المحافظات الجنوبية تصعد من لهجتها وتتوعد بخطوات «مؤلمة»

مسؤول الأمن في عدن لـ «الشرق الأوسط»: أعددنا خطة أمنية لتأمين المحافظة من التمدد الحوثي

مسلحون مؤيدون للحراك الجنوبي أمام نقطة تفتيش في ميناء مدينة عدن الجنوبي (رويترز)
مسلحون مؤيدون للحراك الجنوبي أمام نقطة تفتيش في ميناء مدينة عدن الجنوبي (رويترز)
TT

المحافظات الجنوبية تصعد من لهجتها وتتوعد بخطوات «مؤلمة»

مسلحون مؤيدون للحراك الجنوبي أمام نقطة تفتيش في ميناء مدينة عدن الجنوبي (رويترز)
مسلحون مؤيدون للحراك الجنوبي أمام نقطة تفتيش في ميناء مدينة عدن الجنوبي (رويترز)

قال القائم بأعمال مدير أمن محافظة عدن الجنوبية لـ«الشرق الأوسط»، إن هناك خطة أمنية لتأمين المحافظة من أي تمدد ميليشيات الحوثي، فيما صعدت السلطات التنفيذية في المحافظات الجنوبية من لهجتها تجاه «الانقلابيين الحوثيين»، متوعدة تلك الميليشيات بخطوات «مؤلمة خلال الأيام المقبلة».
وأوضح العقيد محمد مساعد، القائم بأعمال مدير أمن عدن في تصرح لـ«الشرق الأوسط»، أن هناك خطة أمنية لتأمين المحافظة بشكل عام من أي وجود حوثي، وذلك من خلال نشر النقاط في الطرق الرئيسية والحزام الأمني، بالاتفاق والتنسيق بشكل كلي مع اللجان الشعبية، التي قال إنهم في جهاز الشرطة يعملون جنبا إلى جنب مع تلك اللجان. ويعد العقيد محمد مساعد أحد القادة العسكريين البارزين في جهاز الأمن، حيث تم تكليفه من قبل اللجنة الأمنية في محافظة عدن، قبل أياما فقط، بالقيام بأعمال مدير أمن عدن خلفا للدكتور مصعب، وكان يشغل قبل ذلك منصب النائب الثاني لمدير الأمن، ولكن حنكته العسكرية وتواصله الدائم مع وسائل الإعلام دفعت باللجنة الأمنية إلى تكليفه بالقيام بإدارة الأمن في المحافظة.
وأكد العقيد محمد مساعد، أن اللجان الشعبية الجنوبية موجودة في محافظة عدن وعدد من محافظات الجنوب وهي تساند الجيش والأمن، حيث انتشرت في كل المرافق الحكومية، حول المساعي التي تقوم بها ميليشيات الحوثي من خلال عدد من القيادات الأمنية التي تتوالى مناصب رفيعة في المحافظة قال القائم بأعمال مدير أمن عدن لـ«الشرق الأوسط»، إن «هذا غير وارد، وإن عملهم في جهاز الشرطة يتم بتنسيق كامل مع كل الوحدات بالمحافظة، ولا يوجد تواطؤ من أي قيادات بغض النظر عن انتماءاتها أو موالاتها».
واتفقت السلطة المحلية والتنفيذية بإقليم عدن الذي يضم محافظات (عدن، لحج، أبين، الضالع)، على اتخاذ وسائل وصفتها بـ«المؤلمة» للضغط على ميليشيات الحوثي وكل القوى التي تريد خطف الشرعية الدستورية والشعبية والمتمثلة بانتخاب الرئيس عبد ربه منصور وبإجماع كل القوى السياسية، وفقا للمبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية، حيث أكدت في اجتماعا موسعا لها عقدته أمس بمحافظة عدن، أن تلك الخطوات اتخذت بعد التنسيق مع بقية الأقاليم لتشمل أقاليم المحافظات الجنوبية والشرقية وكذا إقليم الجند وسبأ.
وأقرت المحافظات الجنوبية دراسة خطط مستقبلية لمواجهة التحديات الاقتصادية في المرحلة المقبلة وعلى وجه التحديد تنظيم الجوانب المالية وبما يحقق الاكتفاء الذاتي وتأمين الخدمات الضرورية والمرتبات والأجور إلى جانب ترتيب الملفات الأمنية وتوسيع دائرة الاستفادة من اللجان الشعبية بصورة أوسع ومن جميع المحافظات المحيطة.
