مليارات البشر يعانون من ندرة المياه

الاستثمار في الطبيعة يدعم الأمن المائي

مليارات البشر يعانون من ندرة المياه
TT

مليارات البشر يعانون من ندرة المياه

مليارات البشر يعانون من ندرة المياه

لا يوجد مورد طبيعي على كوكب الأرض أثمن من الماء، فهو ضروري لاستمرارية الحياة وتحقيق التنمية بجميع أشكالها. ورغم هذه الأهمية التي يدركها الجميع، لا تزال استثمارات الدول في الحلول المجدية لمواجهة تحديات الأمن المائي محدودة، وغالباً ما تكون غير مستدامة لا تقدم إسهاماً ذا شأن في معالجة المشكلات المائية في المدى البعيد.
- أزمة مياه متصاعدة
يؤدي ازدياد عدد السكان وارتفاع مستوى المعيشة إلى نمو الطلب على المياه لتأمين الاحتياجات الأساسية لقطاعات الزراعة والصناعة والاستهلاك المنزلي. ومن المتوقع أن يتسبب وصول عدد سكان العالم إلى نحو 10 مليارات نسمة سنة 2050 في دفع الطلب العالمي على المياه من 4600 مليار متر مكعب سنوياً في الوقت الحاضر إلى نحو 6000 مليار متر مكعب.
ويحذر تقرير تنمية الموارد المائية الذي صدر عن الأمم المتحدة في 2020 من أن تناقص كميات المياه المتاحة بحلول سنة 2050 سيجعل 3.9 مليار إنسان معرضين للعيش تحت وطأة إجهاد مائي شديد. وستكون المشكلة أكثر وضوحاً في البلدان النامية، خصوصاً في أفريقيا وفي آسيا، حيث تعد قلة المياه النظيفة مشكلة مصيرية الآن.
ويمثل استخدام المياه في الزراعة حالياً 70 في المائة من الطلب العالمي على المياه. ومن المتوقع أن تزداد حاجة العالم للغذاء بنحو 60 في المائة في سنة 2050، مما يستلزم مزيداً من الأراضي الصالحة للزراعة وتكثيفاً للإنتاج، ويُترجم ذلك زيادة في استخدام المياه.
وتستأثر الصناعة بحصة 20 في المائة من الطلب الإجمالي العالمي على المياه، إذ يستهلك إنتاج الطاقة 75 في المائة من هذه النسبة، فيما تذهب الكمية المتبقية إلى التصنيع. وسيزداد الطلب على المياه في الصناعة بحلول 2050 في كل مكان حول العالم، ومن المتوقع أن تبلغ الزيادة في أفريقيا 8 أضعاف وفي آسيا 4 أضعاف.
ويذهب 10 في المائة من الطلب العالمي الإجمالي للمياه حالياً لتلبية احتياجات المنازل. وستتضاعف الكميات المخصصة للاستهلاك المنزلي سنة 2050 بنحو 300 في المائة في أفريقيا وآسيا، و200 في المائة في أميركا الوسطى والجنوبية. ويُعزى هذا النمو إلى زيادة خدمات إمدادات المياه للتجمعات السكانية المدينية القائمة والناشئة.
وتواجه البلدان العربية أزمة حادة في توفير متطلباتها من المياه العذبة. وحسب تقرير «البيئة العربية في عشر سنوات» الصادر عن المنتدى العربي للبيئة والتنمية (أفد) في 2017، تراجعت حصة المواطن العربي السنوية من المياه العذبة المتاحة بنسبة 20 في المائة، من 990 متراً مكعباً في 2005 إلى 800 متر مكعب في 2015، ويتوقع أن تكون وصلت في 2020 إلى ما دون 700 متر مكعب. وإذا كانت هذه الأرقام تمثل المعدل العام، فحصة الفرد من المياه في نصف البلدان العربية لا تتجاوز 400 متر مكعب، مما يعني أنها حالياً دون خط الفقر المائي بكثير.
وتعتمد دول المنطقة، لا سيما في شبه الجزيرة العربية والمغرب العربي، على المصادر الجوفية المتجددة وغير المتجددة لتلبية الطلب المتزايد على مياه الشرب والري الزراعي. ويصل الأمر إلى درجة الاستنزاف، حيث تعتمد بعض البلدان على المياه الجوفية غير المتجددة بنسبة تتجاوز 85 في المائة لري محاصيلها الزراعية.
وتتفاقم ندرة المياه العذبة في العالم العربي بفعل الاعتماد على الموارد العابرة للحدود، وتلوث الأوساط المائية، وصعوبة الحصول على المياه نتيجة ظروف الاحتلال والنزاع وتغير المناخ، وهدر الموارد المائية، وضعف الكفاءة في استخدام الموارد المتاحة، وارتفاع معدلات النمو السكاني.
- حلول من الطبيعة
يؤدي التدهور الواسع لأحواض تصريف المياه السطحية التي تتجمع فيها الهطولات في جميع أنحاء العالم إلى إضعاف جودة المياه في اتجاه المجرى، وتقلص التدفقات، وجعلها أقل موثوقية. ومنذ مطلع الألفية، تسببت إزالة الغابات والممارسات الزراعية السيئة واستخدامات الأراضي غير المستدامة في إلحاق ضرر متوسط إلى مرتفع في 40 في المائة من أحواض تصريف المياه الحضرية في العالم.
ولمواجهة تحديات الأمن المائي، تعتمد معظم المجتمعات والمؤسسات على «البنى التحتية الرمادية»، كالخزانات والقنوات المائية ومحطات المعالجة. ولكن غالباً ما تكون حماية المياه عند مصدرها أكثر تأثيراً وجدوى. فمن خلال استعادة وحماية البنية التحتية الطبيعية، كالغابات والأراضي الرطبة والنُظم البيئية للأنهار، يمكن تحقيق نتائج يتعذر الوصول إليها من خلال البنية التحتية الرمادية وحدها.
