصحي التعامل مع مشاعرك، مهما كانت - وقد يكون الغضب أو الحزن مفيداً في بعض الأحيان أيضاً.
* كيف نتغلب على الإيجابية السامة؟
إذا كنت ممن يقومون بنشر الإيجابية بين الآخرين، فابدأ بأخذ الوقت الكافي للاستماع إلى الناس، وفقاً لماكلارين. وأضاف: «ارفع الهاتف وقم بإجراء مكالمة. إذا عبّر شخص ما عن مشاعر سلبية، فخذ الوقت الكافي لفهم ما يحصل معه... لا تبطل مشاعره السلبية بالإيجابية السامة، وبدلاً من ذلك ساعده عبر بالاستماع إليه ومحاولة تفهمه لفترة من الوقت».
وكفرد، تقول الطبيبة النفسية كورتني راسبين أنه يمكنك تجنب الإيجابية السامة من خلال السماح لنفسك بتكريم كل مشاعرك - حتى تلك التي تجعلك ترغب في الاستماع إلى الأغاني الحزينة مراراً وتكراراً، على سبيل المثال. وتابعت: «ومع ذلك، إذا وجدنا أنفسنا غير قادرين على خوض تجربة إيجابية، أو أننا أصبحنا سلبيين للغاية، أشجع الناس على الحصول على بعض المساعدة واللجوء إلى العلاج النفسي».
مع انتشار «الإيجابية السامة»... ما هي ولماذا تُعتبر ضارة؟
مع انتشار «الإيجابية السامة»... ما هي ولماذا تُعتبر ضارة؟
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة