الشرق الأوسط المعاصر بعيون فنانيه في معرض وكتاب

خبيرة الفن الإسلامي في المتحف البريطاني: أرى الأعمال الفنية بمثابة وثائق تاريخية لعصرها

عمل للفنان عصام كرباج
عمل للفنان عصام كرباج
TT

الشرق الأوسط المعاصر بعيون فنانيه في معرض وكتاب

عمل للفنان عصام كرباج
عمل للفنان عصام كرباج

بصبر ودأب على مدى أكثر من 20 عاماً، تابعت فينيشيا بورتر، المشرفة على قسم الفن الإسلامي والشرق الأوسط المعاصر في المتحف البريطاني، مجهودات تكوين مجموعة جديدة من نوعها لفنانين معاصرين من منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا ضمن مقتنيات المتحف العريق. بدأت عملية الاقتناء في ثمانينيات القرن الماضي، ونمت بشكل كبير حتى أصبحت اليوم تضم أعمالاً لأكثر من 300 فنان من المنطقة. وتطرح الأعمال تاريخاً وأحداثاً معاصرة قد تبدو دخيلة على متحف متخصص في التاريخ مثل المتحف البريطاني، ولكن في حقيقة الأمر فإن التاريخ القديم الذي يقدمه المتحف إنما هو حلقات في سلسلة تستمر لوقتنا هذا، وتعد مجموعة الأعمال المعاصرة بمثابة الحلقات الأحدث.
وفي عام 2006، أثبت نجاح معرض «الكلمة في الفن» لفن الشرق الأوسط المعاصر أن المتحف على الطريق الصحيح في اقتناء أعمال فناني هذا الجزء من العالم. وقتها، كونت لجنة من رعاة الفنون للإشراف وتمويل عملية اقتناء الأعمال الورقية والرسومات والمطبوعات على الشاشة والصور الفوتوغرافية وكتب الفنانين.
عن ذلك، وعن الكتاب والمعرض باسم «انعكاسات» المنبثق عنه الذي يقدم 100 عمل من المجموعة، دار حوار بيني وبين فينيشيا بورتر. نقطة الانطلاق كانت عودة للبداية، وقصة بناء مجموعة فنية متميزة محددة جداً في الخامات المستخدمة، وفي زمنها. تقول محدثتي: «أعتقد أن لدينا أعمالاً لـ300 فنان على الأقل من أنحاء منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في فئة معينة، وهي أعمال على الورق فقط». وتشير إلى طموح آتٍ باقتناء مزيد من الأعمال من أماكن لا يوجد لها تمثيل في المجموعة، مثل اليمن وعمان.
أسألها: «كيف تختارون الأعمال التي تنضم لمقتنيات المتحف؟»، فتجيب: «لدي فكرة واضحة عن الأعمال التي أحب أن نضيفها للمجموعة»، وتستطرد لتشرح أكثر: «ما حدث هو أننا كونا لجنة من الرعاة الفنيين، ضمن مجموعة أطلقنا عليها اسم CaMMEA (فن الشرق الأوسط المعاصر والحديث). ويقدم أعضاء اللجنة الدعم المالي لشراء الأعمال كل عام».
عملية الاقتناء لها شروط، وتحكمها لوائح ومناقشات، حسب ما تقول لنا: «في العادة، أختار العمل الذي يتناسب مع مفهوم المجموعة، وبعد ذلك نتبع الخطوات النظامية للمتحف البريطاني، وفي المرحلة الأخيرة نعرض العمل على لجنة الرعاة لمناقشة مدى مناسبته». وفي أحيان أخرى، يكون العمل مهدى للمتحف، ولكن العملية التنظيمية واحدة، إذ تضيف: «في هذه الحالة أيضاً نقوم بالخطوات نفسها، من تمريرها عبر النظام الداخلي للمتحف وعبر لجنة الرعاة».
ولكن قبل أن يمثل العمل أمام لجان مختلفة للموافقة عليه، كيف تتم عملية الاختيار؟ تقول: «من المهم أن يكون العمل منفذاً على الورق، والمعيار الأهم الذي أعمل به دائماً هو أن يكون العمل ملائماً للمتحف البريطاني، فنحن في المقام الأول متحف معني بالتاريخ، وعندما أبحث عن عمل مناسب، فأنا أبحث عن عمل يكون معبراً عن زمنه؛ مثال على ذلك عمل الفنانة السعودية دانا عورتاني (خلفاء المسلمين)، فهو معاصر، ولكنه أيضاً مرتبط بالتاريخ من خلال النسق الفني الذي اختارته الفنانة، واستخدامها لفن الزخارف التراثي. وقد تكون الأعمال معبرة عن لحظة معينة في التاريخ المعاصر، مثل مجموعة من الأعمال التي تتحدث عن الثورة السورية من عام 2011. مثل هذه الأعمال تتحدث عن زمنها، وتسمح لنا برؤية العالم عبر عيون مبدعيها».
وتضيف: «بمعنى آخر، فأنا أرى تلك الأعمال بمثابة وثائق تاريخية؛ مثال على ذلك عمل الفنان الفلسطيني تيسير بطنيجي (من دون عنوان) الذي يصور شخصاً يقف أمام حقيبة سفر ضخمة جداً. هذا العمل أسرني عندما رأيته في معرض فريز للفنون لأول مرة؛ الفنان يتحدث ليس فقط عن تجربته بصفته فلسطينياً يعيش في غزة، بل أيضاً يتحدث عن كل شخص يضطر لمغادرة وطنه ولا يستطيع العودة».

