الصناعة اللبنانية تنتعش وتعلن عن 200 وظيفة شاغرة

إثر تراجع الاستيراد واليد العاملة الأجنبية

TT

الصناعة اللبنانية تنتعش وتعلن عن 200 وظيفة شاغرة

تنفع مع القطاع الصناعي في لبنان حالياً مقولة «مصائب قوم عند قوم فوائد»، حيث إنه على الرغم من حدة الأزمة المالية والاقتصادية التي ترزح تحتها البلاد، والتي أدت إلى انحدار أكثر من نصف الشعب اللبناني تحت خط الفقر، وفقدان الآلاف لوظائفهم، يشهد هذا القطاع نوعاً من الانتعاش والنهضة على أثر تراجع حجم الاستيراد نتيجة الشح المتواصل بالدولار الأميركي، واحتجاز المصارف أموال المودعين، كما أن نسبة اليد العاملة الأجنبية لم تعد المؤسسات قادرة على تأمين رواتبها بالدولار.
وعممت وزارة الصناعة، كما جمعية الصناعيين اللبنانيين، أمس (الأحد)، على موقعهما الإلكتروني، لائحة بنحو 200 وظيفة في نحو 20 مصنعاً يمكن لأي لبناني أن يقدم طلباً للحصول على إحداها. وتتنوع هذه الوظائف بين إدارية وتقنية، ومن المرجح أن يرتفع عددها، كما يؤكد مدير عام جمعية الصناعيين اللبنانيين طلال حجازي، موضحاً في تصريح لـ«الشرق الأوسط» أنه يتم إنشاء عدد من المعامل، كما توسعة وتطوير معامل أخرى، مع التذكير بأن نسب الإقامات والإجازات الممنوحة لأجانب تراجعت بنسبة 83 في المائة، ما يعني أن الوظائف التي كانوا يشغلونها ستصبح متوفرة للبنانيين.
وتراجع عدد إجازات العمل الممنوحة لأجانب من 247 ألفاً في عام 2019 إلى 180 ألفاً في عام 2020. كما انخفض عدد السمات خلال ديسمبر (كانون الأول) 2021 إلى 483، قياساً بـ2.844 سمة في 2020.
وقد تراجع حجم الاستيراد في لبنان من 19.2 مليار دولار في عام 2019 إلى 11 مليار دولار في عام 2020. وبحسب الباحث في «الدولية للمعلومات»، محمد شمس الدين، فإن قطاع الصناعة يوفر نحو 160 ألف فرصة عمل، مرجحاً في تصريح لـ«الشرق الأوسط» أن يوفر مزيداً من فرص العمل، في حال استمرار التراجع في الاستيراد، مضيفاً: «أما القطاعات الواعدة بشكل أساسي، فهي التصنيع الزراعي، وتجميع المعدات الكهربائية والإلكترونية، والألبسة».
وبحسب رئيس جمعية الصناعيين، فادي الجميل، فإن أبرز المصانع التي تطلب موظفين اليوم هي تلك التي تصنع كمامات ومواد تنظيف ومعقمات، كما أجهزة تنفس، لافتاً في تصريح لـ«الشرق الأوسط» إلى أن القطاع اليوم أمام فرص كثيرة، خاصة أن هناك حديثاً جدياً عن توجه شركات أدوية ومختبرات لتصنيع لقاحات «كورونا» في لبنان.
ويعد النائب ميشال ضاهر، وهو صاحب إحدى أكبر مؤسسات الأغذية في لبنان، أنه من الواجب تحويل المشكلة التي ترزح تحتها البلاد إلى فرصة للصناعيين، بحيث إن الطلب على المنتجات المحلية يرتفع نتيجة تراجع تكلفة إنتاجها، خاصة كلفة اليد العاملة، مشدداً في تصريح لـ«الشرق الأوسط» على أن الدعم الذي تقدمه الدولة بالطريقة الذي يحصل بها خاطئ، في ضوء أنه كان الأجدى أن يخصص جزء من الـ100 مليون دولار لاستيراد المواد الأولية لتحرير بعض أموال الصناعيين لشراء الآلات والمعدات الإنتاجية، مضيفاً: «كل 100 مليون دولار تخصص لهذا الغرض تولد 50 ألف فرصة عمل».
وينتقد ضاهر تركيز المعنيين اليوم على «حل المشكلات الآنية، من دون الالتفات لوضع خطة وطنية للنهوض بالاقتصاد ككل»، معتبراً أن «كل ما يعنيهم اليوم تخدير الشارع اللبناني كي لا ينتفض بوجههم، فيما المطلوب تحديد الاقتصاد الذي نريده في الأعوام الـ3 المقبلة، ومن ثم نبدأ بالعمل على تحقيقه».
ويعول كثيرون على التصدير لإدخال العملات الصعبة إلى البلد، علماً بأن الصادرات تراجعت بنسبة ضئيلة من 3.7 مليار دولار عام 2019 إلى 3.5 مليار عام 2020، وهو ما يعد بحسب المعنيين «ارتفاعاً نسبياً» بسبب الإقفال الذي شهده لبنان والعالم بسبب جائحة «كورونا».
ويقول أحد كبار الصناعيين إن ما يحد من الصادرات اللبنانية إلى الخارج، خاصة الغذائية منها، وجوب القيام باستثمارات كبيرة لتسويقها وعرضها، ما يتطلب تخصيص مبالغ كبيرة بالدولار الأميركي، تحتجزها المصارف. ويضيف في تصريح لـ«الشرق الأوسط»: «حتى توسعة معاملنا في الداخل تتطلب مبالغ ضخمة، وهي غير متوافرة».