وبارك اللقاء الموسع البيان الصادر عن لقاء تشاور محافظي المحافظات الجنوبية والشرقية بشأن عدم التعامل مع من وصفهم بـ«الانقلابيين»، وأجمع اللقاء على أن يتوسع التنسيق إلى إقليم الجند ومنه إلى بقية الأقاليم على مستوى البلاد، كما دعا اللقاء، الحراك الجنوبي إلى عقد لقاءت وعمل تنسيق مع السلطة المحلية في كل المحافظات وصولا لعمل موحد في الحفاظ على الأمن والاستقرار، واستشعار الحالة الاستثنائية التي يعيشها البلد حاليا، والتي قال إنها في أمس الحاجة لتوحيد الجهود لمنع أساليب الاستقواء وسياسة فرض الأمر الواقع لما في ذلك من مآلات خطيرة تهدد التماسك الاجتماعي وتدمر البلد.
وقال محافظ محافظة عدن الدكتور عبد العزيز بن حبتور، إن الدولة دائما تدار عبر آليات وخطط قانونية، وليس بالخطابات العاطفية والعشوائية التي ينتهجها البعض في إشارة إلى خطاب زعيم الحوثيين الذي ألقاه أول من أمس، مؤكدا أن الرئيس عبد ربه منصور هادي ليس جنوبيا فقط، بل يمني خرجت كل جماهير الشعب لانتخابه رئيسا توافقيا للجمهورية اليمنية.
وقال بن حبتور خلال كلمة ألقاها أثناء اللقاء، إن السلطة المحلية في إقليم عدن وبالتشاور مع قيادات المحافظات الجنوبية سوف تركز في المقام الأول على تشكيل فريقين فريق يهتم بالواقع الاقتصادي والفريق الآخر يهتم بالجانب الأمني وبالتنسيق مع اللجان الشعبية التي سيتم توزيعها على كل المحافظات لمساندة الأمن، وذلك لتشكيل حزام أمني يعمل على حفظ وصون الرقعة الجغرافية لتلك المحافظات للعمل بروح المسؤولية لسد الطريق أمام غول الإرهاب وكل من يريد أن ينصب نفسه حاكما للبلد عبر الانقلابات مثل ما حصل للعاصمة صنعاء.
وحول الإعلان الدستوري التي أعلنته ميليشيات الحوثي، قال بن حبتور: «إن ما حصل في العاصمة صنعاء هو عمل ممجوج لفئة قليلة لم يكن هو الأول والأخير في تاريخ اليمن أو على مستوى الوطن العربي، ولكن هي محاولة فاشلة مهما كان الأمر»، مشددا على الجميع العمل بكل إخلاص وحماية مؤسسات الدولة والمواطنين بمحافظة عدن وباقي المحافظات، وألا نترك فراغا للعبث بها من قبل تجار الحروب وأصحاب المصالح الشخصية والضيقة.
واختتم بن حبتور كلمة بالتأكيد على أن السلطة المحلية بمحافظة عدن، تعمل على تنفيذ الكثير من الإجراءات لعودة بث قناة «عدن» الرسمية التي قال إن جماعة الحوثي صادرت البث واحتكرت القناة كباقي المؤسسات التي تعرضت للاستيلاء في العاصمة صنعاء، مؤكدا أنه سوف يتم إنجازها والبدء في البث المباشر والحي من قناة عدن الفضائية قريبا.



«دواء مر»... مخاوف عميقة وشراكة قلقة تجمع مصريين بـ«النقد الدولي»

السيسي ومديرة صندوق النقد الدولي الأحد في القاهرة (الرئاسة المصرية)
السيسي ومديرة صندوق النقد الدولي الأحد في القاهرة (الرئاسة المصرية)
TT

«دواء مر»... مخاوف عميقة وشراكة قلقة تجمع مصريين بـ«النقد الدولي»

السيسي ومديرة صندوق النقد الدولي الأحد في القاهرة (الرئاسة المصرية)
السيسي ومديرة صندوق النقد الدولي الأحد في القاهرة (الرئاسة المصرية)

رغم قناعتهم بأنه الملجأ وقت الأزمات، وأنه الطريق الذي «لا بديل عنه» عندما تعصف التحديات الاقتصادية بالدولة، تجمع شراكة «قلقة» مصريين بـ«صندوق النقد الدولي»، وسط مخاوف عميقة من تبعات الالتزام بشروطه وتأثيرها في قدرتهم على تلبية احتياجاتهم اليومية، حتى باتت صورة الصندوق لدى كثيرين أشبه بـ«الدواء المر»، يحتاجون إليه للشفاء لكنهم يعانون تجرعه.