انعكاسات... المعرض والكتاب والموقع الإلكتروني

ننتقل للحديث عن المعرض الذي أعدت له بورتر، ومن المقرر أن يطلق هذا الشهر، ويضم 100 عمل من مقتنيات المتحف من الفن المعاصر من الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، فتقول إن المعرض ضخم، وهو يمتد من قاعة العرض رقم 19 بالمتحف حتى قاعة البخاري للفن الإسلامي المجاورة. وقد حرصت بورتر منذ افتتاح قاعة الفن الإسلامي الحديثة على وجود جانب منها مخصص للفن المعاصر، وهو أمر تتحدث عنه باعتزاز دائماً. ولكن بما أن المعرض سينطلق في وقت ما تزال فيه المتاحف مغلقة، فستكون البداية افتراضية، عبر جولة تقدمها بورتر للزوار على الموقع الإلكتروني. وبواقعية، ترى أن الموقع الإلكتروني سيكون عاملاً مهماً في رؤية أعمال المعرض وأعمال المتحف حتى تعود الحياة لطبيعتها.
وبشكل خاص، ترى أن العرض الافتراضي مفيد بشكل كبير في حالة هذه الأعمال المنفذة على الورق، وتقول: «يجب أن نضع في الحسبان أنها أعمال ورقية، ولن نستطيع عرضها لفترات طويلة، وبالتالي فالموقع الإلكتروني يوفر لنا هذه الفرصة». أسألها عن الكلمة التقديمية التي ستلقيها في افتتاح المعرض: هل يساورك الإحساس بأن هناك جمهوراً أوسع استطاع الوصول لمثل هذه الفعاليات الآن عبر الأونلاين، خاصة أنه في السابق كان الافتتاح الصحافي محدد؟ توافقني على ذلك، وتقول: «بالفعل، اعتاد الناس الآن على حضور الفعاليات والمعارض في العالم الافتراضي، وأصبحوا يطلبون المزيد. في السابق، عندما كنت أقدم أياً من المعارض في قاعات المتحف، كنا نعد أنفسنا محظوظين إذا كان في العرض أكثر من 100 شخص. الأسبوع الماضي، قدم لقاء حول المعرض عبر (زووم) حضره 300 شخص، ثم بعد أن وضع على أرشيف موقع المتحف رآه 300 شخص آخر؛ أعتقد أن ذلك أمر عظيم جداً».
وتؤكد على أهمية الاستمرار في عقد اللقاءات والفعاليات عبر الأونلاين: «أعتقد أنه واجب علينا أن نعلم الآخرين بهذه الأعمال، كما نهتم بها، وكلما وضعنا أعمالاً أكثر لهؤلاء الفنانين سيتعرف عليهم أكبر عدد ممكن من الناس».

