فرصة العراق في التحول إلى الطاقة المتجددة والنظيفة المستدامة

أ.د. جيهان بابان
أ.د. جيهان بابان
TT

فرصة العراق في التحول إلى الطاقة المتجددة والنظيفة المستدامة

أ.د. جيهان بابان
أ.د. جيهان بابان

موضوعياً، يمثل العراق بلداً ذا آفاق واعدة في التحول التدريجي من الطاقة الأحفورية كالنفط والغاز إلى أشكال متنوعة من الطاقة المتجددة والنظيفة، وهو شأن ذو أهمية استراتيجية للانتقال إلى التنمية المستدامة الخضراء وتحقيق أهدافها التي وضعتها الأمم المتحدة، ودولة العراق أحد الموقعين عليها.
وتعد الملوثات الهوائية للنفط الخام الأكثر شيوعاً على شكل مواد غازية أو أبخرة سوائل أو دقائق وجسيمات صلبة، كما يعتبر حرق الغاز المصاحب للنفط الخام أحد المصادر الكبيرة لانبعاث الغازات الدفيئة في الهواء. وتشمل هذه الغازات كبريتيد الهيدروجين والغازات الهيدروكربونية المتطايرة والمركبات الأروماتية. وتكمن خطورة هذه الغازات في كونها مركبات سامة ومسرطنة إضافة إلى الدخان الأسود في الهواء نتيجة الاحتراق غير التام. وتسبب هذه الغازات العديد من المشاكل الصحية والبيئية في العراق. وهناك أيضاً ملوثات سائلة تسحب إلى الخارج أثناء الإنتاج وتعتبر من أكبر النفايات من حيث الحجم. وتحتوي هذه المياه على خليط معقد من المركبات غير العضوية وعلى كميات من المواد النفطية. أما الملوثات الصلبة فهي الطين غير النقي (البنتونايت) وتحوي العديد من العناصر السامة الثقيلة كالزئبق والزرنيخ والكادميوم والرصاص.
وعالمياً، بدأ النفط يفقد دوره كمصدر وحيد للطاقة، وانصب الاهتمام على الغاز الطبيعي الذي هو صديق أكثر من النفط الخام للبيئة. وقدر احتياطي العراق 132 تريليون قدم مكعب. ويتم حرق أغلبه كغاز مصاحب لاستخراج النفط وبسبب عدم استثماره يخسر العراق عشرة ملايين دولار يومياً.
ولكن الأهم والبديل الحقيقي هو التحول إلى الطاقة المتجددة والنظيفة البديلة الخضراء. وبسبب ازدياد الحاجة لتوفير الطاقة الكهربائية سواء على صعيد التوليد والنقل والتوزيع من وحدات التوليد المركزي إلى المنازل من خلال شبكات معقدة وبسبب الزيادة العالية للسكان والتحديات البيئية والتغير المناخي، تزايد الاهتمام في العالم على مصادر الطاقة المتجددة وأيضاً للحد من انبعاثات الغازات الكربونية.
ونعني بالطاقة المتجددة أشكال الطاقة المتولدة من المصادر الطبيعية مثل طاقة الشمس والرياح والمياه والأمطار والأمواج وحرارة جوف الأرض طاقة الكتل الحيوية وتحويل النفايات المنزلية والصناعية إلى طاقة كهربائية وحرارية، وطاقة الجاذبية، وأيضاً استخدام غاز الهيدروجين كمصدر نظيف للطاقة أيضاً. وما يساعد على توفيرها هو التطور العلمي والتكنولوجي المتسارع وانخفاض الكلفة السعرية.
وتتوفر في العراق الظروف المثالية للانتقال التدريجي الرصين إلى الطاقة المتجددة والنظيفة، خاصة أن التغير المناخي قد رفع من درجات الحرارة إلى مديات غير مسبوقة والتي تجعله أحد أكثر مستويات الإشعاع الشمسي جاذبية، خاصة في محافظات الجنوب والمثنى والأنبار، خاصة أن الطلب على الكهرباء يزداد في فصل الصيف بما يجعلها مثالية لاستخدام الطاقة الشمسية.
وتتوفر في العراق إمكانات جيدة لإيجاد مصادر للطاقة المتجددة كالطاقة الشمسية والمائية والريح، بينما يفتح العلم حالياً مجالات أوسع خاصة بالاهتمام بغاز الهيدروجين كمصدر للطاقة النظيفة. مصدر آخر مهم في العراق غير مستغل هو حرق وتحويل النفايات المنزلية والصناعية إلى طاقة كهربائية وحرارية نظيفة، الأمر الذي تقوم به العديد من البلدان.
وقد نظمت جمعية البيئة والصحة العراقية في المملكة المتحدة مؤتمرين عالميين حول إدارة واستخدام الطاقة المتجددة والنظيفة، ومن ضمنها الطاقة الشمسية في العراق في جامعة «ينيفرسيتي كوليدج – لندن» في 28 سبتمبر (أيلول) 2019 وفي 16 فبراير (شباط) 2020، حول إدارة وتدوير النفايات في العراق وتحويلها إلى طاقة كهربائية وحرارية. وأسس «المركز العراقي العالمي لبحوث الطاقة المتجددة والتغير المناخي في لندن» في 2019 و«شبكة البيئيين العراقيين» في 2020.
ومن التوصيات التي أود تقديمها:
- إشراك الكوادر العلمية من الأكاديميين والخبراء البيئيين والأطباء والمهندسين والقضاة والكادر التدريسي في الجامعات والمعاهد والمدارس للعمل الطوعي للحفاظ على البيئة العراقية.
- تعزيز التعليم والدراسات العليا للانتقال إلى بناء وتطوير مشاريع الطاقة المتجددة والنظيفة الصديقة للبيئة، خاصة الطاقة الشمسية والألواح الشمسية، وتوفيرها بأسعار مخفضة، بل وحتى مجاناً للمنازل التي تسكنها عوائل متعففة وفقيرة.
- تشريع قانون خاص لاستخدام الطاقة المتجددة والنظيفة، ومن ضمنها استعمال الألواح الشمسية في جميع مؤسسات الدولة وضمان عمليات تدوير النفايات.
- الحد من الانبعاثات الغازية كغاز الميثان الناتج من احتراق النفط الخام، والتي هي أحد مسببات التغير المناخي في العراق والعالم.
* رئيسة ومؤسسة جمعية البيئة والصحة العراقية في المملكة المتحدة


