بعد 9 سنوات على فرض حظر التجول.. بغداد بتوقيت نفسها

سباق سيارات ودراجات ورقص في الشوارع حتى الفجر

شبان عراقيون يحتفلون برفع حظر التجول في بغداد بعد منتصف الليلة قبل الماضية (أ.ف.ب)
شبان عراقيون يحتفلون برفع حظر التجول في بغداد بعد منتصف الليلة قبل الماضية (أ.ف.ب)
TT

بعد 9 سنوات على فرض حظر التجول.. بغداد بتوقيت نفسها

شبان عراقيون يحتفلون برفع حظر التجول في بغداد بعد منتصف الليلة قبل الماضية (أ.ف.ب)
شبان عراقيون يحتفلون برفع حظر التجول في بغداد بعد منتصف الليلة قبل الماضية (أ.ف.ب)

على خلاف الأيام السابقة الممتدة إلى تسع سنوات مضت، عندما كان العد التنازلي للحياة في مدينة بغداد يبدأ منذ الساعة العاشرة والنصف ليلا لينتهي عند منتصف الليل مع دخول حظر التجوال حيز التنفيذ، بدأت في ساعات مبكرة مساء أول من أمس التحضيرات لاحتفالية كبرى في العاصمة العراقية استعدادا لإحياء ليلة الفرح الكبير عند منتصفها مع سريان مفعول قرار رفع حظر التجوال.
وفي تمام الساعة الحادية عشرة والنصف مساء في منطقة العرصات بحي الكرادة، أحد أشهر أحياء بغداد الذي كان أول الأحياء البغدادية المشمولة بقرار رئيس الوزراء حيدر العبادي بشأن «نزع السلاح»، راقبت «الشرق الأوسط» انتشار عشرات السيارات من طرازي «شيروكي» و«كرايسلر» يقودها شباب في أوائل العشرينات من العمر أمام فرع شركة «شيروكي» في مدخل شارع العرصات، وكانت تنطلق منها الأغاني والأناشيد الحماسية، فضلا عن حركات «بهلوانية». واختلطت الأصوات الخارجة من تلك السيارات مع الأصوات التي كانت تطلقها سيارات الشرطة والنجدة التي هبت لمراقبة المشهد دون التدخل في تفاصيله.
وإذا كان المشهد، الذي استمر حتى الفجر، يفسر نفسه إلى حد كبير فإن هناك ما هو مخفي في تفاصيله، لا سيما على صعيد انفراد هذا النوع وحده من السيارات بإحياء هذه الاحتفالية رغم أن الأمر شمل حتى سيارات «السايبا» الإيرانية الصفراء وهي سيارات أجرة صغيرة الحجم. وسألت «الشرق الأوسط» كرار الخفاجي مدير شركة «شيروكي» في بغداد عن الكيفية التي تم فيها الاتفاق مع كل أصحاب هذه السيارات، فأجاب أن «هؤلاء الشباب الذين سبق لهم أن اشتروا هذه السيارات من شركته غالبيتهم ينتمون إلى أندية للسباق، ولكن لم تكن تتاح لهم في السابق فرصة لإظهار مواهبهم وإبداعاتهم في هذا المجال بسبب الازدحامات في الشوارع خلال النهار وفرض حظر التجوال ليلا». ويضيف الخفاجي: «بعد القرار الذي اتخذته الحكومة برفع حظر التجوال فقد تم الاتفاق مع أصحاب هذه السيارات على التجمع أمام مقر شركتنا في تمام الساعة الحادية عشرة والنصف مساء للبدء بمسيرة في شوارع بغداد، لا سيما الكرادة خارج، والسعدون والكرادة داخل، حيث تكون الشوارع شبه فارغة رغم الاحتفالات الجماهيرية العفوية». وعن عدد السيارات التي شاركت في المسيرة يقول الخفاجي، إن «عدد السيارات المشاركة يبلغ 300 سيارة».
