الرئيس الفرنسي ينزع السرّية عن أرشيف حرب الجزائر

تجاوباً مع تقرير ستورا حول «الذاكرة بين البلدين»

صورة أرشيفية تعود لسنة 1956 لقوات فرنسية وسط شوارع العاصمة الجزائرية (أ.ب)
صورة أرشيفية تعود لسنة 1956 لقوات فرنسية وسط شوارع العاصمة الجزائرية (أ.ب)
TT

الرئيس الفرنسي ينزع السرّية عن أرشيف حرب الجزائر

صورة أرشيفية تعود لسنة 1956 لقوات فرنسية وسط شوارع العاصمة الجزائرية (أ.ب)
صورة أرشيفية تعود لسنة 1956 لقوات فرنسية وسط شوارع العاصمة الجزائرية (أ.ب)

في العشرين من يناير (كانون الثاني) الماضي قدم المؤرخ الفرنسي المعروف بنجامين ستورا، التقرير الذي طلبه منه الرئيس إيمانويل ماكرون حول كيفية العمل من أجل «تصالح الذاكرتين» الفرنسية والجزائرية، اللتين ما زالتا حبيستي حرب الجزائر، التي انتهت مع حصول الجزائر على استقلالها عام 1963.
وفيما خلت «توصيات» ستورا من الطلب الجزائري الرئيسي، المتمثل في طلب فرنسا «الصفح» عما ارتكبته خلال مرحلة الاستعمار، فإنه دعا إلى القيام بـ«خطوات تهدئة»، من شأنها التقريب بين الجانبين، ودفعهما للنظر إلى المستقبل معاً، وعدم البقاء رهينة الماضي.
وقبل أسبوع، خطا ماكرون خطوة في هذا الاتجاه، من خلال الاعتراف رسمياً بأن الجيش الفرنسي قام بـ«تعذيب واغتيال» المحامي والمناضل الجزائري علي بومنجل عام 1957 علماً بأن الرواية الفرنسية كانت حتى أيام قليلة تقول إن بومنجل «قفز» من طابق مرتفع، حيث كان يخضع للاستجواب. ورغم الخيبة الرسمية والشعبية الجزائرية من رفض باريس الاعتراف بالذنب، فإن ما يقوم به ماكرون يذهب أبعد مما قام به سابقوه في قصر الإليزيه. فيما يبدو أنه عازم على السير «سريعاً» في وضع «توصيات» ستورا موضع التنفيذ.
في هذا الإطار، يتعين النظر إلى القرار الأخير الذي اتخذه ماكرون، والذي تضمنه بيان صدر أمس عن قصر الإليزيه، جاء فيه أن الرئيس «ورغبةً منه في الحقيقة التاريخية، استجاب لطلب الباحثين الجامعيين بشأن تسهيل الوصول إلى وثائق الأرشيف، التي مر عليها 50 عاماً»، وبناءً عليه «قرر السماح منذ الغد (اليوم) لإدارة الأرشيف برفع السرّية عن الوثائق المشمولة بسرّية الدفاع الوطني... وذلك حتى عام 1970 ضمناً». موضحاً أن «من شأن هذا القرار تقصير مهل الانتظار المرتبطة بإجراءات رفع السرّية، فيما يتعلق خصوصاً بحرب الجزائر».
وحتى صدور قرار ماكرون، كانت أبواب الأرشيف الوطني الفرنسي مقفلة بوجه الباحثين، وبالتالي كانت حقيقة حرب الجزائر رهينة السردية الرسمية. والرفض الرسمي السابق الذي بقي سائداً حتى مع مرور رئيسين اشتراكيين على قصر الإليزيه هما فرنسوا ميتران «1981 - 1985»، وفرنسوا هولاند «2012 - 2017» كان غرضه «حماية» هذه السردية التي أراد ماكرون استبدالها «الحقيقة التاريخية» المنبثقة عن استنطاق الوثائق المرتبطة بحقبة سوداء من التاريخ الفرنسي، بها. وبذلك، يكون ماكرون بصدد «تصفية» الإرث الاستعماري الفرنسي في الجزائر، لكن من غير الذهاب إلى حد طلب الصفح عن الفظاعات التي ارتكبتها بلاده في مستعمرتها السابقة، التي بقيت تحت الإدارة الفرنسية 130 عاماً.
ويُتوقع أن تتبع هذه الخطوة خطوات أخرى، يُراد منها «تطبيع» العلاقة من على ضفتي المتوسط، تضمنتها «توصيات» ستورا. وليس سراً أن الطرف الجزائري يركز على أربعة مطالب رئيسية؛ أولها تسلم كامل الأرشيف الجزائري، وثانياً استرجاع جماجم قادة الثورات الشعبية. وفي هذا السياق، تجدر الإشارة إلى أن باريس سلمت في شهر يوليو (تموز) من العام الماضي رفات 24 مقاتلاً جزائرياً سقطوا في القرن الـ19 في مرحلة احتلال الجزائر التي بدأت عام 1830. أما المطلب الثالث فيتناول الكشف الكامل عما قامت به فرنسا من تجارب نووية في الصحراء الجزائرية، ما بين 1954 و1962، وتعويض ضحايا هذه التجارب. في حين أن عنوان المطلب الرابع والأخير هو كشف مصير الأشخاص المفقودين إبان حرب التحرير، والذين تقدِّر السلطات الجزائرية عددهم بـ2200 شخص.
وينص تقرير ستورا على 22 توصية، تحققت منها حتى اليوم اثنتان. ولا شك أن العام الحالي سيشهد المزيد منها مثل الاحتفال بذكرى توقيع «آفاقياتن إيفيان» في 19 مارس (آذار) عام 1962.