دعوات حكومية ودولية لتكثيف الاستجابة الإنسانية في اليمن

زيادة كبيرة في حجم احتياجات الاستجابة الإنسانية في اليمن يقابلها نقص في التمويل (الأمم المتحدة)
زيادة كبيرة في حجم احتياجات الاستجابة الإنسانية في اليمن يقابلها نقص في التمويل (الأمم المتحدة)
TT

دعوات حكومية ودولية لتكثيف الاستجابة الإنسانية في اليمن

زيادة كبيرة في حجم احتياجات الاستجابة الإنسانية في اليمن يقابلها نقص في التمويل (الأمم المتحدة)
زيادة كبيرة في حجم احتياجات الاستجابة الإنسانية في اليمن يقابلها نقص في التمويل (الأمم المتحدة)

مع توجّه الحكومة اليمنية بطلب إلى الأمم المتحدة لعقد مؤتمر للمانحين لجهة دعم خطة الاستجابة الإنسانية في البلاد، بعد تزايد الاحتياجات الإنسانية الملحَّة، جددت منظمات دولية وأممية الدعوة إلى زيادة التمويل والتعاون الأكبر بين الجهات الفاعلة الوطنية والدولية لتقديم المساعدات الأساسية.

وفي حين تواصل الجماعة الحوثية إعاقة جهود الإغاثة في البلاد، ذكر الإعلام الرسمي أن سفير اليمن لدى الأمم المتحدة، عبد الله السعدي، أكد على ضرورة أن تظل الأزمة الإنسانية في اليمن على رأس أولويات الأمم المتحدة والمجتمع الدولي للحد من المعاناة المتزايدة، داعياً إلى تكثيف الجهود للإفراج الفوري وغير المشروط عن جميع المختطَفين والمعتقَلين، ومحاسبة المسؤولين عن مختلف الانتهاكات، في إشارة إلى الجماعة الحوثية.

وفي بيان اليمن أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة، خلال الجلسة الخاصة بتعزيز تنسيق المساعدات الإنسانية والإغاثية، حذَّر السعدي المجتمع الدولي من خطورة تجاهل الانتهاكات التي ترتكبها الجماعة الحوثية لخدمة أجندتها السياسية، بما في ذلك استخدام المساعدات الإنسانية لخدمة أهدافها العسكرية وتحويل المناطق الخاضعة لسيطرتها إلى سجون لمن يعارضونها.

