مقتل وجرح العشرات جراء احتدام المعارك في بنغازي

الهلال الأحمر الليبي يجلي 118 شخصا بينهم أجانب كانوا عالقين بمركز طبي

مقتل وجرح العشرات جراء احتدام المعارك في بنغازي
TT

مقتل وجرح العشرات جراء احتدام المعارك في بنغازي

مقتل وجرح العشرات جراء احتدام المعارك في بنغازي

قتل 23 شخصا، أمس (السبت)، وأصيب نحو 69 آخرين بجروح متفاوتة الخطورة، جراء احتدام المعارك في مدينة بنغازي شرق ليبيا، في الوقت الذي نجحت جمعية الهلال الأحمر في إجلاء 118 شخصا بينهم أجانب علقوا في مركز أمراض الكلى في المدينة.
وقالت مصادر طبية وعسكرية إن 23 شخصا على الاقل قتلوا، امس السبت، فيما أصيب 69 آخرون بجروح متفاوتة الخطورة جراء احتدام المعارك في مختلف محاور القتال في مدينة بنغازي.
وقال المتحدث الرسمي باسم الهلال الاحمر الليبي محمد المصراتي، إن فريق الإخلاء في الجمعية تمكن السبت من توفير ممر آمن في الاشتباكات الواقعة في منطقة الهواري جنوب المدينة، كما تمكن من إجلاء 56 مريضا من مركز أمراض الكلى إضافة إلى 62 عنصرا من العناصر الطبية والطبية المساعدة 59 عنصرا منهم أجانب. وأضاف أن الفريق تمكن من إجلاء 29 عنصرا من بنغلاديش و16 من الفلبين و8 هنود، إضافة إلى 4 من مصر و2 من تشاد توزعوا بين العناصر الطبية والطبية المساعدة والعمال، لافتا إلى أن من بين الذين تم إجلاؤهم من المركز ثلاثة مسؤولين ليبيين يعملون هناك. واشار إلى ان عملية الإجلاء شملت 15 عائلة ليبية تقطن في منطقة الهواري.
وكان مركز خدمات أمراض الكلى ناشد في وقت سابق السبت جمعية "الهلال الأحمر" الليبي سرعة العمل على إجلاء المرضى والأطقم الطبية العالقة داخل مقره في منطقة الهواري؛ وذلك بعد تساقط القذائف على المبنى وارتفاع التوتر الأمني في المنطقة.
وقال عضو المكتب الإعلامي بالمركز، معتز المجبري لوكالة الصحافة الفرنسية إن "الوضع الأمني في غاية التوتر، نظرا لتساقط القذائف التي نشرت حالة من الهلع داخل المرفق الصحي، فيما علق داخله الكثير من المرضى والأطقم الطبية".
وطالب مركز الكلى في بيان وزارة الصحة بالحكومة الليبية المؤقتة بسرعة التنسيق مع الوحدات الصحية في مدينة بنغازي وضواحيها لاستقبال المرضى الموجودين داخل المركز، مؤكدا أنه "من المستحيل عودة المرضى إلى مبنى الهواري مرة أخرى نظرا للظروف الأمنية التي تصاعدت حدتها السبت".
ويقع المركز في منطقة الهواري جنوب مدينة بنغازي قرب مقر ميليشيا راف الله السحاتي المتشددة، حيث تدور معارك بين الجيش من جهة والمتشددين من جهة أخرى، ويحوي ذلك الخط على العديد من المراكز الطبية والخدمية التي بات من المتعذر الوصول إليها في ظل هذه الظروف.
في السياق ذاته، احتدمت العمليات العسكرية على مختلف محاور القتال في مدينة بنغازي، في الوقت الذي قال فيه مصدر في مركز بنغازي الطبي يوم أمس، إن المركز تسلم ستة قتلى بينهم شخص مجهول الهوية، وخمسة وثلاثين جريحا، جراء المعارك التي تشهدها المدينة.
وأوضح المصدر للوكالة أن الجرحى من كافة المحاور، وإصاباتهم بين البسيطة والمتوسطة والحرجة، مشيرا إلى أن هناك مدنيين بين الجرحى أُصيبوا جراء القصف العشوائي بينهم سيدة وابنها، أصيبا بشظايا قذيفة سقطت عشوائيا في منطقة بوعطني جنوب شرقي وسط المدينة.
من جهته، تلقى مستشفى الجلاء للجراحة والحوادث، سبعة قتلى و27 جريحا السبت، جراء معارك بنغازي.
وقال مصدر طبي إن الجرحي إصاباتهم متوسطة، وهم من محوري الليثي والصابري وسط المدينة.
في السياق ذاته أعلنت، الكتيبة "309" التابعة للجيش الليبي، أنها فقدت خمسة من عناصرها والمتطوعين لديها، فيما أصيب سبعة آخرون، يوم السبت، جراء المعارك التي شهدها محور غرب بنغازي.
من جهة أخرى، أكد المتحدث الرسمي باسم رئاسة الأركان العامة للجيش الليبي العقيد أحمد المسماري، أن قائد عملية الكرامة اللواء خليفة حفتر أصدر أوامره بحسم معركة بنغازي، في أقرب وقت ممكن.
وقال المسماري إن الأوامر تقضي بالتحرك في محاور القتال الأربعة بالمدفعية والطائرات والدبابات. مؤكدا تقدم قوات الجيش البرية على أرض المعركة.
وتمكنت قوات الجيش السبت في إحدى عملياتها في منطقة الليثي من قتل خمسة متطرّفين بينهم أجانب، بحسب المسماري.
من جهته، توقع آمر غرفة العمليات ومحاور القتال في بنغازي العقيد فرج البرعصي حسم المعركة قريبا، قائلا "ستكون مدينة بنغازي مصدر أمان لليبيا بالكامل، ذلك أن تحرير بنغازي هو تحرير لكل ليبيا".