حين بدأت هذه الجموع من السيارات بالمسير وسط حركات مثيرة لبعضها وشقت طريق العرصات الطويل نظرت إلى ساعتي. كانت في تمام الساعة الثانية عشرة إلا ثلثا. كانت تحدوني الرغبة في أن أعبر حين ينتصف الليل جسر الجمهورية (واحد من أشهر جسور بغداد والمحاذي للمنطقة الخضراء من جهة كرادة مريم في جانب الكرخ). المسافة بالسيارة من العرصات حتى ساحة التحرير وجسر الجمهورية لا تستغرق في ظل حركة طبيعية للسيارات سوى خمس دقائق. انطلقت بعيدا عن سيارات «شيروكي» وحركات بعضها المثيرة وأخذت شارع الكرادة خارج ومن ثم شارع السعدون. ما لفت نظري بقاء الكثير من الأسواق بما فيها أسواق الفواكه والخضراوات والأكشاك التي تبيع الشاي و«المكسرات» على جانبي الطريق، فضلا عن مطاعم الباجة (أكلة عراقية شهيرة) في شارع السعدون. ولأنني كنت قد تناولت عشائي في مطعم السفينة العائم في نهر دجلة في تمام الساعة العاشرة والنصف مساء فقد سألت «أبو مينا»، صاحب المطعم، عن الوقت الذي كان المطعم يغلق أبوابه أمام الزبائن ن فأجاب: «أقصى ما كنا نبقى فيه نقدم خدمات لزبائننا هي العاشرة والنصف ليلا لأن لدينا عمالا يأتون من مناطق مختلفة من بغداد وبالتالي يحتاجون وقتا حتى الساعة الحادية عشرة والنصف لتنظيف المطعم ومن ثم يذهبون إلى منازلهم»، مشيرا إلى أن «الأمر اختلف اليوم، حيث إن بإمكاننا البقاء حتى الساعة الثانية عشرة ليلا نقدم الخدمات لزبائننا طالما أنه لا يوجد حظر». واستدرك قائلا، إن «قرارنا هذا سوف يبدأ من يوم الأحد، أما اليوم فإننا وكما ترى الآن أغلقنا المطعم وداعا لسنوات حظر التجوال».
وفي الطريق إلى ساحة التحرير من شارع السعدون كان كشك لبيع الشاي. وبسؤال لبائع، واسمه حقي حسين، ما إذا يبقى يوميا إلى تلك الساعة، ضحك بوجهي قائلا: «في مثل هذا الوقت أكون نائما».
لم يتبق لدي سوى ثلاث دقائق لينتصف الليل ببغداد. وصلت إلى ساحة التحرير التي كان يجري فيها احتفال كبير. أديت واجبي كمواطن حرصت بعض الفضائيات أن تأخذ رأيه. ومن ساحة الطيران عدت ثانية إلى ساحة التحرير حتى توجهت في تمام الساعة الثانية عشرة وأربع دقائق نحو جسر الجمهورية الذي كان يغلق أبوابه الحديدية في تمام الساعة الثانية عشرة ليلا طوال السنوات الماضية. حين اقتربت من نقطة التفتيش أنزلت زجاج السيارة وسلمت بحرارة على عناصر الأمن الذين حيوني بأحسن منها وأشاروا لي وسط هاجس خفي بالحذر من إمكانية أن يقول لي أحدهم «هذا الجسر غير مشمول لقربه من المنطقة الخضراء أو أي عذر آخر». لكن ما حصل هو أن الجميع تبادل الابتسامة معي وسمحوا لي بالمضي بمحاذاة المنطقة الخضراء.
وصلت إلى نقطة تفتيش قريبة من المنطقة الخضراء وتبادلت التحية مع عناصرها وهو ما يحصل تقريبا للمرة الأولى إذ كانت العلاقات بين عناصر نقاط التفتيش والمواطنين ملتبسة. لكن اليوم اختلف الأمر كثيرا. سألت عنصرا في نقطة تفتيش بساحة النسور في طريقي إلى المنصور عما اختلف اليوم عن الأمس؟ رد بابتسامة مخادعة: «قل أنت». رمى الكرة في ملعبي إذن.
وفي طريقي إلى المنزل هاتفت زميلي الإعلامي شاكر حامد، الذي تركته قبل أكثر من ساعة قرب مقر شركة «شيروكي»، وسألته عما تغير من وجهة نظره. أجابني قائلا، «أحسست بأن الناس بحاجة إلى الفرح رغم جراحهم النازفة»، مضيفا أنه «رغم أنه لا أحد يمكن أن يتجول بعد منتصف الليل إلا للحالات الطارئة، فإن هناك شعورا بأن قرار حظر التجوال هو عبارة عن قيد نفسي مفروض على الناس لذلك فإن الناس بدأت تشعر بنوع من الكبت». ويشير حامد إلى أن «نمط الاحتفالات العفوية التي نشاهدها في مختلف الشوارع ببغداد طبيعي جدا لأناس يريدون أن يشعروا بمدنيتهم التي تتميز بها بغداد عبر العصور، حيث كانت كل بغداد في سجن كبير، بينما يكفي أن بغداد هي مدينة ألف ليلة وليلة».



