اللقاءات العابرة لرؤساء مصر... «شعبية» للمسؤولين و«باب» للمحتاجين

أحدثها مقابلة السيسي وبائع فاكهة

صورة من فيديو بثه المتحدث باسم الرئاسة المصرية مساء أول من أمس للقاء السيسي وأحد المواطنين
صورة من فيديو بثه المتحدث باسم الرئاسة المصرية مساء أول من أمس للقاء السيسي وأحد المواطنين
TT
20

اللقاءات العابرة لرؤساء مصر... «شعبية» للمسؤولين و«باب» للمحتاجين

صورة من فيديو بثه المتحدث باسم الرئاسة المصرية مساء أول من أمس للقاء السيسي وأحد المواطنين
صورة من فيديو بثه المتحدث باسم الرئاسة المصرية مساء أول من أمس للقاء السيسي وأحد المواطنين

يقولون إن «الحظ يأتي لمن لا ينتظره»، لكن هل يمكن أن تنطبق تلك المقولة على حكاية البائع، محمد حسن، الذي وجد نفسه ذات نهار أمام رئيس بلاده والذي طلب منه شراء بعض الفاكهة؟
حسن هو أحد باعة الفاكهة في مصر، الذين ترتبط أرزاقهم بأقفاص هشة من خوص، وفاكهة قصيرة العمر، أحد ممن يقال فيهم إنهم يعملون «على باب الله»، ومن هنا يمكن تصور ما يمكن أن يمثله وقوف سيارة رئاسية أمام قارعة الطريق الذي يفترشه، ليطلب منه الرئيس عبد الفتاح السيسي شراء بعض الفاكهة، ويصير هذا مدخلًا لحوار شخصي قصير، انتهى بالبائع وقد تلقى وعداً رئاسياً بتلقي رعاية صحية كان يحتاجها منذ سنوات بسبب مشكلة قديمة في أعصاب قدمه تؤثر على حركته، قال له الرئيس: «كل حاجة خلاص»، وبعدها صار البائع المغمور سابقاً حديثًا لوسائل الإعلام و«السوشيال ميديا»، أو على حد تعبير حسن نفسه: «ربنا فتحلي الباب».
وحكاية حسن، جزء من سياق قائمة لقاءات عابرة باتت تقترن أخيراً، بالجولات التفقدية للرئيس المصري لمواقع تنفيذ العديد من المشروعات الجديدة، وصار تقليدًا أن تظهر سيارته بجوار أحد المواطنين، ليدور بينهما حوار قصير عادة ما يحظى برواج كبير، وتداول عبر وسائل التواصل الاجتماعي، وقبل هذا تكون «فاتحة خير» لأصحاب تلك اللقاءات الذين تدور عادة بينهما أحاديث حول أحوال المعيشة، تنتهي عادة بأن تقضى حوائجهم بعد لقاء الرئيس، كما حدث مع لقاء عابر شهير مع «بائع تين» وآخر مع «سيدة عجوز».
وأحيانًا تكون للقاءات العابرة ملامح أخرى، ففي منطقة «مصر الجديدة»، شرقي مدينة القاهرة، التقط فيديو للرئيس السيسي بعد أن صادف حادث دراجة نارية لشابين، أبرز الفيديو اطمئنانه على سلامتهما، وعتاب على عدم ارتداء الخوذة أثناء القيادة، ليفاجأ الشابان بعد أيام بإرسال «خوذتين» لهما من الرئيس المصري لارتدائهما بعد ذلك لتجنب إصابات الطريق، وفي ذات المنطقة التقط فيديو آخر شهير للسيسي وهو يحيي مواطنين، مشيرًا لهم بارتداء الكمامات، واللافت أيضًا في تلك اللقاءات أنها عادة ما توافق أيام «الجمعة» المعروف أنه الأكثر هدوءًا بين أيام الصخب المروري في القاهرة.
وبغض النظر عن تشكيك البعض في عفوية تلك اللقاءات، دون دليل مثبت، إلا أنها تقدم باعتبارها لقاءات عابرة ويتم الاحتفاء بها من هذا القبيل، وقبل زمن «السوشيال ميديا» وكانت للقطات مرور الرؤساء بين الناس في مصر، أثر في الخطاب الشعبي، ومادة ثرية للصحافة، لها بريق وجاذبية تفوق أخبار البروتوكولات الرسمية واللقاءات الوزارية، من بين تلك اللقطات تبرز حكاية عن مرور الرئيس الراحل جمال عبد الناصر في أحد القطارات بالصعيد، حيث تفاعل مع الناس بتبادل التحيات، وعندها فوجئ بقذفه بلفافة قماش، ورغم ما أثاره هذا الفعل في البداية من قلق مبرر، إلا أنه بفتحها وجدوا خبزًا وبصلًا، وهو ما فسره جمال عبد الناصر في ذلك الوقت بأنها رسالة من الناس أنهم يعانون من الفقر، غير أن الصور الفوتوغرافية آنذاك كانت حريصة على التقاط اقتراب عبد الناصر من الحشود، وكانت تعد واحدة من دعائم شعبيته، وفي منطق مشابه يمكن تذكر لقاء للرئيس الأسبق محمد حسني مبارك وهو يحتسي الشاي مع عائلة قروية عام 2009.
«هذه المشاهد بما تحمله من معان إنسانية تعد أحد مقومات الصورة الذهنية التي يحرص الملوك والرؤساء منذ القدم على بنائها»، كما يقول الدكتور أيمن منصور ندا، رئيس قسم الإذاعة والتلفزيون بكلية الإعلام جامعة القاهرة، ويضيف «منذ أيام مصر القديمة، كان الملك يحرص أن يظهر جوانب قوته، وإلى جانبها جوانب من رحمته وألفته مع الشعب».
ويذهب ندا في حديثه إلى «الشرق الأوسط» إلى أن «مثل تلك اللقطات المصورة ظاهرة متكررة في مختلف البلدان، مثل اللقطات والصور التي تبرز لقاءات للملك عبد الله الثاني ملك الأردن العابرة مع الناس»، ويخلص إلى أن «هذه الصور والمشاهد لها تأثيرها الشعبي اللافت، ولكن قد تؤدي المبالغة في إذاعتها إلى نتيجة عكسية، رغم كونها مواقف إنسانية مؤثرة».