منذ مطلع تسعينيات القرن الماضي، استثمرت نيويورك 1.7 مليار دولار في حماية أكثر من 4000 كيلومتر مربع من الأحراج في جبال كاتسكيل، حيث توجد بحيرات نقية تعد مصدراً لمياه المدينة. وسمحت هذه الاستثمارات بتوفير تكاليف تنقية المياه، بما في ذلك تجنب إنفاق 10 مليارات دولار لبناء محطة معالجة جديدة وأكثر من 100 مليون دولار سنوياً لتشغيلها. واليوم، تفخر مدينة نيويورك بأكبر مصدر للمياه غير المفلترة في أميركا الشمالية.
بالإضافة إلى الاستثمار في حماية الأراضي الرطبة والغابات كنُظم ترشيح طبيعية، تعمل العديد من الشركات حول العالم على تطوير حلول جديدة قائمة على الطبيعة، مثل استخدام الكائنات الحية للكشف عن الملوثات وإزالتها من مياه الشرب وإعادة تدوير المكونات الصناعية لبناء الشعاب المرجانية الصناعية.
ويبدو أن الشركات التي تستهلك كميات كبيرة من المياه من دون إعادة تدويرها بحاجة للبحث عن حلول مجدية لضمان أمنها المائي. ويُظهر تحليل أجرته شركة «تروكوست» البريطانية في 2017 أنه إذا كان يتعين على الشركات دفع التكاليف الكاملة لندرة المياه والتلوث، نتيجة انخفاض الإمداد أو ارتفاع تكاليف التكييف أو متطلبات تصريف النفايات السائلة الأكثر صرامة، فقد ينخفض متوسط الأرباح بنسبة 18 في المائة في قطاع الكيماويات، و44 في المائة في قطاعات المرافق والطاقة، و116 في المائة في قطاع الأغذية والمشروبات.
وفي قطاع الزراعة، يساعد التحول من أنظمة الري بالغمر إلى أنظمة الري بالرذاذ أو التنقيط في توفير كميات ضخمة من المياه. وعندما يتم دمج هذا التحول مع الصيانة الدائمة لشبكات الري وتطبيق ممارسات الإدارة المثلى للتربة، كتجنب حراثة الأرض والتغطية لإقلال التبخر، يمكن تحقيق وفر كبير في استخدام المياه. وتطور دول عديدة في الشرق الأوسط وفي الهند تقنيات متقدمة في معالجة المياه وإدارتها، بما في ذلك دعم الأبحاث الخاصة بالزراعات الدقيقة والمحاصيل المقاومة للجفاف التي تستهلك كميات قليلة من مياه الري.
كانت أبوظبي اعتمدت سنة 2019 سلسلة من الحزم التحفيزية تزيد قيمتها عن 270 مليون دولار لدعم مشروعات التكنولوجيا الزراعية، بما فيها تقنيات جديدة قادرة على تحقيق الاستفادة التجارية من المحاصيل باستخدام كميات قليلة جداً من المياه في بيئات قاسية. وتستثمر الإمارات حالياً في عدد من المشاريع الرائدة لتطوير نُظم الزراعة المغلقة والعمودية التي تعتمد على تقنيات الزراعة المائية والزراعة من دون تربة.
وفي المغرب، يجري العمل حالياً على توسيع مشروع «حصاد الضباب» من أجل توفير المياه لسكان 16 قرية في مناطق جبلية شبه قاحلة. وتقوم فكرة المشروع، الذي بدأ قبل ست سنوات، على نصب شباك من مادة «البرولي بروبلين» لالتقاط ما يحمله الضباب من رذاذ ورطوبة.
وفي عالم متغير المناخ، سيكون من الضروري ضخ المزيد من الاستثمارات لتوفير إمدادات المياه بأقل التكاليف الممكنة، ويشمل ذلك تحسين إدارة المياه ومعالجة المياه العادمة مع إعادة استخدامها. ويشير تقرير «الصحة والبيئة في البلدان العربية» الذي صدر مؤخراً إلى أن معالجة المنصرفات واستخدامها أمر لا غنى عنه، خصوصاً في دول مجلس التعاون الخليجي، التي تواجه تحدي تخفيف العبء المالي والبيئي الناتج عن تحلية مياه البحر.
ويمكن التكيف مع زيادة موجات الجفاف والفيضانات الناتجة عن تغير المناخ عبر رفع سعة خزانات المياه السطحية والجوفية لالتقاط وتخزين مياه الفيضانات واستخدامها في أوقات الجفاف. ويمثل هذا الحل أحد الخيارات التي اتبعتها سنغافورة فيما يُعرف بـ«الصنابير الوطنية الأربعة»، وهو نظام يقوم على التقاط مياه الأمطار وتجميعها، واستيراد المياه من ماليزيا، وتوفير تنقية عالية الجودة لمياه الصرف، وتحلية مياه البحر.
وتطبق بعض الدول العربية مجموعة من الحلول المستدامة لمواجهة أزمة المياه تشمل، على سبيل المثال، تقييد استهلاك المياه مثلما فعلت السعودية والإمارات بحظر زراعة الأعلاف التي تستهلك كميات كبيرة من المياه، والتحول إلى مصادر الطاقة المتجددة لخفض النفقات وتوفير الطاقة لتحلية المياه المالحة، وإعادة ضخ المياه العذبة لتغذية الأحواض المائية الجوفية، كما فعلت أبوظبي.
إن حل أزمة المياه يبدو شاقاً للغاية، خصوصاً في الدول التي تعاني حالياً من ندرة في الموارد المائية المتاحة. ومع ذلك، هناك الكثير من الحلول المستدامة، باستثمارات قليلة نسبياً، تراعي متطلبات حماية الطبيعة وتساعد في ضمان وصول المجتمعات إلى مصادر مائية صحية تكفي لعقود قادمة.