دعوات حكومية ودولية لتكثيف الاستجابة الإنسانية في اليمن

زيادة كبيرة في حجم احتياجات الاستجابة الإنسانية في اليمن يقابلها نقص في التمويل (الأمم المتحدة)
زيادة كبيرة في حجم احتياجات الاستجابة الإنسانية في اليمن يقابلها نقص في التمويل (الأمم المتحدة)
TT

دعوات حكومية ودولية لتكثيف الاستجابة الإنسانية في اليمن

زيادة كبيرة في حجم احتياجات الاستجابة الإنسانية في اليمن يقابلها نقص في التمويل (الأمم المتحدة)
زيادة كبيرة في حجم احتياجات الاستجابة الإنسانية في اليمن يقابلها نقص في التمويل (الأمم المتحدة)

مع توجّه الحكومة اليمنية بطلب إلى الأمم المتحدة لعقد مؤتمر للمانحين لجهة دعم خطة الاستجابة الإنسانية في البلاد، بعد تزايد الاحتياجات الإنسانية الملحَّة، جددت منظمات دولية وأممية الدعوة إلى زيادة التمويل والتعاون الأكبر بين الجهات الفاعلة الوطنية والدولية لتقديم المساعدات الأساسية.

وفي حين تواصل الجماعة الحوثية إعاقة جهود الإغاثة في البلاد، ذكر الإعلام الرسمي أن سفير اليمن لدى الأمم المتحدة، عبد الله السعدي، أكد على ضرورة أن تظل الأزمة الإنسانية في اليمن على رأس أولويات الأمم المتحدة والمجتمع الدولي للحد من المعاناة المتزايدة، داعياً إلى تكثيف الجهود للإفراج الفوري وغير المشروط عن جميع المختطَفين والمعتقَلين، ومحاسبة المسؤولين عن مختلف الانتهاكات، في إشارة إلى الجماعة الحوثية.

