موجة تقاعد في صفوف الجمهوريين بـ{الشيوخ»

مشرد ينام في العراء قرب مقر الكونغرس في واشنطن أول من أمس (أ.ف.ب)
مشرد ينام في العراء قرب مقر الكونغرس في واشنطن أول من أمس (أ.ف.ب)
TT

موجة تقاعد في صفوف الجمهوريين بـ{الشيوخ»

مشرد ينام في العراء قرب مقر الكونغرس في واشنطن أول من أمس (أ.ف.ب)
مشرد ينام في العراء قرب مقر الكونغرس في واشنطن أول من أمس (أ.ف.ب)

تتوالى مفاجآت التقاعد في صفوف القيادات الجمهورية في مجلس الشيوخ، آخرها كان إعلان السيناتور الجمهوري المخضرم روي بلانت عدم ترشحه في الانتخابات التشريعية المقبلة. إعلان وقعت وطأته كالصاعقة على صفوف الجمهوريين التقليديين في المجلس، الذين يسعون جاهدين للحفاظ على وحدة صفهم بوجه هجمات الرئيس السباق دونالد ترمب عليهم. فبلانت من أقرب المقربين لزعيم الأقلية الجمهورية في مجلس الشيوخ ميتش مكونيل، الذي تربطه علاقة مضطربة للغاية بترمب منذ أحداث اقتحام الكابيتول. وهو من القيادات الجمهورية البارزة في مجلس الشيوخ، ممثلاً وجه الحزب التقليدي المحافظ.
وينضم بلانت بقراره هذا إلى مجموعة من الجمهوريين المخضرمين الذين قرروا التقاعد وعدم الترشح في الانتخابات التشريعية المقبلة في عام 2022 كالسيناتور روب بورتمان، وبات تومي، وريتشارد بير، وريتشارد شلبي، وكلهم من الوجوه الجمهورية القديمة في مجلس الشيوخ، والتي اعتمد عليها مكونيل بشكل كبير في وضع استراتيجيته ودفع أجندة الجمهوريين في مجلس الشيوخ.
ولعلّ السبب الأساسي وراء موجة التقاعد هذه هو التخوف من تأثير ترمب الواسع على الانتخابات التشريعية المقبلة، وتوعده بالتصدي لكل من عارضه بعد اقتحام الكابيتول.
فهؤلاء الجمهوريون يفضلون التقاعد على الخسارة أمام وجوه جديدة تحظى بدعم الرئيس السابق، كما أن بعضهم يعتقد أن دعم ترمب لوجوه جديدة في الانتخابات التمهيدية، قد يؤدي إلى فوز هذه الوجوه في السباق التمهيدي، وخسارتها في السباق النهائي على المقعد أمام المرشح الديمقراطي، الأمر الذي سيؤدي بالتالي إلى فشل الحزب الجمهوري في انتزاع الأغلبية من الديمقراطيين في مجلسي الشيوخ والنواب.
وفي ظل موجة التقاعد هذه ستكون مهمة انتزاع الأغلبية صعبة أمام الجمهوريين الذين عليهم الدفاع عن 20 مقعداً في انتخابات عام 2022 في مجلس الشيوخ مقابل 14 مقعداً ديمقراطياً فقط.
يأتي هذا فيما ينتظر الرئيس الأميركي جو بايدن وصول حزمة الإنعاش الاقتصادي إلى مكتبه للتوقيع عليها رسمياً كي تصبح قانوناً ساري المفعول. ويُتوقع أن يقرّ مجلس النواب هذا المشروع نهائياً في وقت متقدم ليل الثلاثاء - الأربعاء أو اليوم (الأربعاء)، حسب جدول المجلس.
وسيقدم هذا المشروع فوزاً كبيراً للديمقراطيين وإدارة بايدن، الأمر الذي سيزيد من حظوظ الحزب في انتزاع مقاعد في الانتخابات التشريعية، وهذا ما يعوّل عليه زعيم الديمقراطيين في مجلس الشيوخ تشاك شومر، الذي يعمل جاهداً للدفع باتجاه إنهاء المصادقات على التعيينات الرئاسية لإعطاء بايدن فريقه الوزاري الكامل، كي يتمكن من تنفيذ بقية البنود على أجندته.
بالإضافة إلى هذه الملفات الداخلية، يمْثل وزير الخارجية أنتوني بلينكن، أمام لجنة الشؤون الخارجية في مجلس النواب ظهر اليوم (الأربعاء)، للإدلاء بإفادته عن ملفات السياسة الخارجية.
وتأتي الجلسة تحت عنوان: «أولويات إدارة بايدن في السياسة الخارجية»، ويُتوقع أن يواجه بلينكن خلالها أسئلة كثيرة من أعضاء اللجنة خصوصاً فيما يتعلق بملف إيران النووي، واعتداءات الحوثيين الأخيرة على السعودية، والهجمات التي نفّذتها ميليشيات مدعومة من إيران على القوات الأميركية في العراق، إضافة إلى غيرها من ملفات الساعة.