على قارعة الطريق جلست سيدة محمود، امرأة خمسينية، تبيع بعض الخضراوات في أحد شوارع حي العجوزة، لا تعلم كثيراً عن صندوق النقد وشروطه لكنها تدرك أن القروض عادةً ما ترتبط بارتفاع في الأسعار، وقالت لـ«الشرق الأوسط» ببساطة: «ديون يعني مزيداً من الغلاء، المواصلات ستزيد والخضار الذي أبيعه سيرتفع سعره».

وتنخرط مصر حالياً في تنفيذ برنامج إصلاح اقتصادي مع صندوق النقد الدولي تم الاتفاق عليه في نهاية 2022، بقيمة ثلاثة مليارات دولار، قبل أن تزيد قيمته في مارس (آذار) الماضي إلى ثمانية مليارات دولار، عقب تحرير القاهرة لسعر الصرف ليقترب الدولار من حاجز الـ50 جنيهاً. وتلتزم مصر في إطار البرنامج بخفض دعم الوقود والكهرباء وسلع أولية أخرى، مما دفع إلى موجة غلاء يشكو منها مصريون.

«دواء مر»، هكذا وصف الخبير الاقتصادي الدكتور مصطفى بدرة، قروض صندوق النقد الدولي، مشيراً إلى ما يثيره «الصندوق»، في نفوس المصريين من «قلق»، ارتباطاً بما تولِّده «الديون والقروض» في نفوسهم من «أعباء ومخاوف».

يقول بدرة لـ«الشرق الأوسط» إن «المصريين دائماً ما يتحفزون ضد الصندوق نظراً لمتطلباته التي عادةً ما تؤثر في حياتهم وتزيد من أعبائهم المالية». وفي الوقت نفسه يؤكد بدرة أنه «لم يكن هناك باب آخر أمام الدولة المصرية إلا الصندوق في ظل أزمة اقتصادية بدأت عام 2011، وتفاقمت حدتها تباعاً».

كان الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، قد أكد خلال لقائه ومديرة صندوق النقد الدولي كريستالينا غورغييفا، الأحد، في القاهرة أن «أولوية الدولة هي تخفيف الضغوط والأعباء عن كاهل المواطنين».

وتأتي زيارة غورغييفا للقاهرة عقب دعوة السيسي، نهاية الشهر الماضي، لمراجعة قرض صندوق النقد مع مصر «حتى لا يشكل عبئاً على المواطن» في ظل التحديات الجيوسياسية التي تعاني منها البلاد، وأعلن رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي أن «المراجعة الرابعة للقرض ستبدأ الثلاثاء»، وهي واحدة من أصل ثماني مراجعات في البرنامج.

الوصفة الاقتصادية القياسية التي يقدمها صندوق النقد عادةً ما ترتبط بالسياسة النقدية والمالية، لكنها «لا تشكل سوى ثلث المطلوب لتحقيق الإصلاح الاقتصادي والهيكلي»، حسب الخبير الاقتصادي هاني توفيق الذي أشار إلى أنه «لا ينبغي ربط كل الأعباء والتداعيات الاقتصادية بقرض صندوق النقد».

وقال لـ«الشرق الأوسط»: «اشتراطات صندوق النقد أو متطلباته أمور منطقية لكن لا بد أن تمتزج بخطوات إصلاح هيكلي اقتصادي لتحفيز الاستثمار والنظر في الأولويات».

بدوره، قال الخبير الاقتصادي المصري، مدحت نافع لـ«الشرق الأوسط» إن «صندوق النقد كأي مؤسسة مالية أخرى هو جهة مقرضة، لديها شروط مرتبطة بحجم مخاطر الدين وبأجندتها التي قد لا تتوافق دائماً مع أجندة الدولة وأولوياتها الوطنية».

