اللهاث وراء اللعب للأندية الكبيرة مبكراً مغامرة تفشل في أغلب الأحيان

قال اللاعب الفرنسي الشاب ويليام صليبا، عندما سُئل عن المدير الفني لآرسنال، ميكيل أرتيتا، «لقد حكم عليّ من خلال أدائي في مباراتين ونصف المباراة. كنت أتمنى أن يشركني في عدد أكبر من المباريات، لكنه أخبرني أنني لست مستعداً».
قد تكون هناك حالة من الجدل بشأن مدى استعداد صليبا للعب مع آرسنال، لكن الآن هو ومدافع برشلونة الموهوب والمستبعد بالقدر نفسه، جان كلير توديبو، عادا إلى الدوري الفرنسي الممتاز عبر بوابة نادي نيس، وأتيحت لهما الفرصة أخيراً للمشاركة في المباريات وإظهار ما يمكنهما تقديمه داخل المستطيل الأخضر. في الحقيقة، ربما يكون الدوري الفرنسي الممتاز هو أفضل مكان لكلا اللاعبين الآن.
وبالنظر إلى أن صليبا يمتلك إمكانات هائلة كمدافع قوي وهادئ وذكي من الناحية الخططية، فقد كان من المؤسف ألا يشارك في عدد أكبر من المباريات مع آرسنال، خصوصاً في ظل تراجع مستوى خط دفاع آرسنال وحاجته إلى ضخ دماء جديدة. وبالتالي، يمكننا أن نتفهم تماماً شعور صليبا بالإحباط. ومع ذلك، يجب الإشارة إلى أن المدافع الفرنسي الشاب لم يلعب سوى 36 مباراة فقط على مستوى الفريق الأول قبل الانتقال إلى آرسنال وهو في التاسعة عشرة من عمره، وبالتالي ربما جاء انتقاله من فرنسا إلى إنجلترا في وقت مبكر للغاية. لكن صليبا لا يرى الأمر كذلك، حيث يقول: «عندما تشعر أنك مستعد، يتعين عليك الانتقال إلى مكان آخر. لا أعتقد أنني رحلت مبكراً».
علاوة على ذلك، فإن ما حدث لتوديبو أيضاً يعد بمثابة «رسالة تحذيرية» للمواهب الشابة في الدوري الفرنسي الممتاز. فبعد أن أثار توديبو إعجاب المدير الفني لنادي تولوز آنذاك، آلان كازانوفا، خلال فترة الاستعداد للموسم الجديد في عام 2018، تم تصعيده للفريق الأول مباشرة وهو في الثامنة عشرة من عمره، وبالتحديد بعد خسارة الفريق برباعية نظيفة أمام مرسيليا في الجولة الافتتاحية للموسم. ولم تستمر مسيرته الكروية مع الفريق الأول لتولوز سوى 10 مباريات فقط، لكن تأثيره كان مذهلاً خلال تلك الفترة القصيرة، فبفضل تمريراته السحرية والذكية التي تذكرنا بالمدافع الإنجليزي الرائع ريو فرديناند، وقدرته المثيرة للإعجاب على التحكم في الكرة في المساحات الضيقة مثل جون ستونز، لفت اللاعب الشاب أنظار كبرى الأندية الأوروبية.
وبعد أن شعر توديبو بأنه أصبح مطلوباً من الجميع، رفض التوقيع على عقد احتراف مع تولوز، وهو الأمر الذي كان يعني رحيله في صفقة انتقال حر، مع حصول النادي الفرنسي على حقوق الرعاية فقط. وبالتالي، شعر مسؤولو نادي تولوز، الذي تعتمد موارده المالية على مثل هذه الصفقات، بغضب شديد. ووصف كازانوفا ما حدث بـ«الخيانة»، بينما اتهم رئيس النادي، أوليفييه سادران، توديبو، بعدم الاهتمام بمصلحة الفريق واستبعده من تشكيلة الفريق الأول. ومع ذلك، لم يرضخ توديبو للضغوط وسار في طريقه، وانتقل إلى برشلونة بعد نهاية عقده مع فريق الشباب بنادي تولوز في صيف 2019، في صفقة نفذها الفرنسي الدولي ولاعب برشلونة السابق إريك أبيدال.
ربما كان الانتقال إلى «كامب نو» بمثابة الحلم الذي تحقق أخيراً، لكن هذه الخطوة لم تساعد كثيراً توديبو، الذي لا يمتلك خبرات كبيرة، على التحسن والتطور. ونادراً ما كان ينضم لقائمة الفريق الأول، ولم يلعب مع برشلونة إلا خمس مباريات فقط. وحتى عندما انتقل إلى شالكه وبنفيكا على سبيل الإعارة، لم يقدم مستويات جيدة، حيث فشل في التكيف مع متطلبات اللعب في الدوري الألماني الممتاز، في حين تعرض للإصابة أثناء فترة وجوده في بنفيكا.
وبعد أن كان في يوم من الأيام المدافع الشاب الأبرز في أوروبا، انتقل توديبو، البالغ من العمر 21 عاماً، إلى نيس في شهر يناير (كانون الثاني) الماضي، ولم يلعب سوى 27 مباراة فقط مع الفريق الأول خلال مسيرته الكروية ككل. وعلى سبيل المقارنة، كان ماركينيوس قد لعب ما يقرب من 150 مباراة مع الفريق الأول مع ناديي روما وباريس سان جيرمان بحلول عيد ميلاده الثاني والعشرين، كما تجاوز قلب الدفاع دايوت أوباميكانو، البالغ من العمر 22 عاماً، مباراته المائة في الدوري الألماني الممتاز مع نادي لايبزيغ، ولعب إيمريك لابورت أكثر من 140 مباراة مع أتليتيك بلباو قبل أن يبلغ 22 عاماً.