انعكاسات وتأملات بين الماضي والحاضر... وبالعكس

وعودة لأعمال المعرض، أسألها: أعرف أهمية كل قطعة في هذه المجموعة بالنسبة لك، كيف اخترت من بينها ما يعرض للجمهور؟ تقول: «كان الأمر صعباً جداً لأنه كان يجب علي الالتزام بأعداد أقل من التي أردتها بسبب المكان وإجراءات (كوفيد)؛ كان لزاماً علي أن أقلل عدد القطع بحيث تكون الأعمال المعروضة وحدة متناغمة. وفي النهاية، مثل أي معرض آخر، كان لا بد أن يكون هناك هيكل بسيط واضح حتى يستطيع الجمهور الوصول له بسهولة، ولهذا قررنا أننا نحتاج فقط لثلاثة أقسام، عكس الكتاب الذي يضم 7 فصول. والأقسام الثلاثة هي: التجريد، ثم الهيكل البشري، ثم القسم الأخير المعنون بـ(تاريخ متشابك)».
وبداية العرض مع عمل بعنوان «الحادثة» لنيكي نجومي، يتحدى المفاهيم المسبقة حول فن هذه المنطقة من العالم، ويسلط الضوء على تعقيدات الوجود بصفتك فناناً في الشتات. ومن هناك، تأخذنا هذه الغرفة للطرق المختلفة التي قدم بها فنانو المنطقة الشكل الإنساني، وتطور أساليبهم الفنية وتأثرها بالدراسة في معاهد ومدارس فن عالمية. والغرفة الثانية تفرد مساحاتها لجانب أثير في الفن الإسلامي يمتد تأثيره للفن المعاصر، وهو التجريد. نرى هنا فنون الخط والزخرفة والإضاءات وغيرها تصبح أدوات للفنان المعاصر للتعبير عن قضاياه وأفكاره.
وهنا عمل للفنانة سوزان هفونا يبدو فيه تأثر الفنانة بالمشربيات الموجودة في كثير من المدن العربية، وقد اختارت الفنانة التعاون مع حرفي صناعة المشربيات في القاهرة لتنتج أعمالاً تعكس رسائل معاصرة تدمج بين التراثي والحديث. وللفنان الجزائري الأصل رشيد قريشي نرى عمل «أمة في المنفى» الذي فيه تختلط الحروف والخطوط والرموز مع أسطر من شعر محمود درويش.
والغرفة الثالثة للمعرض تحمل عنوان «تاريخ متشابك»، وتتناول مواضيع النضال السياسي والثورة والحرب التي مرت على المنطقة من خلال عيون فنانينها، في حين أن هناك أعمالاً تتعلق بحدث معين، مثل حرق مكتبة بغداد الوطنية في عام 2003، أو مظاهرة في إيران من قبل النساء ضد ارتداء الحجاب القسري في عام 1979، الصراعات والتركيز على تعقيدات الصراع الإسرائيلي - الفلسطيني، أو الحرب الأهلية اللبنانية، أو الحرب الدائرة في سوريا. وتسلط أعمال أخرى الضوء على إحدى القضايا المحددة في عصرنا، وهي قضية المنفى والهجرة، ولعل أفضل ما يمثل هذا الموضوع هو عمل للفنان عصام كرباج بعنوان «مياه داكنة وعالم يحترق»؛ يصور قوارب المهاجرين أو قوارب الموت، وبدل الأشخاص هنا أعواد ثقاب خامدة مصفوفة في قوارب صغيرة مصنوعة من قطع المطاط؛ العمل موحٍ بكل المقاييس، ويحمل في كل تفاصيله مشهداً من التاريخ المعاصر، وهو ما دفع المتحف لإضافة القوارب لقائمته الشهيرة «تاريخ العالم في 100 قطعة»، لتصبح قوارب المهاجرين القطعة رقم 101 في القائمة. وهو ما يعلق عليه معد القائمة المدير السابق للمتحف نيل مكريغور بقوله: «قوارب كرباج المحملة بأعواد الثقاب المستخدم ترمز لكل المهاجرين في كل مكان: يدفعهم الخوف ويحدوهم الأمل».



