الرئيس الأميركي «يدير ظهره» لنظيره التركي

إردوغان حاول تخفيف عزلته وغيّر من لهجته تجاه عدد من الملفات

كل محاولات إردوغان لتلطيف الأجواء لم تلقَ حتى الساعة آذاناً صاغية من بايدن (رويترز)
كل محاولات إردوغان لتلطيف الأجواء لم تلقَ حتى الساعة آذاناً صاغية من بايدن (رويترز)
TT

الرئيس الأميركي «يدير ظهره» لنظيره التركي

كل محاولات إردوغان لتلطيف الأجواء لم تلقَ حتى الساعة آذاناً صاغية من بايدن (رويترز)
كل محاولات إردوغان لتلطيف الأجواء لم تلقَ حتى الساعة آذاناً صاغية من بايدن (رويترز)

يثير عدم قيام الرئيس الأميركي جو بايدن حتى الساعة بالاتصال بالرئيس التركي رجب طيب إردوغان أسئلة عن طبيعة «المياه التي تجري بين الرجلين»، بعدما فاقم تأخير هذا الاتصال من حجم «سوء التفاهم» الممتد منذ أن كان بايدن نائباً لباراك أوباما. وعلى الرغم من أن العلاقات بين البلدين يمكن وصفها بأنها «غير طبيعية» بين حليفين في حلف الناتو، فإن العلاقة الشخصية بين إردوغان والرئيس الأميركي السابق دونالد ترمب لعبت بلا شك دوراً كبيراً في التخفيف من تفاقمها، وسعى خلالها الرئيس التركي للاستفادة منها إلى أقصى الحدود في كثير من ملفاته الخارجية والداخلية أيضاً. لكن فوز بايدن فرض عليه تغيير سياساته، فحاول إطلاق سلسلة من المبادرات لترطيب الأجواء معه، في ظل إدراكه أن «فترة السماح» السابقة قد انقضت.
وفي حين تواصل إدارة بايدن ترداد العناوين العامة للمشكلات التي ترغب في حلها مع تركيا، اكتفت المتحدثة باسم البيت الأبيض، جين ساكي، بالقول إن الرئيس بايدن «سيقوم بالاتصال بإردوغان في مرحلة ما»، من دون الإفصاح عن موعده وشروطه السياسية. ولا يخفى أن هذا التأخير حتى مع أقرب حلفاء واشنطن، وعلى رأسهم إسرائيل التي احتاج اتصال بايدن بنتنياهو تذليل كثير من العقبات، قبل إحياء لجنة الاتصالات الاستراتيجية المشتركة التي عقدت أولى اجتماعاتها الرسمية في 11 من الشهر الحالي، برئاسة مستشاري الأمن القومي في البلدين، جايك سوليفان ومائير بن شبات.
وكان واضحاً قلق إردوغان من قيام بايدن بطرح القضايا الخلافية بينهما، خصوصاً ملفات الفساد وحقوق الإنسان. ويفاقم تقرير الاتحاد الدولي للإعلاميين الذي صنف تركيا بصفتها أكبر «سجان للصحافيين» في العالم، مع نحو 67 صحافياً مسجوناً، من سجلها، ليضاف إلى خلافاتها مع واشنطن حول تحركاتها وطموحاتها في المنطقة.
وفي خطوة استباقية، عمد إردوغان إلى تغيير محافظ البنك المركزي مراد أويصال، ووزير المالية والخزانة صهره بيرات البيرق، حيث تعدهما واشنطن مرتبطين بقضايا فساد وسوء إدارة، وعلى علاقة بملف المحاكمات التي ستجري قريباً في نيويورك، على خلفية قضية بنك «خلق» التركي، وتورطه في السماح لإيران بغسل عشرات المليارات من الدولارات، للالتفاف على العقوبات الأميركية.
وفي الملفات الخارجية، حاول إردوغان تخفيف عزلته الدبلوماسية، وغير من لهجته تجاه اليونان، ودخل في مفاوضات جديدة معها، وأعاد تحريك العلاقات مع مصر، وسهل الحل السياسي في ليبيا، ودخل في مفاوضات حول سوريا مع واشنطن، بحسب مصادر أميركية. لكن محاولاته هذه لم تلقَ حتى الساعة آذاناً صاغية من بايدن.
ويقول أيكان إرديمير، مدير برنامج تركيا في مؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات العضو السابق في البرلمان التركي، إن العلاقات التركية - الأميركية تحت إدارة ترمب تعرضت لانتقادات عدة، بعدما تحولت إلى علاقة شخصية بشكل متزايد، متجاوزة العلاقات المؤسسية.
وأضاف لـ«الشرق الأوسط» أن لدى الرئيس بايدن مصلحة قوية في إعادة بناء القنوات الرسمية والمؤسسية. ورغم وجود اتصالات ثنائية على مستوى وزراء الخارجية، اختار بايدن عدم الاتصال بإردوغان مباشرة، لإظهار «الكتف البارد» له.
ويرى إرديمير أن استحواذ تركيا على نظام الدفاع الجوي الروسي «إس-400» يمثل أكبر مشكلة في العلاقات الثنائية. واليوم، ومع إدارة بايدن، فإنه يقف على الصفحة نفسها مع الكونغرس، عندما يتعلق الأمر بمحاسبة حكومة إردوغان على تلك الصفقة. ويشير إلى أنه من الصعب تخيل رفع عقوبات «كاتسا»، وإعادة تركيا إلى مشروع إنتاج الطائرة «إف-35» لاستيعاب إردوغان، ما لم يتراجع عن صفقة الصواريخ الروسية. ويعتقد إرديمير أن لدى إردوغان أيضاً مخاوف كبيرة من أن إدارة بايدن قد تستهدف الحكومة التركية من خلال عقوبات قانون «ماغنتسكي» بسبب انتهاكاته الفاضحة لحقوق الإنسان.
ومن ناحيتها، تقول غونول تول، مديرة برنامج تركيا في معهد الشرق الأوسط في واشنطن، إن عدم اتصال بايدن بإردوغان يظهر أن تركيا ليست أولوية على أجندته. وقالت لـ«الشرق الأوسط» إنه بالنسبة لإردوغان، ما يقلقه هو قضية بنك خلق لأن البنك قد يواجه دفع غرامة تصل إلى 20 مليار دولار، وهو ما قد يكون له تداعيات كارثية على الاقتصاد التركي المضطرب أصلاً.
ويتفق باراك بارفي، الباحث في معهد واشنطن لدراسات الشرق الأدنى، مع غونول بالقول إن العلاقات التركية - الأميركية تواجه كثيراً من المشكلات، من قضية الصواريخ الروسية إلى مشكلة الأكراد في سوريا. وأضاف لـ«الشرق الأوسط» أن هذا يعني أن البيت الأبيض لديه الكثير ليفكر فيه، قبل أن يتمكن من تحديد موعد مكالمة بين الرئيسين. وشكك بارفي في عودة العلاقات بين البلدين إلى طبيعتها، ما لم يقم إردوغان بتغيير كثير من سياساته التوسعية في المنطقة، لأن واشنطن لن تقدم له شيئاً.