2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
TT

2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)

لا يوجد فراغ مسموح به في الطبيعة. فالطبيعة لا تغيّر طبيعتها، لأنها تكره الفراغ. في الفراغ لا حياة، لا صراع ولا تاريخ. فالتاريخ يتنقّل بين الفوضى والنظام. يُفرض النظام بالإكراه، فتوضع القوانين لتُفرض بالقوّة والإكراه أيضاً. هكذا كتب ألبير كامو، الفيلسوف الفرنسي في كتابه «الإنسان المتمرّد»، (The Rebel): «في النظام، كما في الفوضى، هناك شيء من العبوديّة». تستهدف الثورة النظام القائم، فتخلق الفوضى. لكنها مُلزمة بإعادة تكوين نظام جديد. وبين الفوضى والنظام، يدفع الإنسان العاديّ الأثمان.

يقول السياسيّ الراحل هنري كيسنجر ما معناه: إن الفراغ يجلب الحرب والهجوم. فهل سيكون عام 2025 عام ملء الفراغات، أو خلق بعضها؟

دخان يتصاعد من شمال قطاع غزة خلال قصف الجيش الإسرائيلي (أرشيفية - أ.ف.ب)

بعد عملية 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023، تغيّرت موازين القوى في المنطقة. سقطت «حماس». سقط «حزب الله». سقط النظام في سوريا... وبذلك انهارت وحدة الساحات، أو ما يُسمّى محور المقاومة. وبسبب ذلك، سقطت منظومات كانت قائمة. وتظهّرت الفراغات القاتلة. ها هي إسرائيل تدمّر قطاع غزّة، لتخلق فراغاً لا توجد فيه حركة «حماس»، ولتؤسّس لحالة معيّنة قد يُطلَق عليها «الاحتلال التغييريّ»، (Transformative). بكلام آخر، فُرض الاحتلال أمراً واقعاً خارج القانون الدوليّ، لكنه طويل، ومُكلف للمُحتلّ، الأمر الذي قد يخلق ثقافة جديدة، ومختلفة عما كانت قبلها، حتى ولو تطلّب الأمر جيلاً من الزمن.

دخلت إسرائيل لبنان خلال الحرب الأخيرة، فخلقت منطقة عازلة. وها هي اليوم تُحصّنها استباقاً للسيناريو السيّئ. خلقت إسرائيل هذا الفراغ على الحدود اللبنانيّة، كما في داخل قطاع غزّة بالقوّة العسكريّة المُفرطة. لكن البقاء في لبنان واحتلال المنطقة العازلة، هو أمر مختلف تماماً عن احتلال قطاع غزّة.

بعد سقوط النظام في سوريا، سارعت إسرائيل إلى احتلال مزيد من الأراضي السوريّة وتوسيع المنطقة العازلة. لكنه احتلال من دون استعمال للقوّة، حتى ولو دمّر الطيران الإسرائيليّ قدرات الجيش السوريّ المستقبليّ. إنه احتلال مؤقّت-طويل. لكن المفارقة هي إعلان إسرائيل أن الجولان لن يعود إلى سوريا، وهو احتلال كأمر واقع (De Facto). ولتحرير الجولان، لا بد من حرب أو تفاوض، وهذان أمران متعذّرَان حالياً لأسباب كثيرة. وعليه قد يمكن حالياً إعلان وفاة مقولة كسينجر: «لا حرب في الشرق الأوسط من دون مصر، ولا سلام من دون سوريا».

صورة نشرها الجيش الإسرائيلي وقال إنها لجولة رئيس الأركان هرتسي هاليفي الميدانية في جنوب لبنان (أرشيفية)

حال العالم

في أوكرانيا يستعين الرئيس بوتين في حربه بالتكنولوجيا الغربيّة لتصميم صواريخه، آخرها الصاروخ الفرط صوتيّ «أوريشنيك». كما يستعين بالمُسيّرات الإيرانيّة، والعسكر الكوري الشمالي لتحرير الأرض الروسية في كورسك. يريد بوتين الاحتلال التغييري للشرق الأوكرانيّ.

في منطقة نفوذ الصين، يسعى التنين إلى استرداد جزيرة تايوان على أنها جزء تاريخيّ من الصين الكبرى. فهي تحضّر البحريّة الصينيّة، كون الحرب، وفي حال حصولها، سيكون أغلبها في البحر. ورداً على ذلك، بدأ تشكُّل كثير من التحالفات ردّاً على السلوك الصينيّ.