«ما بين بين» لجنى بو مطر... خسارات عالقة بين المبهم والمحسوس

تُعرض المسرحية ابتداء من 18 الحالي (مسرح زقاق)
تُعرض المسرحية ابتداء من 18 الحالي (مسرح زقاق)
TT

«ما بين بين» لجنى بو مطر... خسارات عالقة بين المبهم والمحسوس

تُعرض المسرحية ابتداء من 18 الحالي (مسرح زقاق)
تُعرض المسرحية ابتداء من 18 الحالي (مسرح زقاق)

تضع المخرجة جنى بو مطر خسارات اللبنانيين تحت المجهر من خلال مسرحية «ما بين بين». وتستعين بالخشبة لتقديمها في قالب مسرحي يستند إلى نصّ يترك كثيراً من علامات الاستفهام.

تستوحي بو مطر حكاية عملها من «أنتيغون» لسوفوكليس، تلك التي تمرَّدت على قرار الحاكم حين حُرمت من دفن شقيقها المقتول. وإنما بطلة «ما بين بين» لا تملك حتى الجثة لتواريها في الثرى. فخساراتها غير ملموسة، عصيّة على القياس والتقدير. وبين زمن الحداد وموعد الجنازة، تقف عاجزة عن لملمة هذه الخسارات أو دفنها، كأنها تبحث عن شكل لجنازة لا تعرف لها جسداً.

يلعب بطولة مسرحية «ما بين بين» طارق يعقوب وريم مروّة (مسرح زقاق)

يلعب بطولة المسرحية طارق يعقوب وريم مروّة، وهي من تأليف جنى بو مطر وإخراجها. وتوضح لـ«الشرق الأوسط»: «تحمل تساؤلات كثيرة. وتتمحور فكرتها الأساسية حول نصّ يتناول الحداد الطويل الذي نختبره إثر تعرّضنا للخسارة. حدادٌ يبقى معلّقاً بين الفكر والجسد، فلا نعرف كيف نعبّر عن حزننا، ولا كيف نصغي إلى أجسادنا المُتعبة ونحاكي آلامها». وتتابع: «طبيعة خساراتنا بلا مادة محسوسة. فكما هي الحال مع الأزمة الاقتصادية وانفجار المرفأ والحرب في الجنوب، لم نستطع حتى اليوم تفسير ما أصابنا. ومن هنا يبرز السؤال الكبير: كيف يمكننا التخلُّص من أثر هذه الخسارات علينا، والتخفيف من ثقلها الذي لا يُرى ولكنه ينهكنا؟».

وبعبارة مُختصرة، تشير جنى بو مطر إلى فحوى مسرحيتها: «الحب لا يقوم على أن ننظر إلى بعضنا ونهتمّ ببعضنا فحسب، بل أن ننظر معاً في الاتجاه نفسه»، مضيفةً: «هذا الشعور بالخسارة يولّد فجوة كبيرة في أعماقنا. ونحاول في المسرحية اكتشافها ووضع إصبعنا عليها».

تضع «ما بين بين» خسارات اللبنانيين تحت المجهر (مسرح زقاق)

تحكي المسرحية قصة ممثلَيْن، رجل وامرأة، كانا يستعدّان لافتتاح عرضهما المسرحي «أنتيغون». لكنّ حريقاً مفاجئاً يندلع ويقضي على خشبة آخر المسارح المتبقّية في المدينة. يجدان نفسيهما أمام عرض لم يولد. يقفان إزاءه يداً بيد مثل متفرّجَيْن على خسارتهما. ويشاركهما الجمهور هذا المشهد الحزين، قبل الحريق وبعده.