وفي بيان اليمن أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة، خلال الجلسة الخاصة بتعزيز تنسيق المساعدات الإنسانية والإغاثية، حذَّر السعدي المجتمع الدولي من خطورة تجاهل الانتهاكات التي ترتكبها الجماعة الحوثية لخدمة أجندتها السياسية، بما في ذلك استخدام المساعدات الإنسانية لخدمة أهدافها العسكرية وتحويل المناطق الخاضعة لسيطرتها إلى سجون لمن يعارضونها.

أكثر من 19 مليون يمني بحاجة إلى المساعدات خلال العام المقبل حسب تقديرات أممية (الأمم المتحدة)

وأعاد البيان اليمني التذكير بأهمية نقل مقرات الوكالات الأممية والمنظمات الدولية إلى العاصمة المؤقتة عدن لضمان سلامة العاملين في المجال الإنساني، وتوفير بيئة آمنة للعمل بعيداً عن التدخلات؛ ما يساهم في تحسين القدرة على إيصال المساعدات إلى الفئات المحتاجة في مختلف المناطق. وتتهم الحكومة اليمنية وأوساط إغاثية وحقوقية محلية وأممية ودولية الجماعة الحوثية بالاستمرار في اختطاف العاملين بالمجال الإغاثي، وتبني حملات إعلامية مسيئة للعمل الإنساني، ورفض الاستجابة لطلبات عائلات المختطفين بالسماح بزيارتهم والاطمئنان على صحتهم الجسدية والنفسية، وتقديم الرعاية لهم.

سوء التنظيم والتخطيط

وجدَّدت الحكومة اليمنية التذكير بالأضرار الكبيرة التي تسببت بها الفيضانات والسيول التي ضربت عدة مناطق يمنية هذا العام، إلى جانب مختلف التطرفات المناخية التي ضاعفت من الآثار الناجمة عن الحرب في مفاقمة الأوضاع الإنسانية والاقتصادية؛ ما زاد من أهمية وضرورة تكثيف دعم المجتمع الدولي لليمن في مواجهة هذه التحديات.

جهات دولية تتهم الجماعة الحوثية بإعاقة أعمال الإغاثة بعد اختطاف موظفي المنظمات (رويترز)

ولا يتوقع جمال بلفقيه رئيس اللجنة العليا للإغاثة في الحكومة اليمنية أن يكون الدعم كبيراً أو كافياً لمواجهة مختلف المتطلبات والاحتياجات، مشيراً إلى أن عملية حشد الأموال لا بد أن تقترن بكيفية تنظيم إدارة العمل الإنساني والإغاثي، وخلق شراكة حقيقية بين الحكومة اليمنية والقطاع الخاص، والمنظمات المحلية والجهات الإغاثية الحالية، لإيصال المساعدات.

وفي حديثه لـ«الشرق الأوسط»، يصف بلفقيه الأزمة الإنسانية في بلاده بالأشد قسوة؛ ما يجعل من غير الممكن على اليمنيين الصمود أمام متطلبات معيشتهم، في ظل استمرارها وتصاعدها، منوهاً بأن حجم الأموال التي يمكن الحصول عليها ليس مهماً إذا لم يتم تنظيم عمليات الإغاثة للوصول بكفاءة إلى كل المستحقين.

وانتقد بلفقيه، وهو أيضاً مستشار وزير الإدارة المحلية، التوجهات الأممية الموسمية لزيادة التمويل، عند نهاية عام وبداية عام جديد، مع غياب التخطيط والتنظيم الفاعلين، وعدم مراعاة الاحتياجات المحلية للمتضررين من الأزمة الإنسانية في كل محافظة.

فيضانات الصيف الماضي في اليمن فاقمت من الأزمة الإنسانية وزادت من احتياجات الإغاثة (الأمم المتحدة)

من جهتها، أكدت منظمة «هيومن رايتس ووتش» أن اليمن أصبح يعيش «واحدة من أكبر الأزمات الإنسانية في العالم»، وفقاً لبيانات الأمم المتحدة؛ ما يزيد من احتياجات التمويل والتعاون الأكبر بين الجهات الفاعلة الوطنية والدولية لتقديم المساعدات الأساسية، بما فيها الغذاء والمياه والإمدادات الطبية.