هل يمكن رفع عقوبات الأمم المتحدة عن «هيئة تحرير الشام» والجولاني؟

أبو محمد الجولاني يتحدث في الجامع الأموي بدمشق 8 ديسمبر 2024 (أ.ب)
أبو محمد الجولاني يتحدث في الجامع الأموي بدمشق 8 ديسمبر 2024 (أ.ب)
TT

هل يمكن رفع عقوبات الأمم المتحدة عن «هيئة تحرير الشام» والجولاني؟

أبو محمد الجولاني يتحدث في الجامع الأموي بدمشق 8 ديسمبر 2024 (أ.ب)
أبو محمد الجولاني يتحدث في الجامع الأموي بدمشق 8 ديسمبر 2024 (أ.ب)

تخضع «هيئة تحرير الشام»، التي قادت قوات المعارضة للإطاحة بالرئيس السوري بشار الأسد، لعقوبات من الأمم المتحدة منذ فترة طويلة، وهو ما وصفه المبعوث الخاص للمنظمة الدولية إلى سوريا غير بيدرسون، بأنه «عامل تعقيد لنا جميعاً».

كانت «هيئة تحرير الشام» تُعرف في السابق باسم «جبهة النصرة»، الجناح الرسمي لتنظيم «القاعدة» في سوريا، حتى قطعت العلاقات بالتنظيم في عام 2016. ومنذ مايو (أيار) 2014، أُدرجت الجماعة على قائمة مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة لعقوبات تنظيمي «القاعدة» و«داعش»، كما فُرض عليها تجميد عالمي للأصول وحظر أسلحة.

ويخضع عدد من أعضاء «هيئة تحرير الشام» أيضاً لعقوبات الأمم المتحدة مثل حظر السفر، وتجميد الأصول، وحظر الأسلحة، ومنهم زعيمها وقائد إدارة العمليات العسكرية أحمد الشرع، المكنى «أبو محمد الجولاني»، المدرج على القائمة منذ يوليو (تموز) 2013.

