في أيام الطفولة، حيث لا صوت يعلو فوق صوت اللعب، وتقمص الشخصيات الكرتونية، كانت «الطفلة» ميار شريف تلهو على طريقتها الخاصة، فمذ كانت في الخامسة من عمرها، كانت تتقافز حماسًا وهي تشاهد نجوم التنس على شاشة التلفزيون، تعرفهم بالاسم، تتقمص مشيتهم وقبضتهم المحكمة على المضرب، صدقت أنه سيأتي اليوم الذي تلعب فيه على ذات الملاعب، وهي تصيح مثلهم صيحات انتصار مدوية، كانت باختصار تحلم بـ«اللعب مع الكبار».
هذا الاستعداد الوجداني المبكر، وما واكبه من ساعات طويلة متواصلة من التأهل البدني والاحترافي للعبة التنس، كان كفيلًا بأن ينتقل بميار شريف بعد عام ونصف فقط من لعبها الاحترافي، لتحقيق بشائر أحلام الطفولة، باللعب مع الكبار، بعد أن وطأت اثنتين من البطولات الأربع الكبرى في العالم (غراند سلام) للتنس إلى الآن، وذلك بوصولها لبطولتي «رولان غاروس»، و«أستراليا المفتوحة»، لتصبح أول لاعبة في مصر تحقق هذا الإنجاز في تاريخ اللعبة، وتسير بخطى ثابتة نحو قائمة المائة الأوائل على العالم، ليمنحها جمهورها لقب «فتاة مصر الذهبية».
تثبت النجومية التي استطاعت لاعبة التنس المصرية ميار شريف، 24 عاما، تحقيقها أن الإنجازات الرياضية العالمية قادرة على فرض شعبية للعبة «فردية» لم نعتد على جماهيريتها في العالم العربي، فقد كان الإعلان عن تأهلها للدور الرئيسي للبطولة الفرنسية العريقة «رولان غاروس» حدثًا عالميًا أبرزته صفحة البطولة الرسمية نفسها بعنوان «ميار شريف تصنع التاريخ» بوصفها أول لاعبة مصرية تطأ ملاعبها الترابية، وهو العنوان الذي تلقفته صحف العالم، وانتقل سريعًا لساحات الـ«ترند»، في سابقة لم يألف الجمهور اقترانها برياضة «نخبوية» مثل التنس، وكان لانضمام لاعب كرة القدم العالمي المصري محمد صلاح لمساندة ميار عبر تغريدة له على «تويتر» أثر غامر ساهم في دعم اللاعبة الشابة التي أعربت في أكثر من مناسبة عن اعتزازها بدعم «صلاح» لها، وأملها في أن تصير يومًا أيقونة مثله في لعبتها التي تحلم بزيادة جماهيريتها.
تنقلت أحلام ميار شريف بها إلى بلدان عدة، بداية من مصر مسقط رأسها والمهد الأول لشغفها بالتنس والرعاية الأسرية الدؤوبة لموهبتها، مرورًا بالولايات المتحدة حيث أتمت دراستها الجامعية، وأخيرًا إسبانيا التي تستقر بها حاليًا وسط فريق عملها الرياضي، واستطاعت ميار اليوم أن تصل للمركز الـ114 عالميًا وهو مركز لم تصل إليه أي لاعبة مصرية من قبل، ليمنحها الاتحاد الدولي للتنس في يناير (كانون الثاني) الماضي، لقب ألمع وأنجح لاعبة تنس في عام 2020، ممن استفادوا بمنحة الـ«غراند سلام» من الاتحاد في الدولي، وممن تقدموا في الترتيب العالمي بشكل غير مسبوق خلال هذا العام.
ربما لم تستطع ميار المواصلة للحصول على لقب في بطولات التنس المرموقة التي شاركت بها، إلا أنها تراهن على تراكم خبراتها مع كل مشاركة، فهي تؤمن كما خاطبت جمهورها عبر صفحتها الشخصية، بعد خروجها من منافسات «رولان غاروس»، أن «الخسارة تجعلنا نكبر»، وهو مبدأ تصدقه، وتترجمه الأرقام التي تقترب بها من تصنيف الأفضل مائة بين أساطين اللعبة، وهي تستعد لخوض العديد من المحطات البارزة خلال الفترة المقبلة منها «دورة الألعاب الأولمبية» في طوكيو هذا العام.
تعتبر ميار أن أبرز ما تحققه من إنجازات هو تشجيع الفتيات على الإقدام على المنافسة، كما تأمل دائمًا أن تكون سببًا في توسيع دائرة الاهتمام بلعبة التنس، ولعل هذا ما تعكسه كلمات المتفاعلين على صفحاتها الإلكترونية، فكثير منهم غير ضليعين بقواعد التنس، ربما يعرفون أسماء مشاهيرها من أمثال «رفائيل نادال»، و«سيرينا ويليامز»، إلا أن الضجة التي صنعتها ميار شريف على ملاعب التنس، جعلت صداها يجتذب أسماعهم، بل ويدفعهم لترك كلمات التشجيع والدعم على صفحتها، بما يجدد الأمل فيما يفعله بنا الإلهام، وتفعله الملهمات.
ميار شريف... فتاة «ذهبية» تصنع تاريخاً «شعبياً» للتنس
أول مصرية تتأهل إلى بطولات الغراند سلام
ميار شريف... فتاة «ذهبية» تصنع تاريخاً «شعبياً» للتنس
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة