إعادة تدوير المصائر المعطوبة

«صانع الاختفاءات» للمغربي أنيس الرافعي

إعادة تدوير المصائر المعطوبة
TT

إعادة تدوير المصائر المعطوبة

إعادة تدوير المصائر المعطوبة

صدر حديثاً عن مؤسسة «بتانة» الثقافية بالقاهرة كتاب قصصي جديد للكاتب المغربي أنيس الرافعي، تحت عنوان «صانع الاختفاءات».
في هذا الكتاب القصصي الذي «يدفع متلقيه إلى القراءة ببطء وفق إيقاع جديد»، حسب تعبير رولان بارث، أمام «كناية رمزيّة مضمّخة بالكوميديا السوداء»، وقدام «متوالية سرديّة جهنميّة تعتبر نموذجاً وضاءً (للميتا – فيكشن)، مزوّدة بنصين مرشدين، أحدهما قبلي والآخر بعديّ، تستضمر بذكاء فنّي لافت (نظريّة الألعاب)، وتقدّم لنا محرقة جماليّة آسرة لصهر الأجناس والأنواع والطروس، وشرارة معرفية خلاّقة لنسف الجسور المصطنعة بين السجّلات والفنون والمرجعيات».
يضم المؤلف، الذي يقع في 120 صفحة من القطع الصغير، والموشى داخلياً بأيقونات ساخرة (كاريكاتير) للفنان العراقي برهان المفتي، 8 قصص مطولة، يفصل بينها «وقت مستقطع»، هي «رجل العلبة»، و«رجل الأكياس»، و«رجل البانتوميم»، و«رجل الأعداد»، و«رجل الأوركسترا»، و«رجل الفنار» و«سيدة المكواة»، و«رجل العصافير».
ومما جاء في تقديم جديد الرافعي: «في أحشاء مدينة (كازابلانكا) المستقبليّة، التي أضحت فجائعيّة بلا روح، ومنتمية بامتياز إلى عالم (الديستوبيا) الكارثي والخبيث و(الأبوكاليبتيكي)، الذي يجرّد البشر من آدميتهم ويحطّم أجمل ما في أعماقهم؛ وبين حنايا وإحداثيات ساحة وهميّة هي جناس تصحيفي لساحة (السراغنة) الحقيقيّة، وفي الآن ذاته تمثيل هندسي لـ(مكعّب روبيك) بأبعاده الميكانيكيّة كافة وسحره التصميمي واحتمالاته الرياضيّة، يعمد شخص، لا نعلم على وجه اليقين الراسخ، إن كان سارداً مخاتلاً، أو رجلاً مختلّاً، أو مؤلفاً مخفقاً لمخطوطة غامضة وغير مكتملة تحمل عنوان (مخلوقات المفكّرة)، إلى تأسيس (وكالة وطنيّة للمساعدة على الاختفاء الطوعيّ)، ثمّ طفق تباعاً، بوصفه ماحي هويّات متلاشيّة، وبائع أرواح متهالكة، ومبتكر تنكّرات متسلسل، وأستاذاً للتبدّد الفائق، ونحّاتاً للأفول، من خلال شركته الغرائبيّة العابرة للمنطق العقلي السليم، التي يدّعي أنّها ذات طابع إحساني وميسم إنساني صرفين، في إعادة تدوير متلاشيات المصائر المعطوبة والحيوات السيّئة، و(تهريب) أجساد من وقع عليهم الاختيار ومن تردّت أرواحهم في الدرك الأسفل من كثافة الحضور، نحو الضفة الأخرى للتواري».
ستسلك الأحداث مساراً آخر غير متوقّع، حينما أقدم مدير الوكالة على اتّخاذ مساعد لتعضيده في مهمّته يكنّى ﺑ «سانشو»، حيث سيشهر في وجهه راية العصيان، ويسعى بشتّى السبل لتقويض مشروعه المحتشد بأحلام اليقظة، واضطرابات الهذيان، وقوائم المهيئين للانطفاء في السديم.



عُدي رشيد لـ«الشرق الأوسط»: لم أقرأ نصاً لغيري يستفزني مخرجاً

المخرج عدي رشيد مع بطل فيلمه عزام أحمد علي (الشرق الأوسط)
المخرج عدي رشيد مع بطل فيلمه عزام أحمد علي (الشرق الأوسط)
TT

عُدي رشيد لـ«الشرق الأوسط»: لم أقرأ نصاً لغيري يستفزني مخرجاً

المخرج عدي رشيد مع بطل فيلمه عزام أحمد علي (الشرق الأوسط)
المخرج عدي رشيد مع بطل فيلمه عزام أحمد علي (الشرق الأوسط)

قال المخرج العراقي عُدي رشيد المتوج فيلمه «أناشيد آدم» بجائزة «اليسر» لأفضل سيناريو من مهرجان «البحر الأحمر» إن الأفلام تعكس كثيراً من ذواتنا، فتلامس بصدقها الآخرين، مؤكداً في حواره مع «الشرق الأوسط» أن الفيلم يروي جانباً من طفولته، وأن فكرة توقف الزمن التي طرحها عبر أحداثه هي فكرة سومرية بامتياز، قائلاً إنه «يشعر بالامتنان لمهرجان البحر الأحمر الذي دعم الفيلم في البداية، ومن ثَمّ اختاره ليشارك بالمسابقة، وهو تقدير أسعده كثيراً، وجاء فوز الفيلم بجائزة السيناريو ليتوج كل ذلك، لافتاً إلى أنه يكتب أفلامه لأنه لم يقرأ سيناريو كتبه غيره يستفزه مخرجاً».