مقالات ذات صلة

امرأة تلد في سن الـ61 وتصبح أكبر أم جديدة في مقدونيا الشمالية

يوميات الشرق امرأة مع طفلها المولود (رويترز - أرشيفية)

امرأة تلد في سن الـ61 وتصبح أكبر أم جديدة في مقدونيا الشمالية

أصبحت سيدة تبلغ 61 عاماً أكبر امرأة تلد طفلاً في مقدونيا الشمالية، وفق ما أعلنت السلطات الصحية في الدولة الواقعة في منطقة البلقان الثلاثاء.

«الشرق الأوسط» (سكوبيي (مقدونيا الشمالية))
شؤون إقليمية رئيس حزب الحركة القومية دولت بهشلي الحليف الأقرب لإردوغان متحدثاً أمام نواب حزبه بالبرلمان الثلاثاء (حزب الحركة القومية)

حليف إردوغان يؤكد دعوة أوجلان للبرلمان ويتخلى عن إطلاق سراحه

زاد رئيس حزب الحركة القومية دولت بهشلي الجدل المثار حول دعوته زعيم حزب العمال الكردستاني السجين عبد الله أوجلان للحديث بالبرلمان وإعلان حل الحزب وانتهاء الإرهاب

سعيد عبد الرازق (أنقرة)
يوميات الشرق جانب من جلسة في دورة سابقة لمنتدى المرأة العالمي في دبي (الشرق الأوسط)

منتدى المرأة العالمي ينطلق اليوم في دبي ويناقش دورها في 3 محاور رئيسية

ينطلق منتدى المرأة العالمي دبي 2024 اليوم ويناقش محاور رئيسية ذات أبعاد استراتيجية تتعلق بدور المرأة العالمي ويبحث اقتصاد المستقبل والمسؤوليات المشتركة.