لقد رحل كل من صليبا وتوديبو عن الدوري الفرنسي الممتاز، وهما غير جاهزين، ووجدا صعوبة بالغة في حجز مكان أساسي وإحراز تقدم حقيقي في خطوتهما التالية، وهو الأمر الذي أدى إلى توقف تطورهما. ولم يكونا بمفردهما في هذا الصدد، ففي مقابل كل قصة نجاح - لنقل مثلاً انتقال ويسلي فوفانا من سانت إتيان إلى ليستر سيتي الصيف الماضي - هناك العديد من قصص الفشل مثل الجزائري آدم وناس، الذي سعى جاهداً للرحيل عن بوردو في 2017 بعد موسم مثير للإعجاب، لكن مسيرته توقفت بجلوسه على مقاعد بدلاء نادي نابولي. ويبلغ وناس من العمر 24 عاماً ويلعب معاراً الآن لنادي كروتوني، وبالتالي ربما تبخرت فرصته في العودة لنادي نابولي وحجز مكان أساسي له مع الفريق.
لقد عاد صليبا وتوديبو الآن إلى فرنسا، ورغم أنهما لم يلعبا سوى عدد قليل من المباريات معاً في قلب دفاع نيس، إلا أن كلا منهما قد بدأ في تقديم مستويات ممتازة مرة أخرى وكأنهما لم يرحلا عن فرنسا. ويجب أن نعرف أن الدوري الفرنسي الممتاز سيسمح لمثل هؤلاء اللاعبين الشباب بارتكاب الأخطاء والتعلم منها بدون توجيه الاتهامات لهم أو وضعهم تحت ضغوط كبيرة، كما سيسمح لهم باكتساب الخبرات التي تمكنهم بعد ذلك من اللعب في دوريات أقوى. إن المشاركة في المباريات بشكل مستمر في فرنسا سوى تسمح لهؤلاء اللاعبين الشباب بمعرفة إمكاناتهم وقدراتهم الحقيقية قبل التفكير في الانتقال إلى بلدان أخرى.
أما بالنسبة لنادي نيس، فلم يتغير شيء يذكر منذ إقالة باتريك فييرا من القيادة الفنية للفريق في ديسمبر (كانون الأول) الماضي، حيث ما زال الفريق يجد صعوبة بالغة في خلق فرص للتهديف تحت قيادة المدير الفني المؤقت أدريان أورسي، الذي قاد الفريق في 18 مباراة حصل خلالها على نقاط أقل وحقق الفوز في مباريات أقل وأحرز أهدافاً أقل بالمقارنة بالـ16 مباراة التي لعبها الفريق تحت قيادة فييرا هذا الموسم. لكن يبدو أن الشراكة الدفاعية المميزة لصليبا وتوديبو، في خمس مباريات حتى الآن، تقود الفريق في الاتجاه الصحيح.
لقد ساعد صليبا وتوديبو - بفضل تمريراتهما الذكية من الخلف - الفريق على الاستحواذ على الكرة بشكل أكبر، كما أعادا التوازن إلى خط دفاع الفريق، بل ومساعدة خط الهجوم على خلق مزيد من الفرص. وعلاوة على ذلك، أظهرت المباراة التي فاز فيها نيس على رين بهدفين مقابل هدف وحيد، أهمية هذين اللاعبين الشابين للفريق. فرغم أن رين أحرز هدف التقدم بعد خطأ في التمرير من جانب صليبا، فإن كلا اللاعبين قد لعبا دوراً كبيراً في قيادة الفريق لتحقيق الفوز. كما قدما مستويات جيدة للغاية في المباراة التي خسرها نيس أمام باريس سان جيرمان، وهي المباراة التي لم يكن يستحق فيها الفريق الخسارة بعد الأداء المميز الذي قدمه. كما أن الأداء القوي، خصوصاً من جانب توديبو، قد ساعد نيس على الفوز على أنجيه العنيد بثلاثية نظيفة الشهر الماضي، في ثاني ظهور لهما معاً.
يجب الإشارة إلى أن الدوري الفرنسي الممتاز يعتمد الآن، وأكثر من أي وقت مضى، على بيع اللاعبين المميزين للدوريات الأخرى. ومن الصعب على أي لاعب شاب أن يرفض عرضاً لزيادة راتبه بشكل كبير واللعب مع أحد أكبر الأندية في العالم. لكن، كما يظهر مما حدث مع صليبا وتوديبو، فإن القرارات السيئة والحظ السيئ قد يؤديان إلى معاناة اللاعب على المدى الطويل.
من المؤكد أن الأمر سيستغرق بعض الوقت، لكن قد يكون صليبا وتوديبو محظوظين، لأن الدوري الفرنسي الممتاز سيعيد تقديمهما مرة أخرى ويمنحهما الفرصة للتطور من جديد. ربما أصيب صليبا بخيبة أمل من قرار أرتيتا، لكن منطق المدير الفني لآرسنال ربما كان صحيحاً، لأن صليبا ربما لم يكن جاهزاً للعب في هذه المستويات المرتفعة. وبعد البقاء لبعض الوقت في الدوري الفرنسي الممتاز، قد تختلف الأمور تماماً بالنسبة لصليبا وتوديبو في خطواتهما المقبلة!