القطن المصري... محاولة حكومية لاستعادة «عصره الذهبي» تواجه تحديات

مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
TT

القطن المصري... محاولة حكومية لاستعادة «عصره الذهبي» تواجه تحديات

مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)

تراهن الحكومة المصرية على القطن المشهور بجودته، لاستنهاض صناعة الغزل والنسيج وتصدير منتجاتها إلى الخارج، لكن رهانها يواجه تحديات عدة في ظل تراجع المساحات المزروعة من «الذهب الأبيض»، وانخفاض مؤشرات زيادتها قريباً.

ويمتاز القطن المصري بأنه طويل التيلة، وتزرعه دول محدودة حول العالم، حيث يُستخدم في صناعة الأقمشة الفاخرة. وقد ذاع صيته عالمياً منذ القرن التاسع عشر، حتى أن بعض دور الأزياء السويسرية كانت تعتمد عليه بشكل أساسي، حسب كتاب «سبع خواجات - سير رواد الصناعة الأجانب في مصر»، للكاتب مصطفى عبيد.

ولم يكن القطن بالنسبة لمصر مجرد محصول، بل «وقود» لصناعة الغزل والنسيج، «التي مثلت 40 في المائة من قوة الاقتصاد المصري في مرحلة ما، قبل أن تتهاوى وتصل إلى ما بين 2.5 و3 في المائة حالياً»، حسب رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي، الذي أكد عناية الدولة باستنهاض هذه الصناعة مجدداً، خلال مؤتمر صحافي من داخل مصنع غزل «1» في مدينة المحلة 28 ديسمبر (كانون الأول) الماضي.

أشار مدبولي، حسب ما نقله بيان مجلس الوزراء، إلى أن مشروع «إحياء الأصول» في الغزل والنسيج يتكلف 56 مليار جنيه (الدولار يعادل 50.7 جنيها مصري)، ويبدأ من حلج القطن، ثم تحويله غزلاً فنسيجاً أو قماشاً، ثم صبغه وتطويره حتى يصل إلى مُنتج سواء ملابس أو منسوجات، متطلعاً إلى أن ينتهي المشروع نهاية 2025 أو بداية 2026 على الأكثر.

وتكمن أهمية المشروع لمصر باعتباره مصدراً للدولار الذي تعاني الدولة من نقصه منذ سنوات؛ ما تسبب في أزمة اقتصادية دفعت الحكومة إلى الاقتراض من صندوق النقد الدولي؛ مرتين أولاهما عام 2016 ثم في 2023.

وبينما دعا مدبولي المزارعين إلى زيادة المساحة المزروعة من القطن، أراد أن يطمئن الذين خسروا من زراعته، أو هجروه لزراعة الذرة والموالح، قائلاً: «مع انتهاء تطوير هذه القلعة الصناعية العام المقبل، فسوف نحتاج إلى كل ما تتم زراعته في مصر لتشغيل تلك المصانع».

وتراجعت زراعة القطن في مصر خلال الفترة من 2000 إلى عام 2021 بنسبة 54 في المائة، من 518 ألفاً و33 فداناً، إلى 237 ألفاً و72 فداناً، حسب دراسة صادرة عن مركز البحوث الزراعية في أبريل (نيسان) الماضي.

وأرجعت الدراسة انكماش مساحته إلى مشكلات خاصة بمدخلات الإنتاج من بذور وتقاوٍ وأسمدة، بالإضافة إلى أزمات مرتبطة بالتسويق.

أزمات الفلاحين

سمع المزارع الستيني محمد سعد، وعود رئيس الوزراء من شاشة تليفزيون منزله في محافظة الغربية (دلتا النيل)، لكنه ما زال قلقاً من زراعة القطن الموسم المقبل، الذي يبدأ في غضون 3 أشهر، تحديداً مارس (آذار) كل عام.