مساعد الزياني (دبي)
شؤون إقليمية إردوغان خلال استقباله الأمين العام لحلف «الناتو» مارك روته بالقصر الرئاسي في أنقرة الاثنين (الرئاسة التركية)

إردوغان بحث مع روته القضايا الأمنية والإقليمية المهمة لـ«الناتو»

بحث الرئيس التركي رجب طيب إردوغان مع الأمين العام لحلف شمال الأطلسي (ناتو) مارك روته عدداً من الملفات الأمنية والقضايا التي تهم الحلف.

سعيد عبد الرازق (أنقرة)
يوميات الشرق في عام 2023 قُتلت امرأة كل 10 دقائق على يد شريكها أو فرد من عائلتها (أ.ف.ب)

3 سيّدات يروين لـ«الشرق الأوسط» رحلة الهروب من عنف أزواجهنّ

«نانسي» و«سهى» و«هناء»... 3 أسماء لـ3 نساءٍ كدن يخسرن حياتهنّ تحت ضرب أزواجهنّ، قبل أن يخترن النجاة بأنفسهنّ واللجوء إلى منظّمة «أبعاد».

كريستين حبيب (بيروت)

«مرايا» الذكاء الاصطناعي تعكس دواخلها «مع كل التحيزات»

«بوابة السحاب» مرآة تعكس الحياة وتشوهاتها
«بوابة السحاب» مرآة تعكس الحياة وتشوهاتها
TT

«مرايا» الذكاء الاصطناعي تعكس دواخلها «مع كل التحيزات»

«بوابة السحاب» مرآة تعكس الحياة وتشوهاتها
«بوابة السحاب» مرآة تعكس الحياة وتشوهاتها

قبل بضع سنوات، وجدت شانون فالور نفسها أمام تمثال «بوابة السحاب (Cloud Gate)»، الضخم المُصمَّم على شكل قطرة زئبقية من تصميم أنيش كابور، في حديقة الألفية في شيكاغو. وبينما كانت تحدق في سطحه اللامع المرآتي، لاحظت شيئاً، كما كتب أليكس باستيرناك (*).

وتتذكر قائلة: «كنت أرى كيف أنه لا يعكس أشكال الأفراد فحسب، بل والحشود الكبيرة، وحتى الهياكل البشرية الأكبر مثل أفق شيكاغو... ولكن أيضاً كانت هذه الهياكل مشوَّهة؛ بعضها مُكبَّر، وبعضها الآخر منكمش أو ملتوٍ».

الفيلسوفة البريطانية شانون فالور

تشويهات التعلم الآلي

بالنسبة لفالور، أستاذة الفلسفة في جامعة أدنبره، كان هذا يذكِّرنا بالتعلم الآلي، «الذي يعكس الأنماط الموجودة في بياناتنا، ولكن بطرق ليست محايدة أو موضوعية أبداً»، كما تقول. أصبحت الاستعارة جزءاً شائعاً من محاضراتها، ومع ظهور نماذج اللغة الكبيرة (والأدوات الكثيرة للذكاء الاصطناعي التي تعمل بها)، اكتسبت مزيداً من القوة.

مرايا الذكاء الاصطناعي مثل البشر

تبدو «مرايا» الذكاء الاصطناعي مثلنا كثيراً؛ لأنها تعكس مدخلاتها وبيانات التدريب، مع كل التحيزات والخصائص التي يستلزمها ذلك. وبينما قد تنقل القياسات الأخرى للذكاء الاصطناعي شعوراً بالذكاء الحي، فإن «المرآة» تعبير أكثر ملاءمة، كما تقول فالور: «الذكاء الاصطناعي ليس واعياً، بل مجرد سطح مسطح خامل، يأسرنا بأوهامه المرحة بالعمق».