أكثر من 19 مليون يمني بحاجة إلى المساعدات خلال العام المقبل حسب تقديرات أممية (الأمم المتحدة)

وأعاد البيان اليمني التذكير بأهمية نقل مقرات الوكالات الأممية والمنظمات الدولية إلى العاصمة المؤقتة عدن لضمان سلامة العاملين في المجال الإنساني، وتوفير بيئة آمنة للعمل بعيداً عن التدخلات؛ ما يساهم في تحسين القدرة على إيصال المساعدات إلى الفئات المحتاجة في مختلف المناطق. وتتهم الحكومة اليمنية وأوساط إغاثية وحقوقية محلية وأممية ودولية الجماعة الحوثية بالاستمرار في اختطاف العاملين بالمجال الإغاثي، وتبني حملات إعلامية مسيئة للعمل الإنساني، ورفض الاستجابة لطلبات عائلات المختطفين بالسماح بزيارتهم والاطمئنان على صحتهم الجسدية والنفسية، وتقديم الرعاية لهم.

سوء التنظيم والتخطيط

وجدَّدت الحكومة اليمنية التذكير بالأضرار الكبيرة التي تسببت بها الفيضانات والسيول التي ضربت عدة مناطق يمنية هذا العام، إلى جانب مختلف التطرفات المناخية التي ضاعفت من الآثار الناجمة عن الحرب في مفاقمة الأوضاع الإنسانية والاقتصادية؛ ما زاد من أهمية وضرورة تكثيف دعم المجتمع الدولي لليمن في مواجهة هذه التحديات.

جهات دولية تتهم الجماعة الحوثية بإعاقة أعمال الإغاثة بعد اختطاف موظفي المنظمات (رويترز)

ولا يتوقع جمال بلفقيه رئيس اللجنة العليا للإغاثة في الحكومة اليمنية أن يكون الدعم كبيراً أو كافياً لمواجهة مختلف المتطلبات والاحتياجات، مشيراً إلى أن عملية حشد الأموال لا بد أن تقترن بكيفية تنظيم إدارة العمل الإنساني والإغاثي، وخلق شراكة حقيقية بين الحكومة اليمنية والقطاع الخاص، والمنظمات المحلية والجهات الإغاثية الحالية، لإيصال المساعدات.

وفي حديثه لـ«الشرق الأوسط»، يصف بلفقيه الأزمة الإنسانية في بلاده بالأشد قسوة؛ ما يجعل من غير الممكن على اليمنيين الصمود أمام متطلبات معيشتهم، في ظل استمرارها وتصاعدها، منوهاً بأن حجم الأموال التي يمكن الحصول عليها ليس مهماً إذا لم يتم تنظيم عمليات الإغاثة للوصول بكفاءة إلى كل المستحقين.

وانتقد بلفقيه، وهو أيضاً مستشار وزير الإدارة المحلية، التوجهات الأممية الموسمية لزيادة التمويل، عند نهاية عام وبداية عام جديد، مع غياب التخطيط والتنظيم الفاعلين، وعدم مراعاة الاحتياجات المحلية للمتضررين من الأزمة الإنسانية في كل محافظة.

فيضانات الصيف الماضي في اليمن فاقمت من الأزمة الإنسانية وزادت من احتياجات الإغاثة (الأمم المتحدة)

من جهتها، أكدت منظمة «هيومن رايتس ووتش» أن اليمن أصبح يعيش «واحدة من أكبر الأزمات الإنسانية في العالم»، وفقاً لبيانات الأمم المتحدة؛ ما يزيد من احتياجات التمويل والتعاون الأكبر بين الجهات الفاعلة الوطنية والدولية لتقديم المساعدات الأساسية، بما فيها الغذاء والمياه والإمدادات الطبية.