مقالات ذات صلة

فيضانات منطقة المتوسط... تغير المناخ بات هنا

بيئة سيارات متضررة جراء الأمطار الغزيرة التي تسببت في حدوث فيضانات على مشارف فالنسيا إسبانيا 31 أكتوبر 2024 (رويترز)

فيضانات منطقة المتوسط... تغير المناخ بات هنا

زادت ظاهرة التغيّر المناخي نسبة حدوث فيضانات في منطقة البحر المتوسط، حيث تلعب الجغرافيا والنمو السكاني دوراً في مفاقمة الأضرار الناجمة عن الكوارث الطبيعية.

«الشرق الأوسط» (بيروت)
علوم 5 قضايا مناخية رئيسة أمام المحاكم عام 2025

5 قضايا مناخية رئيسة أمام المحاكم عام 2025

دعاوى مشروعة للدول الفقيرة وأخرى ارتدادية من الشركات والسياسيين

جيسيكا هولينغر (واشنطن)
بيئة أنثى «الحوت القاتل» الشهيرة «أوركا» أنجبت مجدداً

«أوركا» تنجب مجدداً... والعلماء قلقون

قالت شبكة «سكاي نيوز» البريطانية إن أنثى الحوت القاتل (التي يُطلق عليها اسم أوركا)، التي اشتهرت بحملها صغيرها نافقاً لأكثر من 1000 ميل في عام 2018 قد أنجبت أنثى

«الشرق الأوسط» (لندن)
يوميات الشرق المَعْلم الشهير كان يميّز الطريق (مواقع التواصل)

«تخريب رهيب» للفيل البرتقالي الضخم و«الآيس كريم» بإنجلترا

أُزيل فيل برتقالي ضخم كان مثبتاً على جانب طريق رئيسي بمقاطعة ديفون بجنوب غرب إنجلترا، بعد تخريبه، وفق ما نقلت «بي بي سي» عن مالكي المَعْلم الشهير.