تجدد القتال في «سول»... هل يفاقم الصراع بين «أرض الصومال» و«بونتلاند»؟

رئيس أرض الصومال المُنتخب عبد الرحمن محمد عبد الله عرو (وكالة الأنباء الصومالية)
رئيس أرض الصومال المُنتخب عبد الرحمن محمد عبد الله عرو (وكالة الأنباء الصومالية)
TT
20

تجدد القتال في «سول»... هل يفاقم الصراع بين «أرض الصومال» و«بونتلاند»؟

رئيس أرض الصومال المُنتخب عبد الرحمن محمد عبد الله عرو (وكالة الأنباء الصومالية)
رئيس أرض الصومال المُنتخب عبد الرحمن محمد عبد الله عرو (وكالة الأنباء الصومالية)

تجدد القتال في «إقليم سول» يُحيي نزاعاً يعود عمره لأكثر من عقدين بين إقليمي «أرض الصومال» الانفصالي و«بونتلاند»، وسط مخاوف من تفاقم الصراع بين الجانبين؛ ما يزيد من تعقيدات منطقة القرن الأفريقي.

وبادر رئيس أرض الصومال، عبد الرحمن عرو، بالتعهد بـ«الدفاع عن الإقليم بيد ويد أخرى تحمل السلام»، وهو ما يراه خبراء في الشأن الأفريقي، لن يحمل فرصاً قريبة لإنهاء الأزمة، وسط توقعات بتفاقم النزاع، خصوصاً مع عدم وجود «نية حسنة»، وتشكك الأطراف في بعضها، وإصرار كل طرف على أحقيته بالسيطرة على الإقليم.

وأدان «عرو» القتال الذي اندلع، يوم الجمعة الماضي، بين قوات إدارتي أرض الصومال وإدارة خاتمة في منطقة بوقداركاين بإقليم سول، قائلاً: «نأسف للهجوم العدواني على منطقة سلمية، وسنعمل على الدفاع عن أرض الصومال بيد، بينما نسعى لتحقيق السلام بيد أخرى»، حسبما أورده موقع الصومال الجديد الإخباري، الأحد.

وجاءت تصريحات «عرو» بعد «معارك عنيفة تجددت بين الجانبين اللذين لهما تاريخ طويل من الصراع في المنطقة، حيث تبادلا الاتهامات حول الجهة التي بدأت القتال»، وفق المصدر نفسه.

