في مشهد أعاد إلى أذهان المصريين ذكرى لم تتكرر منذ عام 1974. حين استقبل الرئيس المصري آنذاك أنور السادات في يوليو (تموز) بالقاهرة، الرئيس الأميركي الأسبق ريتشارد نيكسون الذي دعاه لزيارة مصر كأول زيارة رسمية لرئيس أميركي بعد حرب أكتوبر (تشرين الأول) 1973. استقبل أيضًا المصريون اليوم الاثنين الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في زيارته الهامة إلى مصر.
وامتلأت شوارع العاصمة القاهرة بالكثير من الملصقات التي تحمل صور بوتين، مع عبارات من الترحيب والمحبة للرئيس الروسي وذلك قبل وصوله إلى البلاد بساعات، وتحت شعار «الشعب المصري يرحب بالرئيس بوتين»، و«مرحبا بكم في مصر»، توافد على مطار القاهرة الدولي العشرات من المواطنين المصريين لاستقبال الرئيس الروسي، حاملين اللافتات باللغات الروسية والعربية والإنجليزية، وكذلك الأعلام المصرية وصور للرئيسين المصري والروسي.
وقامت سلطات مطار القاهرة بتخصيص أماكن للمواطنين المتوافدين على المطار بالقرب من الصالة الرئاسية، ونقل لهم بعض المقاعد المخصصة للركاب للانتظار والاستراحة عليها نظرا للفترة الكبيرة التي سيمكثونها بالمطار انتظارا لوصول الرئيس الروسي. فيما تصدرت صور بوتين جانبي الطرق الرئيسية المصرية وكذلك في محيط السفارة الروسية بالقاهرة في حي الدقي الراقي. وفي السياق ذاته، طرح المركز الثقافي الروسي من خلال صفحاته على مواقع التواصل الاجتماعي هدايا خاصة وخصومات على ما يقدمه من منح دراسية وتعليمية بمناسبة زيارة الرئيس الروسي لمصر.
وتأتي هذه الزيارة ضمن تاريخ مليء بالأحداث والمشاهد ما بين البلدين، ضمت محطات كثيرة متباينة ومختلفة باختلاف الرؤساء، ولكن الأبرز هنا هو الاستقبال الشعبي الذي يُعيد مشهد زيارة نيكسون حيث شهدت شوارع القاهرة حينها استقبالا جماهيريا من المواطنين، وخروجهم إلى شرفات المنازل لرؤية الرئيس المصري السادات ونظيره الأميركي في سيارة السادات المكشوفة الشهيرة، ملوحين لهم بالأعلام والورود والهتافات.
وكانت هناك قصة مشهورة حول طلب الحرس الأميركي كتابة تعهد من الرئيس المصري بالحفاظ على حياة الرئيس الأميركي في حال ركوب السيارة المكشوفة، خاصة مع المخاوف المكنونة في النفوس الأميركية منذ واقعة اغتيال الرئيس الأسبق جون كيندي في سيارة مكشوفة بالولايات المتحدة في يوم الجمعة 22 نوفمبر (تشرين الثاني) من عام 1963.
ويقال: إنه عند وصول الموكب إلى قصر القبة الرئاسي، كانت الجماهير تتجمع في محيط القصر. فسمح لهم بالدخول، وألقى الرئيس الأميركي حينها كلمة مرتجلة لم تكن مدرجة على جدول الزيارة، وقال جملته الشهيرة «إنه من طول خبرته في الاحتكاك بالجماهير والشعوب، يعلم بحاسته الخفية الفرق بين استقبال شعبي نظمته الحكومات ضد رغبة الشعب؛ والاستقبال الشعبي الصادر عن القلب وبلا أي ترتيب رسمي.. وهو الذي حدث الآن في القاهرة عاصمة الشرق والعالم العربي».
وأثارت تلك الزيارة والاستقبال الذي واكبها ردود فعل مختلفة ما بين مؤيد ومعارض في الشارع المصري، فما كان من الشاعر الراحل أحمد فؤاد نجم، وكان من أبرز معارضي الزيارة، إلا أن نظم قصيدته الشهيرة «نيكسون بابا» التي تعبر عن رفض قطاع من المواطنين هذا الاستقبال الحافل.