غلاف كتاب «مرايا الذكاء الاصطناعي»

النرجسية تبحث عن صورتها

كتابها الأخير «مرآة الذكاء الاصطناعي (The AI Mirror)»، هو نقد حاد وذكي يحطِّم عدداً من الأوهام السائدة التي لدينا حول الآلات «الذكية». يوجه بعض الاهتمام الثمين إلينا نحن البشر. في الحكايات عن لقاءاتنا المبكرة مع برامج الدردشة الآلية، تسمع أصداء نرجس، الصياد في الأساطير اليونانية الذي وقع في حب الوجه الجميل الذي رآه عندما نظر في بركة من الماء، معتقداً بأنه شخص آخر. تقول فالور، مثله، «إن إنسانيتنا مُعرَّضة للتضحية من أجل هذا الانعكاس».

تقول الفيلسوفة إنها ليست ضد الذكاء الاصطناعي، لكي نكون واضحين. وسواء بشكل فردي، أو بصفتها المديرة المشارِكة لمنظمة «BRAID»، غير الربحية في جميع أنحاء المملكة المتحدة المكرسة لدمج التكنولوجيا والعلوم الإنسانية، قدَّمت فالور المشورة لشركات وادي السيليكون بشأن الذكاء الاصطناعي المسؤول.

نماذج «مسؤولة» ومختبرة

وهي ترى بعض القيمة في «نماذج الذكاء الاصطناعي المستهدفة بشكل ضيق والآمنة والمختبرة جيداً والمبررة أخلاقياً وبيئياً» لمعالجة المشكلات الصحية والبيئية الصعبة. ولكن بينما كانت تراقب صعود الخوارزميات، من وسائل التواصل الاجتماعي إلى رفاق الذكاء الاصطناعي، تعترف بأن ارتباطها بالتكنولوجيا كان مؤخراً «أشبه بالوجود في علاقة تحوَّلت ببطء إلى علاقة سيئة. أنك لا تملك خيار الانفصال».

فضائل وقيم إنسانية

بالنسبة لفالور، إحدى الطرق للتنقل وإرشاد علاقاتنا المتزايدة عدم اليقين بالتكنولوجيا الرقمية، هي الاستفادة من فضائلنا وقيمنا، مثل العدالة والحكمة العملية. وتشير إلى أن الفضيلة لا تتعلق بمَن نحن، بل بما نفعله، وهذا جزء من «صراع» صنع الذات، بينما نختبر العالم، في علاقة مع أشخاص آخرين. من ناحية أخرى، قد تعكس أنظمة الذكاء الاصطناعي صورة للسلوك أو القيم البشرية، ولكن كما كتبت في كتابها، فإنها «لا تعرف عن التجربة الحية للتفكير والشعور أكثر مما تعرف مرايا غرف نومنا آلامنا وأوجاعنا الداخلية».

الخوارزميات والعنصرية وعدم المساواة

في الوقت نفسه تعمل الخوارزميات المدربة على البيانات التاريخية، بهدوء، على تقييد مستقبلنا بالتفكير نفسه الذي ترك العالم «مليئاً بالعنصرية والفقر، وعدم المساواة، والتمييز، وكارثة المناخ».

«كيف سنتعامل مع تلك المشكلات الناشئة التي ليست لها سابقة؟»، تتساءل فالور، وتشير: «مرايانا الرقمية الجديدة تشير إلى الوراء».

الاعتماد على السمات البشرية المفيدة

مع اعتمادنا بشكل أكبر على الآلات، وتحسينها وفقاً لمعايير معينة مثل الكفاءة والربح، تخشى فالور أننا نخاطر بإضعاف عضلاتنا الأخلاقية أيضاً، وفقدان المسار للقيم التي تجعل الحياة تستحق العناء.

مع اكتشافنا لما يمكن أن يفعله الذكاء الاصطناعي، سنحتاج إلى التركيز على الاستفادة من السمات البشرية الفريدة أيضاً، مثل التفكير القائم على السياق والحكم الأخلاقي، وعلى تنمية قدراتنا البشرية المتميزة. كما تعلمون. وهي تقول: «لسنا بحاجة إلى هزيمة الذكاء الاصطناعي. نحن بحاجة إلى عدم هزيمة أنفسنا».

* مجلة «فاست كومباني» - خدمات «تريبيون ميديا»

اقرأ أيضاً