وبين النصّ والإحساس والذنب واللوم، وبين الحياة والموت، تتفكّك أحداث العمل. يقف بطلا المسرحية في مدينة ما بعد الحرب، وفي حاضر يعجزان عن عيشه أو حتى الحداد عليه. وتعلّق جنى بو مطر: «نعيش قدراً هائلاً من اللامساواة واللاعدالة، فنشعر بالظلم والتشرذم. نقف حائرين أمام فظاعة هذه المشهدية. وينعكس ذلك في علاقة الحبيبَيْن في المسرحية، التي تبدو شبه مستحيلة. فجوهر الحبّ يقوم على التطلّع نحو الغد، فيما هما ينظران إلى مستقبل يتداعى أمامهما. فماذا يعني أن يحترق المسرح في اللحظة نفسها التي كان يفترض فيها أن يولد العرض؟».

وتستحضر أيضاً أزمة المسارح في لبنان: «المسارح قليلة، وغير متاحة بالعدد الذي يسمح باستمرارية هذا الإنتاج. وهو ما يدفعنا، رغماً عنّا، إلى تغيير مساراتنا. فنجد أنفسنا معلّقين بين أحلامنا وواقعنا. نستعدّ ونتحضّر، لكن عند لحظة التنفيذ تختلط الأمور وتتلاشى في الهواء».

وعن سبب اختيارها طارق يعقوب وريم مروّة لبطولة العمل، توضح: «الاثنان ممثلان محترفان، يتفاعلان بسرعة مع حيثيات النص ومفهومه. وهو ما يقدّره كلّ مخرج وكاتب في علاقته مع الممثل. يتعاملان مع المشروع بجدّية كاملة، ويتبنّيانه كأنه عملهما الخاص. ويعملان على ابتكار لغة إبداعية خاصة، عبر أدائهما المتقن والممتع».

وتشير جنى بو مطر إلى أنّ العرض يتطلّب مجهوداً أدائياً من ناحية التمثيل والصوت، وبطلا العمل يمتلكان هذه القدرات، مما أسهم في تغليف المسرحية بالعناصر الفنية الحقيقية.

تُعرض المسرحية ابتداء من 18 الحالي (مسرح زقاق)

يبدأ عرض المسرحية في 18 ديسمبر (كانون الأول) الحالي على خشبة مسرح «زقاق» في بيروت، ويستمرّ حتى 21 منه. تستغرق نحو 55 دقيقة، تتخلّلها سينوغرافيا من توقيع زهير بو مطر تنسجم تماماً مع موضوع العمل. وتقول المخرجة: «نقدّمها بأسلوب جديد، بحيث تلعب السينوغرافيا دوراً أساسياً فيها. ونرى كيف يتغيّر الزمن مباشرة على الخشبة، من دون الإشارة الواضحة إلى ما قبل حريق المسرح وما بعده. فهذه التحوّلات الزمنية غالباً ما تُنفّذ في الأفلام عبر تقنية (الفلاش باك). أمّا على المسرح، فلها أسلوب إخراجي جديد ومختلف».

وتعدّ جنى بو مطر استحداث هذا الابتكار على الخشبة تحدّياً جديداً تخوضه للمرة الأولى. وتُعلّق: «كان بإمكاننا تقديم العمل في إطار كلاسيكي واضح، نشير فيه إلى أحداثه كما هي. لكنني وجدت في اعتماد هذه الطريقة أسلوباً يخلق التفاعل مع الجمهور، إذ يجري التغيير في المكان والزمان معاً».