وفي مكان آخر من العالم، يُحضّر الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب مأسسة الصراع مع التنين الصينيّ. فهو يريد استعادة السيطرة على قناة بنما، نظراً إلى أهمية هذه القناة على الأمن القومي الأميركيّ. فهي الشريان الحيويّ الذي يربط الشرق الأميركي بالغرب. وهي التي أوصى بها المفكّر الاستراتيجيّ الأميركي البحريّ ألفريد ماهان. وهي التي أشرفت على بنائها الولايات المتحدة الأميركيّة، وذلك بعد انفصال بنما عن كولومبيا وبمساعدة البحريّة الأميركيّة آنذاك، خلال فترة حكم الرئيس الأميركي الراحل تيودور روزفلت. وبذلك، تكون القناة قد مرّت بثلاث مراحل هي: 1906 البناء مع الرئيس روزفلت، و1977 مع الرئيس جيمي كارتر الذي أعادها إلى بنما، واليوم مع الرئيس ترمب الذي يريد استردادها.

صور الرئيس الأسبق حافظ الأسد ممزقة للمرة الأولى في تاريخ سوريا (الشرق الأوسط)

يرى البعض أن تصريحات الرئيس ترمب مجرّد كلام عاديّ بسبب شخصيّته الفريدة. لكن الأكيد أن تصريحاته تنمّ عن عمق جيوسياسيّ بعيد المدى. فما معنى طرحه موضوع شراء جزيرة غرينلاند من الدنمارك؟ ما أهميّة هذه الجزيرة؟

إن ثقافة دبلوماسيّة الدولار (Dollar Diplomacy) في التاريخ الأميركي ليست جديدة. فهي قد اشترت لويزيانا من فرنسا عام 1803 بـ15 مليون دولار. كما اشترت من روسيا ولاية ألاسكا الحاليّة بـ7.2 مليون دولار.

شكّلت لويزيانا الربط بين الشرق والغرب الأميركيّ، كما سيطرت على أهمّ مرفأ أميركيّ يطلّ على خليج المكسيك. وبالحدّ الأدنى أخرجت دولة أوروبيّة من الأرض الأميركيّة. أما شراء ألاسكا، فقد أعطى أميركا إطلالة على مضيق بيرينغ الذي يطلّ بدوره على الأرض الروسيّة.

التحّولات الجيوسياسيّة الحاليّ

مع صعود الصين، تبدّلت موازين القوى العالميّة عمَّا كانت عليه خلال الحرب الباردة. فللصين قدرات كونيّة وفي كل الأبعاد، خصوصاً الاقتصاديّة والعسكريّة، وهذه أبعاد افتقر إليها الاتحاد السوفياتيّ. تسعى الصين إلى التموضع في القارة الأميركيّة. يُضاف إلى هذا التحوّل، الكارثة البيئيّة والاحتباس الحراري، الأمر الذي قد يفتح طرقاً بحريّة جديدة، حول الشمال الأميركيّ. خصوصاً أن ذوبان المحيط المتجّمد الشمالي سوف يُغيّر جغرافيّة الصراع الجيوسياسيّ بالكامل. ونتيجة لذلك، ستصبح الولايات المتحدة الأميركيّة تطلّ على ثلاثة محيطات بعد أن كانت تطلّ على محيطين.

وحدة مدفعية أوكرانية في منطقة زابوريجيا تطلق النار باتجاه القوات الروسية على خط المواجهة (أرشيفية - رويترز)

تتميّز غرينلاند بمساحتها الكبيرة، نحو مليوني كيلومتر مربع، مع عديد لا يتجاوز 56 ألف نسمة، وثروات مهمّة قد تجعل أميركا تستغني عن استيراد كثير من الثروات الطبيعيّة من الصين. خلال الحرب الباردة حاول الرئيس هاري ترومان شراء الجزيرة، وهي لا تزال تضمّ قاعدة عسكريّة جويّة أميركيّة.

في الختام، إذا استطاع الرئيس ترمب استعادة السيطرة على قناة بنما، وسيطر بشكل ما على غرينلاند، سيتكوّن مثلثّ جيوسياسيّ دفاعيّ حول الولايات المتحدة الأميركيّة يرتكز على: غرينلاند، وألاسكا، وقناة بنما. كل ذلك، بانتظار الرئيس ترمب في البيت الأبيض، وكيف سيتعامل مع العالم خصوصاً الصين. فهل سيكون انعزاليّاً أم انخراطيّاً أم مزيجاً من المقاربتين؟