ويعيد القتال الحالي سنوات طويلة من النزاع، آخرها في فبراير (شباط) 2023، عقب اندلاع قتال عنيف بين قوات إدارتي أرض الصومال وخاتمة في منطقة «بسيق»، وفي سبتمبر (أيلول) من العام نفسه، نشرت إدارة أرض الصومال مزيداً من قواتها على خط المواجهة الشرقي لإقليم سول، بعد توتر بين قوات ولايتي بونتلاند وأرض الصومال في «سول» في أغسطس (آب) 2022.

كما أودت اشتباكات في عام 2018 في الإقليم نفسه، بحياة عشرات الضحايا والمصابين والمشردين، قبل أن يتوصل المتنازعان لاتفاق أواخر العام لوقف إطلاق النار، وسط تأكيد ولاية بونتلاند على عزمها استعادة أراضيها التي تحتلها أرض الصومال بالإقليم.

ويوضح المحلل السياسي الصومالي، عبد الولي جامع بري، أن «النزاع في إقليم سول بين أرض الصومال وبونتلاند يعود إلى عام 2002، مع تصاعد الاشتباكات في 2007 عندما سيطرت أرض الصومال على لاسعانود (عاصمة الإقليم)»، لافتاً إلى أنه «في فبراير (شباط) 2023، تفاقم القتال بعد رفض زعماء العشائر المحلية حكم أرض الصومال، وسعيهم للانضمام إلى الحكومة الفيدرالية الصومالية؛ ما أدى إلى مئات القتلى، ونزوح أكثر من 185 ألف شخص».

ويرى الأكاديمي المختص في منطقة القرن الأفريقي، الدكتور علي محمود كلني، أن «الحرب المتجددة في منطقة سول والمناطق المحيطة بها هي جزء من الصراعات الصومالية، خصوصاً الصراع بين شعب إدارة خاتمة الجديدة، وإدارة أرض الصومال، ولا يوجد حتى الآن حل لسبب الصراع في المقام الأول»، لافتاً إلى أن «الكثير من الدماء والعنف السيئ الذي مارسه أهل خاتمة ضد إدارة هرجيسا وجميع الأشخاص الذين ينحدرون منها لا يزال عائقاً أمام الحل».

ولم تكن دعوة «عرو» للسلام هي الأولى؛ إذ كانت خياراً له منذ ترشحه قبل شهور للرئاسة، وقال في تصريحات نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي إن «سكان أرض الصومال وإقليم سول إخوة، ويجب حل الخلافات القائمة على مائدة المفاوضات».

وسبق أن دعا شركاء الصومال الدوليون عقب تصعيد 2023، جميع الأطراف لاتفاق لوقف فوري وغير مشروط لإطلاق النار، ووقتها أكد رئيس أرض الصومال الأسبق، موسى بيحي عبدي، أن جيشه لن يغادر إقليم سول، مؤكداً أن إدارته مستعدة للتعامل مع أي موقف بطريقة أخوية لاستعادة السلام في المنطقة.

كما أطلقت إدارة خاتمة التي تشكلت في عام 2012، دعوة في 2016، إلى تسوية الخلافات القائمة في إقليم سول، وسط اتهامات متواصلة من بونتلاند لأرض الصومال بتأجيج الصراعات في إقليم سول.

ويرى بري أن «التصعيد الحالي يزيد من التوترات في المنطقة رغم جهود الوساطة من إثيوبيا وقطر وتركيا ودول غربية»، لافتاً إلى أن «زعماء العشائر يتعهدون عادة بالدفاع عن الإقليم مع التمسك بالسلام، لكن نجاح المفاوضات يعتمد على استعداد الأطراف للحوار، والتوصل إلى حلول توافقية».

وباعتقاد كلني، فإنه «إذا اشتدت هذه المواجهات ولم يتم التوصل إلى حل فوري، فمن الممكن أن يؤدي ذلك إلى حدوث اشتباك بين قوات إدارتي أرض الصومال وبونتلاند، الذين يشككون بالفعل في بعضهم البعض، ولديهم العديد من الاتهامات المتبادلة، وسيشتد الصراع بين الجانبين في منطقة سناغ التي تحكمها الإدارتان، حيث يوجد العديد من القبائل المنحدرين من كلا الجانبين».

ويستدرك: «لكن قد يكون من الممكن الذهاب إلى جانب السلام والمحادثات المفتوحة، مع تقديم رئيس أرض الصومال عدداً من المناشدات من أجل إنهاء الأزمة»، لافتاً إلى أن تلك الدعوة تواجَه بتشكيك حالياً من الجانب الآخر، ولكن لا بديل عنها.