ولفت نافع إلى أن «دراسات عدة أشارت إلى أن برامج صندوق النقد عادةً ما تحقق أهدافاً جيدة على المدى القصير من حيث كبح جماح التضخم وتحرير سعر الصرف، لكنها على المدى الطويل قد تؤدي إلى تداعيات سلبية على مستويات النمو الاقتصادي ونسب عجز الموازنة والبطالة».

لكن رغم ذلك يؤكد نافع أن «مصر كانت بحاجة إلى قرض صندوق النقد»، فهو على حد وصفه «شهادة دولية تتيح لمصر الحصول على تمويلات أخرى كانت في أمسّ الحاجة إليها في ظل أزمة اقتصادية طاحنة».

علاقة مصر مع صندوق النقد تاريخية ومعقدة، ويرتبط في مخيلة كثيرين بوصفات صعبة، تدفع نحو اضطرابات سياسية وأزمات اقتصادية، وربما كان ذلك ما حفَّزهم أخيراً لتداول مقاطع فيديو للرئيس الراحل حسني مبارك يتحدث فيها عن رفضه الانصياع لشروط الصندوق، حتى لا تزيد أعباء المواطنين، احتفى بها رواد مواقع التواصل الاجتماعي.

وهنا يرى بدرة أن «الظروف السياسية والاقتصادية في عهد مبارك كانت مغايرة، والأوضاع كانت مستقرة»، مشيراً إلى أن «مبارك استجاب لمتطلبات الصندوق وحرَّك سعر الصرف لتصل قيمة الدولار إلى 3.8 جنيه بدلاً من 2.8 جنيه».

واتفق معه توفيق، مؤكداً أن «الوضع الاقتصادي في عهد مبارك كان مختلفاً، ولم تكن البلاد في حالة القلق والأزمة الحالية».

ووفقاً لموقع صندوق النقد الدولي، نفّذت مصر في الثمانينات والتسعينات من القرن الماضي أربعة برامج اقتصادية بدعم مالي من الصندوق، بقيمة 1.850 مليار دولار، لكنها لم تصرف سوى خمس المبلغ فقط، ما يعادل 421.3 مليون دولار. حيث تم إلغاء وعدم استكمال بعضها، بعد أن مكَّن الاتفاق مع الصندوق مصر من إلغاء 50 في المائة من دينها الرسمي في «نادي باريس».

ولتلافي التداعيات السلبية لقرض «صندوق النقد» أو على الأقل الحد منها، شدد نافع على «ضرورة الموازنة بين متطلبات (صندوق النقد) وبين أجندة الدولة الإصلاحية».

وقال: «تعديل شروط الصندوق أو تأجيل تنفيذ بعضها ليس صعباً في ظل أن الهدف الأساسي من الخطة، وهو كبح التضخم، لم يتحقق»، مشيراً في السياق نفسه إلى أن «الصندوق أيضاً متورط ويرى أن عدم نجاح برنامجه مع مصر قد يؤثر سلباً في سمعته، مما يتيح إمكانية للتفاوض والتوافق من أجل تحقيق أهداف مشتركة».

وانضمت مصر لعضوية صندوق النقد الدولي في ديسمبر (كانون الأول) 1945، وتبلغ حصتها فيه نحو 1.5 مليار دولار، وفقاً لموقع الهيئة العامة للاستعلامات، الذي يذكر أن «تاريخ مصر مع الاقتراض الخارجي ليس طويلاً، وأن أول تعاملاتها مع الصندوق كان في عهد الرئيس الراحل أنور السادات عامَي 1977 و1978 بهدف حل مشكلة المدفوعات الخارجية وزيادة التضخم».

وعقب أحداث 2011 طالبت مصر بالحصول على قرض من الصندوق مرة في عهد «المجلس العسكري» ومرتين في عهد الرئيس السابق محمد مرسي، لكنها لم تحصل عليه. وعام 2016 وقَّعت مصر اتفاقاً مع الصندوق مدته ثلاث سنوات بقيمة 12 مليار دولار. وعام 2020 حصلت مصر على 2.77 مليار دولار مساعدات عاجلة للمساهمة في مواجهة تداعيات الجائحة، وفقاً لهيئة الاستعلامات.