«الشرق الأوسط» (لندن)
الاقتصاد جانب من المؤتمر الصحافي الختامي لمؤتمر «كوب 16» بالرياض (الشرق الأوسط)

صفقات تجاوزت 12 مليار دولار في مؤتمر «كوب 16»

يترقب المجتمع البيئي الإعلان عن أهم القرارات الدولية والمبادرات والالتزامات المنبثقة من مؤتمر الأطراف السادس عشر لاتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة التصحر (كوب 16).

عبير حمدي (الرياض)

فيضانات منطقة المتوسط... تغير المناخ بات هنا

سيارات متضررة جراء الأمطار الغزيرة التي تسببت في حدوث فيضانات على مشارف فالنسيا إسبانيا 31 أكتوبر 2024 (رويترز)
سيارات متضررة جراء الأمطار الغزيرة التي تسببت في حدوث فيضانات على مشارف فالنسيا إسبانيا 31 أكتوبر 2024 (رويترز)
TT

فيضانات منطقة المتوسط... تغير المناخ بات هنا

سيارات متضررة جراء الأمطار الغزيرة التي تسببت في حدوث فيضانات على مشارف فالنسيا إسبانيا 31 أكتوبر 2024 (رويترز)
سيارات متضررة جراء الأمطار الغزيرة التي تسببت في حدوث فيضانات على مشارف فالنسيا إسبانيا 31 أكتوبر 2024 (رويترز)

هطول الأمطار الغزيرة ولفترات قصيرة أمر طبيعي في منطقة البحر المتوسط، ولكنه، مثل العديد من الظواهر المناخية المتطرفة في السنوات الأخيرة، لم يعد هطول الأمطار في المنطقة تقليدياً بالضرورة، وذلك لما تسبّبه مؤخراً متأثرة بتغيّر المناخ.

في الخريف، أحدثت الفيضانات القاتلة دماراً على طول قوس ممتد من إسبانيا إلى البلقان، ومن المغرب إلى ليبيا. قُتل أكثر من 200 شخص في فالنسيا الإسبانية في أكتوبر (تشرين الأول)، بعد فترة وجيزة من الطوفان الذي أغرق أوروبا بخمسة أضعاف معدل هطول الأمطار الشهري العادي في أسبوع واحد.

يقول العلماء إن تغير المناخ لا يزيد فقط من قوة العواصف المدمرة في البحر المتوسط، ​​​​ولكن أيضاً من تواترها، ويتوقعون أن يزداد الأمر سوءاً، وفق تقرير لصحيفة «نيويورك تايمز» الأميركية.

آثار السيول التي ضربت مدينة بنغازي الليبية نتيجة «إعصار دانيال» الذي ضرب البلاد 11 سبتمبر 2023 (أ.ف.ب)

كانت المناطق الساحلية في حوض البحر المتوسط ​​​​دائماً عرضة لهطول أمطار غزيرة، وخاصة في الأماكن التي توجد بها جبال بالقرب من البحر. لكن الأمر أصبح أسوأ مع ازدياد فترات هطول الأمطار الشديدة، مقارنة بعقود من الزمان فقط. في بعض المناطق، بدأت الكارثة تبدو وكأنها الوضع الطبيعي الجديد.

وقال ليوني كافيشيا، وهو عالم في المركز الأوروبي المتوسطي لتغير المناخ، إن شدة هذه الظواهر المتطرفة من المرجح أن تزداد في العقود المقبلة. ويرجع ذلك جزئياً إلى أن منطقة البحر المتوسط ​​ترتفع درجة حرارتها بالفعل بنسبة 20 في المائة أسرع من المتوسط ​​العالمي. فمع ارتفاع درجة حرارة الهواء، ترتفع قدرته على الاحتفاظ بالمياه.