وظلت تلك الزيارة تلاحق سماء المبدعين المصريين، بما فيها من مشاهد كانت جديدة على الحياة المصرية. وفي منتصف التسعينات من القرن الماضي كتب الأديب والروائي المصري يوسف القعيد رواية سياسية ساخرة «يحدث في مصر الآن» عن تلك الزيارة، والتي تحولت إلى عمل سينمائي تحت عنوان «زيارة السيد الرئيس».
ويرى القعيد أن زيارة نيكسون ربما تتشابه مع زيارة بوتين بشكل ما، ويقول القعيد لـ«الشرق الأوسط»: «نعم إن الزيارتين متشابهتان إلى حد ما من حيث استقبال رئيس دولة ذات وضع كبير في العالم وتسيطر على أمور كثيرة من حولنا.. وربما أكثر الأمور تشابهًا هو الانعطافة الحالية تجاه روسيا رغم اختلاف الزمن واختلاف التاريخ والزعيم. تلك الدلالة التي لاقتها زيارة نيكسون على العلاقات المصرية الأميركية، والتي كانت بمثابة بداية للانعطافة في تاريخ العلاقات المصرية الأميركية.. ولكنها (الزيارة الحالية) أقل من حيث الاحتفاء والاستقبال الجماهيري، رغم امتلاء الشوارع والكباري بالملصقات المرحبة».
وعن روايته يحدث الآن في مصر، يقول: «بعد زيارة نيكسون لمصر، قرأت للصحافي فؤاد زكريا في مجلة (روزاليوسف) أن زيارة نيكسون لمصر كانت بمثابة استفتاء على مستقبل أميركا في المنطقة.. فاستفزتني العبارة وكتبت الرواية التي تحولت إلى فيلم تدور أحداثه في إطار كوميدي اجتماعي حول إحدى القرى الفقيرة في مصر، حيث تصل إلى رئيس مجلس القرية (الفنان محمود عبد العزيز) أنباء عن أن قطار الرئاسة الذي يحمل رئيس الجمهورية والرئيس الأميركي سوف يمر من القرية ويتوقف فيها قليلًا.. فتبدأ القرية بسكانها جميعا بتحسين وتزيين القرية، ويحلم الجميع بالمعونة الأميركية والاهتمام بالقرية ومواطنيها وفرص عمل. ويقرر طبيب القرية مثلا أن المعونة التي ستأتي ستكون من نصيب النساء الحوامل فقط، فينشط رجال القرية لجعل نسائهم حوامل بما فيهم رئيس المجلس وزوجته، ويعارضهم البعض المعترض على انتظار المعونة وتنشأ صراعات تنتهي جميعا بخيبة أمل في نهاية الفيلم بعدم توقف القطار في القرية».
ويضيف القعيد: «وفي الحقيقة، اصطحب الرئيس السادات نيكسون في رحلة بالقطار الرئاسي حينها، وكانوا يتوقفون في كل محطة يمرون بها، وذلك من كثرة الاحتفالات التي كانت تقابلهم من الأهالي، التي كانت بمثابة دلالة وترحيب بالأحلام الاقتصادية والسياسية والاجتماعية الجديدة».
ويكمل القعيد: «ربما تكون زيارة بوتين استفتاء شعبيا جديدا على العلاقات المصرية - الروسية التي تحاول أن تُعيد أمجادها من جديد. فبعض الأخبار مثلا تقول: إن الرئيس الروسي سوف يتناول عشاءه الأول في برج القاهرة الليلة كيدًا في الأميركيين، والجميع يعرف أن هذا البرج صاحب القصة التاريخية الشهيرة حيث بناه الرئيس جمال عبد الناصر وتكلف بناؤه 6 ملايين جنيه مصري وقتها، وهي الأموال التي كانت الولايات المتحدة قد أعطتها لمصر بهدف التأثير على موقفها المؤيد للقضية الجزائرية ضد الاحتلال الفرنسي، وأراد عبد الناصر أن يبني بناء يظل علمًا بارزًا مع الزمن يعلم المصريين الكرامة؛ وحتى وإن كانوا في أشد الاحتياج».
صور بوتين تملأ شوارع القاهرة مذكرة باستقبال نيكسون
يوسف القعيد لـ«الشرق الأوسط»: أجواء الزيارة ربما تهدف لاستفتاء شعبي جديد على بوصلة العلاقات المصرية
صور بوتين تملأ شوارع القاهرة مذكرة باستقبال نيكسون
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة