بايدن يطلق «التوجيه الاستراتيجي الموقت»

أطلق الرئيس جو بايدن «التوجيه الاستراتيجي الموقت» الذي يتضمن رؤية إدارته لعلاقات الولايات المتحدة مع بقية دول العالم، التي عرض وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن لثماني أولويات فيها، تركز على ترابط الشؤون الداخلية الأميركية بشكل وثيق مع السياسات الخارجية، مركزاً بصورة خاصة على ضرورة التعامل مع خصوم رئيسيين، لكنه اعتبر أن الصين تشكل التحدي الأكبر للنظام الدولي.
وفي خطاب موجّه إلى الأميركيين حول الجدوى من «التوجيه الاستراتيجي»، جادل بلينكن في أنه لا يمكن الفصل بين السياستين الداخلية والخارجية، موضحاً أن هذه الرؤية تشمل إيجاد طرق لمواجهة التحديات في العلاقات الدولية، وفي قضايا رئيسية، كمحاربة الهجمات التكنولوجية وتغير المناخ والفساد.
وأقر بأن عالم اليوم مختلف عما كان عام 2017، عندما تولى الرئيس السابق دونالد ترمب منصبه، أو حتى عام 2009 حين عمل العديد من مسؤولي إدارة بايدن الحاليين مع الرئيس السابق باراك أوباما آنذاك، حين «قمنا بقدر كبير من العمل الجيد (…) لتحقيق اختراقات دبلوماسية بشق الأنفس، مثل الصفقة التي منعت إيران من إنتاج سلاح نووي». وقال: «نحن لا نتحرك ببساطة من حيث تركت الأمور لنا. بل نتطلع إلى العالم بعيون جديدة، من أجل النظر في السبل التي تتشابك فيها السياسة الخارجية والسياسة المحلية وقضايا التجارة»، مؤكداً أن إدارة بايدن ستزن كيف تؤثر تحركاتها في الخارج على العمال الأميركيين. وحدد ثماني أولويات للسياسة الخارجية الأميركية، واضعاً أولاً «وقف (كوفيد - 19)، وتعزيز الأمن الصحي العالمي». وأشار إلى أن الأولوية الثانية تتمثل في إدارة الأزمة الاقتصادية، وصولاً إلى «بناء اقتصاد عالمي أكثر استقراراً وشمولاً»، بعدما تسبب الوباء في حال «ركود في كل بلد على وجه الأرض تقريباً». وأضاف: «جادل البعض منا سابقاً من أجل اتفاقات التجارة الحرة، لأننا اعتقدنا أن الأميركيين سيشاركون على نطاق واسع في المكاسب الاقتصادية، وأن هذه الصفقات ستشكل الاقتصاد العالمي بالطرق التي نريدها». واستدرك: «لكننا لم نفعل ما يكفي لفرض الاتفاقات التي كانت موجودة بالفعل في الدفاتر، أو مساعدة المزيد من العمال والشركات الصغيرة على الاستفادة منها بشكل كامل. ولم نتعامل مع حقيقة أن البرامج الحكومية التي تهدف إلى تخفيف الآلام المتعلقة بالتجارة لم تكن كافية».
وشدد على أن «العالم لا ينظم نفسه بنفسه»، ملاحظاً أنه «عندما تنسحب الولايات المتحدة، من المحتمل أن يحدث أحد أمرين؛ إما أن تحاول دولة أخرى أن تحل محلنا، ولكن ليس بطريقة تتقدم بها مصالحنا (...)، أو ربما بنفس السوء، لا أحد يتقدم. وبعد ذلك نشهد الفوضى، وكل ما ينتج عن ذلك من خطورة». وكرر تعهدات بايدن خلال حملته الرئاسية لعام 2020، وبعد فوزه في انتخابات 4 نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، بما في ذلك الوعد بجعل تغير المناخ قضية رئيسية، والتركيز على الدبلوماسية، مع المحافظة على التفوق العسكري، بالإضافة إلى إظهار الدور القيادي الأميركي عالمياً في سياق التعاون مع الحلفاء، والاستثمار في التكنولوجيا، وتحسين نظام الهجرة في الولايات المتحدة، ومحاربة الفساد، والدفاع عن حقوق الإنسان. وقال: «تعتمد قدرتنا على أن نكون دبلوماسيين فعالين إلى حد كبير على قوة جيشنا».