تشير النماذج المناخية إلى أنه رغم تكثيف أحداث هطول الأمطار الغزيرة في منطقة البحر المتوسط، فإن متوسط ​​هطول الأمطار في هذه المنطقة سينخفض بشكل عام. بعبارة أخرى، ستكون المناطق الجافة أكثر جفافاً، رغم أن الأمطار الغزيرة عندما تأتي ستكون أكثر شدة.

دور الجغرافيا

فجغرافيا البحر المتوسط عرضة خصيصاً للفيضانات المفاجئة. الجبال والبحر المغلق ومجاري الأنهار الجافة حول البحر المتوسط ​​تجعل المنطقة معرضة بشكل خاص للفيضانات المفاجئة.

تظل معظم المجاري المائية في المنطقة جافة إلى حد ما لفترات طويلة من العام. وعندما تأتي الأمطار الغزيرة، تتركز المياه بسرعة في مجاري الأنهار شديدة الانحدار، ويمكن أن ترتفع عدة أمتار في غضون ساعات قليلة، كما قال فرانشيسكو دوتوري، أستاذ مشارك في علم المياه في كلية الدراسات العليا بجامعة بافيا بإيطاليا.

إن البحر المتوسط ​​يسخن بسرعة أكبر من المسطحات المائية الأخرى، ويرجع هذا جزئياً إلى كونه بحراً مغلقاً عملياً. وهذا يجعله مصدراً قوياً للرطوبة التي يمكن للرياح أن تحملها إلى الداخل، فتغذي أنظمة هطول الأمطار، غالباً فوق المناطق الساحلية التي يتركز فيها معظم سكان البحر المتوسط.

وتلعب كذلك التيارات الجوية القوية للتيار النفاث القطبي دوراً في طقس المنطقة. فمع تقلّب التيارات، تتشكل موجات شمال - جنوب فترسل الهواء الدافئ إلى الشمال، وترسل الهواء البارد إلى الجنوب. وفي بعض الأحيان، عندما ينفصل جزء من التيار النفاث، فإنه يشكل منخفضاً جوياً، وقد يستمر هذا المنخفض لأيام، مما يتسبب في عدم الاستقرار عندما يلتقي بالهواء الدافئ في البحر المتوسط. وهذا ما حدث في سبتمبر (أيلول)، عندما نشأت العاصفة بوريس كأحد أنظمة الضغط الجوي المنخفض، واستمرت في التسبب في دمار بوسط وجنوب أوروبا، حيث قتلت 24 شخصاً على الأقل.

وكان منخفض جوي آخر هو الذي تسبب في الفيضانات بعد فترة وجيزة في فالنسيا بإسبانيا، حيث تُوفي المئات.

وفي عام 2023، تسبب انخفاض في درجات الحرارة فوق اليونان في إطلاق العاصفة «دانيال»، (عُرف باسم «إعصار دانيال»)، التي اشتدت قوتها مع عبورها البحر المتوسط ​​إلى ليبيا، ما أسفر عن مقتل 13200 شخص في ليبيا بعد انهيار سدين.

النمو السكاني

ويعني النمو السكاني في منطقة المتوسط أن المزيد من الناس معرّضون للخطر على مدى العقود الأخيرة، فقد أصبحت معظم المناطق الساحلية ومناطق السهول الفيضية في منطقة البحر المتوسط ​​أيضاً حضرية بكثافة، مما يترك مساحة صغيرة للممرات المائية. ولا تؤدي هذه التغييرات إلى تضخيم خطر الفيضانات فحسب، بل تضع كذلك المزيد من الناس في طريق الأذى.

أشخاص يسيرون في شوارع غمرتها المياه في فالنسيا بإسبانيا جراء الفيضانات التي ضربت المنطقة أكتوبر 2024 (أ.ب)

أصبحت الفيضانات أقل فتكاً بشكل عام بفضل التحسينات في هياكل الحماية من الفيضانات وأنظمة الإنذار المبكر. لكن الخبير دوتوري، الذي ساعد في تطوير نظام التوعية بالفيضانات الأوروبي، قال إن المزيد من المنازل والممتلكات يتعرض للضرر بسبب التنمية الحضرية والنمو السكاني.

لقد تضاعف عدد سكان دول البحر المتوسط ​​​​أكثر من الضعف منذ ستينات القرن العشرين. واليوم، يقيم نحو 250 مليون شخص في دول البحر المتوسط ​​​​في أحواض الأنهار، حيث تكون الفيضانات أكثر احتمالية.