أحداث سوريا تدفع الحوثيين لإطلاق مجاميع من المعتقلين

الحوثيون هددوا برد قاسٍ على أي تحرك وقالوا إنهم أقوى من النظام السوري (إعلام حوثي)
الحوثيون هددوا برد قاسٍ على أي تحرك وقالوا إنهم أقوى من النظام السوري (إعلام حوثي)
TT

أحداث سوريا تدفع الحوثيين لإطلاق مجاميع من المعتقلين

الحوثيون هددوا برد قاسٍ على أي تحرك وقالوا إنهم أقوى من النظام السوري (إعلام حوثي)
الحوثيون هددوا برد قاسٍ على أي تحرك وقالوا إنهم أقوى من النظام السوري (إعلام حوثي)

دفعت الأحداث المتسارعة التي شهدتها سوريا الحوثيين إلى إطلاق العشرات من المعتقلين على ذمة التخطيط للاحتفال بالذكرى السنوية لإسقاط أسلافهم في شمال اليمن، في خطوة تؤكد المصادر أنها تهدف إلى امتصاص النقمة الشعبية ومواجهة الدعوات لاستنساخ التجربة السورية في تحرير صنعاء.

وذكرت مصادر سياسية في إب وصنعاء لـ«الشرق الأوسط» أن الحوثيين أطلقوا دفعة جديدة من المعتقلين المنحدرين من محافظة إب (193 كيلومتراً جنوب صنعاء) بعد مضي ثلاثة أشهر على اعتقالهم بتهمة الدعوة للاحتفال بالذكرى السنوية للإطاحة بنظام حكم الإمامة في شمال البلاد عام 1962.

الكثيري والحذيفي بعد ساعات من إطلاق سراحهما من المعتقل الحوثي (إعلام محلي)

وبيّنت المصادر أن معتقلين آخرين من صنعاء تم إطلاق سراحهم أيضاً، ورأت أن هذه الخطوة تهدف إلى امتصاص النقمة الشعبية على إثر انكشاف حجم الجرائم التي ظهرت في سجون النظام السوري، الذي كان حليفاً للحوثيين.

وبحسب هذه المصادر، تم إطلاق سراح محمد الكثيري، وهو أول المعتقلين في محافظة إب، ومعه الناشط الحوثي سابقاً رداد الحذيفي، كما أُطلق سراح المراهق أمجد مرعي، والكاتب سعيد الحيمي، والطيار الحربي مقبل الكوكباني، مع مجموعة من المعتقلين الذين تم نقلهم إلى السجون السرية لمخابرات الحوثيين في صنعاء.

وتوقعت المصادر أن يقوم الحوثيون خلال الأيام المقبلة بإطلاق دفعة من قيادات حزب «المؤتمر الشعبي» الذين اعتقلوا للأسباب ذاتها.

امتصاص النقمة

كان الحوثيون، وفقاً للمصادر السياسية، يرفضون حتى وقت قريب إطلاق سراح المعتقلين الذين يُقدر عددهم بالمئات، وأغلبهم من محافظة إب، ومن بينهم قيادات في جناح حزب «المؤتمر الشعبي»، أمضوا أكثر من ثلاثة أشهر في المعتقل واتُهموا بالتخطيط لإشاعة الفوضى في مناطق حكم الجماعة من خلال دعوة السكان للاحتفال بذكرى الإطاحة بنظام حكم الإمامة.

تعنت حوثي بشأن إطلاق سراح قيادات حزب «المؤتمر الشعبي» (إعلام محلي)

وبيّنت المصادر أن الجهود التي بذلتها قيادة جناح حزب «المؤتمر» المتحالف شكليّاً مع الحوثيين، وكذلك الناشطون والمثقفون والشخصيات الاجتماعية، وصلت إلى طريق مسدود بسبب رفض مخابرات الحوثيين الاستجابة لطلب إطلاق سراح هؤلاء المعتقلين، على الرغم أنه لا يوجد نص قانوني يجرم الاحتفال بذكرى الثورة (26 سبتمبر 1962) أو رفع العلم الوطني، فضلاً عن أن الجماعة فشلت في إثبات أي تهمة على المعتقلين عدا منشورات على مواقع التواصل الاجتماعي تدعو للاحتفال بالمناسبة ورفع الأعلام.

وتذكر المصادر أنه عقب الإطاحة بنظام الرئيس السوري بشار الأسد وانكشاف حجم الانتهاكات والجرائم التي كانت تُمارس في سجونه، ووسط دعوات من أنصار الحكومة المعترف بها دولياً لإسقاط حكم الحوثيين على غرار ما حدث في سوريا وتفكك المحور الإيراني في المنطقة، سارعت الجماعة إلى ترتيب إطلاق الدفعات الجديدة من المعتقلين من خلال تكليف محافظي المحافظات باستلامهم والالتزام نيابة عنهم بعدم الاحتفال بذكرى الإطاحة بالإمامة أو رفع العلم الوطني، في مسعى لامتصاص النقمة الشعبية وتحسين صورتها أمام الرأي العام.

مراهق أمضى 3 أشهر في المعتقل الحوثي بسبب رفع العلم اليمني (إعلام محلي)

ورغم انقسام اليمنيين بشأن التوجهات الدينية للحكام الجدد في سوريا، أجمعت النخب اليمنية على المطالبة بتكرار سيناريو سقوط دمشق في بلادهم، وانتزاع العاصمة المختطفة صنعاء من يد الحوثيين، بوصفهم أحد مكونات المحور التابع لإيران.

وخلافاً لحالة التوجس التي يعيشها الحوثيون ومخاوفهم من أن يكونوا الهدف المقبل، أظهر قطاع عريض من اليمنيين، سواء في الشوارع أو على مواقع التواصل الاجتماعي، ارتياحاً للإطاحة بنظام الحكم في سوريا، ورأوا أن ذلك يزيد من الآمال بقرب إنهاء سيطرة الحوثيين على أجزاء من شمال البلاد، ودعوا الحكومة إلى استغلال هذا المناخ والتفاعل الشعبي للهجوم على مناطق سيطرة الحوثيين.