وأكد أن الأولوية الثالثة هي تجديد الديمقراطية «لأنها مهددة، بما في ذلك في الولايات المتحدة»، معتبراً أن «لديمقراطيتنا يمكن أن تستمر في العمل تحت الضغط (...). وهذا أمر حتمي في السياسة الخارجية». ونبه إلى أنه «بخلاف ذلك، سنلعب مباشرة في أيدي الخصوم والمنافسين، مثل روسيا والصين الذين يرون كل فرصة لزرع الشكوك حول قوة ديمقراطيتنا». وقال: «السؤال ليس ما إذا كنا سنؤيد الديمقراطية في كل أنحاء العالم. لكن كيف سنستخدم قوة مثالنا لتشجيع الآخرين على إجراء إصلاحات رئيسية لإلغاء القوانين السيئة ومحاربة الفساد ووقف الممارسات غير العادلة»، مضيفاً أنه «كلما استطعنا نحن وكل الديمقراطيات أن نظهر للعالم أننا قادرون على تقديم - ليس فقط لشعبنا، ولكن أيضاً لبعضنا البعض - بقدر ما يمكننا لدحض الكذبة التي تحب الدول الاستبدادية قولها»، ومفادها أن «أكاذيبهم هي أفضل طريقة لتلبية حاجات الناس وآمالهم الأساسية». ولكنه أكد أن إدارة بايدن «لن تشجع الديمقراطية من خلال التدخلات العسكرية المكلفة أو بمحاولة إطاحة الأنظمة الاستبدادية بالقوة»، معترفاً بأن «هذه التكتيكات جُربت في الماضي. مهما كانت النيات الحسنة، لم تنجح»، علماً بأن الذين كانوا وراء هذا النهج أطلقوا على «الترويج للديمقراطية» اسماً سيئاً، فضلاً عن أنهم «فقدوا ثقة الشعب الأميركي». وإذ وعد رابعاً بـ«إنشاء نظام هجرة إنساني وفعال»، ركز في الأولوية الخامسة على «تنشيط علاقاتنا مع حلفائنا وشركائنا»، معتبراً أن لها «أصولاً فريدة» في أوروبا وآسيا، بالإضافة إلى «كل الشركاء الجدد في أفريقيا والشرق الأوسط وأميركا اللاتينية».
أما الأولوية السادسة، فكُرست لمكافحة تغير المناخ، وما سماه «ثورة الطاقة الخضراء»، معترفاً بأن «الولايات المتحدة تنتج 15 في المائة من التلوث الكربوني في العالم». ودعا إلى «العمل معاً كمجتمع دولي لحل هذه الأزمة». وشدد على أن الأولوية السابعة هي «تأمين ريادتنا في مجال التكنولوجيا» في ظل «تسابق القوى الرائدة في العالم لتطوير ونشر تقنيات جديدة، مثل الذكاء الاصطناعي»، داعياً إلى «تعزيز دفاعاتنا التقنية» بعدما كشف اختراق عملاء روس لشبكات شركة «سولار ويندز»، بما فيها وكالات فيدرالية أميركية.
أما الأولوية الثامنة، فهي «أننا سندير أكبر اختبار جيوسياسي في القرن الحادي والعشرين، متمثلاً في علاقتنا مع الصين». وقال: «تواجهنا العديد من تحديات خطيرة من دول، بما في ذلك روسيا وكوريا الشمالية»، مضيفاً أن «التحدي الذي تمثله الصين مختلف، لأنها الدولة الوحيدة التي تمتلك القوة الاقتصادية والدبلوماسية والعسكرية والتكنولوجية لتحدي النظام الدولي المستقر والمفتوح بشكل جدي - كل القواعد والقيم والعلاقات التي تجعل العالم يعمل بالطريقة التي نريدها».
ولفت إلى أن «علاقتنا مع الصين تنافسية»، معتبراً أن «هناك حاجة إلى إشراك الصين من موقع القوة»، بالإضافة إلى «الدفاع عن قيمنا، عندما يتم انتهاك حقوق الإنسان في شينجيانغ، أو عندما تُداس الديمقراطية في هونغ كونغ، لأننا إذا لم نفعل ذلك، تتصرف الصين بإفلات أكبر من العقاب».