كيف أطاح «الطلاق الرمادي» بنظريّة «حتى يفرّقنا الموت»

TT

كيف أطاح «الطلاق الرمادي» بنظريّة «حتى يفرّقنا الموت»

يطال الطلاق الرمادي الأزواج الذين تخطّوا سن الـ50 (بكسلز)
يطال الطلاق الرمادي الأزواج الذين تخطّوا سن الـ50 (بكسلز)

«الطلاق الرمادي» أو «الانفصال الفضّي». تعدّدت التسميات والواقع واحد. مزيدٌ من الأزواج الذين غزا الشَيبُ رؤوسَهم، يتّجهون إلى الطلاق بعد سنواتٍ وعقودٍ من الزواج، في ظاهرةٍ يردّها الخبراء إلى عوامل اجتماعية، واقتصادية ونفسية.

في الـ56 من عمره، انفصل أنتوني ألبانيز عن زوجته بعد ارتباط استمر 20 عاماً. وقبل أيام، عاد ليخوض تجربة الزواج مرة ثانية في الـ62 وبشَعرٍ أبيض. أثار هذا الخبر فضول الملايين حول العالم، لا سيما أن ألبانيز هو رئيس حكومة أستراليا وزوجته الجديدة هي الناشطة السياسية جودي هايدون (47 سنة). وقد حضر الزفاف ابنه البالغ 19 عاماً.

رئيس وزراء أستراليا تزوج للمرة الثانية في سن الـ62 (إ.ب.أ)

طلاق في الـ65

وفق دراسة نشرتها «مجلّة علم الشيخوخة» الأميركية، فإنّ نسبة الطلاق الرمادي قد تضاعفت خلال العقود الـ3 الماضية حول العالم، مع ازديادٍ واضح بين الأزواج الذين تجاوزوا الـ65 من العمر. وفيما كانت تلك الظاهرة غير شائعة خلال سبعينيات القرن الماضي، هي شهدت تصاعداً بنسبة 8.7 في المائة خلال التسعينيات لتبلغ نسبة الانفصال الفضّي 36 في المائة مع حلول عام 2019.

في المقابل، ازداد الزواج المتأخر رواجاً، فما عاد خارجاً عن المألوف أن يخوض الناس التجربة في سن الـ50، والـ60، وحتى الـ70.

يشهد الزواج المتأخر رواجاً لدى من تخطّوا الـ50 والـ60 من العمر (بكسلز)

ما هو الطلاق الرمادي؟

يحصل الطلاق الرمادي عندما يقرر كل شخص متزوّج تخطّى الـ50 من العمر أن ينفصل عن شريكه بعد زيجاتٍ استمرت سنواتٍ وعقوداً. وترمز التسمية إلى المَشيب، أو الشَعر الرمادي والأبيض الذي يبدأ بالظهور في هذه السنّ.

يشير «مركز بيو للدراسات» إلى أنّ أكثر من ثلث حالات الطلاق حالياً هي من الفئة العمرية التي تجاوزت الـ50، ويضيف البحث أنّ النساء اللواتي يبادرن إلى خطوة كهذه في ازديادٍ ملحوظ. ووفق الإحصائيات، فإنّ 34 في المائة ممّن يختارون الطلاق الرمادي كانوا في زيجات استمرت أكثر من 30 سنة.

في الـ58 من العمر أعلنت الممثلة نيكول كيدمان انفصالها عن زوجها المغنّي كيث أوربان بعد 19 سنة من الزواج (رويترز)

أسباب تزايد الطلاق الرمادي

* ارتفاع متوسط السنّ

مع ارتفاع متوسط العمر لدى البشر عبر السنوات من 70 إلى 80 عاماً، ما عاد الأفراد يتشبّثون بفكرة البقاء في زواجٍ معقّد وتعيس، خصوصاً إذا كانت إمكانية الانفصال متاحة لهم. مَن أمضوا 20 أو 30 عاماً أو أكثر في علاقةٍ غير مُرضية، يتطلّعون إلى قضاء ما تبقَى لهم من عُمر في إطارٍ مريح. والإناث معنيّات بذلك على وجه الخصوص، فبعد سنوات من رعاية الأسرة يشعرن بالرغبة في التركيز على اهتماماتهنّ ومبادئهنّ وهويّتهنّ.