بوستر الفيلم يتصدره الصبي آدم (الشركة المنتجة)

ويُعدّ الفيلم إنتاجاً مشتركاً بين كل من العراق وهولندا والسعودية، وهو من بطولة عدد كبير من الممثلين العراقيين من بينهم، عزام أحمد علي، وعبد الجبار حسن، وآلاء نجم، وعلي الكرخي، وأسامة عزام.

تنطلق أحداث فيلم «أناشيد آدم» عام 1946 حين يموت الجد، وفي ظل أوامر الأب الصارمة، يُجبر الصبي «آدم» شقيقه الأصغر «علي» لحضور غُسل جثمان جدهما، حيث تؤثر رؤية الجثة بشكل عميق على «آدم» الذي يقول إنه لا يريد أن يكبر، ومنذ تلك اللحظة يتوقف «آدم» عن التّقدم في السن ويقف عند 12 عاماً، بينما يكبر كل من حوله، ويُشيع أهل القرية أن لعنة قد حلت على الصبي، لكن «إيمان» ابنة عمه، وصديق «آدم» المقرب «انكي» يريان وحدهما أن «آدم» يحظى بنعمة كبيرة؛ إذ حافظ على نقاء الطفل وبراءته داخله، ويتحوّل هذا الصبي إلى شاهدٍ على المتغيرات التي وقعت في العراق؛ إذ إن الفيلم يرصد 8 عقود من الزمان صاخبة بالأحداث والوقائع.

وقال المخرج عُدي رشيد إن فوز الفيلم بجائزة السيناريو مثّل له فرحة كبيرة، كما أن اختياره لمسابقة «البحر الأحمر» في حد ذاته تقدير يعتز به، يضاف إلى تقديره لدعم «صندوق البحر الأحمر» للفيلم، ولولا ذلك ما استكمل العمل، معبراً عن سعادته باستضافة مدينة جدة التاريخية القديمة للمهرجان.

يطرح الفيلم فكرة خيالية عن «توقف الزمن»، وعن جذور هذه الفكرة يقول رشيد إنها رافدية سومرية بامتياز، ولا تخلو من تأثير فرعوني، مضيفاً أن الفيلم بمنزلة «بحث شخصي منه ما بين طفولته وهو ينظر إلى أبيه، ثم وهو كبير ينظر إلى ابنته، متسائلاً: أين تكمن الحقيقة؟».

المخرج عدي رشيد مع بطل فيلمه عزام أحمد علي (الشرق الأوسط)

ويعترف المخرج العراقي بأن سنوات طفولة البطل تلامس سنوات طفولته الشخصية، وأنه عرف صدمة الموت مثله، حسبما يروي: «كان عمري 9 سنوات حين توفي جدي الذي كنت مقرباً منه ومتعلقاً به ونعيش في منزل واحد، وحين رحل بقي ليلة كاملة في فراشه، وبقيت بجواره، وكأنه في حالة نوم عميق، وكانت هذه أول علاقة مباشرة لي مع الموت»، مشيراً إلى أن «الأفلام تعكس قدراً من ذواتنا، فيصل صدقها إلى الآخرين ليشعروا بها ويتفاعلوا معها».

اعتاد رشيد على أن يكتب أفلامه، ويبرّر تمسكه بذلك قائلاً: «لأنني لم أقرأ نصاً كتبه غيري يستفز المخرج داخلي، ربما أكون لست محظوظاً رغم انفتاحي على ذلك».

يبحث عُدي رشيد عند اختيار أبطاله عن الموهبة أولاً مثلما يقول: «أستكشف بعدها مدى استعداد الممثل لفهم ما يجب أن يفعله، وقدر صدقه مع نفسه، أيضاً وجود كيمياء بيني وبينه وقدر من التواصل والتفاهم»، ويضرب المثل بعزام الذي يؤدي شخصية «آدم» بإتقان لافت: «حين التقيته بدأنا نتدرب وندرس ونحكي عبر حوارات عدة، حتى قبل التصوير بدقائق كنت أُغير من حوار الفيلم؛ لأن هناك أفكاراً تطرأ فجأة قد يوحي بها المكان».

صُوّر الفيلم في 36 يوماً بغرب العراق بعد تحضيرٍ استمر نحو عام، واختار المخرج تصويره في محافظة الأنبار وضواحي مدينة هيت التي يخترقها نهر الفرات، بعدما تأكد من تفَهم أهلها لفكرة التصوير.

لقطة من الفيلم (الشركة المنتجة)

وأخرج رشيد فيلمه الروائي الطويل الأول «غير صالح»، وكان أول فيلم يجري تصويره خلال الاحتلال الأميركي للعراق، ومن ثَمّ فيلم «كرنتينة» عام 2010، وقد هاجر بعدها للولايات المتحدة الأميركية.

يُتابع عُدي رشيد السينما العراقية ويرى أنها تقطع خطوات جيدة ومواهب لافتة وتستعيد مكانتها، وأن أفلاماً مهمة تنطلق منها، لكن المشكلة كما يقول في عزوف الجمهور عن ارتياد السينما مكتفياً بالتلفزيون، وهي مشكلة كبيرة، مؤكداً أنه «يبحث عن الجهة التي يمكن أن تتبناه توزيعياً ليعرض فيلمه في بلاده».