وقال دبلوماسيون إنه لا يوجد حالياً أي مناقشات عن رفع العقوبات التي فرضتها الأمم المتحدة على الجماعة. ولا تمنع العقوبات التواصل مع «هيئة تحرير الشام».

لماذا تفرض الأمم المتحدة عقوبات على «هيئة تحرير الشام» والجولاني؟ (رويترز)

لماذا تفرض الأمم المتحدة عقوبات على «هيئة تحرير الشام» والجولاني؟

فرضت الأمم المتحدة عقوبات على «جبهة النصرة»، لأن الجماعة مرتبطة بتنظيم «القاعدة»، ولأنها كانت «تشارك في تمويل أو تخطيط أو تسهيل أو إعداد أو ارتكاب أعمال أو أنشطة» مع «القاعدة» أو دعماً لها وتستقطب أفراداً وتدعم أنشطة «القاعدة».

وجاء في قائمة العقوبات التي فرضتها الأمم المتحدة: «في يناير (كانون الثاني) 2017، أنشأت جبهة النصرة (هيئة تحرير الشام)، وسيلة لتعزيز موقعها في التمرد السوري وتعزيز أهدافها باعتبارها فرعاً لتنظيم (القاعدة) في سوريا»... ورغم وصف ظهور «هيئة تحرير الشام» بطرق مختلفة (على سبيل المثال كاندماج أو تغيير في الاسم)، فإن جبهة «النصرة» استمرت في الهيمنة والعمل من خلال «هيئة تحرير الشام» في السعي لتحقيق أهدافها.

وفُرضت عقوبات على الجولاني بسبب ارتباطه بتنظيم «القاعدة» وعمله معه.

كيف يمكن رفع عقوبات الأمم المتحدة؟

تستطيع أي دولة عضو في الأمم المتحدة في أي وقت تقديم طلب لرفع العقوبات عن كيان أو شخص إلى لجنة عقوبات تنظيمي «داعش» و«القاعدة» التابعة لمجلس الأمن الدولي المؤلف من 15 دولة.

وإذا جاء الطلب من دولة لم تقترح في البداية فرض عقوبات الأمم المتحدة، فإن اللجنة تتخذ القرار بالإجماع.

وإذا تقدمت الدولة التي اقترحت في البداية فرض العقوبات بطلب الشطب من القائمة، فسيمحى الاسم من القائمة بعد 60 يوماً، ما لم توافق اللجنة بالإجماع على بقاء التدابير.

لكن إذا لم يتم التوصل إلى إجماع، يستطيع أحد الأعضاء أن يطلب إحالة الطلب إلى مجلس الأمن للتصويت عليه في غضون 60 يوماً.

ولم تتضح بعد الدول التي اقترحت فرض عقوبات على جبهة «النصرة» والجولاني.

ويستطيع أيضاً الشخص أو الكيان الخاضع للعقوبات أن يطلب إزالة التدابير عن طريق الاتصال بأمين عام المظالم، وهو منصب أنشأه المجلس في عام 2009، ليقوم بمراجعة الطلب.

وإذا أوصى أمين عام المظالم بإبقاء اسم ما على القائمة، فسيظل مدرجاً على القائمة. وإذا أوصى أمين عام المظالم بإزالة اسم ما، فسترفع العقوبات بعد عملية قد تستغرق ما يصل إلى 9 أشهر، ما لم توافق اللجنة في وقت أسبق بالإجماع على اتخاذ إجراء أو الإحالة إلى المجلس لتصويت محتمل.

هل هناك استثناءات من العقوبات؟

يستطيع الأشخاص الخاضعون لعقوبات الأمم المتحدة التقدم بطلب للحصول على إعفاءات فيما يتعلق بالسفر، وهو ما تقرره اللجنة بالإجماع.

ويقول المجلس إن عقوباته «لا تستهدف إحداث عواقب إنسانية تضر بالسكان المدنيين».

وهناك استثناء إنساني للأمم المتحدة ومنظمات الإغاثة يسمح «بتوفير أو معالجة أو دفع الأموال أو الأصول المالية الأخرى أو الموارد الاقتصادية، أو توفير السلع والخدمات اللازمة لضمان تقديم المساعدات الإنسانية في الوقت المناسب، أو لمساندة الأنشطة الأخرى التي تدعم الاحتياجات الإنسانية الأساسية».