ومع إعادة تقييم الأهداف والأولويات الشخصية، يتخذ البعض، إناثاً وذكوراً، قرار الاستقلال عن الشريك أو العثور على شريكٍ آخر يتلاقى وتلك الأهداف والأولويات.

ارتفاع متوسط العمر أحد عوامل تزايد الطلاق الرمادي (بكسلز)

* سقوط وصمة العار عن الطلاق

تحوّلَ الطلاق مع مرور العقود إلى واقعٍ عابر للمجتمعات كافةً. سقطت وصمة العار التي كانت مرتبطة به في الماضي. صار اتخاذ هذه الخطوة أسهل، حتى على المتقدّمين في السن. ومع سقوط وصمة العار عن الطلاق وخروجه من دائرة المحرّمات، سقطت مقولة «حتى يفرّقنا الموت» الشهيرة أو «Til death do us part».

* الحرية الماليّة

في خمسينهنّ، تجد الإناث المعاصرات أنفسهنّ محصّناتٍ بإنجازاتهنّ المهنية وبمدخراتهنّ المادية. هذه الاستقلالية المالية التي حققتها المرأة خلال العقود الثلاث الأخيرة، جعلتها أقلّ اتّكالاً على الشريك. وقد سهّل ذلك عليها اتخاذ قرار الانفصال في مراحل متقدّمة من حياتها.

ومع اقتراب سنّ التقاعد وتضاؤل المداخيل، قد تتزايد الخلافات ذات الطابع المادي بين الشريكين، فيصبح الحفاظ على السلام في البيت الواحد صعباً.

ساهم تحرّر المرأة المادي في تزايد حالات الطلاق المتأخر (بكسلز)

* التحوّلات المجتمعية

تَربَّت الأجيال السابقة على مبدأ موحّد، وهو أن الزواج وإنجاب الأولاد والتقدّم في السن جنباً إلى جنب هو المسار الذي لا يمكن الحياد عنه. أما اليوم، فقد أيقنَ معظم الناس أن ليس ثمة خلطة موحّدة لحياة سعيدة. تلك التحوّلات المجتمعية التي وضعت حرية الفَرد واستقراره النفسي والعاطفي في الصدارة، جعلت من الأسهل الخروج من علاقة لا تتلاقى واحتياجات المرء وتطلّعاته، حتى وإن كان ذلك يعني مغادرة المنزل الزوجيّ بعد عقودٍ من المكوث فيه.

* متلازمة العشّ الفارغ

عندما يكبر الأولاد ويغادرون بيت العائلة ليستقروا في أماكن أخرى، يحصل ما يُسمّى بمتلازمة «العشّ الفارغ». ولهذا التحوّل أثرٌ لا يستهان به على العلاقة الزوجية. إذ يكتشف عدد كبير من الأزواج أن ليس ثمة ما يجمعهم خارج إطار اهتماماتهم المتعلقة بالأولاد، وأدوارهم كآباء وأمهات. يجدون فجأةً أنهم يفتقدون إلى القرب والتواصل.

الأمهات هنّ الأكثر تأثّراً بتلك المتلازمة، فمن المعروف أنّ زوجات كثيرات لا يُقدِمن على الانفصال، حتى وإن كنّ تعيسات في الزواج، وذلك انطلاقاً من الشعور بالذنب تجاه الأولاد. ومنهنّ من يكنّ منشغلات جداً باهتمامات الأسرة والتربية والعمل، فلا يبقى لديهنّ الوقت ولا الطاقة للتفكير باحتياجاتهنّ. أما عندما يغادر الأولاد العشّ، فيبدأن بالتفكير بمستقبلهنّ حتى وإن جاء ذلك متأخراً.