واتهمت المنظمة، في بيان حديث لها، الجماعة الحوثية، باحتجاز وإخفاء 17 شخصاً على الأقل من موظفي الأمم المتحدة، بالإضافة إلى عشرات الموظفين من المنظمات غير الحكومية ومنظمات المجتمع المدني والشركات الخاصة، ومواصلة احتجازهم دون تهم.

إيقاف التمويل

نقلت «هيومن رايتس ووتش» عن الأمم المتحدة، أن 24.1 مليون يمني، أي ما يساوي 80 في المائة من السكان، بحاجة إلى المساعدات الإنسانية والحماية».

ونبهت المنظمة الدولية إلى أن الحكومة السويدية أقرَّت، أواخر الشهر الماضي، «الإنهاء التدريجي» لمساعداتها الإنمائية لليمن، على خلفية الإجراءات التدميرية المتزايدة للجماعة الحوثية في الأجزاء الشمالية من اليمن، ومنها اختطاف موظفي الأمم المتحدة.

كما دعت الأمم المتحدة والمجتمع الدولي تصعيد مطالبة الحوثيين بالإفراج عن المعتقلين، وتنسيق جهودهما بشكل أفضل في هذا الهدف المشترك. وقالت: «يجب أن تضاعف وكالات الأمم المتحدة الجهود لحماية ودعم موظفيها المتبقين في اليمن».

رغم تراجع تمويل الإغاثة في اليمن لا تزال وكالات أممية تقدم مساعدات للنازحين والمحتاجين (الأمم المتحدة)

ويتفق الباحث الاقتصادي، عادل السامعي، مع مسؤول الإغاثة اليمني، بلفقيه، حول سوء إدارة أموال الإغاثة في اليمن، وتسبب ذلك في حلول جزئية ومؤقتة للأزمة الإنسانية في البلاد. ويوضح السامعي لـ«الشرق الأوسط» أن هناك تراجعاً ملحوظاً في تمويل خطة الاستجابة الإنسانية في اليمن بسبب «الفساد» الذي أضر بالعملية الإغاثية وتجيير كثير من أوجه الدعم والمساعدات لصالح الجماعة الحوثية.

ويلفت إلى أن هناك تراكماً للفجوات بين الاحتياجات التي تفرضها الأزمة الإنسانية في اليمن والتمويل الموجَّه لها؛ فبعد أن كانت متطلبات الاستجابة الإنسانية خلال الـ12 عاماً الماضية تزيد على 33 مليار دولار، جرى تحصيل أقل من 20 مليار دولار فقط.

وخلال الأسبوع الماضي، كشفت الأمم المتحدة عن حاجتها إلى 2.5 مليار دولار لدعم خطة الاستجابة الإنسانية في اليمن خلال العام المقبل (2025).

بسبب اختطاف الجماعة الحوثية موظفي الإغاثة في اليمن تراجعت عدد من الدول عن تمويل الاستجابة الإنسانية (أ.ف.ب)

وحذَّر «مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية (أوتشا)»، في بيان له، من أن الظروف المعيشية لمعظم اليمنيين ستظل مزرية في عام 2025. ومن المتوقَّع أن تؤدي فرص كسب العيش المحدودة وانخفاض القدرة الشرائية إلى تعميق عدم الاستقرار الاجتماعي والاقتصادي.

ووفقاً للمكتب الأممي، فإن 19.54 مليون شخص في اليمن بحاجة إلى المساعدة خلال العام المقبل، من بينهم 17 مليون شخص (49 في المائة من السكان) سيواجهون انعدام الأمن الغذائي الشديد، مع معاناة 5 ملايين شخص من ظروف «الطوارئ». بينما يؤثر سوء التغذية الحاد على نحو 3.5 مليون شخص، بمن في ذلك أكثر من 500 ألف شخص يعانون من سوء التغذية الحاد الشديد.