يقول لـ«الشرق الأوسط»: «زرعت قطناً الموسم الماضي، لكن التقاوي لم تثمر كما ينبغي... لو كنت أجَّرت الأرض لكسبت أكثر دون عناء». وأشار إلى أنه قرر الموسم المقبل زراعة ذرة أو موالح بدلاً منه.

نقيب الفلاحين المصري حسين أبو صدام (صفحته بفيسبوك)

على بعد مئات الكيلومترات، في محافظة المنيا (جنوب مصر)، زرع نقيب الفلاحين حسين أبو صدام، القطن وكان أفضل حظاً من سعد، فأزهر محصوله، وحصده مع غيره من المزارعين بقريته في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، لكن أزمة أخرى خيَّبت أملهم، متوقعاً أن تتراجع زراعة القطن الموسم المقبل مقارنة بالماضي (2024)، الذي بلغت المساحة المزروعة فيه 311 ألف فدان.

تتلخص الأزمة التي شرحها أبو صدام لـ«الشرق الأوسط» في التسويق، قائلاً إن «المحصول تراكم لدى الفلاحين شهوراً عدة؛ لرفض التجار شراءه وفق سعر الضمان الذي سبق وحدَّدته الحكومة لتشجيع الفلاح على زراعة القطن وزيادة المحصول».

ويوضح أن سعر الضمان هو سعر متغير تحدده الحكومة للفلاح قبل أو خلال الموسم الزراعي، وتضمن به ألا يبيع القنطار (وحدة قياس تساوي 100 كيلوغرام) بأقل منه، ويمكن أن يزيد السعر حسب المزايدات التي تقيمها الحكومة لعرض القطن على التجار.

وكان سعر الضمان الموسم الماضي 10 آلاف جنيه، لمحصول القطن من الوجه القبلي، و12 ألف جنيه للمحصول من الوجه البحري «الأعلى جودة». لكن رياح القطن لم تجرِ كما تشتهي سفن الحكومة، حيث انخفضت قيمة القطن المصري عالمياً في السوق، وأرجع نقيب الفلاحين ذلك إلى «الأزمات الإقليمية وتراجع الطلب عليه».

ويحدّد رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية في معهد بحوث القطن التابع لوزارة الزراعة، الدكتور مصطفى عمارة، فارق سعر الضمان عن سعر السوق بنحو ألفي جنيه؛ ما نتج منه عزوف من التجار عن الشراء.

وأكد عمارة أن الدولة تدخلت واشترت جزءاً من المحصول، وحاولت التيسير على التجار لشراء الجزء المتبقي، مقابل أن تعوض هي الفلاح عن الفارق، لكن التجار تراجعوا؛ ما عمق الأزمة في السوق.

يتفق معه نقيب الفلاحين، مؤكداً أن مزارعي القطن يتعرضون لخسارة مستمرة «سواء في المحصول نفسه أو في عدم حصول الفلاح على أمواله؛ ما جعل كثيرين يسخطون وينون عدم تكرار التجربة».

د. مصطفى عمارة رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية (مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار المصري)

فرصة ثانية

يتفق المزارع ونقيب الفلاحين والمسؤول في مركز أبحاث القطن، على أن الحكومة أمامها تحدٍ صعب، لكنه ليس مستحيلاً كي تحافظ على مساحة القطن المزروعة وزيادتها.

أول مفاتيح الحل سرعة استيعاب أزمة الموسم الماضي وشراء المحصول من الفلاحين، ثم إعلان سعر ضمان مجزٍ قبل موسم الزراعة بفترة كافية، وتوفير التقاوي والأسمدة، والأهم الذي أكد عليه المزارع من الغربية محمد سعد، هو عودة نظام الإشراف والمراقبة والعناية بمنظومة زراعة القطن.

ويحذر رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية في معهد بحوث القطن من هجران الفلاحين لزراعة القطن، قائلاً: «لو فلاح القطن هجره فـلن نعوضه».

أنواع جديدة

يشير رئيس غرفة الصناعات النسيجية في اتحاد الصناعات محمد المرشدي، إلى حاجة مصر ليس فقط إلى إقناع الفلاحين بزراعة القطن، لكن أيضاً إلى تعدد أنواعه، موضحاً لـ«الشرق الأوسط» أن القطن طويل التيلة رغم تميزه الشديد، لكن نسبة دخوله في المنسوجات عالمياً قليلة ولا تقارن بالقطن قصير التيلة.

ويؤكد المسؤول في معهد بحوث القطن أنهم استنبطوا بالفعل الكثير من الأنواع الجديدة، وأن خطة الدولة للنهوض بصناعة القطن تبدأ من الزراعة، متمنياً أن يقتنع الفلاح ويساعدهم فيها.