الأمهات هنّ الأكثر تأثراً بمتلازمة العشّ الفارغ وهي إحدى أسباب الطلاق الرمادي (بكسلز)

* التَباعُد

غالباً ما يختصر المشاهير السبب في طلاقهم بعبارة «Growing Apart» أي التَباعُد الذي يحصل بين الشريكَين مع عبور الزمن. وليس المقصود هنا التباعد الجسدي، بل الفجوات الفكرية والعاطفية التي قد تتّسع بين الزوجَين مع تقدّمهما في السن والخبرة. ويشكّل هذا التباعد أحد الأسباب الرئيسية للطلاق الرمادي، خصوصاً عندما يحلّ موعد التقاعد ويصبح البقاء لوقتٍ طويل تحت سقفٍ واحد أمراً لا مفرّ منه؛ وهذا يظهّر الاختلافات ويوسّع المسافات بين الشريكَين.

* الخيانة

صحيح أن الخيانة الزوجية غير مرتبطة بسنّ معيّنة، غير أنها في تزايدٍ مؤخراً في صفوف مَن تخطّوا الـ50 من العمر. وهذا سبب إضافيّ لحصول الطلاق الرمادي.

«ترند» الزواج الرمادي

على ضفاف الطلاق الرمادي، تنبت ظاهرة مناقضة هي «الزواج الرمادي». فكثيرون ممّن اختاروا انفصالاً متأخراً، عادوا وقرروا أن يتزوجوا من جديد، إنما في سن الـ50، والـ60، وحتى الـ70. وغالباً ما تنجح تلك الزيجات لأن الشريكَين يكونان قد وصلا إلى مرحلة متقدمة من النضج والإدراك، كما أن هذه الزيجات لا تحصل بسبب ضغوطات المجتمع والعائلة.

الزواج الرمادي ظاهرة تنبت على ضفاف الطلاق الرمادي (بكسلز)

كما الطلاق الرمادي، فإنّ الزواج الرمادي في ازدياد مطّرد. أما أبرز الأسباب التي تدفع بالناس إلى الارتباط في سن متأخرة، فهي: الاستقلال المادّي لدى النساء، والتركيز على الحياة المهنية، وإعطاء الأولوية للنموّ الذاتي، والسعي وراء الزواج بدافع الحب.


متحف البحر الأحمر في جدة... جسر من الماضي إلى المستقبل

هلب من سفينة غارقة في البحر الأحمر في مقدمة العرض (تصوير: غازي مهدي)
هلب من سفينة غارقة في البحر الأحمر في مقدمة العرض (تصوير: غازي مهدي)
TT

متحف البحر الأحمر في جدة... جسر من الماضي إلى المستقبل

هلب من سفينة غارقة في البحر الأحمر في مقدمة العرض (تصوير: غازي مهدي)
هلب من سفينة غارقة في البحر الأحمر في مقدمة العرض (تصوير: غازي مهدي)

يضم المتحف أكثر من ألف قطعة موزعة على 23 قاعة تشمل صوراً أرشيفية، وخرائط، وقطعاً أثرية، وأعمالاً فنية معاصرة مستوحاة من الشعب المرجانية والبحر.

وقفت «الشرق الأوسط»، خلال جولة لها في المتحف، على المعروضات التي تتنوع بين مقتنيات تاريخية مثل مؤشرات القبلة، وصور الحرمين الشريفين، وقطع من حطام سفينة قديمة، إضافة إلى موسيقى وأغاني الصيادين التي تغمر الزائر في تجربة حسية متكاملة.

ويقول المستشار المعماري الفرنسي فرنسوا شاتيلون إن المبنى ليس أثراً قديماً بل هو «متحف جديد يتحدث عن طرق للتفكير بالمستقبل». ويضيف: «البعض يعتقد أن التراث هو الماضي، ولكنه في الحقيقة هو المستقبل... كل هذه القطع الحديثة وصلت إلى هنا عبر الحوار مع الماضي، فهي ترمز لاستمرارية الثقافة».