واتهمت المنظمة، في بيان حديث لها، الجماعة الحوثية، باحتجاز وإخفاء 17 شخصاً على الأقل من موظفي الأمم المتحدة، بالإضافة إلى عشرات الموظفين من المنظمات غير الحكومية ومنظمات المجتمع المدني والشركات الخاصة، ومواصلة احتجازهم دون تهم.

إيقاف التمويل

نقلت «هيومن رايتس ووتش» عن الأمم المتحدة، أن 24.1 مليون يمني، أي ما يساوي 80 في المائة من السكان، بحاجة إلى المساعدات الإنسانية والحماية».

ونبهت المنظمة الدولية إلى أن الحكومة السويدية أقرَّت، أواخر الشهر الماضي، «الإنهاء التدريجي» لمساعداتها الإنمائية لليمن، على خلفية الإجراءات التدميرية المتزايدة للجماعة الحوثية في الأجزاء الشمالية من اليمن، ومنها اختطاف موظفي الأمم المتحدة.

كما دعت الأمم المتحدة والمجتمع الدولي تصعيد مطالبة الحوثيين بالإفراج عن المعتقلين، وتنسيق جهودهما بشكل أفضل في هذا الهدف المشترك. وقالت: «يجب أن تضاعف وكالات الأمم المتحدة الجهود لحماية ودعم موظفيها المتبقين في اليمن».

رغم تراجع تمويل الإغاثة في اليمن لا تزال وكالات أممية تقدم مساعدات للنازحين والمحتاجين (الأمم المتحدة)

ويتفق الباحث الاقتصادي، عادل السامعي، مع مسؤول الإغاثة اليمني، بلفقيه، حول سوء إدارة أموال الإغاثة في اليمن، وتسبب ذلك في حلول جزئية ومؤقتة للأزمة الإنسانية في البلاد. ويوضح السامعي لـ«الشرق الأوسط» أن هناك تراجعاً ملحوظاً في تمويل خطة الاستجابة الإنسانية في اليمن بسبب «الفساد» الذي أضر بالعملية الإغاثية وتجيير كثير من أوجه الدعم والمساعدات لصالح الجماعة الحوثية.

ويلفت إلى أن هناك تراكماً للفجوات بين الاحتياجات التي تفرضها الأزمة الإنسانية في اليمن والتمويل الموجَّه لها؛ فبعد أن كانت متطلبات الاستجابة الإنسانية خلال الـ12 عاماً الماضية تزيد على 33 مليار دولار، جرى تحصيل أقل من 20 مليار دولار فقط.

وخلال الأسبوع الماضي، كشفت الأمم المتحدة عن حاجتها إلى 2.5 مليار دولار لدعم خطة الاستجابة الإنسانية في اليمن خلال العام المقبل (2025).

بسبب اختطاف الجماعة الحوثية موظفي الإغاثة في اليمن تراجعت عدد من الدول عن تمويل الاستجابة الإنسانية (أ.ف.ب)

وحذَّر «مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية (أوتشا)»، في بيان له، من أن الظروف المعيشية لمعظم اليمنيين ستظل مزرية في عام 2025. ومن المتوقَّع أن تؤدي فرص كسب العيش المحدودة وانخفاض القدرة الشرائية إلى تعميق عدم الاستقرار الاجتماعي والاقتصادي.

ووفقاً للمكتب الأممي، فإن 19.54 مليون شخص في اليمن بحاجة إلى المساعدة خلال العام المقبل، من بينهم 17 مليون شخص (49 في المائة من السكان) سيواجهون انعدام الأمن الغذائي الشديد، مع معاناة 5 ملايين شخص من ظروف «الطوارئ». بينما يؤثر سوء التغذية الحاد على نحو 3.5 مليون شخص، بمن في ذلك أكثر من 500 ألف شخص يعانون من سوء التغذية الحاد الشديد.